fbpx

استهداف جسر الشغور… هل تجوّع روسيا الشمال السوري؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أسفر قصف الطائرات الحربية الروسية لسوق الخضار في جسر الشغور شمال سوريا، عن مقتل 9 مدنيين وإصابة 30 آخرين بحسب حصيلة غير نهائية لـ”الدفاع المدني السوري” العامل في شمال غربي سوريا. فهل تسعى روسيا لتجويع الشمال السوري المنكوب ؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تنتظر الطفلة أحلام القدور العيد على أحرّ من الجمر، إذ وعدها والدها بشراء ثوب جديد من سوق مدينة جسر الشغور (غرب محافظة إدلب)، حين يزوره لبيع محصوله من البندورة في سوق الخضار.

أحلام التي ترافق والدها إلى عمله، تراقب الثوب المعروض على واجهة أحد المحلات، بانتظار اللحظة التي سترتديه فيها، إلا أن القصف الروسيّ قتل لهفة أحلام ووالدها ومزارعين آخرين، إذ استهدفت سوق الخضار الطائرات الحربية الروسية في 25 حزيران/ يونيو.

أحلام وردية اختلطت بالدم

يخبرنا نعمان القدور، شقيق أحلام، كيف استيقظت صباح يوم الأحد على صوت سيارة والدها، تريد الذهاب معه لشراء الثوب بعد بيع محصول البندورة، يضيف نعمان لـ”درج”: رفض والدي  في ذلك اليوم اصطحاب أحلام أو أي فرد من العائلة معه، لتبقى أحلام جالسة على مصطبة المنزل تنتظر عودته بصحبة الثوب، وبتمام الساعة التاسعة والنصف من صباح ذلك اليوم هز المنطقة صوت قصف بصواريخ شديدة الانفجار تلاه بدقائق معدودة  ضجة كبيرة وصوت بكاء ونحيب في قريتنا التي يعمل معظم سكانها في زراعة الخضار”.

يقول نعمان إنه لم يعرف كيف وصل إلى السوق ليفاجأ بمشهد من الصعب أن يمحى من ذاكرته، يصف ما رآه قائلاً :”كان الدم يملأ المكان اختلط لونه بلون ثمار البندورة الحمراء التي لطالما بذلنا من أجل الوصول لحصادها الغالي والنفيس، ولم نكن نعلم أن الطائرات الروسية ستناصبنا العداء لعملنا في الزراعة وتقتل والدي وتمزق جسده لأشلاء، عُدت وجثمان والدي في ذلك اليوم إلى المنزل، حيث كانت أحلام منتظرة الفرحة بالثوب وبعودة أبي، وها هو أبي عاد جثة هامدة ولم يفِ بوعده لطفلته التي حرمتها طائرات روسيا من الفرحة بالعيد والهدية المنتظرة منذ شهور”.

أسفر قصف الطائرات الحربية الروسية عن مقتل 9 مدنيين وإصابة 30 آخرين بحسب حصيلة غير نهائية لـ”الدفاع المدني السوري” العامل في شمال غربي سوريا. 

يقول عضو إدارة الدفاع المدني أحمد يازجي: عملت الطائرات الحربية الروسية  على استهداف نقاط عدة يومها في محافظة ادلب ومحافظة حماة، كان منها سوق خضار مدينة جسر الشغور الواضح للعيان، لتموضعه في منطقة برية مكشوفة بدون أي جدار أو سقف، وعلى مساحة تقدر بخمسة دونمات، كان المزارعون والتجار يعملون بالبيع والشراء كعادتهم، قبل أن تنقض عليهم طائرة حربية روسية وتقصفهم بأربعة صواريخ توزعت على غارتين”.

يضيف يازجي واصفاً غارة مماثلة لطائرة حربية روسية استهدفت مزرعة بمحيط مدينة إدلب، أدت لمقتل مدنيين اثنين من عائلة واحدة واصابة آخرين، ولم تقف الطائرات الحربية الروسية يومها عند ذلك، بل وسعت دائرة القصف إلى منطقة أريحا وقرية الكبينة شمال محافظة اللاذقية، حيث سقط 11 مدنياً وأكثر من 35 آخرين بيوم واحد، إضافة إلى انتشار الذعر والخوف بين السكان المحليين والذين فر منهم البعض باتجاه المخيمات خوفاً من التصعيد الروسي.

 تدمير سلة الغذاء

تواصل قوات النظام وروسيا استهداف المشاريع المختلفة في شمال غربي سوريا على الرغم من صغرها وتواضعها. وعلى رغم من اتفاق آذار/ مارس 2020 بين الرئيسين التركي والروسي، الرامي إلى خفض التوتر في شمال غرب سوريا، وضمان الدولتين لأطراف الصراع، إلا أن الطائرات الحربية الروسية كانت على مدى السنوات الثلاثة الماضية تستهدف مشاريع البنى التحتية والغذاء للسوريين في شمال غربي البلاد، بحسب الناشط الحقوقي علي عثمان، إذ استهدفت الطائرات الحربية الروسية أكثر من مرة معمل الغاز في بلدة سرمدا، كان أبرزها في آذار/ مارس 2021، ما أفضى إلى انقطاع الغاز أكثر من شهر عن هذه المناطق.

يُعد سوق الخضار الذي تم استهدافه نقطة وصل مهمة بين مناطق الإنتاج الزراعي في سهل الغاب وسهل الروج من جهة، ومدن وبلدات الشمال التي تعتمد إلى حد كبير على مزروعات تلك المناطق وشرائها من خلال سوق خضار مدينة جسر الشغور من جهة أخرى،  فيما تعمل قوات النظام على الأرض باستهداف سلة الغذاء من خلال استهداف المزارعين بصواريخ الكورنيت والمدفعية وراجمات الصواريخ، حتى وصل الأمر بقوات النظام أن تجرب صواريخ الكورنيت المطورة روسياً على أجساد المزارعين في منطقة سهل الغاب في كانون الأول/ ديسمبر 2020، ما أدى إلى مقتل 8 مزارعين وإصابة آخرين وتدمير 11 سيارة زراعية وجرار.

هذا الاستهداف المتكرر دفع الكثير من المزارعين حينها إلى العودة للخيام وترك أراضيهم قاحلةـ، خوفاً على حياتهم وحياة عائلاتهم من صواريخ النظام وروسيا، التي طاولت حتى حقول القمح وتسببت باحتراق مساحات تقدر بنحو 3 آلاف و500 دونم في موسم العام الحالي 2023.

يرى علي عثمان أن استهداف القمح يهدد الأمن الغذائي لسكان الشمال السوري، الذين يعتمدون بشكل كبير على محصول القمح لإنتاج رغيف الخبز، وما يعمل عليه النظام السوري وروسيا يوصف بجريمة حرب، وتجويع ممنهج للسكان المعارضين لحكم بشار الأسد، مطالباً “المجتمع الدولي والمحاكم العالمية بمحاكمة المجرمين الساعين لتدمير سلسلة الغذاء وتجويع السكان وحرمانهم من حقوقهم بالانتفاع من أراضيهم ومحاصيلهم الزراعية”. 

كان الدم يملأ المكان اختلط لونه بلون ثمار البندورة الحمراء التي لطالما بذلنا من أجل الوصول لحصادها الغالي والنفيس، ولم نكن نعلم أن الطائرات الروسية ستناصبنا العداء لعملنا في الزراعة وتقتل والدي وتمزق جسده لأشلاء…”

نعمان القدور- شاهد على القصف الروسي لسوق الخضار في جسر الشغور

يحظر “القانون الدولي الإنساني” تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال، ويشير التقرير الصادر عن “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” في 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، إلى أن تعرض المحاصيل أو الأراضي الزراعية أو البنية التحتية الحيوية للأضرار أو التدمير بفعل القتال، قد يخلف تأثيراً فورياً على قدرة الأشخاص على الحصول على الغذاء. إلا أن الآثار الأوسع نطاقاً، مثل إغلاق طرق التجارة وانهيار الأسواق المحلية بسبب انعدام الأمن، حتى بعيداً عن الأماكن التي يدور فيها القتال، قد تؤدي إلى إحداث أضرار أكبر

زعزعة الأمن الغذائي وتهديد الأسواق

يعمل معظم السكان في منطقة جسر الشغور وسهل الغاب بالزراعة المتنوعة ومنها زراعة الخضروات المبكرة والموسمية، بحسب التاجر  يحيى الجابر، والذي يصف مشاهد السوق بعد القصف الأخير، قائلاً لـ”درج”، “أدركنا أنه قصف استهدف السوق، وما أن ذهب الغبار حتى تكشّف مشهد محزن للغاية، عشرات الأشخاص كانوا مضرجين بالدماء لا يُميز منهم الحي من الميت، لتعود الطائرة بقصف الموقع ذاته بصاروخين آخرين، وبلحظات تحولت سيارات التجار من نقل الخضروات إلى نقل المصابين إلى المستشفيات القريبة، ونظرا للعدد الكبير للمصابين والقتلى تحول السوق إلى بقعة دم كبيرة ولم نعد نميز لون البندورة من الدم”.

رسائل روسيّة على أجساد الضحايا

عادات الطائرات الحربية الروسية لقصف منازل المدنيين في شمال غربي سوريا، بالتزامن مع حالة التوتر التي عاشتها روسيا والمتمثلة بإعلان ميليشيا فاغنر بزعامة يفغيني بريغوجين، عن عزمها على الوصول إلى موسكو وتهديها المباشر لقوات فلاديمير بوتين.

في مساء يوم الجمعة 23 حزيران، شنت الطائرات الحربية الروسية عدداً من الغارات من دون تسجيل إصابات بصفوف المدنيين، في حين قصفت قوات الأسد بسلاح المدفعية بلدة كفرنوران غرب حلب، ما أفضى إلى مقتل 4 مدنيين بحسب الناشط الميداني محمد هويش، الذي أكد أن يوم السبت الذي شهد توتراً بين ميليشيا فاغنر وقوات روسيا، صعدت الطائرات الحربية الروسية قصفها على محيط مدينة إدلب وعدد من قرى وبلدات جبل الزاوية.

يضيف هويش، “وصول بوتين وزعيم ميليشيا فاغنر يفغيني بريغوجين إلى تسوية مساء يوم السبت، نتج عنه أيضاً تصعيد الطائرات الحربية الروسية في صباح اليوم التالي قصفها بشكل مكثف على مدن وبلدات شمال غرب سوريا، ما تسبب بمقتل 11 مدنياً وإصابة أكثر من 35 آخرين”.

يفسر هويش تجدد القصف قائلاً:  “المشهد لا يمكن تفسيره إلا بانتقام نظام بوتين من السوريين بعد صراعاته الداخلية مع ميليشيات فاغنر، وتصدير رسالة من روسيا للعالم على أجساد السوريين، بأنها ما زالت موجودة ويمكنها قصف أي مكان، ولإبراز تعافيها من التوترات الداخلية تقصدت روسيا ارتكاب المجزرة صباح يوم الاحد، لتعود إلى الساحة الدولية كطرف وتؤكد استمرار عملها العسكري، ولم تجد إلا المزارعين البسطاء في سوريا ضحية لتنفيذ غاياتها الاجرامية”.

لم تزدد شدة القصف الروسي للسوريين إثر توتر علاقة بوتين مع ميليشيا فاغنر فحسب، فقد عملت روسيا على ارتكاب الانتهاكات وقصف المدنيين منذ تدخلها في سوريا، كلما أرادت الحصول على امتيازات جديدة من  الدول الضامنة للملف السوري مثل تركيا، إذ عملت الطائرات الحربية الروسية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 وقبل يوم واحد من اجتماع الدول الضامنة، ( روسيا – تركيا -ايران) على قصف عدد من المخيمات ومحيط “مشفى معبر باب الهوى” الحدودي مع تركيا، للضغط على تركيا للتراجع عن عمليتها العسكرية التي كانت أعلنت عنها ضد “قوات سوريا الديمقراطية”.

يشير الباحث السياسي تركي مصطفى إلى أن روسيا تصعد الهجوم على الحدود السورية- التركية مستهدفةً مخيمات النازحين، لتقول إنها قادرة على خلق موجة نزوح جديدة للسورين باتجاه تركيا، بمجرد تصعيد القصف عليهم وخلق حالة فوضى على الحدود. ينوه مصطفى إلى أن روسيا استخدمت أجساد السوريين لتصفية حسابات عالمية تارة ولإنعاش بيع أسلحتها تارة أخرى، ما يتطابق مع تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أكثر من مناسبة، إذ قال إن سوريا ليست سوى “مختبر” لإجراء تجارب لأسلحته على أراضيها وأهلها. وفي نيسان/ أبريل 2020 قال بوتين على الملأ إن الزيادة الحاصلة في تصدير الأسلحة الروسية إلى دول العالم، يقف وراءها الاختبار العملي لهذه الأسلحة في سوريا.