fbpx

ليبيا: النفط في الشرق وإيراداته في الغرب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يعدّ النفط أبرز الأوراق التي توظَّف باستمرار لكسب جولات من الصراع ولشراء الولاءات في ليبيا منذ قرابة العقد. ويبدو أن ورقة النفط هذه المرة، سيكون لها تأثير أكبر من المرات السابقة في ظل الواقع الاقتصادي المأزوم في ليبيا ومخلفات الحرب الأوكرانية- الروسية في سوق النفط العالمي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ما زال الصراع على السلطة في ليبيا يسيطر على المشهد، ويحول دون التوصّل الى أي تسوية، في ظل تهافت المسؤولين (حكومتان واحدة في الشرق وأخرى في الغرب) على تحقيق النصيب الأكبر من المكاسب لضمان الاستمرار في السلطة، حتى ولو كان ذلك على حساب مصالح البلاد والشعب. 

يعدّ النفط أبرز الأوراق التي توظَّف باستمرار لكسب جولات من الصراع ولشراء الولاءات في ليبيا منذ قرابة العقد، وهي خطوة لجأت إليها حكومة الشرق الليبي المعيّنة من البرلمان، والتي هددت بحظر تدفّق النفط للضغط على حكومة عبد الحميد الدبيبة المنتهية ولايتها في طرابلس. ويبدو أن ورقة النفط هذه المرة، سيكون لها تأثير أكبر من المرات السابقة في ظل الواقع الاقتصادي المأزوم في ليبيا ومخلفات الحرب الأوكرانية- الروسية في سوق النفط العالمي.

الحكومة الليبية المكلّفة من البرلمان والمتمركزة شرق البلاد، هددت في 24 حزيران/ يونيو الماضي، بفرض حصار على صادرات النفط والغاز، بسبب ما اعتبرته سوء استخدام حكومة الوحدة الليبية المنتهية ولايتها، بقيادة عبد الحميد الدبيبة، عائدات الطاقة، وإهدار مليارات الدولارات في شراء الولاءات بالداخل والخارج للبقاء في السلطة وعدم تقديم خدمات حقيقية للمواطنين. 

ليبيا تعيش على وقع أزمة سياسية منذ العام الماضي، إذ تتنافس حكومتان على السلطة، واحدة مقرها طرابلس يقودها عبد الحميد دبيبة، والأخرى بقيادة أسامة حماد ويدعمها المشير خليفة حفتر شرق البلاد.

القضاء أُقحم في الصراع على عائدات النفط هذه المرة، إذ أعلنت الحكومة التي كلّفها البرلمان في 16 أيار/ مايو الماضي، في بيان نشرته على “فيسبوك”، أنها “ستتخذ الإجراءات القانونية باللجوء الى القضاء الليبي لتعيين حارس قضائي على الأموال المحجوزة، وإذا استدعى الأمر فإنها سترفع الراية الحمراء وتمنع تدفّق النفط والغاز ووقف تصديرهما”.

وفي 22 حزيران الماضي، أيدت محكمة الاستئناف في مدينة بنغازي، إجراءات رئيس الحكومة المكلّفة من البرلمان أسامة حماد، بالحجز الإداري على أموال النفط المودعة في حسابات مؤسسة النفط والمصرف المركزي والمصرف الليبي الخارجي.

كما انخرط البرلمان بدوره في سياق التحركات بشأن النفط ليصادق على تشكيل لجنة رفيعة المستوى، لوضع مقترح بشأن توزيع عائدات النفط والغاز بنسب معينة بين المصرف المركزي في طرابلس ومركزي بنغازي.

لا يبدو أن حكومة الشرق قادرة عملياً على تنفيذ تهديداتها على أرض الواقع، في ظل تمركز غالبية المؤسسات المالية الليبية في العاصمة طرابلس، حيث مقر حكومة الوحدة الليبية المنتهية ولايتها. وقانونياً، فإن المؤسسة الوطنية للنفط هي المنتج والمصدر الشرعي الوحيد للنفط الليبي، ويجب أن تكون المبيعات من خلال مصرف ليبيا المركزي، وكلاهما يتمركز في طرابلس. 

في المقابل، فإن حكومة الشرق قادرة على تعطيل إنتاج النفط في ظل تمركز أهم حقول النفط خارج الغرب الليبي، هذا فضلاً عن دقة التوقيت داخلياً وخارجياً. إذ تستحوذ الحكومة المعينة من البرلمان على أكثر من 65 في المئة من إنتاج ليبيا من النفط، ما يعني أن حظرها تدفق النفط سيكون مكلفاً جداً، لا سيما أن موازنة الدولة الليبية تعتمد على صادرات النفط والغاز، بنسبة تزيد عن 95 في المئة. وبالتالي، فإن أي إيقاف للإنتاج ستكون نتائجه وخيمة على غرار ما حدث خلال وقف إنتاج النفط في نيسان/ إبريل 2022. إذ أدت أزمة إغلاق الحقول النفطية في تلك الفترة، الى تراجع الإنتاج لأكثر من 50 في المئة، وتكبيد القطاع خسائر كبيرة بلغت نحو 60 مليون دولار يومياً.

أما خارجياً، فإن هناك رغبة قوية من الدول الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة، في زيادة الإنتاج في ليبيا لمواجهة تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية. ولعل هذا ما يدعوها الى تكرار دعواتها وتحذيرها من مغبّة وقف إنتاج النفط، كان آخرها ما صدر في 30 حزيران الماضي، على لسان المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، الذي قال في تغريدات متتالية، “تحث الولايات المتحدة الجهات السياسية الليبية على التخلي عن التهديدات بإغلاق النفط، الذي سيكون مدمراً للغاية للاقتصاد الليبي، ويضر بجميع الليبيين. ندعو القادة الليبيين إلى تنفيذ آلية شاملة لإدارة الإيرادات كطريقة بناءة لمعالجة المظالم المتعلقة بتوزيع عائدات النفط وغرس الشفافية، من دون المساس بالصحة الاقتصادية الليبية أو الطبيعة غير السياسية للمؤسسة الوطنية للنفط”. وهو ما اعتبره رئيس الحكومة التي يدعمها البرلمان الليبي، “تدخلاً سافراً في شؤون الدولة الليبية ومبنياً على دعم طرف واحد مستفيد من إهدار أموال الشعب”.

في ظل هذا السجال والتهديدات المتواصلة بوقف الإنتاج والحجز الإداري على أموال النفط، لا يبدو أن الاستقرار المنشود من الليبيين سيحدث على المدى القصير وحتى المتوسط، ولا يبدو أن هناك فرصة حقيقية لتنظيم انتخابات في بداية السنة المقبلة تفرز حكومة واحدة تمثل كامل مكونات الشعب الليبي، وتتولى بمفردها الإشراف على عائدات النفط.

سلاح داخلي

هناك محطات كثيرة يطول سردها، استُخدم فيها النفط كسلاح بين أطراف النزاع في ليبيا، كان آخرها ما حدث في نيسان 2022. ففي هذه الفترة، فُرض حصار على الحقول النفطية، ومنع الإنتاج والتصدير في جنوب البلاد وشرقها، بإيعاز من الأطراف السياسية المتمركزة في الشرق، واشتراط ترك الدبيبة منصبه وتسليمه السلطة لرئيس الوزراء الجديد المعين من مجلس النواب حينها فتحي باشاغا. ودام الحصار مدة طويلة أسفرت عن خسائر كبيرة، لكنها لم تفلح في دفع الدبيبة على ترك رئاسة الحكومة، لأن الأخير استخدم بدوره سلاح النفط للبقاء، ولكن بطرق أخرى بدت أكثر فاعلية. 

فمنذ تولّيه السلطة، كان الدبيبة يتطلّع الى البقاء مدة أطول فيها، ولهذا رفض الالتزام بالقانون الذي يفرض مغادرته السلطة في كانون الأول/ ديسمبر 2021، التاريخ الذي حُدّد في برلين كموعد للانتخابات الرئاسية التي أُفشلت. واستعدّ جيداً لهذا القرار، مستفيداً من عائدات النفط التي تذهب إلى المؤسسات المالية الموجودة في العاصمة طرابلس حيث حكومته، ومن صداقتها الكبيرة مع محافظ البنك المركزي الليبي، الذي يحتفظ بعائدات النفط. 

في البداية، حاول الدبيبة استثمار أموال النفط، وقدّم منحاً للشباب الليبي بطرابلس بعنوان مساعدتهم على الزواج، في خطوات كان يطمح من ورائها الى شراء ولائهم، وقد أثار بذلك جدلاً كبيراً. ولم يقف الدبيبة عند هذا الحد، بل خصّص أموالاً لعدد من الميليشيات لتكون حائط صد ضد أي محاولات لإخراجه من المشهد السياسي. وسخّر الدبيبة لهذا الهدف، 132 مليون دينار ليبي (نحو 28 مليون دولار) لــ”جهاز دعم الاستقرار”، ونحو 100 مليون دينار (نحو 21 مليون دولار) لميليشيا “العمليات المشتركة”. 

وفعلاً، قامت هذه المليشيات بهذا الدور، الذي ظهر بخاصة عند تصدّيها لمحاولة فتحي باشاغا دخوله العاصمة طرابلس، في أيار 2022، ونجاحها في منعه من مباشرة مهامه داخلها. وأدت هذه الحادثة الى تعزيز قوة الدبيبة وتعزيز تمسّكه بالسلطة بغض النظر عن الموقف العام الليبي الرافض لهذا العبث. 

ولا ينتهي الأمر هنا، إذ هناك أهداف سياسية أخرى لهذا الحصار، ذلك أن الدبيبة قد أعلن في بداية نيسان 2022، عن مساعيه لرفع الإنتاج إلى 1.4 مليون برميل يومياً، عوضاً عن 1.2 مليون، وهي خطوة لم تكن يؤيدها سياسيو الشرق لاعتبارات عدة. أولاً، الحيلولة دون رفع إيرادات النفط، التي ترى قوى الشرق الليبي أن حكومة الوحدة هي المستفيد الأكبر منها، وتتهم الدبيبة ومحافظ البنك المركزي، بـ”التحكم في الثروات الليبية”، لا سيما في ظل وجود المؤسسات المالية الليبية في العاصمة طرابلس وسيطرة الدبيبة عليها. وأيضاً، لخشيتهم من توظيف الدبيبة تلك العائدات لأغراض انتخابية خاصة، وأن الأخير يعتزم الترشّح للانتخابات الرئاسية كما سبق وفعل ذلك.

ثانياً، نظراً الى العلاقة الجيدة التي تربط قوى الشرق الليبي بروسيا، لا سيما قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، الداعم الأبرز حينها لحكومة باشاغا، فإن زيادة الإنتاج قد تغضب روسيا، العضو الأبرز في منظمة أوبك، والتي لا ترغب في رفع الإنتاج فوق السقف المحدّد من أوبك. ولهذا، أُفشلت خطة الدبيبة التي تنسجم مع رغبة الولايات المتحدة، التي تدعم ولو بشكل غير مباشر وجود عبد الحميد الدبيبة على رأس الحكومة، في رفع إنتاج النفط.

ثالثاً، تم اللجوء الى خطوة حصار النفط للضغط على القوى الكبرى للاعتراف بحكومة باشاغا، ولو جنباً إلى جنب مع الدبيبة والتغاضي عن حالة العبث السياسي الحاصل، لإدراك كل القوى السياسية في ليبيا أن نفطهم يسيل لعاب كل القوى الكبرى، لا سيما منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية.

وقد أدى هذا الصراع المحموم على النفط وإيراداته، الى ارتفاع إنفاق ليبيا من العملة الصعبة الى مستويات قياسية مقارنة بمستوى الخدمات المتوافرة وحالة الاقتصاد. إذ بلغت استخدامات النقد الأجنبي 26.7 مليار دولار في ليبيا خلال عام 2022، في حين بلغت الإيرادات النفطية والسيادية 134.5 مليار دينار (نحو 28 مليار دولار).

وتنتج ليبيا اليوم، كميات كبيرة من النفط، تلامس مليوناً و200 ألف برميل يومياً من النفط، و2.7 مليار قدم مكعب من الغاز يومياً، تُصدَّر منها 300 مليون قدم مكعب يومياً.

المحلل السياسي الليبي محمد السلاك، يقول لـ”درج”، “إن الصراع على الثروة هو المحرك الأساسي لكل الأزمات في ليبيا، والمحرك الأهم للمشهد الليبي، ولا خلفيات أخرى للصراع عداه”. 

وأضاف “أن كل الصراعات والحرب التي اندلعت على مدار السنوات الماضية، ولا زالت، مردها رغبة كل طرف في السيطرة على الثروة(غاز ونفط)، وهذا أمر معلوم حتى بالنسبة الى المجتمع الدولي. وهذا الصراع لن يتوقف إلا في حال تطبيق المادة الثامنة من الإعلان الدستوري، والتي تنصّ على أن تتولى الدولة إلزاماً توزيع الثروة النفطية بشكل عادل على كل المدن والمناطق الليبية. وهذا يبدو صعباً في ظل المشهد الراهن”.

سلاح خارجي

الصراع على الثروة لا يشغل أطراف النزاع الليبيين فحسب، بل غالبية القوى الكبرى أيضاً، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، التي لا تتردد في إبداء قلقها إزاء الإغلاق النفطي في ليبيا، والدخول صلب الأزمة بالضغط على أطراف النزاع. فعندما تم وقف الإنتاج السنة الماضية، حاولت بحث آليات لتقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع في ليبيا، لإعادة الإنتاج. 

وها هي اليوم، تحاول استباق حدوث ذلك بتمرير تصريحات تصب في هذا السياق، ولا يُستبعد أبداً أن تقوم بدور الوسيط بين الجانبين. ومن المرجح أن تبذل أميركا جهداً أكبر هذه المرة، لأن تراجع إنتاج النفط في ليبيا يتعارض مع سعيها الى زيادة الإنتاج منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، لخفض أسعاره، والأهم لإيجاد مصادر بديلة للنفط الروسي. كما أن واشنطن ستندفع بقوة في هذا الملف، لخوفها من تدخل موسكو التي تجمعها علاقاتها جيدة مع الشرق الليبي، وضغطها بكل الطرق لخفض الإنتاج، وبالتالي ضربها المخطط الأميركي الهادف الى حظر النفط الروسي، لا سيما أن ليبيا هي إحدى الدول المالكة لأكبر احتياطات نفطية في إفريقيا.

من جهة أخرى، وبالتوازي مع تحرّكها الضاغط لاستقرار الإنتاج، تعمل واشنطن تدريجياً على وضع يدها على قطاع النفط الليبي، واستبعاد تركيا بعدما فشلت حتى الآن في بلورة تفاهماتها السابقة مع فايز السراج أو عبدالحميد الدبيبة والانتقال الى العمل الميداني. وقد أكدت تقارير وردت في صحف أميركية ذاك، إذ كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن توقيع المؤسسة الليبية للنفط صفقات تبلغ قيمتها الإجمالية 1.4 مليار دولار مع شركتي “هاليبرتون” و”هانيويل إنترناشونال” الأميركيتين لتطوير حقل نفط ومصفاة تكرير، فضلاً عن تعاقد المؤسسة ذاتها مع شركة “كيرني” الأميركية لتنفيذ خطة المؤسسة للعودة بليبيا إلى مصاف الدول الرئيسية المنتجة للطاقة في العالم.

وبحسب هذه التقارير، تشمل التعاقدات قيام “هاليبرتون” بتطوير حقل الظهر النفطي في محافظة سرت (وسط) بقيمة مليار دولار، بينما تقوم شركة “هانيويل” بتشييد مصفاة نفط في الجنوب الغربي بقيمة 400 مليون دولار.

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 17.05.2024

مدارس “الأونروا” المدمرة مأوى نازحين في خان يونس

على رغم خطورة المكان على حياة أفراد العائلة، بسبب احتمال سقوط بعض الجدارن أو الأسقف على رؤوسهم، قررت العائلة الإقامة في أحد الصفوف الدراسية، وبدأت بتنظيفه وإزالة الحجارة والركام من المساحة المحيطة به، وإصلاح ما يمكن إصلاحه.