fbpx

مناهضو النسوية… لمَ الخوف من توقّف النساء عن كونهن ربات منازل؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تناقش الكاتبة الأمريكيّة بيتي فريدان في كتابها “الغموض الأنثوي” المنشور عام 1963 الافتراض المجتمعي بأن المرأة يمكن أن تجد الإشباع النفسي ضمن دورها كربّة منزل، ومع ذلك، الكثيرات من ربات البيوت غير راضيات عن حياتهن، ويجدن صعوبة في التعبير عن مشاعرهن.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“لماذا يجب على أي شخص رفع حاجبيه لأن زوجة آينشتاين توقعت من زوجها قديماً، أن يضع جانباً نظرية النسبية ويساعدها في العمل، الذي من المفترض أن يكون جوهر الحياة نفسها: أن يغير حفاضات الطفل ولا ينسى لفّها في ورق التواليت قبل رميها في القمامة، ثم تنظيف أرضية المطبخ “. يبدو تساؤل الكاتبة الأميركية بيتي فريدان ساخراً في البداية، لكنه أيضاً شديد المنطقية، فلماذا لا يشارك كل رجل في الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال جنباً إلى جنب مع المرأة؟

“عبودية” داخل المنازل؟

حين سئلنا عن عمل أمهاتنا في صغرنا، قلنا بثقة “ربة منزل”، لكن يصادف أن يكون هذا العمل غير مأجورٍ وبدوام لا ينتهي ليلاً أو نهاراً، ولكنه بقي عمل أمهاتنا حتى لو عملن خارج المنزل كذلك. عاشت كثيرات من النساء نوعاً من “العبودية” داخل المنزل، كونهن ربات منازل، مجبرات على خدمة أطفالهن وأزواجهن من دون توقف، والقيام بالأعمال المنزلية المنهكة والشاقة حتى خلال مرضهن، والتي غالباً لا يشاركهن فيها أزواجهن، إذ ينظرون إلى هذه الأعمال كلها كجزء طبيعي من حياة النساء. تقول فريدان في كتابها “الغموض الأنثوي”: “النساء اللواتي يتأقلمن كربات بيوت، اللواتي يكبرن ويردن أن يصبحن مجرد ربة منزل، يتعرضن لخطر كبير، مثل الملايين الذين ساروا حتى الموت في معسكرات الاعتقال، إنهن يعانين من موت العقل والروح البطيء”.

تتحدث فريدان في كتابها “الغموض الأنثوي” الذي نشر أول مرة عام  1963 عن الافتراض المجتمعي بأن المرأة يمكن أن تجد الإشباع النفسي من خلال الأعمال المنزلية والزواج والسلبية الجنسية وتربية الأطفال وحدها، ببساطة اعتُقِد أن النساء أوجدن إشباعاً كاملاً ضمن فضاء الأسرة، ومع ذلك، أشارت فريدان إلى أن كثيرات من ربات البيوت غير راضيات عن حياتهن، ولكنهن يجدن صعوبة في التعبير عن مشاعرهن.

بالنظر إلى العائلات العربية التي نعرفها أو انحدرنا منها، سنتذكر نماذج قليلة لعائلات يشارك فيها الزوجان بالأعمال المنزلية، وسنذكر أيضاً نماذج لرجال تعرضوا للسخرية لأنهم شاركوا في التنظيف أو لأنهم ماهرون في طبخ وجبة ما. لا يزال التقسيم الجنساني للعمل المنزلي مصدر توتر، ولا يزال يُعتقد على نطاق واسع، أن مساعدة الرجل للمرأة في المنزل هي تنازل منه أو إحسان تجاه زوجته في أفضل الأحوال، وفي حين تسعى النسوية الى الضغط على الحكومات لتحويل العمل المنزلي إلى عمل مأجور، لا يزال يُنظرعربياً وبشكل واسع على أن العمل المنزلي جزء من هوية المرأة، بينما يغيب الرجل عن الكثير من هذه المهام كونها “أعمال النساء”.

تواجه المرأة العربية تحدياً دائماً لتكون ربة أسرة جيدة، والتي تتضمن الكثير من المهام، كتربية أطفالها وتعليمهم والعناية بزوجها ومنزلها، وفي بعض المجتمعات هناك مهام إضافية كإعداد المؤن الذي يستلزم العمل عليها الكثير من الجهد والوقت. لا تذكر هذه المتطلبات دور الرجل، فالمرأة هي المعنية الوحيدة بجميع الأعمال المنزلية، والتي ما زالت تُعتبر في كل البلاد العربية أعمالاً غير مأجورة، لا بل يمكن أن تحاسَب المرأة في حال قصّرت في أداء واجباتها سواء بممارسة العنف الزوجي أو الإقصاء المجتمعي والتوبيخ واللوم.

الأسرة النواة وهيمنة البطريركيّة

في عشرينات القرن الماضي، أوجد مؤسس الأنثروبولوجيا الاجتماعية الإنكليزي ببرونيسلاف مالينوفسكي، مصطلح الأسرة النواة، وهي مؤسسة تحتوي على ذكر وأنثى بالغين وطفل واحد على الأقل، وهي الخلية الأولى للمجتمع. يجادل بعض العلماء بأن الأسرة النواة ليست مؤسسة بشرية طبيعية أو حتمية، بل هي نتاج لظروف تاريخية وثقافية محددة. اختلفت أشكال الأسرة في المجتمعات اعتماداً على الأحداث الاجتماعية الأوسع.

على سبيل المثال، في العالم العربي، تغيرت أنماط الأسرة وتحولت من الأسرة الممتدة، والتي تحوي أكثر من جيل، إلى الأسرة النواة، لكن مع ذلك وفي كثير من المناطق الريفية والفقيرة، لا تزال الأسرة الممتدة هي عماد الحياة، إذ تتشارك العائلات علاقات واسعة مثل الأجداد والعمات والأعمام.

تخشى البطريركية استغناء النساء عن شركائهم الذكور داخل الأسرة، بخاصة أن كثيرات من النساء والفتيات حصلن على استقلالهن المادي، ما زاد من فرصهن في التخلص من الصعوبات والظلم الذي يواجهنه داخل الأسرة.

مع اختلاف نمط الحياة وصعود الرأسمالية والتغييرات الديموغرافية، كانت هناك توقعات بتغيير تقسيم العمل المنزلي، كنتيجة لتغيير شكل الأسرة وطرق حصولها على المال للعيش، وبعد انخراط أعداد أكبر من النساء العربيات في ميدان العمل، كان متوقعاً أن تزيد مشاركة الرجال في الأعمال المنزلية، لكن لم يؤخذ الأمر بشكل جديّ، ولا تزال النساء يتحملن أعباء العمل المنزلي المضني إلى جانب عملهن في الخارج، بالإضافة إلى تربية الأطفال، لا بل رسخت قيم العلاقات الأسرية التقليدية الدور النمطي للنساء وكرّستها في الأنظمة العربية القانونية والاجتماعية والاقتصادية، معتمدة في الكثير من تشريعاتها على الدين الإسلامي.

أثّرت الحركة النسوية على بنية الأسرة والقوانين المتعلقة بها، بدرجات مختلفة في البلدان العربية والغربية، ومع استشعار النظام البطريركي هذا التأثير الطفيف على النساء، راح يصدّر ادعاءاتٍ بخطورة النسوية على القيم الأسرية، وبأنها موجّهة لتفكيك الخلية الاجتماعية الأولى، ما سيؤثر على المجتمع بكامله، وهنا يوحي المعارضون بأن النساء والأطفال يعيشون آمنين، متمتعين بحقوقهم في الأسرة، يكفي أن تتصفح بعض المواقع الإلكترونية والمقالات لتطالعك عبارات كثيرة جاهزة تربط بين تدمير الأسرة والنسوية.

فتحت النسوية في المنطقة العربية باب النقاش حول الانتهاكات الحاصلة للمرأة داخل الأسرة، وهو ما يهدد صورة العائلة كالمكان الأكثر أماناً للنساء، لطالما روّج للأسرة العربية كمملكة للمرأة، لكن النسوية تقول العكس، أي أن النساء العربيات لسن سعيدات بالضرورة داخل الأسرة، وهن يدركن أو لا يدركن أن حقوقهن مهضومة داخل هذه المؤسسة. تعيش المرأة صراعاً ضد الهوية المفروضة عليها داخل الأسرة، فعدم تكريس نفسها للأسرة قد يهدد وجودها داخل هذه المؤسسة، إذ يرتبط وجودها بجودة الأعمال المنزلة والخدمات المقدمة للأسرة. تكمن المعضلة في أن مفهوم ربة المنزل بات متغلغلاً في وعي النساء، إذ تصدق الكثيرات أن الطبخ والتنظيف ورعاية الأطفال هي من واجباتهن الفطرية، وهو ما يعزز الظلم الواقع عليهن.

تختلف وجهات النظر النسوية حول دور الأسرة النواة والسياسات الاقتصادية والحقوقية في اضطهاد النساء، إذ ترى النسوية الماركسية أن الرأسمالية وليس الرجال هي السبب الأول لاضطهاد المرأة في الأسرة، ففي الحقيقة تقوم النساء بأعمال كبيرة وغير مأجورة من خلال عملهن المنزلي، بالإضافة إلى تربية الأجيال القادمة من العمال.

بالطبع، الرجال هنا أيضاً ضحايا الاستغلال في العمل والأجور البخثة والأعباء الكبيرة التي تتسبب في زيادة عنفهم في المنازل، فتكون النساء والأطفال ضحاياه. أما النسويات الراديكاليات، فيجادلن بأن العلاقة بين الرجال والنساء تقوم على النظام الأبوي، فالرجال أساساً هم سبب استغلال المرأة واضطهادها، لذا يحتاج النظام الأبوي إلى قلبه بالكامل، لا سيما الأسرة، التي يرى فيها أنها جذر اضطهاد المرأة. بالنسبة إلى النسوية الليبرالية، فالعمل المأجور لم يكن الحل بل على العكس، ضاعف الأعباء على النساء، فباتت المرأة تعمل في الخارج ثم تعود لتقوم بالمهام المنزلية المعتادة، بالتالي باتت للرجل مكاسب إضافية من خلال عمل المرأة، لذلك يجب تحقيق تغيير في قوانين العمل.

هل يمكن الاستغناء عن “مهنة” ربة منزل؟!

تخشى البطريركية استغناء النساء عن شركائهم الذكور داخل الأسرة، بخاصة أن كثيرات من النساء والفتيات حصلن على استقلالهن المادي، ما زاد من فرصهن في التخلص من الصعوبات والظلم الذي يواجهنه داخل الأسرة.

في كتابها “النسوية والعائلة”، ترى جينيفر سومرفيل أن هناك احتمالاً لاستغناء النساء عن شركائهن الذكور، بخاصة وأن كثراً منهم غير مناسبين، وبدلاً من ذلك يحصلن على شعورهن بالرضا من أطفالهن، ما يعني أنه وبدل أن تذهب المرأة إلى العمل وتعود إلى المنزل لرعاية أطفالها وزوجها، فهي قادرة على الاستغناء عن الزوج والاهتمام فقط بالأطفال، وسيكون ذلك مريحاً لها بالفعل.

بحسب سومرفيل، لا تزال المشكلة تكمن في عدم قدرة الرجال على تحمّل مسؤوليتهم في العلاقات، ما يعني أن المعدلات العالية لانهيار العلاقات ستظل هي القاعدة التي ستؤدي إلى علاقات أسرية أكثر تعقيداً، بحيث تنهي المرأة علاقة وتحاول إعادة بناء علاقة أخرى.

لذلك، ترى سومرفيل أنه يتعين على النسويات التركيز على السياسات التي من شأنها تشجيع قدر أكبر من المساواة داخل العلاقات، ومساعدة النساء على التعامل مع الجوانب العملية للحياة اليومية. على سبيل المثال، فإن إحدى السياسات التي تجد سومرفيل أنها مهمة، هي تلك التي تهدف إلى مساعدة الآباء العاملين، إذ لا تتوافق ساعات العمل والثقافة المرتبطة بالكثير من الوظائف مع الحياة الأسرية، كون وظائف كثيرة تقوم على فكرة العائل الذكر الذي يعتمد على الزوجة غير العاملة لرعاية الأطفال. لكن للأسف، لا تزال سياسات معظم الدول قاصرة في هذا المجال، إذ لا قوانين تحث الرجال على مشاركة النساء في الأعمال المنزلية، ولا يزال العمل المنزلي المأجور حلماً بعيداً.

لن تستغني النساء عن أزواجهن لأن النسوية “لعبت بعقولهن” كما يروَّج، بل لإدراكهن أنهن قادرات على عيش حياة أقل خوف وتعب، وبخاصة في ظل تجاهل الشريك الرجل مسؤوليته في المنزل، لكن هذا لا يعني أيضاً أن الأسرة ستختفي وأنه هو الحل. فبحسب سومرفيل، تشير الأرقام العالية للزواج من جديد، إلى أن الانجذاب الجنسي المغاير والحاجة إلى العلاقة الحميمة والرفقة يعنيان أن العائلات من جنسين مختلفين لن تختفي، لكن يبدو أن متطلبات النساء في هذا الشكل من العلاقات باتت مختلفة.