fbpx

 عن “تطفّل” أهل الكحالة على شاحنة تنقل سلاحاً عادياً لـ”حزب الله”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مقتل ابن الكحالة فادي بجاني، وقبله بأيام اغتيال ابن عين إبل الياس الحصروني، وبينهما مقتل عضو “حزب الله” أحمد قصاص، وكان سبقه إلى المصير نفسه مقاتل في سرايا المقاومة في بلدة وادي الزينة، هذه كلها من يوميات القتل العادي في جمهورية “حزب الله”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

علينا نحن اللبنانيين ألا نذهل من أن شاحنة تعبر منعطفاً في بلدة الكحالة، انقلبت، ليظهر أنها تنقل سلاحاً. الواقعة عادية، ويبدو أننا لم نتعلم من الدروس التي لقّننا إياها “حزب الله” منذ اجتياحه بيروت في 7 أيار/ مايو من العام 2008، مروراً بانفجار المرفأ في 4 آب/ أغسطس عام 2020، وصولاً إلى واقعة الكحالة. 

علينا أن ننتظر أيضاً ما ستجود علينا به أدبيات الحزب من تسمية للواقعة. فـ 7 أيار كان “يوماً مجيداً”، وانفجار المرفأ كان “حادثة أليمة”، وها نحن ننتظر التوقيع الثالث على مأساة الكحالة!

لقد “تطفّل” أهل البلدة على شاحنة عابرة على طريق عام! هذه العبارة ليست نوعاً من الـ”ساركازم” السياسي. إنها الحقيقة، فما شأنهم بشاحنة تنقل سلاحاً لـ”حزب الله” هوت على الطريق. 

الحزب أنشأ نظاماً متكاملاً يتيح لشاحناته أن تعبر حيث يجب أن تعبر. وأهل الكحالة هم جزء من الصفقة! لنعود بالوقائع قليلاً إلى الوراء، فما هي وظيفة استثمارات الحزب بالتيار العوني في الانتخابات وما نجم عنها من إيصال لنواب يمثلون الكحالة، غير تكريس “عادة” عبور شاحنة تنقل سلاحاً من البلدة؟ وجبران باسيل، رئيس التيار العوني، الذي يفاوض الحزب اليوم على “اللامركزية الموسعة” مقابل رئيس للجمهورية يختاره الحزب ويوافق عليه التيار، ليس عبور شاحنة السلاح محل ابتلائه، وليست الشاحنة بنداً على طاولة مفاوضته. الصفقة لا تشمل “السيادة”، وبهذا المعنى صار السلاح عادياً، وصار على أهل الكحالة ألا يتطفلون على شاحنة هوت على قارعة الطريق التي تعبر بلدتهم! 

والحال أن واقعة الكحالة هي واحدة من الوقائع المتنقّلة والناجمة عن سوء فهم اللبنانيين لما هم فيه. لقد أنجز “حزب الله” المهمة، فترك لهم السياحة، أو ما يتيحه السلاح منها، في مقابل حيازته كل شيء غيرها. الحدود والمطار والمرفأ والطرق العامة، وأي واقعة تسوقها الأقدار في هذه المساحات، على اللبنانيين أن يشيحوا بأنظارهم عنها، حتى لو كانت انفجاراً بحجم نووي يطيح ربع عاصمتهم ويقتل المئات ويشرّد عشرات الآلاف! 

علينا أن ننتظر أيضاً ما ستجود علينا به أدبيات الحزب من تسمية للواقعة. فـ 7 أيار كان “يوماً مجيداً”، وانفجار المرفأ كان “حادثة أليمة”، وها نحن ننتظر التوقيع الثالث على مأساة الكحالة!

مهمة الحزب المتمثلة في جعل اللبنانيين يهضمون ما هم فيه من سلاح ومن شاحنات تنقله ومقاتلين يمتشقونه، تبدو شاقة وينغّص عليه فيها انقلاب شاحنة من هنا وإصابة طفلة برصاصة طائشة من هناك! 

نعم، يجب أن نكفّ عن التفاجؤ والذهول، فعبور الشاحنة من الكحالة ليس خروجاً عما قبل به جزء كبير من القوى السياسية اللبنانية عموماً والمسيحية خصوصاً. الصفقة مع الحزب لم تشمل الشاحنة ولم تشمل السلاح، وأثر فاجعة الكحالة سيدوم لأيام قليلة سيستأنف بعدها جبران باسيل مفاوضاته مع “حزب الله” على اللامركزية الإدارية وعلى النفط والغاز والحقائب الوزارية.

كل من سيكون خارج هذه المعادلة سيكون خارج المشهد. “القوات اللبنانية” و”الكتائب” والنواب التغييريون والمستقلون، هؤلاء كلهم نجح “حزب الله” في إخراجهم من دائرة التأثير، وفي اللحظة التي انعطف فيها باسيل عن مسار الشاحنة وناور بترشيح جهاد أزعور كمنافس لمرشح الحزب، جرى إفهامه بأنه مهدد بمستقبله “الاستثماري” والسياسي، فعاد وصوّب الشطط واستقبل موفدي الحزب المحمّلين بالوعود.

من بين الأسئلة التي أملتها “واقعة الكحالة”، وقبلها بساعات “واقعة عين إبل” التي قُتل فيها مسؤول سابق في القوات اللبنانية هو الياس الحصروني، سؤال عما إذا كان بإمكان جبران باسيل مواصلة مفاوضة “حزب الله” في ملف الانتخابات الرئاسية؟! لا خيار أمامه سوى مواصلة المفاوضات، قد تفيده “واقعة الكحالة” في تعزيز أوراقه التفاوضية حول النفط أو حول الحقائب الوزارية، لكنه لن يقترب من مسار الشاحنة. ثم إن هذا السؤال جاء متأخراً، ذاك أن سنوات طويلة من العمل الدؤوب ومن الحروب ومن الاستثمار، أمضاها “حزب الله” لتثبيت خارطة طريق الشاحنة، وما الضغوط التي سيتعرض لها حليفه جبران باسيل من جراء انقلابها إلا أعراضاً عابرة يمكن رأبها ببعض العطاءات، على رغم أن قتيل الكحالة فادي بجاني ليس بعيداً من “التيار الوطني الحر” وتجمعه صور مع حليف الحزب السابق إيلي حبيقة، وهذا مؤشر الى عمق الفصام بين الخيارات السياسية (الموالية للحزب) والعصبيات الأهلية. 

مقتل ابن الكحالة فادي بجاني، وقبله بأيام اغتيال ابن عين إبل الياس الحصروني، وبينهما مقتل عضو “حزب الله” أحمد قصاص، وكان سبقه إلى المصير نفسه مقاتل في سرايا المقاومة في بلدة وادي الزينة، هذه كلها من يوميات القتل العادي في جمهورية “حزب الله”. 

علينا أن نشيح بأنظارنا عنها، تماماً كما على أهل الكحالة أن يشيحوا بأنظارهم عن شاحنة عادية تنقل سلاحاً، انقلبت على قارعة طريق بلدتهم.

وبالعودة إلى الـ”ساركازم”، ثمة ما سينغص دائماً على الحزب مهمته في جعل سلاحه “عادياً”، ذاك أنه ليس عادياً، وهو وسيلة إخضاع للبنانيين. وعلى رغم “النصاب السياسي” الذي أمنه له، فهو يبقى غير قانوني، وفي عرف الجماعات الأخرى سلاح طائفة بوجه طائفة. هذا ما يفسر “تطفّل” أهل الكحالة على شاحنة تنقل سلاحاً “عادياً” انقلبت في بلدتهم.