fbpx

الشتاء المُقبل واحتمالات الـ”طوفان في بلاد البعث”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

التغير المناخي أصبح حقيقة لا يمكن تجاهلها، الحرائق والفيضانات تعصف بحوض المتوسط، والكوارث الأخيرة كشفت أن الفساد وتجاهل إجراءات صيانة السدود أغرق مدينة درنة في ليبيا، فهل التهديد يصل إلى سوريا والعراق ولبنان، الغارقة بالفساد والتي لا تعرف ما يخبئ لها الشتاء.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ينتظرنا فصل شتاء لم نعد نستطيع، بفعل التغير المناخي، أن نتوقع نتائجه. المؤشرات من درنة الليبية مرعبة، فالأعاصير تقترب، وصارت جزءاً من الهوية المناخية لهذا الإقليم البائس، ودولنا الفاشلة والفاسدة تُعدّنا لاحتمالات الموت. الكارثة لن تقتصر على درنة، فالفساد قبل الفشل ينخرُ بكل شيء، وصار بفعل الكوارث المناخية ارتكاباً لا يقل دموية عما ترتكبه الأنظمة نفسها عبر أجهزتها الأمنية والعسكرية من مجازر.

ما جرى في درنة مؤشر على احتمالات بدأت تلوح في كل المنطقة. العواصف والسيول والأعاصير لم تعد غريبة عن الطبيعة المناخية. عندما تقول الحكومة العراقية أن سد الموصل غير مُهدد بالانهيار، على رغم الصدوع الكبيرة التي يعاني منها، فهي تدفن رأسها في التراب، وتقيس الاحتمالات على مقياس خبرات مناخية سابقة لم تعد تصلح في ظل المتغيرات المناخية المستجدة. هذا السد، بالإضافة إلى الخلل الهندسي فيه، خضع لسلطة “داعش” لنحو سنتين، ولطالما لوّح التنظيم باستعماله في مواجهة “أعدائه”!

 انهيار سد الموصل سيدفع بطوفان نهر دجلة نحو بغداد طامراً في طريقه مدناً وأريافاً على مسافة تزيد عن ثلاثمئة كيلومتر. فماذا لو دفعت سيول غير متوقعة مياهاً لا طاقة للسد على تحمّلها؟ الحكومة العراقية توظف عائدات النفط في تمويل الحشد الشعبي، والفساد الهائل في العراق لم يبقِ لاحتمالات الإعصار شيئاً يقي العراقيين من شر التغير المناخي.

سدّ آخر مهدّد باحتمالات المستجدات المناخية، وهو “سد الفرات” في شمال شرقي سوريا، الذي تقع وراءه “بحيرة الأسد”، هذا السد الذي شكل بناؤه أصلاً كارثة بيئية وبشريّة غرقت إثرها عشرات القرى، وكان موضوعاً لفيلم عمر أميرالاي “طوفان في بلاد البعث”، هو اليوم احتمال لكارثة موازية، خصوصاً أنه تعرض لقصف “داعش” أكثر من مرة، ثم عاد التنظيم وسيطر عليه، وثمة من يقول إن “داعش” أحدث على نحو متعمّد صدوعاً في أساساته. 

ما جرى في درنة مؤشر على احتمالات بدأت تلوح في كل المنطقة. العواصف والسيول والأعاصير لم تعد غريبة عن الطبيعة المناخية لحوض المتوسط، المهدد بكوارث طبيعيّة.

مؤشرات الطوفان في مناطق شمال سوريا وشرقها سبقت احتمالات انهيار سد الفرات، وشهدنا في شتاء العام الفائت طوفانات عدة لروافد الفرات في تلك المنطقة غمرت عدداً من القرى. أما انهيار السد فيعني غمر مئات الكيلومترات المأهولة والزراعية بالمياه، وبالإضافة إلى احتمالات الخسائر البشرية، سنكون أمام حركة نزوح سكاني كبيرة تضاف إلى عوامل اللجوء التي تعانيها سوريا. يلوح هذا الاحتمال في ظل نظام فاشل وفاسد ومستبد، وطبعاً غير مستعد للتعامل مع هذه الكارثة، تماماً كما لم يكن مستعداً للتعامل مع كارثة الزلزال الذي ضرب مناطق واسعة من سوريا مطلع العام الجاري.

لكن، ليست بلاد البعث في العراق وسوريا وحدها ما تلوح فيها احتمالات الكارثة، فالحلقة الثالثة من هلال الممانعة، أي لبنان، اختبر فساد الدولة وفشلها في أكثر من مناسبة وأكثر من كارثة، وكشفت الاختبارات أن اللبنانيين يعيشون في العراء تماماً إذا ما ألمت بهم مصيبة.

في لبنان، يتقاطع الفساد مع الفشل ويتوّجان تقاطعهما بوظيفة واحدة أعدت السلطة نفسها إليها، وهي حماية سلاح “حزب الله”. انفجار المرفأ دمر ثلث العاصمة وقتل أكثر من مئتي مواطن وشرّد آلاف العائلات، وقضى السلاح بأن يعطّل التحقيق، فتعطل، وتحوّل الانفجار إلى “كارثة طبيعية”.

لبنان في ظل تحلل الدولة فيه لن يقوى طبعاً على مواجهة الاحتمالات المناخية التي تنتظرنا. فهو ممتد على البحر المتوسط، أي البحر نفسه الذي قذف بالإعصار نحو مدينة درنة الليبية. لبنان هذا يشهد انهياراً هائلاً في كل القطاعات، لا سيما الصحية والإغاثية، ولا ينقصه سوى إعصار ليأتي على ما تبقى فيه، لا سيما وأن ترددات زلزال تركيا قد أصابت جزءاً من البنى التحتية لمدنه، لا سيما الشمالية. وما شهدناه اليوم في مدينة طرابلس من انهيار لمبنى أثري تصدع بفعل الزلزال، عينة مما يمكن أن نتوقعه.

تتمة القصة اللبنانية على هذا الصعيد، تتمثل في الفساد الذي أفضى إلى مزيد من العوامل التي أدت إلى انهيار المبنى الأثري الذي يمنع القانون هدمه، ذاك أن ثمة في ما يبدو من أراد للمبنى المتصدع أن يتهاوى، ليحل مكانه بناء جديد، فينضم الفساد إلى الفشل ليشكلا أفقاً وحيداً لـ”دولة المقاومة”.