fbpx

زلزال المغرب وإعصار ليبيا… فسادٌ وتهميشٌ وغياب الدولة يفاقم الكارثة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

رغم خطورة الهزة الأرضية التي ضربت المغرب، إلا أن السلطات المغربية على غرار نظيرتها الليبية أساءت التعاطي مع الكارثة سواء قبل أو بعد حدوثها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

شهد كلٌّ من المغرب وليبيا كارثتين طبيعيتين الأسبوع الماضي، هما الأخطر والأسوأ منذ عقود على مستوى عدد الضحايا والدمار الهائل الذي لحق بالمباني والبنى التحتية وغيرها. 

في المغرب، ضربت هزة أرضية ليلة الثامن من أيلول/سبتمبر الجاري، جنوب غربي مراكش تحت جبال الأطلس بدرجة 6.8 على مقياس ريختر، حوّلت القرى الجبلية إلى أكوام من الأنقاض، وأسفرت عن سقوط أكثر من 2900 قتيل ومئات الجرحى. 

وبعد يومين، ضرب إعصار “دانيال” شرق ليبيا متسبباً في انهيار سدين، محت المياه المتدفّقة منهما أحياءً سكنية بكاملها، وأدت الى وفاة أكثر من 10 آلاف شخص وآلاف المفقودين. ورغم أن الكارثتين حدثتا في بلدين مختلفين أمنياً وسياسياً، إلا أن سوء الإدارة والفساد وتهميش الدولتين أبناءهما في المدن والقرى البعيدة، كانت هناك نقاط مشركة بين البلدين، وهي عوامل كانت سبباً مباشراً في أن يكون عدد الضحايا بهذا القدر والخراب الحاصل بهذا الحجم.   

في المغرب، هناك نظام ملكي مستقر منذ عقود طويلة، ودولة سياحية تروج دائماً لاستقرارها الأمني والاجتماعي وعملها على تطوير مدنها وتوفير خدمات حديثة. بينما ليبيا بلد نفطي وثري بالموارد الطبيعية الأخرى مزّقته الحرب منذ سنة 2012 وتحكمه حكومتان، واحدة في الشرق وأخرى في الغرب. ورغم هذه الفوارق، كان التعاطي مع الكارثة سواء بعد أو قبل الوقوع متشابهاً.  

ليبيا… فساد وتراخٍ

ضرب الإعصار “دانيال” يوم الأحد 10 أيلول، غالبية مدن شرق ليبيا، هو الأضخم والأشد دماراً وخراباً، وأتى على الأخضر واليابس. تجاوز عدد ضحايا الـ 11000 شخص (قابل للزيادة). ومنعت السلطات الليبية الجمعة 15 أيلول، المدنيين من دخول مدينة درنة الأكثر تضرراً من الإعصار لتسهل عمل الفرق في البحث بين الطين والمباني المدمرة عن 10100 شخص ما زالوا في عداد المفقودين.

وبدت المشاهد القادمة من شرق ليبيا، وتحديداً من مدن درنة والبيضاء وشحات وسوسة والمرج وطبرق ومختلف القرى في منطقة الجبل الأخضر وصولاً الى بنغازي، مروعة، وقصص الناجين من الإعصار مرعبة. وكانت مخلفات الإعصار صادمة، بخاصة في مدينة درنة: الجثث متناثرة في الشوارع وأحياء بكاملها دمرت وجرفتها السيول إلى البحر، منازل ومبان انهارت تماماً بعدما غمرتها أو جرفتها المياه، وسيارات أخذتها السيول بمن فيها.

أطلقت الأمم المتحدة نداء عاجلاً لمساعدة متضرري الفيضانات في ليبيا، يهدف إلى جمع مساعدات بقيمة 71 مليون دولار تقريباً. وأبدت خوفها المتزايد من الجثث التي لا تزال إما تحت الأنقاض أو مغمورة في مياه السيول، والتي قد تؤدي إلى انتشار الأوبئة والأمراض.

ولسائل أن يسأل، هل كان الإعصار بهذه القوة التي تخلف هذا العدد الكبير جداً من الضحايا وهذا القدر من الدمار؟ الإجابة حتماً لا، لأن حجم الكارثة لم يكن مرده إعصار “دانيال”، بل هو حصيلة سنوات من والفساد والإهمال واللهث وراء السلطة من دون التفكير في مشاكل البلاد الكبرى، وهذا ما تؤكده جملة من المؤشرات.

شهد كلٌّ من المغرب وليبيا كارثتين طبيعيتين الأسبوع الماضي، هما الأخطر والأسوأ منذ عقود على مستوى عدد الضحايا والدمار الهائل الذي لحق بالمباني والبنى التحتية وغيرها. 

تجاهل التحذيرات العالميّة لليبيا

تحدث خبراء الأرصاد الجوية منذ أكثر من أسبوع على وقوع الكارثة، عن مخاطر حقيقية تهدد ليبيا بسبب إعصار “دانيال”، الذي ضرب عدداً من دول الضفة الشمالية الشرقية للمتوسط، بخاصة تركيا واليونان. وهذه التحذيرات كانت تقتضي تحضيرات من الدولة بهدف الحد من الخسائر البشرية على الأقل، لكن سلطات طرابلس وبنغازي لم تحرك ساكناً لمواجهة هذا الخطر. بل إن عمدة درنة طلب من المشير خليفة حفتر، الحاكم الفعلي لشرق ليبيا، إجلاء سكان المدينة قبل وصول الإعصار، إلا أن الطلب قوبل بالتجاهل بل ولم يتم نقل الناس من المدينة حتى مع ارتفاع منسوب المياه حول السدين اللذين تسبّب انهيارهما في كارثة الدرنة.

تجاهل للأبحاث العلميّة عن وادي درنة

في ظل التحذيرات من مخاطر إعصار “دانيال” على الشرق الليبي، حذر كثر من الناشطين من خطر انهيار سدي درنة على المدينة والمدن المجاورة، وطالبوا السلطات بإيجاد حل سريع قبل وقوع الكارثة، مستندين إلى تقارير عدة تؤكد الحالة السيئة لهذه السدود، على غرار رسالة الدكتوراه التي نشرتها مجلة جامعة سبها للعلوم للباحث بقسم الهندسة المدنية لعبد الونيس عاشور في 2022. إذ أكد فيها أن الوضع القائم في حوض وادي درنة يحتم اتخاذ إجراءات فورية على مستوى عمليات الصيانة الدورية للسدود القائمة، ونبه إلى أنه في حال حدوث فيضان فإن النتائج ستكون كارثية على سكان الوادي والمدينة. إلا أن السلطات الليبية تجاهلت الأمر، بل إن وزارة الموارد المائية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية بطرابلس نفت، قبل يومين من الكارثة، وجود أية أخطار من انهيار سد وادي درنة.

كانت نتيجة هذا التراخي وانعدام المسؤولية أن امتلأ وادي درنة بفعل إعصار “دانيال”، بعدما استقبل ما يزيد عن 115 مليون متر مكعب من المياه، وهي كمية أكبر بكثير من قدرة تحمّل كل السدود في المنطقة مجتمعة. فانهار اثنان من السدود التي كانت الضامن الوحيد لاحتباس مياه السيول المنحدرة من أعالي مناطق الجبل، لأنها كانت غير مهيأة وتعاني من مشاكل عدة، فكانت الكارثة الكبرى بخاصة في مدنية درنة التي يقع نصفها تحت مجرى الوادي مباشرة. 

جرفت السيول 25 بالمئة من المدينة باتجاه البحر بمجرد انهيار السدين، هذا فضلاً عن تضرر بقية مناطق شرق البلاد التي تقع بمحاذاة أو وسط الجبل الأخضر، عدا بنغازي. بمعنى أن السلطات الليبية ارتكبت جرماً عندما لم تأخذ بالاعتبار تحذيرات الناشطين بشأن حالة السدود المهترئة، وعندما ادعت أنها في حالة جيدة وتركت المواطنين من دون أية إجراءات استباقية رغم إدراكها أن المنطقة ستكون في مواجهة فيضانات ضخمة.

فساد واختفاء أموال المساعدات إلى درنة

تقول تقارير  أعدها مهندسون ليبيون، أنه بعد تحرير مدينة درنة من تنظيم “داعش”، حصلت بلدية مدينة درنة على أكثر من 80 مليون دولار لإعادة تهيئة المدينة من مخلفات التنظيم الإرهابي. لكن عملياً، لم يصرف منها شيء في إصلاح البنية التحتية وصيانة السدود رغم وجود تقارير سابقة تؤكد حاجتها الى ذلك، ولا أحد يدري أين ذهبت. لكن كل المؤشرات ترجح فرضية التلاعب بهذه الأموال في ظل الفساد الكبير في البلاد. هذا فضلاً عن تعيين موظفين بلا شهادات علمية بسبب سياسة المحاباة التي فرضها ساسة البلاد وتغييب المهندسين وأصحاب الكفاءات عن تحمّل المسؤوليات، والذي أدى الى عدم القدرة على تمثل مشاكل المنطقة الكثيرة وغياب إيجاد الحلول. 

ضحايا الصراع السياسي في ليبيا

أدى الانقسام السياسي وانشغال الحكومتين بالخلافات السياسية، إلى ارتفاع حجم خسائر إعصار “دانيال”. فرغم هول الفاجعة، لم تسقط كلا الحكومتين، سواء تلك التي في طرابلس بقيادة عبد الحميد الدبيبة أو تلك التي تستقر في بنغازي بقيادة أسامة حماد، الخلافات. فنظراً الى كون الشرق الليبي يخضع عملياً لحكم المشير خليفة حفتر، تراخت السلطات في طرابلس وتدخلت متأخرة بالتصريحات من دون أن يتحول مسؤولوها مباشرة لمعاينة الأضرار وعمليات الإنقاذ ومؤازرة أهالي المدن التي شهدت الكارثة، رغم أنها المتصرف الأبرز في الشأن المالي للبلاد، وكذلك فعلت حكومة أسامة حماد. بمعنى أن السلطات الليبية في الشرق والغرب، رغم مسؤوليتها المباشرة عن الكارثة. إلا أنها أبت أن تتخلى، حتى لحظة الكارثة الكبرى، عن  مطامعها السياسية وتلتفت جدياً الى مشاكل مواطنيها، وتضع جانباً انقساماتها وجشعها الذي قاد البلاد الى الهلاك وما زال. 

قال المحلل السياسي الليبي عز الدين عقيل، “إن الكارثة المأساوية التي ضربت درنة وغيرها من مدن الشرق الليبي، تتحمل مسؤوليتها كل الحكومات المتعاقبة منذ 2011 التي كانت عبارة عن مافيات وعصابات لنهب أموال الليبيين. وما حدث، بخاصة في درنة، هو نتيجة حتمية للفساد السياسي والإهمال الشديد في صيانة السدود خلال العشرية السوداء الماضية التي مرت بها ليبيا”.

المغرب… إهمال وفقر

حصد الزلزال الذي بلغت قوته 6.8 درجة وضرب جبال الأطلس الكبير بالمغرب، في وقت متأخر من التاسع من أيلول، أرواح 2946 شخصاً وتسبب في إصابة 5674 حسب إحصاءات وزارة الداخلية المغربية، قضى أكثر من نصفهم في إقليم الحوز الذي كان مركز الهزة الأرضية، والتي امتدت إلى مدينة أزيلال في الشمال الشرقي وورزازات في الجنوب الشرقي ثم شيشاوة وتارودانت، بشكل متفاوت، وبلغ صداها مدينتي أكادير والدار البيضاء أيضاً.

الزلزال الأكثر فداحة من حيث عدد القتلى في المغرب منذ عام 1960 والأقوى منذ أكثر من قرن، لم تستطع بيوت وبنايات القرى والبلدات الفقيرة المتناثرة بقلب جبال الأطلس الكبير بالحوز، الصمود أمام قوته لتستوي مع الأرض، في مشهد كشف بوضوح كم أن التنمية بعيدة عن هذه المناطق. كما  تضررت مبان تاريخية في المدينة القديمة مدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وتعرّض مسجد تينمل التاريخي الذي يعود إلى القرن الثاني عشر إلى أضرار كبيرة أيضاً.

ورغم خطورة الهزة الأرضية التي ضربت المغرب، إلا أن السلطات المغربية على غرار نظيرتها الليبية أساءت التعاطي مع الكارثة سواء قبل أو بعد حدوثها. أولاً، تعلم السلطات المغربية أن تلك المنطقة مهددة بالزلازل، ورغم ذلك لم تشدد على ضرورة بناء مساكن قادرة على مواجهة هذا الخطر. ولم تساعد المواطنين في تلك المناطق على القيام بهذه الخطوة، وهي التي تدرك جيداً عوزهم وفقرهم وعجزهم عن شراء مواد البناء التي تعتبر مكلفة بالنسبة إليهم. وهذه الخطوة في حال حدوثها كانت ستجعل حصيلة القتلى أقل. 

صورة المغرب السياحية والرهان الخاسر

يفسر صحافي مغربي في المهجر رفض الكشف عن اسمه، هذا الأمر بقوله: “إن المنازل التقليدية، التي تنبني بالطين والطوب تحظى بشعبية واسعة بين السياح الأجانب المسافرين إلى الجبل من مراكش، إذ يشعرون أنهم قد سافروا عبر الزمن إلى قرون وعهود مضت. ولهذا، لا ترغب السلطات المغربية في أن تخسر هذا المورد الذي يجذب إليها عدداً كبيرا من السائحين. ولهذا، لم تشدد الإجراءات للحد من بناء هذه المساكن التقليدية، ولم تهيئ الظروف لتغيير هذا النمط من البناء، لأنها أساساً تريد ترك المنطقة ببدائيتها رغم إدراكها خطورة هذا التوجه. والسيئ في الأمر أن السلطات تستفيد من هذه المناطق على أكثر من صعيد، ولكنها لا تعمل على تحسين الخدمات فيها، وهذا ما كشفته الكارثة بشكل لافت”.

تأخرت فرق الإنقاذ المغربية في الوصول إلى المناطق الجبلية الأكثر تضرراً. ففيما باشرت الفرق المتخصصة سريعاً معاينة الأضرار في مدينة مراكش، بخاصة المباني التي تعد وجهة سياسية، واجه الناجون من الزلزال ظروفاً صعبة في الملاجئ المؤقتة التي يحتمون بها، بعدما أمضوا أربع ليال في العراء من دون تدخل من السلطات. وقد رصد الناشطون المغاربة ووكالات الأنباء استياء القرويين من عدم تلقيهم أي مساعدة من السلطات، واشتكى آخرون من كيفية إيصال المساعدات، بخاصة الغذائية التي رميت إليهم من الطائرات لتصل إلى الأرض وقد أتلفت. في الأثناء، لم يصل أي مسؤول إلى هذه المناطق باستثناء مسؤول وحيد يقول الأهالي إنه غادر سريعاً، فيما اختصرت زيارة ملك المغرب على بعض المستشفيات في مدينة مراكش. 

ملك المغرب يسيّس المساعدات

بعد ساعات من حدوث الزلزال، عرضت دول عدة الدعم، إلا أن المغرب قبلها من أربع دول فقط، وهي بريطانيا وقطر وإسبانيا والإمارات العربية المتحدة، رغم حاجة المتضررين من الكارثة الى الدعم. فمع انهيار منازل الطوب والطين التقليدية، تتحول إلى أكوام تراب بلا أي منافذ للهواء، وبالتالي تكون فرص النجاة أقل، وهو ما يتطلب سرعة تدخل من فرق الإنقاذ وتوافرها بأعداد مناسبة، وهو ما لم يحدث. إذ ارتأت السلطات المغربية أن تقيس الأمر بعيون السياسة، فرفضت العون لمواطنيها من دول ترى أنها لا تدعم مغربية الصحراء الغربية، وإن لم تصرح بذلك، على غرار الجزائر وفرنسا وألمانيا. في المقابل، كان أهالي المناطق المنكوبة يشتكون من تأخر فرق الإنقاذ والمساعدات حتى أنهم اضطروا لانتشال الجثامين المدفونة تحت أنقاض منازلهم المدمرة بأنفسهم ومن دون أي مساعدة من السلطات المعنية. 

عزلة جبل أطلس

كشف الزلزال أن قرى وبلدات جبال الأطلس الكبير الذي فقد أكثر من 1600 شخص من أبنائه، شبه معزولة عن العالم الخارجي، في ظل غياب طرق معبدة باتجاهها، وضعف الخدمات الاجتماعية والاقتصادية المقدمة لها وغيابها في أحيان كثيرة، وأن المغرب العميق ما زال هشاً جداً ويغرق في فقر كبير، وأن الخطاب الرسمي الذي يروج بفخر لمنجزاته في المدن الكبرى على غرار الطرق السيارة والقطارات السريعة، يغمض عينه عن تلك المناطق البعيدة عن ضجة الإعلام ويتركها لمصيرها وسط ظروف معيشية صعبة وغياب شبه تام للدولة. إذ كشف الزلزال غياب الطرقات المعبدة في إقليم الأحواز مركز الزلزال، حتى أن الأهالي اضطروا لاستخدام الحمير لنقل جثث موتاهم ولنقل المساعدات، وغيرها من الخدمات الضرورية. وتؤكد جملة من التقارير المغربية أن إقليم الحوز يضم أفقر المناطق على المستوى الوطني، على غرار منطقة إيغيل، بؤرة الزلزال، التي تعد إحدى أكثر مناطق البلاد فقراً.