fbpx

كيف دمّر الزلزال آخر ما تبقى من آثار سوريا؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم تنته جهود تقييم الأضرار التي خلفها زلزال تركيا وسوريا على الآثار التاريخية التي تلقت ضربة قاصمة خصوصاً في مدن مثل حلب. هنا محاولة لرسم مشهد الخسارة التاريخية التي تكبدتها آثار المدينة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يتفقد عرفان حيدر (36 عاماً) بقايا منزله، مسترجعاً ذكريات قديمة عاشها في البيت، الذي اضطر لتركه بعد زلزال 6 شباط/ فبراير الفائت.

المنزل القديم الذي عاش فيه عرفان، ليس مجرد جدران وسقف، هو جزء من ذاكرة المدينة القديمة في القدموس، ومن تاريخ شبه منسي مرتبط بالعمارة الريفية الساحلية، التي فقدت غالبية معالمها في سوريا، ولم يبقَ منها سوى القليل، بما فيها منازل الأحياء المحيطة بقلعة القدموس التي لحقها الضرر أيضاً بسبب الزلزال.

يخبرنا عرفان بأن عائلته تركت المنزل كما فعل جميع سكان الحي، مخلفين منازل قديمة عمرها أكثر من مئة عام، توارثوها عبر أجيال متلاحقة، وهي بيوت اعتمدت في عماراتها على الحجارة القديمة، وتبلغ مساحتها عادة 100 متر، تتألف من طابقين، وسقوفها خشبية مزخرفة أحياناً.

 يتحدث إياد غانم، من مؤسسة “جمعية أصدقاء المتاحف والمواقع الأثرية في مدينة القدموس”، عن المدينة قائلاً إن عمرها يتراوح بين 200 الى 300 سنة، وتصنَّف كبيوت تراثية لانطباق قانون الآثار السوري عليها، والذي حدد  عمر 200 عام ليسجَّل المبنى أثرياً. ويتابع غانم، أن هذه الأحياء القديمة تقع شرق القلعة وجنوبها، وتتكون غالبية مواد البناء فيها من الحجر المتوسط الحجم، والأرجح أنه مأخوذ من جسم القلعة ومعاد استخدامه في بناء تلك البيوت، إذ يمكن العثور، خلال توثيق الحجارة ومعاينتها، على نقوش أو تواريخ معينة.

أثّر الزلزال في الأحياء التراثية المحيطة بالقلعة والمحلات، ويوضح غانم أنهم لاحظوا تصدّع مئذنة جامع القدموس الأثري بشكل طولي، والذي يعود بناؤه الى نحو 950 سنة، وهناك نحو 62 منزلاً ومحلاً تجارياً متصدعاً أو تعرّض للانهيار.

 وعدت البلدية ومؤسسة الأغا خان بترميم البيوت وإعادتها الى شكلها السابق، فيما يعجز السكان  في غالبيتهم عن توفير كلفة الترميم، التي تتراوح ما بين 10 إلى 30 مليون ليرة سورية، بحسب الضرر الذي لحق في المنزل، وهي مبالغ مرتفعة بالنسبة الى منطقة تعاني أصلاً من فقر وأوضاع اقتصادية مزرية. والى حين تحقيق وعود الجهات المانحة، سيبقى عرفان وجيرانه موزّعين في بيوت للإيجار.

تقع بلدة القدموس في السلسلة الجبلية الساحلية، بالقرب من ممر جبلي يصل مدينة بانياس بمدينة مصياف، وتتوسط جبالاً وغابات. يشرح علي غالب حيدر، أحد أبناء المنطقة ومهتم بتاريخ البلدة، أن للقدموس قسطاً وفيراً من الكتابة عنها من مؤرخين عبر القرون، لا سيما مطلع القرن السادس والسابع الهجري، لأنها امتداد لسلسلة قلاع الدعوة أو القلاع النزارية الإسماعيلية.

تمتلك المنطقة معالم تاريخية مهمة بالنسبة الى أبناء الطائفة الإسماعيلية، مثل منزل شيخ الجبل الثالث سنان راشد الدين، أشهر قادة قلاع الدعوة، حسب ما يوضح حيدر، وكان له دور كبير في الحروب الصليبية، وهو مبني على نموذج جامع القدموس، بالإضافة الى مقام رمزي للإمام حسن علي الثاني الذي يمتلك قدسية كبيرة لدى أهل بلدة القدموس.

لم تسلم القلعة في البلدة من أضرار الزلزال، إذ انهار جزء من مقام سنان راشد الدين، وتساقطت الحجارة من الجرف الصخري الحامل للقلعة، كما انهار جزء من الكتلة الترابية، فضلاً عن وجود تصدعات في الكتلة الصخرية وغور المياه من البئر الأثري الموجود في حرم القلعة، وانهيار ستة منازل تراثية موجودة في حرم القلعة، ناهيك بانهيار بعض الحجارة من البوابة المؤدية الى القلعة، وفق ما ذكر غانم الذي عمل مع فريق على توثيق الأضرار في المنطقة وتقديم الإغاثة للسكان.

 حلب تتلقى ضربة جديدة

في حلب، تبدو الأضرار أكبر وأشد وضوحاً على مبانيها القديمة والأثرية، فالزلزال أكمل ما نسيته الحرب، إذ إن نسبة كبيرة من البيوت القديمة في هذه المدينة تعرضت للقصف أو وقعت انفجارات بقربها، ما جعلها في وضع فني سيء ولهذا انهارت بالكامل أو بشكل جزئي بسبب الزلزال.

يتحدث مهيمن باسل غطاس، طالب ماجستير آثار عصور كلاسيكية، وعضو في “جمعية العاديات” بحلب، قائلاً إنها ليست المرة الأولى التي تشهد فيها حلب زلزالاً مدمراً كالذي وقع أخيراً، فغالبية البيوت في المدينة القديمة حيث حصلت الأضرار، مبنية بعد زلزال عام 1822 الذي تسبب بهدم الكثير من البيوت ولم يتبقَّ إلا جزء بسيط منها. ويتابع غطاس، “لو مشينا في حلب القديمة، نلمس وجود نسيج زماني متنوع كبير أيوبي سلجوقي مملوكي فضلاً عن بعض الخصائص الكلاسيكية كالكنيسة الحلوانية”.

يأسف غطاس على مصير مدينته القديمة التي لطالما أحبها وارتبطت بذكرياته، فالبيوت فارغة تقريباً بعدما هجرها سكانها الخائفون من سقوطها على رؤوسهم أو أنها سقطت بالفعل، كما أن الأسواق القديمة تعاني من حالة جمود ولم تخرج بعد من الصدمة، بخاصة أن أزقتها ضيقة ونسبة الخطورة عالية فيها في حال تكرر الزلزال. يقول غطاس، “كثر من أصحاب المحلات هجروها بسبب الحرب إما داخلياً أو خارجياً، وغاب أهل حلب عنها أيام الحرب وظهرت أسواق جديدة، لهذا ركزت أعمال الترميم بعد هدوء المعارك على استعادة النسيج السكاني قبل العمراني، وهو أمر لم يكن سهلاً، وحينما بدأ الناس يتقبلون الفكرة تدريجاً، جاء الزلزال وسبّب أضراراً كبيرة في القبب التي وقع جزء منها، فعادت المحلات وأغلقت مجدداً”.

تعرضت القلعة، معلم حلب الأشهر، لأضرار عدة، تراوحت ما بين الخفيفة والمتوسطة، وفق المديرية العامة للآثار والمتاحف، إذ تضرر مدخل البرج المتقدم، وهو باب القلعة الرئيسي، ولوحظ هبوط في سقف الغمس للقوس الحامل لمدخل القلعة، كما تصدّع بلاط المدخل وحصل هبوط في عقد مدخل الباب للبرج، وسقطت أحجار عدة من سقف قنطرة المدخل.

سقطت أيضاً أجزاء من الأسوار الدفاعية الشمالية والشرقية والجنوبية والغربية، وحدثت تصدعات طويلة وخلع في واجهات مئذنة الجامع الأيوبي في القلعة، وانهار الجوسق العلوي لها، ومداميك عدة والكورنيش العلوي لواجهات صحن الجامع الأيوبي من الداخل. هذا وانهار جزء من مدخل البرج المملوكي من الشرق (من الخارج)، وجزء من الجدار الجنوبي للثكنة العثمانية، وجزء من سقف الثكنة، وتضررت صومعة الطاحونة العثمانية بشكل كبير، وتصدعت غرفة الطحن الشرقية، وسقف البرج المملوكي وواجهته، ناهيك بانهيار في مداميك عدة للقنطرة بجانب مدخل قاعة العرض، وحدوث تشققات في مدخل قاعة العرش.

قلعة صلاح الدين وأبراج صافيتا أيضاً

بالتوجه نحو المنطقة الساحلية، تتكشف أضرار أخرى طاولت مواقع أثرية مهمة، اختلفت شدتها بحسب الوضع الفني لكل موقع أثري قبل الزلزال، وشدة الهزة التي تعرض لها.

يخبرنا هادي إبراهيم، مدير المكتب الإعلامي في جمعية المتاحف والمواقع الأثرية، وناشط في مجال التراث الثقافي العالمي في مدينة صافيتا وما حولها، “حدثت أضرار في مواقع أثرية عدة، أهمها برج صافيتا الذي يتوسط المدينة، حيث سبب الزلزال تساقط أجزاء عدة من حجارة البوابة الشرقية لسور البرج، وتشققاً في الأرضية مع هبوط بسيط فيها، كما توسعت بعض الشقوق القديمة وانكسرت مانعة الصواعق”. ويلفت الى أن البرج يشكل نقطة العلام في صافيتا، وله قيمة معنوية لأهلها عموماً  والمسيحيين بخاصة نظراً الى وجود كنيسة قديمة فيه.

ومن الأضرار الأخرى في المنطقة، وقوع انهيارات كبيرة وواضحة للعيان في الجزء المتبقي من برج أم حوش الأثري، الذي كان في الماضي برج مراقبة واتصال بين قلاع الساحل السوري. يشرح ابراهيم أن البرج هو معلم أثري مسجل في لوائح الجرد الوطنية للآثار، لكنه ليس مقصداً سياحياً، فالمنطقة المحيطة به غير مؤهلة للسياح، ويحتاج اليوم الى إعادة بناء الجزء الذي تهدم بعد الزلزال. 

يقول  ابراهيم، إن الأضرار طاولت أيضاً موقع حصن سليمان الذي يبعد نحو 14 كم من مدينة دريكيش، والذي كان قديماً معبداً مخصصاً لعشتروت وبعل، وهو مميز بحجارته الضخمة، التي يبلغ وزنها نحو 50 طناً، وما من تفسير علمي مثبت لكيفية بناء البرج، وقد تسبب الزلزال بانزياح حجارة البوابة الشمالية للمعبد، وهي البوابة الرئيسية والأبرز.

يتابع ابراهيم الذي شارك في إعداد مسح لمواقع أثرية عدة بعد الزلزال، “في اللاذقية، شكّل الضرر الذي لحق بقلعة صلاح الدين في منطقة الحفة الحدث الأسوأ، لا سيما أنها موقع مسجل في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي منذ عام 2006، وهي قلعة صليبية سُميت باسم القائد صلاح الدين لأنه أقام فيها لفترة طويلة. ويوضح، “تعرض عدد من أبراج القلعة وأسوارها للانهيارات، وتساقطت بعض الحجارة من برجها الملكي”.

غالبية المواقع المتضررة بحاجة الى عمليات ترميم ستأخذ وقتاً طويلاً، وتحتاج تمويلاً كبيراً من الصعب تأمينه في ظل ظروف اقتصادية صعبة تمر بها البلاد،  فيما لم تجد حملات جمع التبرعات التي أُطلقت آذاناً صاغية، كالحملة التي أطلقتها جمعية المتاحف والمواقع الأثرية.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.