fbpx

“سبعة فصول شتاء في طهران”… ريحانة أعدمت لأنها دافعت عن نفسها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تصادف هذه الأيام الذكرى السنوية الأولى لمقتل الشابّة الإيرانية زينة (مهسا) أميني، التي تعرّضت للضرب والاعتقال من شرطة الآداب لأنها “لم ترتدِ حجابها بصورة صحيحة”؛ وأثناء احتجازها دخلت في غيبوبة وتوفيت بعد ثلاثة أيام، أميني واحدة من ضحايا النظام الإيرانيّ الكثيرات كما نرى في وثائقي “سبعة فصول شتاء في طهران”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تتزامن ذكرى مقتل الشابّة مهسا أميني التي أشعلت انتفاضة احتجاجية هزّت إيران طوال أشهر الخريف الماضي؛ مع عرض الفيلم التسجيلي “سبعة فصول شتاء في طهران”، الذي عرض للمرة الأولى في مهرجان برلين السينمائي هذا العام، ويتناول حكاية شابّة إيرانية أخرى أُزهقت روحها لأنها دافعت عن نفسها ضد مغتصبها. اسمها ريحانة جباري، وكانت تكبر مهسا بأربعة أعوام حين أُعدمت في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2014 بعد 7 سنوات من السجن الظالم.

قُتلت ريحانة ومهسا بسبب التشريعات والتفسيرات الدينية اللاإنسانية في إيران، لا يجمعهما المصير المؤسف فحسب، بل تحولهما إلى رمز  للشجاعة في مقاومة نظام الملالي، مثلما الكثير من مسيرات التضامن والاحتجاج المفتوح ضد نظامٍ يحمل في صميمه كراهية مؤسسية للنساء.

مذكرات القهر والموت… والأمل

“سبعة فصول شتاء في طهران” للمخرجة الألمانية شتيفي نيدرزول، فيلم استقصائي وحميمي وسياسي، يتجاوز الاكتفاء بتناول فضيحة قضائية ومحاكمة صورية، إذ يرسم صورة امرأة شابة تناضل من أجل الاكتفاء الذاتي وتقرير المصير أثناء وجودها في السجن. استناداً إلى محادثات هاتفية مسجلة سراً، ومذكرات ورسائل تمكّنت ريحانة من تهريبها خارج السجن، تظهر صورة متعددة الأوجه لهذه المرأة الشابة. من طالبة تمشي بجانب الحائط، إلى مقاتلة من أجل حقوق المرأة. تقول في مذكراتها، التي نسمعها بصوت الممثلة الإيرانية المغضوب عليها زار أمير إبراهيمي: “بدا لي أن معنی الحياة ليس مجرد التنفس والخياطة على الدوام ليل نهار…”.

نسمع أيضاً وصفها الجريمة، إذ تحكي كيف اقترب منها رجل في مقهى في ربيع عام 2007، قائلاً إنه لاحظ أنها تعمل كمصمّمة ديكور داخلي. بحجة أنه يريد تأثيث غرف جديدة، طلب منها الذهاب إلى شقته. وعندما وصلتْ طلبَ منها خلع حجابها وحثّها على ممارسة الجنس معه. فأمسكت بسكينٍ وهدّدت بطعنه إذا اقترب منها. أخبرها أنها لن تقدر على فعل ذلك أبداً، وأنه قوي جداً. طعنته، فسقط أرضاً.

مات الرجل، مرتضى عبد العلي سربندي، متأثراً بجراحه. قُبض على ريحانة للاشتباه في ارتكابها جريمة قتل مع سبق الإصرار، لكن الشرطة أخبرت والديها أن ابنتهما ارتكبت جريمتها وهربت. تقول الأمّ شعلة باكرافان إن الشكوك سرعان ما ظهرت في أن القضية كانت “سياسية”. 

وفقاً لعائلة جباري ومحاميها، كان سربندي عضواً سابقاً في جهاز المخابرات الإيراني، ولهذا أرادت الحكومة أن تتجنب بأي ثمن ربط “واحد منهم” بجريمة جنسية. يتفق هذا الافتراض أيضاً مع المعلومات التي جمعتها منظمات حقوقية مثل منظمة العفو الدولية، التي وصفت إعدام ريحانة بأنه “وصمة عار دموية على جبين حقوق الإنسان”.

ما تبع الاعتقال كان عملية إدانة الضحية ولومها، تعرّضت فيها جباري، البالغة من العمر 19 عاماً آنذاك، للضغط والتعذيب لتغيير أقوالها كي يتمكّنوا من تبييض وجه جهاز المخابرات وتبرير أساليبه، لكنها لم تستسلم. تمضي عامين في الحبس الانفرادي. وحتى قبل بدء المحاكمة، تُعاقب بـ30 جلدة “لقيامها بعلاقة محرّمة من دون اتصال جنسي”. في المحاكمة، يطرح القاضي في البداية تساؤلات لصالح المدّعى عليها، مثل سبب بقاء رجل عائلة متديّن مثل سربندي بمفرده مع امرأة غريبة في شقته. إلا إنه سرعان ما يُستبدل. القاضي الجديد ليس محامياً، بل عضواً في الحرس الديني. تقول جباري لعائلتها إن القاضي أخبرها أثناء المحاكمة أنه كان ينبغي عليها السماح باغتصابها ثم تقديم شكوى.

حين صدر حكم المحكمة في كانون الأول/ ديسمبر 2009، جاء في حيثياته جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار. وبناء على طلب من أقرب أقرباء المغتصِب القتيل، وفقاً لما تنصّ عليه الشريعة الإسلامية، حُكم على “المتهمة” بالإعدام شنقاً.

تشهد عائلة جباري هذا كله من بعيد، بلا حول ولا قوة، وبالكاد تستطيع التواصل مع ابنتها، التي لا تتورّع وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية على تصويرها كمنكسرة ومنبوذة. تحدثت المخرجة مع شعلة باكرافان وابنتيها الصغيرتين اللائي يقمن في برلين منذ سنوات عدة. لم تصوّر نيدرزول في إيران نفسها لأسباب أمنية، لكنها تمكّنت من الوصول إلى مقاطع هاتفية سرّية صوّرتها العائلة في السجن، من بين أماكن أخرى. كما أعادت المخرجة تمثيل المشاهد التي لا يمكن عرضها، مثل زنزانات سجن شهر ري سيئ السمعة، حيث أمضت جباري السنوات الأخيرة من حياتها.

ضحايا نظام الملالي

في العرض الأول للفيلم في مهرجان برلين السينمائي في شباط/ فبراير الماضي، بكتْ كثيرات من المشاهِدات؛ لكن هذا لا يعني أن المخرجة تلاعبت بمشاعر جمهورها باستخفاف. فقد ظلّ الفيلم التسجيلي الذي أخرجته نيدرزول هادئاً للغاية، كما لو أنها أرادت أن تعطي إطاراً صارماً للظلم الذي تصفه. وهذا أمر لافت بشكل خاص عند مقارنة “سبعة شتاءات” بالفيلم الروائي “عنكبوت مقدّس” لعلي عبّاسي، والذي يدور أيضاً حول العنف ضد النساء في إيران. هناك، تنتهي قصة القاتل المتسلسل المتديّن بطريقة متناقضة للغاية، بإعدام الرجل، ما يوحي بإقامة شيء من العدالة (بصرف النظر عن اعتباره بطلاً في أعين البعض).

” أنا ريحانة جباري، عمري 26 عاماً، وعلى بعد خطوات قليلة من الموت، الموت الذي أوقعه القاضي البارع بي. لكن هذا لا يخيفني. أريد أن أحكي قصتي للجميع. أريد أن يسمعها الناس ويتخذوا القرار بأنفسهم”

في “سبعة شتاءات”، تأتي عقوبة الإعدام كارثةً على جميع المعنيين، بما في ذلك عائلة المقتول. وذلك لأنه بموجب القانون الحالي، يجب على أقارب الضحية حضور عملية الإعدام. ومن المفترض أن يقوم جلال، الابن الأكبر لمرتضى سربندي، بسحب كرسي الإعدام من تحت قدمي المرأة المحكوم عليها. وفي أحد المشاهد، تصف والدة ريحانة محادثة هاتفية مع زوجة سربندي، وكيف حاولت تسوية الأمر وتحقيق مصالحة بينهما. الطريقة الوحيدة لتجنّب تنفيذ الحكم هي أن تمنح الأسرة المتضررة العفو. رتَّبتْ المرأتان للتحدث عبر الهاتف مرة أخرى، لكن سربندي لم تردّ على مكالماتها اللاحقة، كما تقول شعله باكرافان.

يظهر أيضاً جلال سربندي ضحيةً لنظام غير إنساني، غارقاً تماماً في الدور المفروض عليه باعتباره ربّ الأسرة الجديد. يوافق أخيراً على مسامحة ريحانة، ولكن بشرط تغيير أقوالها ونفي أن والده حاول اغتصابها. ترفض الشابّة الاقتراح، ما يثير رعب والدتها. تقول الابنة المحكوم عليها بالإعدام إن السنوات التي أمضتها في السجن جعلت موقفها أكثر تشدّداً، وأنها لم تعد تريد أن تنحني. لم تستسلم وبدلاً من هذا كتبتْ عن الواقعة التي تعرّضت لها، وعن كثيرات من النساء القابعات في سجون النظام، جريمتهن الوحيدة هي الفقر.

محاولات الحياة في السجن

يروي “سبعة شتاءات” أيضاً قصة تحرُّر وتمكين في السجن من بين جميع الأماكن، تختبر ريحانة جباري نوعاً من الحرية للمرة الأولى في حياتها تقريباً. تسيّس نفسها وتحرّرها، وتحظى بدعم زميلاتها السجينات، وعلى مدار فصول الشتاء السبعة التي أمضتها في السجن، تتطوَّر إلى مدافعة عن حقوق النساء الأخريات. في الفيلم، يروي عدد من السجينات السابقات كيف حمتهن ريحانة ووقفت إلى جانبهن. بالمثل، أصبحت والدتها شعلة باكرافان، شيئاً فشيئاً، مناضلة من أجل المسجونين/ات ظلماً في إيران، وفي سبيل إلغاء عقوبة الإعدام في البلد الذي يعدّ أكبر منفذ إعدامات في العالم (للمفارقة الحزينة، انتقاد عقوبة الإعدام في إيران يُعتبر “إفساد في الأرض”، والذي بدوره يُعاقب بالإعدام). 

في نهاية الفيلم، تصوّر كاميرا هاتف محمول وجه الأمّ أثناء جلوسها في السيارة خارج السجن يوم تنفيذ حكم الإعدام بحقّ ابنتها، على أمل أن تُظهر عائلة سربندي الرحمة. زمنٌ عصيب وثقيل، مطبوع بحالة من اللاطمأنينة وعدم اليقين بشأن ما إذا كان من الممكن إنقاذ الإبنة أو ما إذا كان سينفّذ بحقّها حكم الإعدام. لكن، على أبعد تقدير، منذ اللحظة التي تتلقّى فيها الأمّ نبأ وفاة ابنتها، كان ينبغي إيقاف تشغيل الكاميرا.

“كيف يتحمّل المرء كل هذا؟!” تواصل شعلة باكرافان حالياً النضال من برلين من أجل المضطهدين/ات والمسجونين/ات في إيران. قامت بالتعاون مع شتيفي نيدرزول بتأليف كتاب عن حياة ابنتها، حمل عنواناً دالاً وحزيناً: “كيف تصبحين فراشة”. بعد العرض الأول للفيلم في “برلين”، قالت باكرافان لصحيفة ألمانية “إنها تمكّنت من النوم من دون حبوب منوّمة للمرة الأولى منذ وفاة ابنتها”.

كان من المهم بالنسبة الى ريحانة أن تحيا قصتها بعد موتها. “سبعة شتاءات في طهران” يمنح قضيتها هذه الفرصة. يُسمع صوتها في تسجيل هاتفي حمل إحدى رسائلها إلى أمّها: “أنا ريحانة جباري، عمري 26 عاماً، وعلى بعد خطوات قليلة من الموت، الموت الذي أوقعه القاضي البارع بي. لكن هذا لا يخيفني. أريد أن أحكي قصتي للجميع. أريد أن يسمعها الناس ويتخذوا القرار بأنفسهم… لقد جرّبت الموت مرات عدة في حياتي، لكن تحمُّل الظلم وانعدام العدل أصعب من الموت”.

في هذا الشهر، حيث تحلّ ذكرى مقتل مهسا أميني، يمكن أن يشتعل الغضب مجدداً بين الكثير من الإيرانيين والإيرانيات بسبب القمع الذي يمارسه النظام الثيوقراطي. ومرة أخرى، يتعيّن على المرء الافتراض الحزين أن أحكام السجن والإعدام ستتبع هذا التوق المتجدّد الى الحرية والتحرّر.

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 17.05.2024

مدارس “الأونروا” المدمرة مأوى نازحين في خان يونس

على رغم خطورة المكان على حياة أفراد العائلة، بسبب احتمال سقوط بعض الجدارن أو الأسقف على رؤوسهم، قررت العائلة الإقامة في أحد الصفوف الدراسية، وبدأت بتنظيفه وإزالة الحجارة والركام من المساحة المحيطة به، وإصلاح ما يمكن إصلاحه.