fbpx

الحوار الوطني في مصر… حملة “علاقات عامة” موازية لماكينة القمع

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ظلت أسرة زهران لا تعلم عنه شيئاً حتى ظهوره في نيابة أمن الدولة على ذمة قضية سياسية، هو متهم بـ”نشر أخبار كاذبة”، و”الانضمام الى جماعة إثارية” على رغم مشاركته بجلسات الحوار الوطني، في لجنة التعليم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تلقى الدكتور محمد زهران، مؤسس الاتحاد الوطني المستقل للمعلمين المصريين، في 30 آب/ أغسطس، اتصالاً للحضور الى مقر الأمن الوطني في العباسية، وبالفعل ذهب وفقاً للموعد المتفق عليه، واختفى من دون أثر.

ظلت أسرة زهران لا تعلم عنه شيئاً حتى ظهوره في نيابة أمن الدولة على ذمة قضية سياسية، هو متهم بـ”نشر أخبار كاذبة”، و”الانضمام الى جماعة إثارية” على رغم مشاركته بجلسات الحوار الوطني، في لجنة التعليم.

زوجة زهران قالت لـ”درج”‘ إنه في اليوم نفسه الذي تم استدعاء زوجها الى مقر الأمن الوطني، تلقت اتصالاً آخر لإرسال هاتفه المحمول الى المقر، وبالفعل توجهت لتركه على الباب، ومنذ ذلك التاريخ لم تعلم الأسرة عنه أي معلومات أو مكان وجوده، حتى أخبرها أحد المحامين أن زوجها ظهر في نيابة أمن الدولة، متهماً على ذمة القضية 2123  لسنة 2023 أمن دولة عليا. وتم نقله الى سجن العاشر من رمضان حتى صدر قرار آخر من النيابة بإخلاء سبيله في 16 أيلول/ سبتمبر.

السبب الرئيسي للقبض على زهران يعود الى إعلانه المشاركة في حفل لمناسبة يوم المعلم المصري، والذي كانت إقامته مقررة في 10 سبتمبر/ أيلول بمقر حزب المحافظين، ومشاركته ضمن جلسات لجنة التعليم في الحوار الوطني لعرض رؤيته لتطوير تلك المنظومة التي يدافع عنها من سنوات.

عقب اعتقال زهران، أعلنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إحدى المؤسسات المشاركة في الحوار الوطني، تعليق مشاركتها، بعدما اعتبرت الأمر بمثابة رسالة تهديد مباشرة لحرية وسلامة المواطنين الذين قبلوا المشاركة وتقديم رؤاهم ومقترحاتهم كخبراء أو كممثلين عن قوى سياسية أو نقابية أو منظمات مدنية، وأن هذه السابقة تستوجب رد فعل حاسماً من مجلس أمناء الحوار ومقرري محاوره ولجانه بما يتسق مع مسئوليتهم عن حماية المشاركين في أعماله.

قرارات العفو أو إخلاءات السبيل أصبحت “شحيحة”جداً أخيراً، “هي هزيلة طول الوقت وبقت قليلة جداً مؤخراً، وغالباً هتقل مع دخول الانتخابات”.

مسار الحوار الوطني ومنظومة الأمن

يعقب أحمد النديم، المدير التنفيذي للجبهة المصرية لحقوق الإنسان، بأن الدولة سعت بالقبض على زهران الى إيصال رسالة مفادها، أن هناك مسارين مختلفين في مصر، مسار الحوار الوطني ومسار منظومة الأمن والقضاء في مصر، وهو ما يشير إلى أن ماكينة القمع مستمرة ولن توقفها أي حوارات وطنية وفقاً لقوله. 

وحول إخلاء سبيل زهران، يشير النديم إلى أن إعلان عدد من مؤسسات المجتمع المدني تجميد المشاركة ربما يكون سبباً ولكنه ليس السبب الأساسي، الذي يكمن في ما وصفه بـ”الضغط من إدارة الحوار الوطني ولجنة العفو الرئاسي”، لما رأته من “حرج” حول اعتقال شخص مشارك في الحوار الذي دعا إليه الرئيس. أضاف النديم أيضاً أنه من الممكن أن يكون إخلاء السبيل سببه تزامن الاعتقال مع النقاشات حول حجب جزء من المعونة الأميركية الموجّهة الى مصر، بسبب ملف حقوق الإنسان وما يحيط به من انتهاكات.

أضاف النديم لـ”درج”، أن سابقة القبض على أحد المشاركين في لجان الحوار الوطني على رغم إخلاء سبيله، توضح أن الحوار الوطني ليس إلا “أكبر حملة علاقات عامة وبروباغندا من السلطات حاولت من خلالها الإيحاء بأن هناك تحسناً في الأوضاع الاقتصادية والسياسية وغيرها”. وهو ما يبعث برسالة أخرى من الدولة، مفادها أنه لا يوجد شخص محصن من تلك الماكينة المستمرة في الملاحقات الأمنية، حتى لو كان هذا الشخص عضواً في حدث ترعاه الدولة، وهو ما يهدد باقي المشاركين، بخاصة ممن سيناقشون ملفات “تزعج” السلطة.

بروباغندا من دون أثر على الواقع

تم الإعلان عن إخلاء سبيل قائمة من 34 شخصاً إلى جانب زهران بقرار من النيابة العامة، ولكنها ليست بأسماء جديدة، بل أعلن عنها سابقاً في آب الماضي، وهذا ما يوضحه النديم  قائلاً إن القائمة سيتم الترويج لها باعتباره جديدة، ولكنها تضم 27 اسماً تم الإعلان عنها من قبل، ولم تنفذ قرارات إخلاء سبيلهم، حتى صدرت القائمة مجدداً مع إزالة 5 أسماء، وإضافة 3 أشخاص جدد، منهم محمد ممدوح عبد الحليم الشهير بكاريوكي وأحمد محمد خليفة، بعد إمضائهما ما يقرب من 4 سنوات بالحبس الاحتياطي، منذ القبض عليهما في 2019.

إخلاء سبيل مع وقف التنفيذ

في 19 آب الماضي، نشر عضو لجنة العفو الرئاسي طارق العوضي، قائمة بأسماء 30 محبوساً، معلناً أنه صدرت قرارات بإخلاء سبيلهم، ليتضح عقب ذلك أن القرارات لم تنفذ، وظل المحبوسون يجّدد حبسهم، وأخبرت النيابة محاميهم بأن القائمة لم تصدر بالفعل، وبالتالي لم تصل الى السجون أي قرارات لإخلاء سبيلهم.

تزامن الأمر مع نشر جريدة الوطن المصرية قائمة بإخلاء سبيل محبوسين، تحت عنوان “العفو الرئاسي فرحة في البيوت”، وجاء في متن الخبر أنه تم إصدار 6 قرارت عفو رئاسي لمحكوم عليهم، بالإضافة الى قائمة تجمع 30 سجيناً لمنحهم وفقاً للحبر “فرصة جديدة في المجتمع”.

لم يتوقف ما يمكن وصفه بماكينة القمع والملاحقات الأمنية، منذ بداية الحوار الوطني، عكس ما يروج له من الدولة والإعلام الذي يتبع السلطة، وهو الأمر الذي يؤكده النديم لـ”درج”، بأن قرارات العفو أو إخلاءات السبيل أصبحت “شحيحة”جداً أخيراً، “هي هزيلة طول الوقت وبقت قليلة جداً مؤخراً، وغالباً هتقل مع دخول الانتخابات”.

يرى النديم أنه لا يمكن النظر الى من يحصلون على قرار إخلاء سبيل أو عفو رئاسي حتى وإن كانت أعدادهم قليلة، من دون النظر الى الجانب الآخر من أشخاص جدد يدخلون في دائرة الحبس، وأنصار مرشحين محتملين، كما حدث مع أعضاء حملة المرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي، ففي التوقيت نفسه، خرج طنطاوي ببيان يؤكد خلاله ملاحقة أعضاء حملته الانتخابية، والقبض على 6 منهم حتى الآن وتوجيه التهم المعتادة إليهم، بجانب إرهاب آخرين وتهديدهم.

أكدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في بيان لها، أنها وثقت تورط فروع قطاع الأمن الوطني في 13 محافظة مختلفة في اعتقال 35 عضواً على الأقل من بين المتطوعين المسجلين في حملة الطنطاوي، في أقل من ثلاثة أسابيع. وكشفت تعرض بعض هؤلاء المتطوعين للاعتقال من منازلهم أو أماكن عملهم أو في طريقهم للقاء بالمرشح، بينما تلقى البعض الآخر استدعاءات للحضور الى فرع الأمن الوطني الأقرب الى محل سكنهم، حيث ألقي القبض عليهم. وبعد إخفاء المعتقلين أياماً عدة في أماكن احتجاز غير معلومة، قام الأمن الوطني بترحيلهم إلى القاهرة ثم عرضهم تباعاً أمام نيابة أمن الدولة العليا التي اتهمتهم بالانضمام الى جماعة “إثارية” ونشر أخبار كاذبة، وأمرت بحبسهم جميعاً.

يتفق حقوقيون ومدافعون عن حقوق الإنسان حول جلسات الحوار الوطني بوصفها “حملة علاقات عامة” للدولة، تستمر معها ماكينة القمع المتمثلة في ملاحقة المعارضين، سواء بالقبض عليهم أو التهديد، والاستمرار بالاحتفاء غير الحقيقي بإنجازات في الملف، لا يراها سوى النظام وأتباعه.