“خليكي في بلدك” تلتها رسائل من الضحك الساخر…
هكذا رد رجل الأعمال المصري كامل أبو علي على سؤال “درج” عن سبب حصوله على الجنسية الدومينيكية. لم يرغب رجل الأعمال المصري الشهير بالردّ على أسئلتنا بل اكتفى بالقول “حنشوف” عندما أبلغناه أنّنا أرسلنا له حق الردّ عبر البريد الالكتروني. وتبع ذلك بإلغاء جميع الرسائل من جهته.
ورد اسم كامل أبو علي في “الجريدة الدومينيكية الرسمية” التي تشمل الأشخاص الحاصلين على الجنسية الدومينيكية إما بدفع 200 ألف دولار أميركي في حال تكوّنت العائلة من 4 أشخاص (وهذا حال أبو علي)، أو عبر الاستثمار على أراضيها بهذه القيمة أيضاً. أبو علي اختار الاستثمار في الجمهورية الدومينيكية، وفقاً للوثيقة التي اطلع عليها “درج”، وبالتالي حاز وزوجته وأولاده على الجنسية.
يأتي هذا التحقيق في سياق مشروع “باسبورات الكاريبي” الاستقصائي العابر للحدود الذي يقوده مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد (OCCRP) بمشاركة مشروع مراقبة الحكومة Government Accountability Project وهي منظّمة غير ربحية مقرها واشنطن، وعدد من المنصّات الصحفية في أكثر من 20 دولة، من بينها موقع “درج”. يكشف المشروع عن شراء نحو 7700 شخص للجنسية الدومينيكية التي تمكّنهم من السفر العالمي بدون تأشيرة. وتتضمّن هذه اللائحة مجموعة متنوعة من السياسيين ورجال الأعمال المشبوهين أو المجرمين والخارجين عن القانون.
يشير القانون المصري رقم ٢٦ لسنة ١٩٧٥ وتعديلاته إلى أنّه: “لا يجوز لمصري أن يتجنس بجنسية أجنبية إلا بعد الحصول على إذن بذلك يصدر بقرار من وزير الداخلية، وإلا ظل معتبرا مصريا من جميع الوجوه، وفى جميع الأحوال ما لم يقرر مجلس الوزراء، إسقاط الجنسية عنه طبقا لحكم المادة ١٦ من هذا القانون“ والتي تنصّ على إجازة بقرار مسبب من مجلس الوزراء إسقاط الجنسية المصرية عن كل من يتمتع بها في حالات عدة، ومنها الحصول جنسية أجنبية بدون موافقة مجلس الوزراء.
رغم ذلك، حصل أبو علي وعائلته على الجنسية الدومينكية والمرجح أنه حاصل على الجنسية السويسرية أيضاً لأنه عاش فيها أكثر من 12 عاماً متواصلين، وتعتبر هذه الفترة الزمنية المطلوبة للحصول على الجنسية، وفقاً القانون السويسري.
حاولنا التواصل مع وزارة الداخلية المصرية الذي يرأسها حالياً اللواء محمود توفيق عبر بريدها الالكتروني لمعرفة خلفيات قبول حصول أبو علي على جنسية أجنبية، لكننا لم نحصل على رد.
الجنسية الدومينيكية
نشأ وكبر كامل أبو علي في مصر قبل أن يتوجه إلى سويسرا للدراسة، وعمل نادلاً في المطعم أثناء دراسته، ويحرص على أن تكون هذه القصة افتتاحية خطاباته في الحفلات التي يقيمها في منتجعاته. بعد 15 عامًا في سويسرا، حصل على أسهم في نادي “نيوشاتيل” السويسري وبعدها، تزوّج من السيدة فايزة النحالي الحاملة للجنسية السويسرية.
لم يجب نادي “نيوشاتل” السويسري على أسئلة “درج.
حاز أبو علي على الجنسية الدومينيكية عام 2018 بعد تسجيل شركته “Egyptian Swiss Co. For Integrated Development” وفقاً للائحة الجنسيات الدومينيكية الممنوحة لغير الدومينيكيين، واطلع عليها “درج”.
خلال مرحلة الانتقال السياسي ووصول عبد الفتاح السيسي إلى سدّة الرئاسة عام 2014 وإعادة انتخابه في 2018، انتشرت ظاهرة شراء الجنسيات نتيجة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وضعف جواز السفر المصري في السنوات العشر الأخيرة، وهذا ما أكده النائب السابق والمعارض أيمن نور لـ”درج”، خصوصاً وأن الجواز البديل يوفّر الحماية الأمنية. وأضاف نور أنه لا يعرف أبو علي بشكل شخصيّ، بل بصورة عامة فقط، وأكد لـ”درج” أنّ أغلبية رجال الأعمال في مصر مضطرون لتمويل وإرضاء رئيس الجمهورية موضحاً أن “اللي ما يعملش كدة، بيتقبض عليه”.
أما الأسباب الإضافية للحصول على جنسية أخرى هي :
1. الغموض الاقتصادي: كانت مصر في عملية تغيرات اقتصادية كجزء من برنامج القرض من صندوق النقد الدولي، والتي تضمنت إجراءات مثل خفض الدعم، وتحرير سعر الصرف، وتبني إجراءات التقشف. تسببت هذه الإصلاحات بتقلّب اقتصادي، مما أدى إلى زيادة التكاليف لبعض الأفراد والشركات. لذا يلجأ بعض رجال الأعمال إلى الحصول على جواز سفر ثانٍ كوسيلة لتعزيز مرونة استثماراتهم وأصولهم، خصوصًا إذا تفاقمت الأزمات الاقتصادية.
2. تنويع الأصول: حصول الأفراد على جنسية ثانية يتيح لهم فرصة تنويع أصولهم واستثماراتهم في بلدان مختلفة. يهدف هذا التنويع الاستراتيجي إلى حماية ثروتهم من التقلبات الاقتصادية المحتملة أو الاضطرابات السياسية في بلدهم.
3. سهولة السفر: تقدم دول الكاريبي من بينها دومينيكا امتيازات السفر بدون تأشيرة عند الوصول لحاملي جوازات سفر من دول محددة.
4. الوصول إلى فرص الاستثمار: تقدم دومينيكا برامج منح الجنسية أو إقامة دائمة مع حوافز استثمارية متنوعة من خلال الحصول على جواز سفر، يمكن للأفراد الوصول إلى طرق جديدة للأعمال والاستثمار في الخارج.
قد تكون هذه الأسباب التي دفعت أبو علي للاستثمار في دومينيكا للحصول على جنسية ثانية. لكن، لم هذه الجنسية بالتحديد دون غيرها؟
تقدم جمهورية دومينيكا عدد من التسهيلات على أراضيها حسبما يفيد موقعها الالكتروني، لذا، شكلت نقطة جاذبية لأصحاب رأس المال، أبرزها:
1- مزايا ضريبية: لا تفرض دومينيكا ضرائب على الثروة أو الهبات أو الميراث أو رأس المال المكتسب على مواطنيها. وبالتالي تمكّن مواطنيها من الحدّ من الأعباء الضريبية.
2- فرص استثمارية متنوعة: في مختلف قطاعات اقتصاد دومينيكا، بما في ذلك البنية التحتية والسياحة والتنمية المستدامة. يساهم المستثمرون بشكل غير مباشر في نمو البلد.
العلاقات المتشعبة
تتّعدى شبكة علاقات الملياردير ورجل الأعمال المصري كامل أبو علي رجال الأعمال المصريين، إذ تشمل لاعبي كرة قدم عالميّين أيضاً. عام 2018، ولدى وصول اللاعب الفرنسي كريم بنزيما، المهاجم السابق لنادي ريال مدريد الإسباني لكرة القدم، إلى ساحل البحر الأحمر وتحديداً منطقة الغردقة المصرية، كان أبو علي في استقباله في المطار بدعوة من الأخير لحضور حفل افتتاح منتجعه في منطقة مرسى علم، ورافقه إلى أحد منتجعاته السياحية وتحمل اسم “بيكالباتروس“.
سبق واستقبل أبو علي في سلسلة منتجعاته عائلة المهاجم البرتغالي كريستيانو رونالدو عام 2017، وكذلك المدافع الإسباني سيرجيو راموس عام 2019 مع عائلته. اشتهر أبو علي باستضافته لمشاهير كرة القدم، وقد يكون سبب ذلك علاقته الوطيدة برئيس “الفيفا” السويسري جيوفاني إنفانتينو.
يتمتع أبو علي بسلسلة من العلاقات السياسية المتشعبة، ففي مجال عمله في مصر، كان لا بد له من تطوير عمله السياسي أيضاً وهذا يفسر انتشاره بقوة في السوق التجاري والسياحي.
قبل ثورة 25 يناير 2011 التي اندلعت في مصر لإسقاط نظام حسني مبارك والذي استمر نحو 40 عاماً، كان أبو علي من الشخصيات الأساسية لتقديم الدعم المادي وتمويل حزب “مستقبل وطن” الذي كان يرأسه مبارك.
يطلق على “مستقبل وطن” اسم “حزب الرئيس”، أي رئيس النظام المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، ليس لأنه جزءً منه فقط، بل لأن الحزب نفسه يدعم السيسي، وفقاً لرئيسه محمد بدران، إذ أكد لقناة “بي بي سي العربية” أن “الحزب يدعم السيسي لأنه يهتم بالوطن”. كما شدد بدران أيضاً على أن تمويل حزب “مستقبل وطن” يأتي من رجال أعمال مصريين وسمّى كامل أبو علي من بين هؤلاء.
جانب آخر لدعم أبو علي للسيسي يتمثل بشكره لرئيسه إذ ساهم السيسي في إعادة بناء استاد “نادي المصري” في أيار/مايو 2023، أي الملعب المخصص للنادي، معتبراً قرار السيسي “تاريخي”. بموازاة ذلك، تعاقد نادي “المصري” مع شركة “زيلا كابيتال” التي يرأسها رجل الأعمال المصري وائل زيادة – ليكون المنسق المالي الحصري لإطلاق مشروع جديد لتطوير مجمع استادات بتكلفة استثمارية تصل إلى 4 مليارات جنيه أواخر عام 2022، أي ما يقارب 180 مليون دولار في وقت تمرّ فيه مصر بأزمة اقتصادية خانقة بدأت في آذار/مارس 2022 نتيجة ارتفاع التضخم وانخفاض الاحتياطي النقدي الأجنبي، أي الدولار الأميركي.
المفارقة أنّ زيادة عضو في مجلس إدارة “بنك القاهرة“، والمصرف بدوره مملوك من “بنك مصر” بنسبة 99 في المئة، وجرى ذلك منتصف 2022، وتحديداً في شهر نيسان/أبريل. أما “بنك مصر”، هو مملوك من الدولة إذ 100 في المئة من أسهمه مملوكة من الحكومة المصرية، وفقاً لـموقع المصرف الرسمي.
بحسب التسلسل الزمني للأحداث، وبعدما اشترى “بنك مصر” 99 في المئة من أسهم “بنك القاهرة” بعام واحد تقريباً، تعاقد أبو علي مع شركة زيادة بمبلغ استثماري ضخم مقارنة بالأوضاع الاقتصادية الحرجة في مصر.
لم يجب زيادة على أسئلة “درج” المتعلقة بشراكته مع أبو علي.
النائب السابق (2015 -2020) والمخرج المصري خالد يوسف شارك أبو علي عدد من الأفلام أيضاً أبرزها “ويجا”، و”خيانة مشروعة”، و”كف القمر”. يوسف عليه الكثير من الجدل واتهامات جنسية متعلقة بالتحرش حتى رفع المحامي سمير صبري دعوى قضائية ضده وطالب بإنهاء عضويته في مجلس النواب، وفقاً لمنصة “المصري اليوم“.
رفض يوسف أيضاً تعديل الدستور عام 2019 معتبراً أنها تراجع عن الديمقراطية، واعتبر أن ما يحصل من تسريبات عنه على مواقع التواصل الاجتماعي مجرد حملة ضده مستخدمًا الحصانة النيابية لحمايته من الدعاوى القضائية.
لم نحصل على رد من كلّ من يوسف وصبري.
يد في كل القطاعات
عاد أبو علي إلى مسقط رأسه، مصر، عام 1992 ليؤسس علامته التجارية الخاصة تحت اسم فنادق ومنتجعات “Pickalbatros” على ساحل البحر الأحمر في الغردقة. كما أنشأ قرى وشركات سياحية، إلى جانب شركة لإنتاج الأفلام وهي “الباتروس“، وأشهر الأفلام التي أنتجها أبو علي هي “زكي شان”، و “جعلتني مجرماً”، و”مطب صناعي”، و”كف القمر”، وغيرها. بعدها بفترة وجيزة، تمكن من إحراز مكاناً على لائحة كبار رجال الأعمال في مصر ليصبح مليارديراً ورئيساً لمجلس إدارة “جمعية الاستثمار السياحي بالبحر الأحمر“.
أما على الصعيد الإعلامي، يملك أبو علي أسهماً في شركة “إعلام المصريين” المملوكة جزئياً من الحكومة المصرية. تحت مظلة هذه الشركة، يقع عدد من المؤسسات الإعلامية الضخمة أهمها “اليوم السابع”، و”أون”، والحياة”. لا بدّ من الإشارة أنّ المخابرات العامة تملك جزءً من هذه المؤسسات أيضاً، منها قنوات تلفزيونية وأخرى منصات الكترونية وورقية أيضاً.
في الوقت نفسه ومستفيداً من علاقاته الرياضية في سويسرا، انتخب رئيساً لـ”نادي المصري” لكرة القدم عام 1997 وامتدت ولايته عام واحد فقط وفاز حينها بلقب الدوري المصري لكرة القدم الذي يعتبر دوري ذات مقاييس عالية. لكنه عاد وعيّن مجدداً بعد الثورة المصرية رئيساً للنادي، واستقال بعد مجزرة “بورسعيد”.
وقعت مجزرة “بورسعيد” المرتبطة بـ”نادي المصري” عام 2011 عقب اندلاع “ثورة 25 يناير” لإسقاط نظام مبارك. حينها، اتُهم جمهور نادي أبو علي بالهجوم على جمهور نادي “الأهلي” ذات القاعدة الجماهيرية الضخمة في مصر وقتل أثناءها أكثر من 70 شخصاً. كان فريق “الأهلي” وقتذاك مناصراً للثورة المصرية، لذا اعتبر كل من الإدارة والجمهور وكذلك اللاعبين أن الهجوم كان منظّماً ومخططاً له بسبب غياب التفتيش قبل الدخول إلى المباراة واستسهال تعامل رجال الأمن مع المعتدين، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية.
بعد الاستقالة والمجزرة، عيّن أبو علي مجدداً عام 2022 رئيساً للنادي ويستمر في ترؤسه حتى اليوم. إلاّ أن في الآونة الأخيرة، نشبت مشاكل مالية بين الإداريين دفعت أبو علي بتقديم استقالته لكن رفضها المجلس مراراً وتكراراً كما غرّم المدير الفني حسام حسن بمبلغ مالي نتيجة الخلافات.
سياحياً، يملك أبو علي شركات وفنادق سياحية داخل مصر وخارجها. ترتكز منتجعاته السياحية التي تستقبل النجوم والمشاهير في الغردقة وشرم الشيخ. في التفاصيل، لدى أبو علي ستة منتجعات سياحية في شرم الشيخ ومرسى علم، وثلاثة منتجعات بخليج نبق وخليج نعمة في شرم الشيخ، وثلاثة منتجعات إضافية في مدينة مرسى علم، وبطاقة فندقية تزيد عن 1250 غرفة وجناح فندقي فاخر ومتميز. بالإضافة إلى إدارة مجموعته لـ14 منتجعاً في شرم الشيخ والغردقة وسهل حشيش ومرسى علم.
قضية نجله
في منتصف عام 2021، وقع حادث سير أودى بحياة مهندسة ديكور مي اسكندر في الغردقة، أي معقل كامل أبو علي السياحي، وأوضحت كاميرات المراقبة أن من ارتكب الحادث هو هيثم أبو علي، نجل كامل أبو علي، الحاصل على الجنسية السويسرية لأن والدته سويسرية الأصل.
لم يكن حادث السير السبب الوحيد الذي وضع هيثم أبو علي خلف القضبان لمدة ثلاث سنوات، بحسب قرار محكمة النقض، وهي أعلى محكمة في مصر وتمثل قمة الهرم القضائي. فعدا عن مروره عكس السير بسرعة قصوى تجاوزت المسموح به في قوانين السير على طريق الغردقة، لم يكن هيثم أبو علي بوعيه لأنه كان تحت تأثير المخدرات وأثبتت النيابة العامة ذلك، إلاّ أن محكمة النقض برأته من هذه التهم.
علّلت المحكمة حكم البراءة بأنه تناول المخدرات في سويسرا أي قبل وصوله إلى مصر، وبالتالي لا يحكم عليه بمخالفة القانون المصري، علماً أن أبو علي اعترف أنه تناول مواد مخدرة، بحسب صحيفة “الدستور“.
لذا، قرّرت المحكمة الآتي: “ببراءة هيثم كريم كامل حسن أبوعلي عما أسند إليه بالتهم الأولى والثالثة والرابعة الواردة بأمر الإحالة”، وهي المتعلقة بتناول المخدرات والكحول، وفقاً لـ”الدستور“.
كما غرمت المحكمة نجل أبو علي 50 ألف جنيه (ألفا دولار أميركي) ومليون جنيه تعويض مدني مؤقت أي ما يزيد عن 40 ألف دولار أميركي مع أشغال شاقة في السجن.
