fbpx

غزة… النجاة في ظل “الانتقام الإسرائيلي”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يحاول الفلسطينيون في قطاع غزة تحمّل الوجع والصمود، والتمسك بما تبقى لهم من أرض، والاستمرار على قيد الحياة، والدفاع عن حقهم في المقاومة، والدفاع عن مشروعهم الوطني وما يحاك ضد القضية الفلسطينية، وإن كانت خلف هذه الحرب أهداف سياسية مشبوهة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بكى يوسف وقال لي: “مش طالع من البيت وين بدنا نروح؟… هي هجرة جديدة، جدي رحمه الله قال لي: الهجرة كانت ذلاً وإهانة وضياعاً، وأهوالها كانت كبيرة، نكبتنا ما كانت بس أنو خسرنا  أنا وأخي محمد 250 دونماً من الأرض، إنما بتحوّلنا إلى لاجئين، فقدنا إنسانيتنا وحياتنا وكل ما نملكه وما صفيلنا غير جمل وحمار، بس استطعنا التسلل لقريتنا (برير) المجاورة لمستوطنة (سديروت) المقامة على أنقاض قرية (نجد) الفلسطينية المدمرة 1948،  شمال شرقي غزة، ورجعنا جزء من يلي خزّناه من قمح”.

سمعت الحكاية السابقة فجر الجمعة 13 تشرين الأول/ أكتوبر، وهو اليوم السابع من الحرب الانتقاميّة الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة. تزامن ذلك مع الأخبار حول إصدار الجيش الإسرائيلي أمراً عسكرياً بالإخلاء، إذ على سكان شمال محافظة غزة ومدينة غزة وخلال 24 ساعة، التوجه جنوب وادي غزة،  أو حسب بعض الأصوات الإسرائيلية، الهجرة إلى شبه جزيرة سيناء، السيناريو الذي أقل ما يمكن وصفه بـ”التهجير القسري”.

هذا البلاغ المخيف لا يوصف إلا بـ”أمر ترحيل”، ومقدمة لتهجير كارثي وخشية من الترحيل إلى خارج القطاع، الأمر الذي لن يتسبب  فقط  بأزمة إنسانية فظيعة، بل هو خطوة نحو تصفية القضية الفلسطينية، خصوصاً أمام الشكوك من الموقف الأميركي الذي يضغط على بعض الدول العربية، بخاصة مصر، لفتح ممرات إنسانية عبر معبر رفح، الشأن الذي يمكن أن يوصف بتسهيل تهجير الفلسطينيين.

تزامنت الأخبار السابقة مع نبأ إصابة بيت أشقائي بأضرار،  وإصابة أحد أشقائي وأبنائهم في رفح،  جراء استهداف بيت جارهم بالصواريخ من دون سابق إنذار، ومقتل اثنين من أبناء جيرانهم.

بكى يوسف وقال لي: “مش طالع من البيت وين بدنا نروح؟… هي هجرة جديدة

بين النجاة والتمسك بالأرض

قبل مغادرة البيت والتوجه إلى الجنوب، اتصلت جارتنا مريم وأخبرتني بأن والدها (70 عاماً)، يرفض الخروج من البيت والتوجه إلى أي مكان. تحدثت مع والد مريم، وحاولت أن أشرح له أن الوضع خطير وأن الجيش الإسرائيلي يرتكب مجازر بحق الناس، وأنت وزوجتك المريضة بحاجة الى رعاية طبية.

لم يقتنع، وقال لي إنه عاش مرارة الهجرة مرتين، فالخروج ذل وإهانة: “عشت الهجرة مرة وأنا طفل، والمرة الثانية عندما أُجبرنا على مغادرة الكويت بعد الحرب على العراق”، قال ذلك مؤكداً رفضه المغادرة.

في الوقت ذاته، غادر جاري رجل الأعمال، الذي تضرر بيته بشكل بالغ جراء قصف أحد الأبراج المجاورة في مدينة غزة، وأقام في أحد الفنادق، إلا أن الجيش الإسرائيلي أصدر أمراً بأن يغادر كل المقيمين في الفنادق. قال لي حين عاد الى منزله: لن أغادر، وتركني وذهب، وبعد ساعة عاد ووافق على الخروج من غزة والتوجّه الى الجنوب.

وصل عدد الضحايا يوم السبت الماضي جراء الحرب  البربرية  على غزة، إلى 2500 قتيل، 60في المئة منهم أطفال، وهناك نحو 9000  جريح. العدد ليس ثابتاً، بل يرتفع مع اشتداد القصف الذي لم يوفر حتى المستشفيات، الناس لم تعد لديهم القدرة على الاحتمال، ومع ذلك هم يتمسكون بالصبر ووجعهم وحزنهم. أثناء كتابة المقال، وصلت أخبار عن جريمة بشعة، إذ استُهدف منزل في مخيم جباليا وقُتل 20 فلسطينياً وأُصيب 80 آخرين.

الجريمة السابقة، وغيرها مما تم توثيقه، تؤكد أن الهدف الأساسي هو القتل والتدمير بشكل همجي، يتزامن الأمر مع دعاية “الدفاع عن النفس” التي يرددها بايدن ومن خلفه دول أوروبية، لتبرير مزيد من عمليات القتل التي تمارسها إسرائيل  وتستهدف جميع الفلسطينيين لمحو عائلات بالكامل، هذه حرب تدعمها أميركا وتشنّها إسرائيل ضد الفلسطينيين كعقاب جماعي.

أهل غزة الفلسطينيين الذين يعيشون المر في ظل الحصار الخانق ودورات العدوان الموسمية طوال عقدين، ويتعرضون حالياً لـ”جرائم حرب” وانعدام كامل لمقومات الحياة البسيطة، يختبرون ما يفوق قدرة البشر على الاحتمال. 

تمكنتُ من تشغيل راديو في هاتف نقال قديم، لكنه لم يلتقط سوى ترددات محطات إذاعية إسرائيلية، والاستماع إلى هذه المحطات مقيت ومؤذٍ للقلب والعقل، كل ما سمعته هو خطاب الكراهية والكذب والدعابة الرخيصة، والعنصرية، والتحريض على القتل والتدمير. سمعت أيضاً عن ملاحقة الفلسطينيين وفرض رقابة شديدة على منصات التواصل الاجتماعي وتكميم أفواه الفلسطينيين ومن يتعاطف مع الحق الفلسطيني، سمعت أيضاً عن فصل عاملات فلسطينيات من عملهن، وفصل طلاب من الجامعات على أثر منشورات تعبر عن رفضهم الحرب على غزة.

النجاة بالحد الأدنى

تمكّن الشباب في مخيم الشابورة في رفح من إيجاد حلول لتوفير مياه الشرب وغيرها من الحد الأدنى من الحاجات الأساسية. واستطاع شباب إحدى الحارات إعادة تصنيع مولد كهربائي صغير (4 كيلووات)، وجدوه مهملاً ومعطلاً، فأعادوا تركيب الأسلاك والخراطيم وخزان الوقود، وتشغيله لشحن الهواتف النقالة.

يقوم أحد الجيران الذي يمتلك في منزله مولداً يعمل بالطاقة شمسية، بشحن جميع الهواتف النقالة للجيران. 

في غزة ومخيماتها تدور  حرب المياه، والنقص الشديد في وصول التيار بعد قطع الكهرباء ونفاد الوقود لتشغيل آبار المياه ومحطات التحلية للشرب، كما هناك صعوبة في توفير المواد الغذائية، بخاصة المخابز، هذا الحصار لا يقل شراسة عن القتل والدمار والخراب.

قام أحد مزوّدي خدمة الإنترنت شبه المقطوع، والذي يبيع حزمة الإنترنت بشيكل واحد، وهي أقل من غيغا، بفتحها مجاناً لسكان الحارة قبل المغرب، كي يتمكنوا من استخدام الإنترنت والاتصال الهاتفي.

الانتقام من “كلّ” الفلسطينيين

قبل الحرب المستمرة، ركّز عدد من المحلّلين العسكريين والسياسيين على تأثير خطة “الإصلاح القضائي”، التي أعلنت عن تنفيذها حكومة اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتانياهو، على كفاءة الجيش الإسرائيلي ونجاعته، بخاصة سلاح الجو، وذلك مع رفض عدد كبير من الطيارين الإسرائيليين الامتثال لأوامر التجنيد الاحتياطي.

الانتقادات التي وُجّهت للـ”إصلاح القضائي” تتمحور حول  التعديلات المتعلقة بالمحكمة الإسرائيلية العليا، التي ستُمس مصداقيتها وسمعتها ومكانتها الدولية، ناهيك بدورها في توفير الحصانة للجنود والطيارين الذين قد يتم التحقيق معهم بتهم ارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين خلال السنوات الماضية.

مع بدء الحرب، لم يعد الطيارون في الاحتياط يتحدثون عن خوفهم من التعرض للمحاكمة في المحكمة الجنائية الدولية، ويبدو أن الأمر يعرفه أصحاب القرار، والطيارون أنفسهم يعرفونه، لكن يبدو أنهم لا يبالون، هم يريدون الانتقام، ولا داع لأن يُغلفوا المقتلة بأعذار استراتيجية.

الانتقام هو الاستراتيجية إذاً، لكن هل سيردع القتل الفلسطينيين والمقاومة‏ كما ردعها 4039 قتيلاً في العمليات العسكرية السابقة قبل  7 تشرين الاول؟.

قبل أيام استمعت إلى بودكاست صحيفة هآرتس، وتحدث فيه كلّ من عاموس هرئيل والجنرال يتسحاق بريك، واتفقا على الشيء نفسه: “جميع أعضاء المقاومة موجودون في الأنفاق والمخابئ تحت الأرض، ولم يصابوا، والذين قتلوا حتى الآن معظمهم من المدنيين”.

كلاهما لا ينتقد هذه الاستراتيجية، بل يذكرانها فقط كحقيقة عرضية. هل تبدو هذه حرباً بين طرفين متعادلين كي تحقّق إسرائيل أهدافها العسكرية والسياسية؟. الواقع أن ما يحصل هو “القتل والهمجية والبربرية”، وهذه ليست كلماتي، إنما استخدمها البروفيسور ايدان لندو، أستاذ الإنسانيات في الجامعة العبرية. تتجلّى “البربرية” حسب لندو، بتهديد الفلسطينيين والضغط عليهم من الجيش الإسرائيلي والطلب من 1.1 مليون إنسان الرحيل نحو جنوب القطاع.

عند الاستماع الى المُعلقين الإسرائيليين الذين يتحدثون عن “تغيير المعادلة” في مواجهة “حماس”، وعن “التغيير الجذري” المطلوب في السلوك، فالتغيير في المعادلة المزعومة يتجلى بقتل المدنيين، ومع ذلك، لم يتغير شيء. هي حرب فظيعة تضاف الى الحروب الأربع السابقة وغيرها من العمليات العسكرية الوحشية، والتي أدت جميعها الى الخراب والدمار  والموت.

مساء الخميس الماضي، وهو اليوم السادس للحرب، كتب الصحافي المتخصص بالشؤون الأمنية والاستخباراتية يوسي ملمان، على حسابه على منصة X، متباهياً بقدرات الطيارين وسلاح الجو الإسرائيلي الفائقة على القتل والتدمير، وقال إن الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفت خلال دقيقة  واحدة 12 بناية سكنية مرتفعة في مدينة غزة، وأن قائد وحدة الطيران 133 كان يدير الهجوم من قاعدة تل نوف للطائرات.

هذا جزء من الصورة وتعبير عن الحالة الإنسانية القاسية، والتي تتفاقم بشكل كبير جداً، ولا حديث عن وقف الحرب الهمجية. 

يحاول الفلسطينيون في قطاع غزة تحمّل الوجع والصمود، والتمسك بما تبقى لهم من أرض، والاستمرار على قيد الحياة، والدفاع عن حقهم في المقاومة، والدفاع عن مشروعهم الوطني وما يحاك ضد القضية الفلسطينية، وإن كانت خلف هذه الحرب أهداف سياسية مشبوهة.

ديانا مقلد - صحافية وكاتبة لبنانية | 13.05.2024

قضية شادن فقيه: لسنا جاهزين للسخرية لكننا مستعدون لهدر الدم!

في بلدنا، يتم إعلاء شأن الانتماء الطائفي وجعله محوراً للحياة السياسية والاجتماعية، ما يجعل لتهمة ازدراء الأديان حساسيتها وسطوتها في آن، فيسهل إشهارها في وجه أي شخص يخرج عن السياق العام الخاضع لتلك المنظومة، فكيف إذا كان هذا الشخص "امرأة" لها هويتها الجنسية المثلية المعلنة لتكون هدفاً سهلاً يودّ كثيرون رجمه.