fbpx

المخرجة مريم التوزاني… “القفطان الأزرق” قصة حبّ غير مشروط 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وصل فيلم “القفطان الأزرق” للمخرجة المغربيّة مريم التوزاني إلى القائمة القصيرة لجائزة الأوسكار هذا العام، وفاز بجائزة “الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين” ضمن مسابقة “نظرة ما” في النسخة الـ75 من مهرجان كان السينمائي. تخبرنا التوزاني في هذا اللقاء عن مصدر وحيها وحكاية قفطان والدتها، وصراع الهوية الجندريّة في فيلمها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان الجو حاراً والظلال متشابكة حين تجولت المخرجة المغربيّة مريم التوزاني في الشوارع الملتفّة والمغبرة في الجزء القديم من مدينة “سلا” المغربية، بحثاً عن مواقع تصوير فيلمها الطويل الأول “آدم” (2019). وأثناء تلك الجولة، عثرت مصادفة على بذرة فيلمها التالي.

التقت التوزاني في جولتها حلاقاً، تصفه بأنه ذو عينين مُعبّرتين، ويدين مشّطتا وقصّتا شعر النساء طوال سنوات، باح لها بقصّة خفية، وكشف جانباً سرّياً من حياته لم يتحدث عنه قطّ، جانباً اضطر لكتمانه عمراً، ليتمكّن من مواصلة العيش والعمل في المدينة في تصفيف الشعر. 

 تقول مريم التوزاني لـ”درج”: “التقينا أكثر من مرة. لم أطرح عليه أسئلة حميمة، لم أكن بحاجة إلى ذلك. ما أثاره الرجل بداخلي كان شعوراً قوياً وفريداً حدّ أنني بدأت على الفور في التفكير في شخصية حليم”.

عملت مريم التوزاني صحافية في لندن، قبل أن تعود إلى المغرب، حيث تعمل مع زوجها نبيل عيوش مخرجة أفلام اجتماعية نقدية، ثانيها فيلم “القفطان الأزرق” الذي تحول فيه الحلاق  إلى “حليم”، خيّاط تقليدي، دقيق ومقتصد ورصين، وهو العمود الفقري للفيلم، الذي وصل إلى القائمة القصيرة لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم دولي لعام 2023، والفائز بجائزة “الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين” في مسابقة “نظرة ما” ضمن النسخة الـ75 لمهرجان كانّ السينمائي.

 يتشابك فيلما التوزاني على مستوى الموضوع، فهما يتشاركان نظرة نقدية للتقاليد الإسلامية والأعراف الاجتماعية، ففي “آدم”، نشاهد وصمة العار التي تلاحق النساء اللواتي يحملن خارج إطار الزواج، بينما يقارب “القفطان الأزرق” هوية جنسية مكتومة، تتطوَّر في حضن زواج تقليدي بين حليم (صالح بكري) ومينا (لبنى أزبال)، زواج سرعان ما ينفجر (بصمتٍ مكتوم أيضاً) مع وصول شاب حرفيّ مجتهد (أيوب مسيوي) للتدرّب عند حليم في ورشة الخياطة التي يديرانها في أحد شوارع سلا.

يبحث كلا الفيلمين، بلمسة واضحة من الحنين والعاطفيّة عن المغرب “الأصيل” بعيداً من تطوره السريع، وكلاهما يخلق رؤى شبه خيالية عن البلاد،  تتكشّف كما لو في مسرحية “غرفة”؛ إذ تُقارب المُحرّمات الثقافية التي يُتغلّب عليها الفيلمان بطريقة سحرية تقريباً عبر القوة الفردية للشخصيات والتضامن بينها.

تحولات مهنية وجمالية

لم تنو التوزاني في الأصل أن تصبح صانعة أفلام، بل اختارت بدايةً العمل في الصحافة، لكن تحوّلها المهني جاء من حيث لا تدري، تقول: “أعتقد أن هناك شيئاً طبيعياً للغاية في الانتقال من الصحافة إلى صناعة الأفلام التسجيلية التي أحبّ، بالنسبة إليّ كان الأمر دائماً يتعلق بالتعبير عما أشعر به”.

تُضيف: “أعتقد أن الاهتمام نفسه بقصص الآخرين هو ما جعلني أرغب في أن أصبح صحافية في المقام الأول، لإيصال الأصوات المنسية. ثم كانت هناك لحظة شعرت فيها بأنه من خلال السينما التسجيلية يمكنني استكشاف جوانب أخرى. لكنني لم أتخيل أبداً أنني سأصبح صانعة أفلام روائية. بالنسبة إلي كان الأمر دائماً هو صناعة الأفلام التسجيلية والصحافة”.

نقطة التحوّل بالنسبة إلى مريم وانتقالها إلى السينما الروائية هي وفاة والدها قبل 13 عاماً، تقول: “في تلك اللحظة وجدت نفسي منكبّة على كتابة أول نصوصي – وكان روائياً قصيراً – لشعوري بحاجتي إلى التعبير بشكل طبيعي عبر الخيال. لم أشعر بأن هناك طريقة أخرى للتعبير عن ذلك. لكنني لم أكن أعلم بأنني سأقوم بتحويله إلى فيلم: كان عليه فقط أن يخرج للنور. وهكذا بدأ الأمر”.

تستطرد حول فيلمها القصير الأول “عندما ينامون” قائلةً: “صوّرت هذا الفيلم عام 2011، تدور قصته حول فتاة صغيرة ترافق جدّها حتى الموت، لرصد العلاقة مع الجسد المحتضر وما إلى ذلك. اعتقدتُ أن إنجاز مثل هذا الأمر (كتابة وإخراج فيلم) سيكون لمرة واحدة لن تتكرر. ثم حدثت الكثير من الأشياء، وأخيراً شعرت أن صناعة الأفلام الروائية تناسبني: أعطت صوتاً حميمياً للأشياء التي شعرت أنني بحاجة للتعبير عنها”.

حكاية “القفطان”

تحدثنا مريم عن ارتباطها الرمزي والعاطفي بأردية مثل القفطان، الذي يأتي في الفيلم كجسرٍ مرئي بين جمال الحرفية والعمل اليدوي، والقمع الجمالي للتقاليد، إذ تقول: “نشأتُ وأنا أنظر إلى قفطان أمي القديم، الذي تجاوز عمره الآن 50 عاماً (بالمناسبة، ارتديته في العرض الأول للفيلم في “كان”). كبرتُ وأنا أراها ترتدي هذا القفطان الجميل للمناسبات الخاصة. كان لديها الكثير من القفاطين، لكن منذ سنّ مبكرة أوليت اهتماماً خاصاً بهذا القفطان. كان جميلاً حقاً، مصنوعاً يدوياً ومطرّزاً، تماماً مثل قفطان الفيلم، لكنه كان أسود وليس أزرق. لطالما حدّثتني أمّي عن فنّ الخياطة، وأوضحت لي الدقّة التي صُنع بها، والوقت المنصرف في إنجازه. طبعت هذه الأحاديث طفولتي، وجزءاً معتبراً من مراهقتي”.

تُضيف متحدثةً عن علاقتها مع القفطان: “في كل مرة حاولتُ ارتداءه كان كبيراً جداً عليّ، كنت في تلك السنّ قد كرّست طاقتي لإبراز نفسي كامرأة بعد نحو 10 سنوات مثلاً، عندما يمكنني ارتداؤه. حلمتُ دائماً باليوم الذي سأتمكن فيه من ارتدائه. أخيراً، كان القفطان مثالياً عليّ، وعندما ارتديته فجأة شعرت بأنني أحمل كل ذكريات والدتي، والأشياء التي عاشتها مع ذلك الثوب وكل عمل الشخص الذي خاطه، وكأن روحه وروحها كانتا معي أيضاً. شعرتُ في أعماقي بانتقال الجمال من زمن إلى آخر”.

موت التقاليد ورسالة ضد رهاب المثليّة

تشير مريم إلى أن صناعة القفاطين التراثيّة تتلاشى، هي”حرفة محتضرة” حسب تعبيرها، تتابع قائلةً: الرجل الذي تخيلته للقصة، الشخصية التي تشكّلت بداخلي، أصبح خيّاط قفاطين. يؤلمني أن هؤلاء الحرفيين أصبحوا الآن غير مرئيين للناس. تملك التقاليد هذا الطابع المتناقض الذي شعرت بضرورة نقله في الفيلم: من ناحية، لها هذا الجانب الثمين الذي تجب حمايته وتكريمه وتبجيله، ولكن في الوقت نفسه يمكن أن تصبح التقاليد شيئاً يحيط بنا، ويمنعنا من أن نكون ما نحن عليه حقاً. وعندما يحدث ذلك، عليك أن تتحلّى بالشجاعة لمساءلتها”.

لا تدخّر مريم جهداً لإظهار ما تتحدث عنه في فيلمها، أي الخوف من إعلان الهويّة الجنسيّة، مستعينة بخبراتها الحياتية والتي تعود إلى فترة نشأتها في طنجة شمال المغرب، وتُبرز على وجه التحديد الأمثلة التي رأتها من حولها من زيجات تمّت فقط لـ”مواكبة المظاهر وإكمال المرء لنصف دينه”.

 تنقل مريم تفاصيل هذه “الزيجات” في الفيلم من خلال قصة فيها من اللطف والكرم والفخر والرقّة ما تستغني به عن مكمّلات أخرى لا لزوم لها تحضر بدورها في السيناريو، لكن خلف تلك اللمسات الزائدة ثمة رسالة مدوية ضد رهاب المثلية الذي لا يزال يتغلغل في بعض طبقات المجتمع المغربي.

تقول مريم إنها نشأت وهي تشاهد هذا النوع من الزيجات عن بعد أو قرب أحياناً: “أعتقد أن بذرة الفيلم كانت موجودة منذ سنوات عدة. كان هناك الكثير من العناصر المختلفة، ولم أفهم حقاً من أين تأتي الأشياء إلا بعد ذلك. كنت أعرف ما الذي أثار الكتابة. عندما كنت أستكشف فيلمي السابق، كان هناك هذا الرجل الذي قابلته في سلا، وقد تأثرت بكل الأشياء التي شعرت بأنه لا يقولها عن حياته، لأنني أحسست حقاً أنه مضطر إلى إخفاء جزء كبير من وجوده. لمسني حديثه حقاً، لكنه أعاد إلى الحياة شيئاً بداخلي”.

تستعيد مريم قصة الحلاق وبطل فيلمها بالمقارنة مع حادثة سمعت عنها أثناء نشأتها في طنجة، إذ تخبرنا كيف كان بين جيرانهم زوجان بلا أولاد، حافظا طوال علاقتهما الزوجية على نوعٍ معين من الواجهة الاجتماعية المقبولة، تضيف: “سمعتُ قصصاً أخرى غير مكتملة، لأن هذه أشياء لم تكن تقال في العلن مطلقاً، لكن الناس كانوا يعرفون من دون أن يعلنوا حقاً، على سبيل المثال، أن الزوج كان مثلياً. كانت هذه الأشياء جزءاً من مراهقتي، لمستني وانطبعت بداخلي. لقاء هذا الرجل أخرجها من جديد”.

القصص كبيان اجتماعيّ

تغامر مريم في هذا الفيلم ضمن نسيجٍ حسَّاس ومحفوف بالمخاطر، إذ لا يمكن القول إن الفيلم “كويري” تماماً، إلا أنه ينظر إلى رجل مثلي الجنس في بلدٍ محافظ عبر عدسة عاطفية ومفعمة بالأمل، تقول: “عندما أكتب فيلماً، لا أفكر أبداً في المخاطر. أسترشد بإيمان غير مشروط بالقصة التي أريد سردها. يتعامل الفيلم مع موضوع حسّاس للغاية، ومن المرجح أن يثير ردود فعل إيجابية وسلبية. بهذه الطريقة يمكنه المساهمة في النقاش الذي أعتقد أنه ضروري. أعيش في مجتمع غني جداً ومعقد، تتعايش فيه آراء متناقضة. وأنا أؤمن إيماناً راسخاً بقوة الحوار”.

تقول مريم إنها بسرد قصص شخصياتها تدلي ببيان اجتماعي، إذ تريد أن تعطي صوتاً لهذا المجتمع، وأن تحكي القصص التي لم تُرو، تتابع قائلةً: “المثلية الجنسية لا تزال غير قانونية في المغرب، يُعاقب ممارسها بالسجن ما بين 3 أشهر و3 سنوات، على الرغم من أن العقوبة لا تطبّق في كثير من الأحيان. بالنسبة إلي، الأكثر إشكالية ليس القانون، بل العقلية. بسبب القانون يمكن أن يعتقد الناس أن هذا هو الشيء الخطأ، لأن القانون ضده. ما يهمّني حقاً أن أكون قادرة على تغيير النظرة المجتمعية. وبمجرد أن يبدأ تصوُّر المجتمع في التغيُّر، ستتطوَّر القوانين”.

تخبرنا مريم أن المثلية الجنسية تحدث خلف أبواب مغلقة في المغرب، مُشدّدة على الفروق الدقيقة التي تنطوي عليها إدارة الرغبة والميل الجنسي في بلدٍ يتسم بالمحافظة الدينية، تقول: “في هذه الحالة بالذات، كنت مهتمة بالحديث عن جيلٍ غير جيل الشباب. فهؤلاء لديهم مجال أكثر انفتاحاً من الاحتمالات عندما يتعلّق الأمر بالاجتماع عبر الشبكات الاجتماعية على سبيل المثال، ولكن بالنسبة إلى الأشخاص في سنّ حليم، فالأمر مختلف تماماً: إنهم لا يعرفون تلك المساحات ولا يتحرّكون بسهولة ضمن هذه الأنواع من الممارسات”.

لا تغرق مريم  في السوداويّة، إذ تعتبر عرض فيلمها في المغرب “إشارة مهمة لحرية الفن والأفلام، التي يمكنها أيضاً فتح نقاشات حول قضايا حساسة بما أن أحد أدوار الفنّ هو دفع الحدود”، ناهيك بأن الفيلم حصل على تمويل من مركز السينما المغربية، تقول في هذا الصدد: “هذه أموال حكومية تمنحها لجنة مستقلة بناءً على السيناريو، وحقيقة حصول فيلمي على دعمٍ رسمي تؤشّر إلى رغبة في الحوار والانفتاح”.

تبدي التوزاني سعادتها بأن مجتمع الميم- عين بدأ بـ”الظهور” في المغرب، وهو ما لم يكن متاحاً قبل بضع سنوات. تضيف: “في الصحافة، لم يكن ممكناً أن تقرأ مقالات عن المثليين، وكأنهم غير موجودين أصلاً! لكن منذ ثلاث أو أربع سنوات لحسن الحظ، بدأ هذا يتغيّر كثيراً. هناك رغبة في الحوار والانفتاح والاندماج”.

تختم المخرجة حديثها عن فيلمها بالقول: “فيلمي بسيط وواضح، قصة عن حبّ غير مشروط، الحبّ بأشكاله ووجوهه المختلفة. يتعلّق الأمر بعدم محاولة تعريف الحبّ ووضعه في إطار ضيّق. الحبّ بين هذين الرجلين هو أحد الوجوه. الحبّ بين الزوجين وجه آخر. أردتُ الحديث عن مدى تعقيد شعور مثل الحبّ. تتعلّم هذه الشخصيات الثلاث أن تتشارك الحب بطرائق مختلفة”.

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 17.05.2024

مدارس “الأونروا” المدمرة مأوى نازحين في خان يونس

على رغم خطورة المكان على حياة أفراد العائلة، بسبب احتمال سقوط بعض الجدارن أو الأسقف على رؤوسهم، قررت العائلة الإقامة في أحد الصفوف الدراسية، وبدأت بتنظيفه وإزالة الحجارة والركام من المساحة المحيطة به، وإصلاح ما يمكن إصلاحه.