fbpx

15 ثانية من الشهرة… هل تتحوّل حرب غزة إلى قضية فرجة واستعراض؟ 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يجمع المؤثر علامات هويته، ويحيط نفسه بما سينقل للآخر تصوّره المرغوب عن نفسه. يرتب هذه العلامات بعناية لتعطي انطباعاً لدى من يبحث، “أنا ناجح جداً ولدي ما ينقصك”، ليتحول المشهد الذي طاول الإعلام أول ما طاول، إلى حرب أفيون دائمة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في عام 1968، أطلق الفنان الأميركي الشهير آندي وارهول، مقولته ذائعة الصيت: “في المستقبل، سيكون بقدرة أي شخص أن يحظى بـ 15 دقيقة من الشهرة”. لقد تجاوزنا هذا المستقبل، وصار ماضياً بامتياز، إذ إن كل ما يحتاجه المرء ليحظى بالشهرة على تطبيق مثل “تيك توك” هو 15 ثانية، وهو ما حدث بالضبط ليس فقط لمؤثرين وإعلاميين وغريبي الأطوار من عالم “تيك توك”، لكن للمفارقة لمدير أمن الإسكندرية أيضاً، الذي حظي بـ 15 ثانية من الشهرة، وهو يخبر المتظاهرين لنصرة فلسطين:

“خدنا اللقطة خلاص”، في أثناء محاولته إنهاء إحدى التظاهرات في الإسكندرية.

 بحسب صحيح مصر، فإن صاحب المقولة هو اللواء خالد البراوي، مدير أمن الإسكندرية ومساعد وزير الداخلية. أما التظاهرات فقد بدأت منذ يوم الأربعاء 18 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وانطلقت من كليات جامعة الإسكندرية، وعمّت مدناً متفرقة في مصر استمرت على مدار يومين، قبل أن تبدأ بعدها تظاهرات جديدة مستغلّة الزخم لتفويض الرئيس بالتصرف بما يراه مناسباً في قضية “العدوان على غزة ودعوات تهجير أهلها إلى سيناء”، تظاهرات مدبرة من النظام المصري، وترغب بشدة في “اللقطة” لا الحقيقة.

لم يكن مدير أمن الإسكندرية يكذب، بل فضحت زلة لسانه جوهر المسألة كلها: “15 دقيقة من الشهرة”، أي 15 دقيقة لاستعراض الجماهير أمام الرأي العام الخارجي، ثم استغلال الزخم لخلط الأمور وقلبها إلى تفويض يدعم شرعية الرئيس السياسية المهتزّة.

 حصل النظام على 15 دقيقة، وكسب مدير الأمن من خلال الفيديو الذي يطالب فيه بإنهاء التظاهرات، على 15 ثانية من الشهرة، وهو يعترف أن المطلوب كان مجرد “شو”.

لم يكن غريباً في ظل إرادة نظام “شو”، أن تعتقل الشرطة متظاهرين من الميادين ومن بيوتهم، والذين تخطى عددهم أكثر من مائة شخص في القاهرة والإسكندرية، نزلوا دعماً لتظاهرات نصرة فلسطين، ورفضاً لعملية التهجير إلى سيناء، تظاهرات دعا إليه النظام بنفسه. ولأن المتظاهرين خرجوا عن الخط المرسوم لـ”الشو”، وهتفوا “المظاهرة بجد مش تفويض لحد”، حوصروا وأجهضت قوات الأمن والبلطجية تظاهراتهم.

كان الرئيس عبد الفتاح السيسي دعا الشعب للنزول إلى الشوارع لدعم موقف مصر في الضغط الذي تتعرض له لتهجير أهل قطاع غزة إلى سيناء، وتصفية القضية الفلسطينية، في مقابل صفقة تنقذه من الديون وتبقيه على رأس السلطة في مصر، رغم فشل سياساته الداخلية على الصعيد الاقتصادي، إذ يختبر تحديا خارجيا حقيقياً، لا نأمل معه- إذ لا نملك كمصريين الكثير من الخيارات الآن- إلا أن يكون على مستوى الحدث، لا ” اللقطة”.

تعبير الفرجة والاستعراض هو التفسير العربي لمصطلح Spectacle الذي وضعه السوسيولوجي الفرنسي جي ديبور في كتابه “مجتمع الاستعراض”، والذي رصد فيه كيف يبني مجتمع ما الصورة عبر أذرع سرطانية تمثلها الوسائط الإعلامية، تعمل على تعميم الصورة، وتقديس الوهم، وتراجع الحقيقي لصالح الافتراضي، بحيث يصبح الوهم حقيقة. أما الواقع فمجرد تمثل لتمثيل لا ينتهي، تعطش زائف لا نهائي لمثيرات مشروطة على طريقة تحريض البيولوجي إيفان بافلوف مثير/استجابة، تسيد ماكينة إعلامية رهيبة توجّه بمكر المجتمع برمته نحو أهداف استهلاكية هشة، وضع الفرد ضمن إطار كونه فقط حصيلة صورة مصطنعة تستجيب لأهواء الآخرين يتم إعدادها وإخراجها لإرضاء ما يريده “الذوق العام”…

وكأننا مباشرة حيال تجلّي تكهنات استشرفها الفيلسوف فيورباخ منذ القرن التاسع عشر بين طيات مقدمة كتابه “جوهر المسيحية”، حينما حدس ما يلي: “لا شك في أن عصرنا يفضل الصورة على الشيء، النسخة على الأصل، التمثيل على الواقع، المظهر على الوجود. وما هو مقدس بالنسبة إليه، ليس سوى الوهم، أما ما هو مدنس فهو الحقيقة”. الأفراد مجرد صورة استعراضية لنسب المشاهدة، أفرزتها وصفات صالونات التجميل، يتم صنعها بكيفية سينمائية حسب رغبات الآخر، بإخراج جيد أو سيئ، وفق قدرات العارض ومواهبه على مستوى الإثارة، وذلك بحسب الكاتب والمترجم المغربي سعيد بوخليط.

النتيجة، تلاشي بل انمحاء كيان الذات وخصوصية الفرد الأصيلة، لصالح سلع مفبركة تجارياً قصد ولوج سوق تنافس العروض بالرهان على مظاهر ليست لنا بتاتاً، أو على حد تعبير جان بودريار: “التظاهر بامتلاك ما لا نملك”.

لم يكن من الممكن أن يعلم جاي ديبور، الذي توفي عام 1994، بوجود تطبيقات مثل “إنستغرام” و”فيسبوك” و”تيك توك”. ومع ذلك، فإن تحليله يمكن تطبيقه بسهولة على وضعنا الحالي. فمع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، بدأ الناس يعيشون في لعبة مستمرة لمحاولة التنبؤ برد فعل الآخر على ما تمثّله هويتنا. يؤدي ذلك إلى قيام الأشخاص بتعديل هويتهم باستمرار، غالباً بطريقة مخصصة للغاية – اعتماداً على من يحدق بنا – ما لا يترك لهم سوى قدرة عديمة الشكل على التحول لتلبية نظرة شخص ما.

عند النظر إلى صفحة أحد المؤثرين العاديين، يمكن المرء أن يرى هذا الفراغ. يجمع المؤثر علامات هويته، ويحيط نفسه بما سينقل للآخر تصوّره المرغوب عن نفسه. يرتب هذه العلامات بعناية لتعطي انطباعاً لدى من يبحث، “أنا ناجح جداً ولدي ما ينقصك”، ليتحول المشهد الذي طاول الإعلام أول ما طاول، إلى حرب أفيون دائمة.

اللافت، أن المحلل الألمع لثقافة الاستعراض، المتفرج الأخير اليقظ بتعبير أحد المفكرين، قد انتحر.

هل هذا ما يحدث في الـ”شو” الإعلامي حول غزة؟ تفريغ القضية من مضمونها وتحويلها إلى فرجة. لا أملك يقيناً أكثر مما هو تساؤلات، كان دافعها الأساسي لقاء باسم يوسف مع الإعلامي بيرس مورغان، المنحاز بشكل فج إلى ادعاءات الصهيونية، ولا يملك مثل عشرات ومئات البرامج حول العالم، إلا السؤال التافه: هل تدين هجمات حماس.

نجح باسم يوسف في لقائه مع مورغان، في أن يجعل صوتنا مسموعاً، هذا لا شك فيه، بعدما تخطى عدد المشاهدات الـ20 مليوناً على “يوتيوب”، وهو ما لم يحسب مورغان حسابه، إذ تعد نسبة تلك المشاهدات الأعلى في مسيرته.

نجاح باسم يوسف في اللقاء، جاء في الأساس من تجاوزه فكرة خوض النقاش من الأساس، مع إعلام متحيز بفجاجة، لا حل سوى اتباع أسلوب المدرسة الكلبية، فضح المساخر، طريقة ديوجين فيلسوف المدرسة الكلبية، فيقلب الوضع لتصير منصة القضاء نفسها هي موضع المحاكمة. إنه يملك، بحسب سلوتردايك، ما يمكن تسميته بالوعي المزيف المستنير، قدرة عبر الهزل، حيث الجد وحده هو الفخ، على أن يخضع فضيحة الغرب الفكرية والأخلاقية لامتحان النقد، فلم يظهر بمظهر الضحية، وعي يقاوم، لا وعي مقاومة، وعي منتصر منذ البداية، أو بتعبير آخر للشهيد والباحث الفلسطيني باسل الأعرج:

“لا تناقشهم، فَقصور الفكر الجدليّ سيد الموقف، بل استخدم أسلوب سقراط في الطرح والسؤال. حوّل كل ذلك الغضب باتجاه الاحتلال. لا تبالغ بالشكوى والتذمّر. تصبح مغناطيساً للأفكار السيئة حين تفسّر كل ما يحدث بطريقة سلبية. ساهم في تغيير هذه القناعات والقضاء على الوعي الزائف”.

لكن بحصول باسم يوسف على دقائق الشهرة، تحوّل الأمر إلى لعبة، يلعبها اثنان مورغان ويوسف.

يستفيد يوسف في ظني، من دون أن أعرف ما الذي ينبغي عمله لو كنت مكانه، ربما كانت الفرصة لتلميع نفسي هي الخطوة التالية المنطقية، ذلك طموح إنساني ومشروع نوعاً ما، وسؤاله مربك ومعقد أكثر من قدرتي على حسمه، إذ عرض باسم بنفسه على مورغان المعروف بانحيازه الى الصهيونية واتهاماته غير المهنية لحماس بقطع رؤوس الأطفال، الجولة الثانية ليظهر معه في البرنامج.

هنا، لم أعد أعرف ما إذا كان يوسف يعمل في تلك المرة على دعم القضية أم تلميع نفسه؟ ولماذا وافق مورغان في الأساس وهو المعادي الواضح للقضية الفلسطينية، على ظهور يوسف للمرة الثانية معه، إلا لأن الحلقة حققت على “يوتيوب” أعلى مشاهدات في تاريخه.

 لقد ذاق، بحسب تعبير أحد المدونين، “الريتش العربي”، فقرر بعدها استضافة الإنفلونسر رحمة زين التي لم تفوت الفرصة لتصفه بأنه باحث عن الإثارة ولا شيء غير ذلك، ولولا عدد الجمهور العربي الذي تابعه حين استضاف باسم يوسف لما وجّه لرحمة الدعوة.

ربما يكون ظهور باسم يوسف الأول معه دعماً حقيقياً وصادقاً للقضية، أما ظهوره الثاني، بخاصة بعد ترويجه المستمر لنفسه عبر ما حققه، وأكرر مشروعيته، فيلقي بظلال من الشك في أن اللقاء الثاني سيكون تجارياً بحتاً.

هل يعمد بدوره إلى تفريغ القضية من مضمونها بتحويلها إلى سلعة مسلية؟

المستفيد الأكبر هنا هو مورغان نفسه، الذي يحقق نبوءة إحدى حلقات المسلسل البريطاني “بلاك ميرور”، المعروفة باسم The Waldo Moment، والتي تنبأت بدور الميديا الجديدة (الإنستغرام والفيسبوك وتويتر والمحطات الرسمية) وقدرتها على تحويل الألم والمشكلة الرئيسية المهمة الى مسألة ثانية، “شو” غرضه الاستهلاك والإلهاء، وهو ما يفعله مورغان من خلال تفريغ القضية من محتواها، بتحويلها إلى عرض هزلي، هو فقط من يجني ثماره، بتعبير أحد المدونين، فهو فضلاً عن انحيازه يرفض صراحة أي حديث من ضيوفه عن وقف إطلاق النار.

فضلاً عن موقف باسم يوسف، هناك أكثر من حالة لمدونين أجانب على “تويتر”، تُطرح حولهم أسئلة كثيرة، ومن أبرزهم، مدونة دنماركية – يونانية على “تويتر”، تدعى أنستازيا، و جاكسون هينكل، ممثل ومذيع أميركي. فوفق اتهامات مدونين عرب لهما، فالأولى عُرفت بتغريدات عنصرية ضد العرب والمسلمين المهاجرين في أوروبا، والثاني عُرف بدعمه نظام بشار الأسد، وصار من أشهر المدونين الذين حاولوا غسل سمعة النظام السوري من خلال دعم غزة وفضح ممارسات سلطات الاحتلال العنصرية، بحسب اتهامات المدونين له. والهدف هو جمع متابعين وأموال، ومنذ حرب غزة وحتى كتابة هذا المقال، زاد عدد متابعي هينكل مليوناً ونصف المليون على الأقل.

لا أحد يعرف لمَ استشعرنا جميعاً ومن دون اتفاق، صدق موقف الممثل المصري محمد سلام، صدق شعرنا بأنه يفوح من كل كلمة وتعبير، عندما أعلن في فيديو نشره على حسابه على “إنستغرام” اعتذاره عن المشاركة في مسرحية كوميدية من إنتاج هيئة الترفيه في موسم الرياض، لعدم قدرته النفسية على إضحاك الناس وأهل غزة يموتون. ربما لأن خسارته كانت واضحة وعلى المحك، ليس فقط 80 ألف دولار أجر مشاركته في العرض، حسب ما تداولته بعض الأنباء، لكن أيضاً هيئة الترفيه، وهي محط تهافت من الممثلين المصريين. كما أن الأرباح الحقيقية للسينما المصرية تحددها إلى حد بعيد دور العرض السعودية. وقد أطلقت عليها سهام لجان هيئة الترفيه، من حسابات السعوديين، عايرت مصر كعادتها بأنها بلد الملاهي الليلية. كما تم إطلاق حملة ممنهجة ضد سلام، بالإضافة إلى الانتقادات التي طاولته من ممثلين زملاء وكتاب سيناريو، بدعوى قدسية الفن، رغم أننا نعلم جميعاً أن ما يقدم منذ سنوات ليس فناً.

في الوقت ذاته، وعلى العكس تماماً، نشر الممثل محمد أنور، أحد كوميديانات مسرح مصر، فيديو يبكي فيه على مجزرة المستشفى المعمداني، استدعى الكثير من التعاطف والتفاعل. لكن ما أن طلبته هيئة الترفيه كي يقوم بدور محمد سلام في العرض الذي كان مقرراً افتتاحه في 30 تشرين الأول الماضي، وافق على الفور، ثم مسح فيديو البكاء على أهل غزة، بعدما حصل على 15 ثانية مشبوهة من الشهرة.

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 17.05.2024

مدارس “الأونروا” المدمرة مأوى نازحين في خان يونس

على رغم خطورة المكان على حياة أفراد العائلة، بسبب احتمال سقوط بعض الجدارن أو الأسقف على رؤوسهم، قررت العائلة الإقامة في أحد الصفوف الدراسية، وبدأت بتنظيفه وإزالة الحجارة والركام من المساحة المحيطة به، وإصلاح ما يمكن إصلاحه.