fbpx

إنهم يكمّمون أفواهنا… الشارع هو الحلّ! 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما يعيشه الشعب الفلسطينيّ منذ عقود هو جرائم حرب، لكنْ هناك خوف من تسمية ما يحصل باسمه، الذنب أعمى حامله عن رؤية صور القتلى المنتشرة في كلّ مكان.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أقنعنا “الغرب” بأن حلول مشاكلنا في أيديهم، واللجوء إليهم هو الدواء. اقتنعنا بأننا لن نستطيع التحرر وتحرير فكرنا وواقعنا إلا بمساعدتهم. اقتنعنا أيضاً، أننا عاجزون، ولهذا السبب نرى اليوم ما نراه من قتل الفلسطينيين في غزة، وسط دعم “غربيّ” لإسرائيل، وصمت عربيّ مقزز. وأقصد هنا، الحكومات لا الأفراد والشعوب.  

هل نحن كجاليات عربية في “الغرب”، قادرون على الضغط والتأثير؟ 

هل نمتلك قوة التغيير؟

التظاهرات يتضاعف عددها في الشوارع في أوروبا والولايات المتحدة على رغم كل المحاذير والتضييق الذي فوجئنا بأنه يلاحقنا حتى في الدول “الديمقراطية”. 

نعم، يجب أن نغضب، وأن نخرج ونطالب بحقوقنا بالحياة اليوم أكثر من أي يوم آخر.

كرر مسؤولون أميركيون أنهم سيحاولون تيسير دخول المساعدات الإنسانية. 

هذه تصريحات تخفي في طياتها الكثير. أولها، أن الهدف الآن هو المساعدات الإنسانيّة، ما يعني أن آلة القتل مستمرة ولا توجد نية للحديث عن وقف المجازر بحق الفلسطينيين في غزة، لذلك مرة أخرى يجب علينا أن نطالب بالعدالة بأنفسنا.

عندما غلبني اليأس ووجدت في محاولة الكتابة وسيلة للهروب من مشاهدة الأخبار على مدار الساعة للاطلاع على ما يحدث في غزة، بدأت المسودة متعجباً، غاضباً، ممتلئاً بالسخط إثر اعتقال الشرطة الألمانية في برلين شباباً متظاهرين من أجل وقف العدوان على غزة، ومن بينهم شاب لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره. كنت غاضباً من التهديد الذي تتعرض له حرية الرأي، التي أقسمت أن أحترمها حين حصلت على الجنسية الألمانية. 

اليوم، لا أستطيع أن أتخيّل “زونين آلية”، شارع العرب في برلين، هادئاً، أو لم يعتقل فيه أحد، بل وسأشعر بالخوف والرهبة الشديدين إذا ما حدث ذلك، ربما شعوري بالخوف هذا أقل بقليل من خوف الشاب والشابة “البيض” من أن يتأثر سوق تصنيع بدائل الحليب (مشروب الشوفان مثلاً)، عندها كيف سيناقشون السياسة وحقوق الإنسان وتغير المناخ أثناء شربهم القهوة الـBIO مع مشروب الشوفان في أيام الأحد المبارك؟ 

إذا لم نقف ونفكر بمستقبلنا الجماعي، سنخسر وندخل مزابل التاريخ من أكبر الأبواب. من حقنا أن نتكلم ومن حقنا أن نطالب بحقوقنا البسيطة، وأولها الحياة، ومن المحزن التفكير بأننا نطالب بالحياة. 

شهدنا في برلين في الأسابيع الأخيرة، الاعتقال والضرب الذي تعرض له الشبان على يد الشرطة بسبب تنديدهم بجرائم إسرائيل وتضامنهم مع الحق الفلسطينيّ التاريخيّ، وحدادهم على كل إنسان فلسطيني ارتقى ضحيةً للأفعال التي لن أصفها حرصاً على مشاعر هؤلاء الذين لا يحبون الكلام البذيء. 

بعد نحو شهر من جرائم الحرب والانتقام المتواصل، وسط التجاهل العربي والدعم العالمي لما يحدث، لست مستغرباً من تعامل الشرطة الألمانية بهذه الطريقة المُهينة، فقد اعتدنا على ذلك منذ نعومة أظفارنا. نعم، حكامنا عودونا على القمع، ولسان حال الغرب: كيف لهذا العربي الجاهل المتخلف بحق التعبير عن الرأي؟، فليُضرب إذاً، ويُسجن ويُهدد بالترحيل الى حاكمه، ولتُسلب لقمة عيشه الذي انشغل منذ ولادته بالبحث عنها. إنه ليس إنسانياً  بما فيه الكفاية، فكيف له البحث عن حقوق الإنسان؟”. هذا ما أثبتته معاملة الشرطة الألمانية للمتظاهرين في برلين.

 لم يتوقف التضييق على منع التظاهرات وتهديد حرية الرأي، بل امتدّ حدّ التحيز والعنصرية والكذب والتحريض والادعاءات الكاذبة، وزرع الرعب في قلب أي متحدث يُعبر عن تعاطفه أو يندد بما يحصل في غزة اليوم، والسبب الخجل والذنب الألمانيّ  من المحرقة التي ارتكبوها سابقاً بحق المواطنين الأوروبيين اليهود. 

 الشعور العميق بالذنب من جرائم النازية يرهب جموعاً واسعة من الألمان، إلى حد أنهم لا يجرؤون على التفكير في هذا الأمر بشكل منطقي حيال الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين اليوم. 

ما يعيشه الشعب الفلسطينيّ منذ عقود هو جرائم حرب، لكنْ هناك خوف من تسمية ما يحصل باسمه، الذنب أعمى حامله عن رؤية صور القتلى المنتشرة في كلّ مكان.

المفارقة وهي على عكس ما يحصل في كثير من الرأي العام الأميركي والأوروبي، نجد في ألمانيا محدودية للنقاش بين الشباب والشابات “البيض”، الذين يحتسون المرطبات ويتكلمون عن السياسة وحقوق الإنسان على مدار السنة، ويتباهون بفهمهم القضايا المعقدة ومعاناة الشعوب والقضايا المتشابكة الأخرى، ويطالبون بالعدالة للبشر جميعاً، أو على الأقل هذا ما لمسته من خلال عيشي واحتكاكي. 

ما تقوم به الحكومة الألمانية من تضييق على التعبير عن أي تضامن علني مع القضية الفلسطينية سواء في العمل أو التظاهر أو حتى رفع العلم والكوفية، هو  تهديد للديمقراطية وحريات الشباب الأوروبي أيضاً. فاليوم هي قضية فلسطين، لكنها غداً قضية أخرى. الفلسطيني اليوم مستهدف في كل مكان وزمان. لماذا؟ لأننا نحب الحياة، ولأننا لن ننسى، ولن ندع صوت الصواريخ يحبط عزيمتنا، ولا “الفأس الأبيض” يقطع ألسنتنا.

 يقول أمين معلوف في كتابه “الحروب الصليبية كما رآها العرب”: “إن أسوأ ما يلجأ إليه المرء من سلاح أن يسكب الدمع بينما تذكي السيوف نار الحرب”، ونحن الآن في حالة حرب ضارية قاسية.

 يجب أن نغضب، فهذه الساعات هي لحظات تاريخية مفصلية، والتي ستسجَّل وتصبح علامات فصل بين ما انقضى وما سيحصل. اليوم، يتم نزع الإنسانية من الفلسطينين بمنهجية، بينما يُقتلون أمام أعين العالم، اليوم يُنزع التعاطف الإنساني من باقي شعوب العالم، بخاصة الغربية صاحبة المعايير المزدوجة. 

الطواقم الطبية تموت، الأطفال يموتون، النساء يمتن، الرجال يموتون. إذا لم نتحرك اليوم فسنختنق تحت أنقاض هذه الحرب. اليوم، تشهد غزة إبادة جماعية حسب وصف المنظمات الحقوقيّة، والعالم يقف صامتاً. والحكومات العربية المقززة الخانعة تقف مكتوفة الأيدي، لا تستطيع أن تضغط على إسرائيل لإنشاء منطقة آمنة للمدنيين أو توصيل المساعدات الإنسانية. 

إذا لم نقف ونفكر بمستقبلنا الجماعي، سنخسر وندخل مزابل التاريخ من أكبر الأبواب. من حقنا أن نتكلم ومن حقنا أن نطالب بحقوقنا البسيطة، وأولها الحياة، ومن المحزن التفكير بأننا نطالب بالحياة. 

نحن في حرب، كلنا متورطون بها ويجب علينا أن نغضب.

الشارع هو الحل!