fbpx

حكاية أنفاق (سيناء-غزة) و”سبوبة” معبر رفح المصريّ

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حل معضلة استخراج موافقة أمنية وأذن سفر للعبور من غزة إلى سيناء يمر بطريقين، الأول مرتبط بالعلاقات مع ضباط الحدود المصرية، ويحتاج إلى وساطة، ومبلغ مالي يحدده الضابط. والثاني، وهو الأكثر شيوعاً، ربما لارتباطه بالسلطة المصرية، يتمثل بشركة (هلا) التابعة للأمن الوطني المصري.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أخيراً وافقت على العودة”، قلت لأمي وأنا أتنهد بارتياح. كنتُ أريد أن أطمئنها على شقيقتها وخالتي سيناء، خاصة وأنها لم تذق طعم الاطمئنان منذ السابع من أكتوبر الفائت.

كانت أمي تتابع أحداث الحرب الدائرة في غزة هلعةً، وكنتُ دائماً أحاول أن أخفف عنها، موضحاً أن الحرب مندلعة في الشمال بينما الجنوب، وخصوصاً خانيونس، بعيدة عن الصراع تماماً، بالطبع كان ذلك قبل أن تنضم خانيونس لبؤرة الاشتباكات لاحقاً.

لم تشعر أمّي بالاطمئنان لحظة، كانت تلح على سيناء في كل مكالمة بأن تعود إلى مصر حيث وطنها وأهلها، وكانت خالتي ترد قائلة “هنا أيضاً وطني وأهلي”.

كانت تقول إن بيتها تضرر إثر القصف، وأنها تعيش على حطامه كسائر أهل الحي، كانت تحكي عن معاناتها في الحصول على الماء والطعام، وعن الدماء التي تشبعت بها الأرض، وعشرات الجثث التي تُدفن يومياً، وعن زوج ابنتها الذي اُعْتُقِل ولم يعد بعد.

سيناء عنيدة، عاشرت عنادها وعاصرته في صغري، حين معركتها الأشرس مع إخوتها الذكور، وقتها كانت واقعة في حُب سليمان الفلسطيني، وكانت الأسرة قد اختارت لها عريساً آخر. كتبت تلك الواقعة كثيراً، وربما سأكتب عنها للأبد، كونها قصة الحب الأعظم والأصدق التي صادفتها في حياتي، والتي أسفرت عن الزواج ثم الرحيل إلى وطن الزوج فلسطين.

غابت سيناء لعقد كامل، عشر سنوات في الغربة داخل البلاد القريبة المنكوبة، وحين قامت الانتفاضة الثانية مطلع الألفية، عادت في زيارة خاطفة عبر الأنفاق حاملة معها حكايات عن وطن مستلب وشعب يناضل ووشاح يرمز للمقاومة، غزلته بيديها لي، ثم رحلت مجدداَ.

الغيبة هذه المرة طالت، وتجاوزت العقدين من الزمان، وجاءت الحرب لتزداد الأمور سوءاً، إذ لا بادرة أمل في العودة. كل ذلك قبل أن تخرج علينا السلطة المصرية نهاية بتصريح يسمح لأصحاب الجنسية المزدوجة بدخول الأراضي المصرية. ولكن سيناء ظلت على إصرارها حتى وجدنا حلاً يرضيها: بإمكان رجال عائلتها أن يبقوا على صمودهم هناك، بينما تعود هي وابنتها الصغيرة إلى مصر حتى تهدأ الأمور. ولكن، كيف يحدث ذلك؟

ورقة مبارك الرابحة التي حرقها السيسي

كانت الأنفاق الطريقة المعتادة، قبل ثورة يناير، لا، بل 30 يوليو. كانت هذه الأنفاق الممر الآمن بين مصر وفلسطين عند الأزمات، ولمزيد من الدقة بين سيناء وغزة، وعبرها جاءت سيناء في زيارتها الخاطفة الأخيرة.

 هل قلت لكم من قبل أن سيناء/ أمي الصغرى ولدت في أكتوبر 1973م بعد حرب السادس من أكتوبر الشهيرة، ولهذا أُطلق عليها (سيناء)، تيمناً بشبه جزيرة سيناء التي احتلتها إسرائيل في حرب 67، وتحررت كلياً في عام 1979م بعد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. 

1973 هو أيضاً العام نفسه الذي شق فيه طريق صلاح الدين ليكون شريطاً عازلاً بين غزة ومصر، ليأتي بعد ذلك رسم الحدود، وإنشاء المعابر التي تشرف عليها السلطة المصرية والسلطة الفلسطينية بمراقبة من الاتحاد الدولي، والذي يمثل عين السلطة الإسرائيلية.

هرباً من تلك “العين الراصدة المتربصة” لجأ سكان غزة لحفر أول نفق تحت طريق صلاح الدين، كان الهدف الرئيسي عبور الأطعمة والمستلزمات الحياتية أوقات حصار غزة. وكانت السلطة وقتها بقيادة مبارك تدعم تلك الأنفاق، وتتعامل معها كورقة رابحة يمكن استخدامها في الخفاء، لذلك لم تمانع من حفر المزيد من الإنفاق في الوقت الذي كانت تضغط فيه إسرائيل على مصر بأن تغلق تلك الاتفاق أو تغرقها. ب

الطبع، لم تستجب السلطة المصرية حينها لمطالب إسرائيل، كانت تدرك جيداً أن إسرائيل هي عدوها المباشر، بينما غزة في خندق الأصدقاء، كل هذا قبل أن تأتي حكومة السيسي التي اعتبرت إسرائيل من دول الجوار الصديقة التي يمكن التعاون معها تجارياً وعسكرياً، وأعلن عبد الفتاح السيسي أن أمن وحماية المواطن الإسرائيلي لا يختلف أمن وحماية المواطن الإسرائيلي.

لم تكن زلة لسان، إنما منزلق جديد من منزلقات فرويد التي يعبر عن صدق القائل، توكيد لفظي يؤكده الفعل على أرض الواقع، إذ قام نظام السيسي بحملة شرسة على الأنفاق المنتشرة بين غزة ومصر، بحجة الحرب على الإرهاب، العدو المستجد، لتُغْرَق الأنفاق بمياه البحر والصرف الصحي، ما جعل المعابر المنفذ الوحيد لسكان القطاع.

منافذ الحياة مُغلقة بأمر عسكري

كان موقف مصر من الحرب على غزة الجارية واضحاً منذ البداية، اعتبرت الحكومة المصرية أن ما يدور هناك خطة مدبرة من أجل تهجير أهل غزة إلى سيناء، وهو ما صرح به الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أشار إلى أن المخابرات المصرية كانت على علم مسبق بمخطط حماس في السابع من أكتوبر، كما أعلن بأنه سيغلق المعابر في وجه أي مهاجر، مشيراً إلى صحراء النقب بالأردن كحل بديـل.

لم تكن المرة الأولى التي تشير فيها الرئاسة المصرية لملف تهجير سكان غزة، قبلها صرح مبارك أن إسرائيل عرضت عليه التهجير بمقابل مالي. غير أنه رفض تماماً، مهدداً بحرب بين البلدين. ولكن، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية لم تيأس، فظل ملف تهجير أهل غزة مفتوحاً ليصبح ممكناً مع الحرب الدائرة، لذلك جاءت عمليات الجيش الإسرائيلي منظمة لنزوح أهل الشمال إلى الجنوب في خان يونس، حيث لا منفذ إلا معابر رفح المغلقة.

في المقابل، واصلت السلطة المصرية إغلاق المعابر، مع السماح للمساعدات الخارجية القادمة بالعبور من معبر رفح الرئيسي. غير أن هذه المساعدات ظلت على بوابات رفح غير قادرة على المرور. عدوان عالمي على بلدة صغيرة يشبه ما تعرضت له أسرة أمي قديماً في الإسماعلية، إذ عانت مع أسرتها من حرب العدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦، وعانت أكثر مع التهجير، وترك البلدة والذكريات التي لا تنقطع. 

لهذا كان – ولا يزال- خوفها على سيناء هاجسها الأعظم، ذلك الهاجس الذي دفعها بأن ترجو سيناء لتعود، خاصة مع تصريحات الدولة المصرية بعودة مزدوجي الجنسية، وعليه، كان لا بد من تحضير الأوراق واستخراج تصريح الدخول، لتبدأ رحلة أخرى.

شركة (هلا) لتجارة المعابر

كانت البداية من القاهرة حيث أرسلت لي سيناء صور لبطاقتها الشخصية المصرية وجواز السفر الخاص بها وبابنتها عبر الإنترنت. كان يتوجب عليّ أن اتجه إلى بناء وزارة الخارجية المطل على كورنيش النيل ببولاق أبو العلي. لم أكن أتخيل أن تمر الأمور بتلك السلاسة، مجرد تصوير للأوراق وتسلميها للموظف من أجل الحصول على الموافقة الأمنية، تلك البساطة والليونة في التعامل كانتا مصدراً للريبة، فـنحن أبناء البيروقراطية المصرية الأصيلة، الذين اعتدنا الدوخة بين مكاتب الموظفين، فكيف نحصل على غايتنا بتلك السهولة؟!.

يبدو أن السلطة المصرية كانت توفر تلك المعاناة، وتدّخرها لأهالي غزة. كنتُ أعتقد أن المهمة قد انتهت، وأنه بعد عدة أيام ستعود سيناء لنا. غير أنها كانت في مأزق آخر، فالحصول على موافقة أمنية واستخراج تصريح بالسفر يتطلب الانتظار على قائمة طويلة قد يستغرق دور الواحد فيها أشهراً، إذ يعيش بغزة أكثر من 40 ألف مصري. 

لحل تلك المعضلة لا بد من طريقتين، الأولى مرتبطة بالعلاقات مع ضباط الحدود المصرية، وتحتاج إلى وساطة، وبالطبع مبلغ يحدده الضابط إن وجد. والثانية، وهي الأكثر شيوعاً، ربما لارتباطها بالسلطة المصرية، وهي شركة (هلا) التابعة للأمن الوطني المصري.

تذكر سيناء أن لهذه الشركة عدة مميزات هامة منها: توفير الحماية في أثناء السفر، عدم التعرض لمضايقات من الكمائن المنتشرة على طول المعابر، توصيل المسافر للمنطقة التي يرغب في الوصول إليها، أو على حد قولها “بيوصلك لحد البيت”. والأهم، سرعة الإجراءات وتخطي قائمة الانتظار.

لكن، تلك المميزات لها سعرها الذي أخذ في التضخم مع الإقبال الشديد ليرتفع من 300 دولار إلى ثلاثة آلاف دولار. الأمر الذي دفع الكاتب بلال فضل لأن يقدم حلقة من برنامجه عن سبوبة المعابر وأثرها على المصريين بغزة.

كشف بلال فضل عن مالك شركة (هلا) التي تتحكم في الفلسطينيين الراغبين في العبور إلى مصر، وتتلقى مبالغ بآلاف الدولارات من الفرد الواحد بالتنسيق مع المخابرات المصرية، يذكر أن شركة “هلا” مملوكة من رجل الأعمال إبراهيم العرجاني القريب من المخابرات المصرية.

تحتار سيناء من تعسف السلطات المصرية، وتتساءل “كيف لعائلة مشردة تعيش فوق الأنقاض، وفي ظل حرب طاحنة كتلك أن توفر مبلغ ضخم كهذا؟ ولماذا تعاملنا السلطة المصرية بهذه النفعية؟ ألستُ مصرية أم لم تعد مصر موطني؟”.

لم أرغب في أن أقول لها أن سياسة الدولة اليوم هي الأموال، وأننا نعيش تحت حكم لا يعترف سوى بالفلوس حتى ولو جاءت من ضحايا يعانون الحرب والضياع.، حقاً لم يعد وطنك يا سيناء. هذا وطن من لديه المال. إنه وطن السبوبة بامتياز.

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 17.05.2024

مدارس “الأونروا” المدمرة مأوى نازحين في خان يونس

على رغم خطورة المكان على حياة أفراد العائلة، بسبب احتمال سقوط بعض الجدارن أو الأسقف على رؤوسهم، قررت العائلة الإقامة في أحد الصفوف الدراسية، وبدأت بتنظيفه وإزالة الحجارة والركام من المساحة المحيطة به، وإصلاح ما يمكن إصلاحه.