fbpx

عن ازدواجيّة معايير نظام الأسد بين القصفين الإسرائيلي والأردني

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم يصدر أي موقف رسمي سوري أو حتى احتجاج على مقتل مدنيين بينهم أطفال، نتيجة استهداف الطيران الأردني منازل المدنيين في القرى الفقيرة في السويداء. لكن في المقابل، علت لهجة النظام ضد استهداف راعيه الإقليمي الإيراني.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تسببت غارات أردنية داخل الأراضي السورية، وتحديداً في منطقة السويداء، بمقتل مدنيين بينهم أطفال. وقد استهدفت منزلين على الأقل في بلدة عرمان، ما أدى الى مقتل ثمانية أشخاص، بينهم طفلتان وأربع سيدات، مع تدمير كامل للمنازل. فالجيش الأردني ينشط منذ سنوات، في مجال إحباط عمليات تهريب أسلحة ومخدرات آتية من سوريا، وتحديداً الكبتاغون الذي يُصنّع في سوريا ويُصدّر إلى دول الخليج.

بعد القصف الأردني بأيام، ضربت إسرائيل قلب العاصمة دمشق مستهدفةً شخصيات إيرانية، ما أدى الى مقتل مسؤول في استخبارات الحرس الثوري وعناصر قيادية إيرانية كانوا برفقته. 

هذه الاستهدافات ليست الأولى، فقد باتت سوريا ساحة مفتوحة للأطراف الدولية والإقليمية كافة. إذ تكرر ضرب إسرائيل أهدافاً إيرانية وسورية وأخرى تابعة لـ”حزب الله” في سوريا. وكالعادة، لم يرد النظام عليها سوى بموقفه الذي بات مثار سخرية، وهو أنه “سيرد في المكان والزمان المناسبين”. 

وهكذ، ستظلّ سوريا هدفاً لصواريخ اسرائيل، والمتضرر الوحيد هو أجساد السوريين وأرواحهم والبنية التحتية المتهالكة أصلاً.

تجاهل قتل الأبرياء

المفارقة ليست فقط في الهجمات نفسها وفي ضحاياها، ولكن في كيفية تعامل النظام السوري مع هذه الانتهاكات الواضحة لسيادته.

لم يصدر أي موقف رسمي سوري أو حتى احتجاج على مقتل مدنيين بينهم أطفال، نتيجة استهداف الطيران الأردني منازل المدنيين في القرى الفقيرة في السويداء. لكن في المقابل، علت لهجة النظام ضد استهداف راعيه الإقليمي الإيراني واستنفرت أجهزته، وخرجت علينا شخصيات النظام تدين بأشد العبارات القصف الذي استهدف مسؤولين للنظام الحليف لدمشق.

وكأن حيوات السوريين ليست متساوية بالنسبة الى نظام الأسد، فحين يتم الاعتداء على منطقة مثل “مزة فيلات غربية” حيث تسكن شخصيات موالية للنظام، وحين يستهدف العدوان مصالح ايران، يتهافت صحافيو النظام وقنواته الإعلامية وشرطته المحلية على تغطية الخبر وملابساته والمساعدة في انتشال الركام والجثث. في حين يسود الصمت والتجاهل عمداً حيال جريمة الطيران الأردني، التي وقع ضحيتها نساء وأطفال أبرياء عُزّل، لأن هذه الجريمة حصلت نتيجة نشاط النظام السوري غير الشرعي في تصنيع المخدرات وتهريبها عبر جنوب سوريا الى الأردن والسعودية، ولأنه تجاهل تحذيرات الأردن المتكررة ووعودها بالرد الحاسم للدفاع عن أمنها، الذي بلغ حدّ قتل مدنيين في منازلهم، وهي جريمة موصوفة. 

يعلم النظام الأردني جيداً، أن دمشق لن تسائله عن مقتل مدنيين، فنظام بشار الأسد احترف استهداف المدنيين وقتلهم، ولن يحرك ساكناً لمقتل عدد منهم في السويداء.

في المقابل، استهدفت صواريخ إسرائيل ضباط الحرس الثوري في منطقة المزة في دمشق، إحدى أكثر المناطق ازدحاماً وحساسيةً أمنياً، إذ إنها تضم سفارات عدة ويقطن في فيلاتها ضباط رفيعو المستوى، سوريون وإيرانيون وروس، الى جانب مدنيين يخشون استخدامهم دروعاً بشرية والاختباء بينهم. 

كيف تسمح حكومة مسؤولة بتمركز مسؤولين أمنيين في مناطق سكنية، وإقامة اجتماعات، مع علمها باحتمالية استهدافهم، غير آبهة بحياة من حولهم. وربما يسكن هؤلاء في مناطق سكنية عن قصد، لعل موت الأبرياء يمنحهم ورقة رابحة يستخدمونها أمام المحاكم الدولية والصحافة!

لطالما كان خطاب بشار الأسد في السنوات الأخيرة، احتفائياً ببقائه في منصبه، وهو “صمود” كلّف دماً كثيراً دفعه السوريون، الذين تواطأت قوى إقليمية ودولية على محنتهم، فسمحت ببقاء الأسد على رغم كل جرائم الحرب التي ارتكبها، وها هو يواصل ما دأب عليه بعدما أخذ دعماً عربياً باستقباله في القمة العربية الأخيرة، ليكون رئيساً مرفوعاً على رفاة السوريين وعظامهم.

صمت تام عن الانتهاكات

مع اقتراب حرب إسرائيل على غزة من شهرها الرابع، بكل ما فيها من شراسة وقسوة، يعيد العالم اليوم التفكير في معنى الإنسانية، وفي مواقف الدول والأنظمة، حتى تلك التي تدعي الديمقراطية، وتجاهل الانتهاكات التي تحدث يومياً، فيما لا تجد الشعوب من يردّ لها اعتبارها وحقوقها. 

يكتنف عالم اليوم الكثير من الصمت وإشاحة البصر عن جرائم وحشية ظننّا أن القوانين الدولية والإنسانية ستكفل عدم تكرارها. وهذا ما نادى به المجتمع الدولي بعد جرائم الحرب العالمية الثانية، التي ظنّ العالم أنها الأبشع، وأنها لا يمكن أن يتكرر.

اليوم،  تدفع غزة ثمناً قاسياً، وسبق للسوريين الذين انتفضوا ضد نظامهم في العام 2011، أن دفعوا أثماناً باهظة موتاً ودماراً وتهجيراً.

 يتهامس الشارع السوري اليوم بخوف، محتجّاً على ازدواجية معايير نظام جرّدته مواقفه من آخر قشّة من الشرعية.

فهل سيظل السوريون في السويداء يقفون في ساحة الكرامة التي لجأوا إليها في الأشهر الأخيرة، يهتفون بمطالب تمثل السوريين جميعاً ولكن من دون أي نتيجة ومن دون بصيص أمل نحو التغيير؟ 

هل يواصل النظام الصمت وتجاهل وقفتهم ومطالبهم، ويوجّه “ناشطين” غير رسميين لإدانتهم واتهامهم بالانقسام والانشقاق عن النسيج الوطني، وإدانة ثورتهم ووصفها بثورة الجياع! 

لم يعد هناك أي اهتمام إعلامي دولي أو عربي بالمحنة المستمرة التي يعيشها السوريون، الذين يواصلون دفع أثمان باهظة لانتهاكات هذا النظام لكل القوانين الدولية، في وقت يدين هذا النظام نفسه إاسرائيل على انتهاكاتها في غزة، مدعياً وقوفه الى جانب قضية محقة، هي القضية الفلسطينية، والتي سبق له أن استغلّها أبشع استغلال لقمع شعبه باسمها! 

نظام الأسد لا يقل عن إسرائيل فتكاً وإجراماً. وما تشهده المناطق الهشّة حول العالم، من فلسطين الى سوريا ولبنان والسودان وأفغانستان وغيرها من الدول، التي عانت شعوبها من حروب الوكالة وسيطرة الأنظمة الاستبدادية المتطرفة، ناهيك بالتمييز والانتهاكات الجمّة، ينذر بأن المستقبل لن يكون أفضل .

وما يثير السخرية أن العالم استطاع بطريقة ما، أن ينظر باتجاه آخر، بمنظور هش متحجّر القلب، وأن يجد سردية تخدم مصلحة أطرافه القوية، وأن يجعل الأمور تسير وفق بوصلته وحاجته، غافلاً عن كثيرين يعانون بصمت ويدفعون ثمن النظام العالمي الجديد!