fbpx

عن إسرائيل التي “من النهر إلى البحر” وعن الفرصة الفلسطينيّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إسرائيل من النهر إلى البحر” أطلقها رجل يائس يقف على شفير هاوية سياسية، لكن سقوطه لن ينقذ إسرائيل من استعصاء حل الدولتين، ذاك أن القوى البديلة لا تملك خطاباً مختلفاً، ولا تصوراً واضحاً لـ”اليوم التالي”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كتبت هآرتس: “اليوم التالي هو ليس فقط اليوم التالي للحرب، بل اليوم التالي لنتانياهو. نتانياهو ملزم بأن ينهي دوره التاريخي والكارثي في أقرب وقت ممكن، وأن يسمح لآخرين بمحاولة ترميم الكارثة التي خلفها وراءه”.

نعم، اليوم التالي للحرب هو اليوم التالي لنتانياهو، وهنا تكمن إحدى الصعوبات التي تؤخر نهاية الحرب. فأمام إسرائيل مهمة واحدة تعقب الحرب، وهي إنهاء التجربة المريرة التي خاضتها مع نتانياهو منذ العام 1996، وما يترتب على هذه النهاية من احتمالات، لعل أكثر ما يعنينا منها هو “حل الدولتين”. ونتانياهو في لحظة لفظه أنفاسه السياسية، راح يزفر بما يقول إنه برنامجه: “إسرائيل من النهر إلى البحر”! هل تذكرون هذه العبارة (فلسطين من النهر إلى البحر) عندما تلفظ بها فلسطينيون وأُخذت عليهم بوصفها “امتداداً لمعاداتهم الساميّة”!

عبارة “إسرائيل من النهر إلى البحر” التي أثارت الجدل، تبين أنها “سوء ترجمة” فما قصده نتنياهو كان”السيطرة الأمنية على كل المنطقة الواقعة غربيّ نهر الأردن” ربما هي خيانة البلاغة، لدى المترجم أو نتنياهو، لكن ألم يرفع نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خريطة “الشرق الأوسط الجديد”، التي لا وجود فيها لفلسطين ولا دولة فلسطينية، بل إسرائيل ممتدة من البحر إلى النهر !

“اليوم التالي للحرب هو اليوم الأول لحل الدولتين”. على الفلسطينيين أن يبدأوا من هنا. على هذا النحو يمكن أن نجعل المأساة أفقاً سياسياً. اللحظة تقتضي يقظة واستعداداً لمرحلة ما بعد المأساة. نعم وقف الحرب مهمة أولى وواجبة وملحّة، لكن هل نكتفي بها في ظل هذه الخسائر كلها؟

قتلت الحرب نحو ثلاثين ألف مدني فلسطيني، ودمرت “كل” البنية التحتية لقطاع غزة. وقف القتال ليس مطلباً وحيداً، فماذا عن المأساة التي خلّفها القتال، وماذا عن مستقبل القطاع، ومستقبل فلسطين؟ تصفير السجون بعد التبادل؟ الثمن أكبر بكثير من هذه المهمة، والمسارعة إلى التقاط اللحظة بوصفها انعطافة في القناعة الدولية حيال القضية الفلسطينية، تقتضي شروطاً مختلفة، وقوى مختلفة حاملة لهذه الشروط. “حماس” تتحدث عن وقف الحرب وتصفير السجون. لا بأس. لكن “حماس” ليست مؤهلة للخوض بما هو أكثر من ذلك. حل الدولتين ليس جزءاً من برنامجها، وإعادة إعمار القطاع لا يمكن أن تجري في ظلّ سلطتها.

“اليوم التالي للحرب هو اليوم الأول لحل الدولتين”. على الفلسطينيين أن يبدأوا من هنا. على هذا النحو يمكن أن نجعل المأساة أفقاً سياسياً.

الثمن الأخلاقي ستدفعه إسرائيل عاجلاً أم آجلاً. نتانياهو ليس وحده من سيدفع الثمن. الجيش، وهو أيقونة الدولة ومعبودها، ستكون له حصة، لجهة الفشل والارتكابات. المشهد في إسرائيل سينقلب تماماً، ومن الصعب تقدير وجهة الانقلاب الآن، خصوصاً أن الاستطلاعات تذهب نحو قوى غير راسخة، تتمثل بيمين الوسط، وهو ليس بعيداً من التوجهات العامة لليمين التقليدي. وموقعه من حل الدولتين يميل نحو التحفظ، إذا لم نقل الرفض.

هناك فرصة في موازاة المأساة. السعودية التي كانت سائرة نحو تطبيع العلاقة مع إسرائيل من دون الشرط الفلسطيني، كبحت اندفاعتها وأعلن وزير خارجيتها فيصل بن فرحان أن حل القضية الفلسطينية هو شرط للتطبيع. المسؤولون الأميركيون وعلى رأسهم جو بايدن، يكررون أن الحرب يجب أن يعقبها بحث في حل الدولتين، وجماعة “اتفاقات أبراهام” (الإمارات العربية والبحرين والمغرب) لم تنضم بعد إلى الانعطافة السعودية، وهي تنتظر أن يأتيها الغيث من واشنطن، لكنه غيث مؤجل بانتظار أن يستعيد دونالد ترامب البيت الأبيض.

المهمة الملحّة الآن، هي إنتاج نصاب سياسي فلسطيني يمكنه أن يتعامل مع “اليوم التالي”. ولعلها المرة الأولى التي يتساوى فيها الفلسطينيون وإسرائيل في مشهد الاستعصاء. إسرائيل لا تملك شيئاً تخاطب فيه العالم عن “اليوم التالي” سوى ما قاله نتانياهو لجهة أن دولته “من النهر إلى البحر”، وهو قول يعني بين ما يعنيه، صدام مع العالم كله، ويعني أيضاً تهديداً لمعاهدتي كامب ديفيد ووادي عربة مع مصر والأردن، والاكتفاء باتفاقات أبراهام. لكن الأخطر أن “من النهر إلى البحر” تعني حروباً مفتوحة، ومشاريع ترانسفير ستُجرى على ضفافها أنهار من الدماء.

“إسرائيل من النهر إلى البحر” أطلقها رجل يائس يقف على شفير هاوية سياسية، لكن سقوطه لن ينقذ إسرائيل من استعصاء حل الدولتين، ذاك أن القوى البديلة لا تملك خطاباً مختلفاً، ولا تصوراً واضحاً لـ”اليوم التالي”. أما الفلسطينيون، فاستعصاؤهم أقل من نظيره الإسرائيلي، على رغم مأساة غزة. نصاب سياسي يتوسط بين “فتح” و”حماس”، يستثمر في قناعة دولية بدأت تتّسع بضرورة “حل الدولتين”.