fbpx

“كارثة” غزة إذ حلت في مخيم رفح

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في محاولة لتأمين احتياجات أطفالها، طلبت نورهان المساعدة، إلا أن الرد الوحيد الذي حصلت عليه كان “لا نستطيع تأمين أي شيء”، وخاصة أن تأمين الحليب لأطفالها هاجس يتربص بها يومياً، وهذا الهم حاضر لدى آلاف الأمهات اللواتي يعشن ظروفًا مماثلة، حذرت منها منظمة اليونيسيف التي أشارت إلى التدهور المستمر في مستوى التغذية لأكثر من 135 ألف طفل دون سن الثانية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

Tinyhand و درج

في قلب جنوب قطاع غزة، وليس بعيداً عن منازلهم وذكرياتهم، يعيش النازحون حياةً لا تشبه حياتهم قبل 7 أكتوبر، متكدسين داخل خيام مؤقتة فرضتها الحرب على غزة التي دخلت شهرها الرابع.

تتجمع حوالي 775 عائلة في مخيم الملعب البلدي، الواقع في الحي الياباني غربي رفح، وهو واحد من بين العديد من المخيمات التي نشأت لتوفير مأوى للنازحين.

في معظم الخيام التي زرناها، يتجاوز عدد أفراد الخيمة الواحدة غالباً تسعة أشخاص، وتصل في بعض الحالات إلى عشرين شخصاً تماماً، كما في خيمة نورهان ياسين، البالغة من العمر 22 عامًا، حيث تعيش اليوم مع طفليها وعائلة زوجها وأقاربه.

مرّ على نورهان شهر في هذا المخيم، لم تصل إليه إلا بأعجوبة بعد أن نجت من القصف في أثناء تواجدها في منطقة المعمداني. من هناك، فرّت باتجاه رفح، ملخصة ما اختبرته بعبارة “رأيت الموت بأم عيني”.

، ما تواجهه اليوم عائلة نورهان في هذه الخيمة لا يقل تحديًا عما مرت به، فكلما ألقى الليل ظلاله، بدأت معاناة النوم على أرض باردة، لا يفصلهم عنها سوى بطانيات خفيفة صيفية. استغنت العائلة عن فرشتين ينام عليهما والدي زوجها، إذ يصعب على كبار السن النوم على الأرض، كما تقول نورهان.

يمضي بقية أفراد العائلة لياليهم الباردة على الأرض، ما يثير قلق نورهان على ابنتها وابنها المريضين، اللذين “لم يتعافيا من هذا الجو البارد”.

برودة الجو وقلة المياه أدتا إلى عدم استحمام طفلي نورهان لفترة طويلة، توضح قائلة “الحمامات بعيدة جدًا عن مكان خيمتنا، لذلك اكتفيت بمسحهما بقطعة قماش”.

في محاولة لتأمين احتياجات أطفالها، طلبت نورهان المساعدة، إلا أن الرد الوحيد الذي حصلت عليه كان “لا نستطيع تأمين أي شيء”، وخاصة أن تأمين الحليب لأطفالها هاجس يتربص بها يومياً، وهذا الهم حاضر لدى آلاف الأمهات اللواتي يعشن ظروفًا مماثلة، حذرت منها منظمة اليونيسيف التي أشارت إلى التدهور المستمر في مستوى التغذية لأكثر من 135 ألف طفل دون سن الثانية.

أموالنا نفدت، ولم نستلم أي سلة غذائية منذ مدة

لا تكاد تفصل بين الخيمة والخيمة إلا بضعة أمتار تمتد بينها حبال الغسيل، هذا الحبل إلى جزء أساسي من حياة النازحين، ومن ضمنهم عائلة سليمان محمد الشمالي، الذي لا يملك كل فرد فيها سوى قطعة ملابس واحدة.

غادر سليمان البالغ من العمر 67 عاماً مع عائلته منزله في خان يونس بعد تعرضه للقصف، قطعوا مسافة 5 كيلومترات مشياً على الأقدام، وانتهى بهم المطاف هنا في هذا المخيم.

يعيش حاليا 11 شخصاً داخل خيمة سليمان، تتكون الخيمة من 3 عائلات، لم تتلقَ المساعدات منذ 18 يوماً، حسبما أخبرنا.

يقول سليمان “هذه الخيمة هي أكبر كارثة وأكبر مصيبة حلت في حياتنا، لم نكن نتوقع أن يصل الحال بنا إلى هنا، النزوح داخل بلادنا”. مر شهر على وجود سليمان هنا، واجه خلاله تحديات كبيرة، إذ ارتفع سعر كل شيء، وأصبحت أساسيات الحياة غير متاحة بسهولة.

التحديات الرئيسية التي يواجهها سليمان هي تأمين المياه وموارد التدفئة خلال فصل الشتاء، إذ يعتمد مع عائلته على بطانية واحدة فقط لتدفئة 11 فردًا داخل الخيمة، ناهيك بأن “الحمامات غير صحية، والسلال الغذائية غير كافية تمامًا لتلبية احتياجاتهم”.

هاجس سليمان هو وضع الأطفال في هذا المكان، كونهم يواجهون واقعاً قاسياً، يلعبون في التراب والرمال، ووضعهم النفسي ليس مستقر. تجدهم فجأة يبكون أو يصرخون. يقول سليمان أن ‘هناك حاجة ملحة لمتابعة وضعهم النفسي. أتمنى لو كان هناك جهة تهتم بأوضاعهم، وتقدم لهم الدعم النفسي اللازم في هذه الأوقات الصعبة’.

إبراهيم، أحد أطفال سليمان البالغ من العمر 7 سنوات، يشكل صورة حية للواقع القاسي الذي يواجهه الأطفال هنا. يحلم إبراهيم بالعودة إلى منزله حيث كانت غرفته مليئة بالألعاب، واليوم يقيم في خيمة تفتقر إلى الأشياء الأساسية.

في الوقت الذي تتعلق فيه عيون القاطنين هنا بالعودة إلى منازلهم، أو بالأحرى إلى ركام منازلهم، كان عليهم البحث عن حلول لحياتهم اليومية. هنا، على سبيل المثال، يوجد محل حلاقة مؤقت اكتفى صاحبه بتعليق بقايا مرآة مكسورة تتدلى على شباك المخيم، بجوارها مقص وفرشاة.

لا تخلو الخيام من فرن بسيط صنعه النازحون من الطين، يشعلونه بأغصان وأخشاب يجمعونها من الغابات القريبة. ولكن حتى استخدام هذه الأخشاب مدروس في مكان لا يوجد فيه مصدر للكهرباء أو الإضاءة.

على سبيل المثال، يعتمد عدلي نعمان الدبو، البالغ من العمر 50 عامًا، على ضوء هاتفه المحمول للإضاءة ليلاً. لكن ذلك يتوقف على قدرته على تأمين شاحن خلال يومه، فإذا فشل، تخسر عائلته فرصة إضاءة خيمتهم ليلاً.

غادر عبدلي منزله مرغماً للحفاظ على حياة أطفاله، إذ استهدفت قذيفة البناء الذي يقطن فيه رحلته بالوصول إلى مخيم يواجه فيه يومياً تحديات تأمين المياه النظيفة.

تسببت الظروف المعيشية المتدنيّة بانتشار الأمراض بشكل كبير بين النازحين، وخاصة الأطفال. وفقًا لإحصائيات اليونيسف، ارتفعت حالات الإصابة بالإسهال بين الأطفال تحت سن الخامسة من 48 ألفًا إلى 71 ألفًا في أسبوع واحد بدءًا من 17 كانون الأول/ديسمبر، ما يعادل 3200 حالة إسهال جديدة يوميًا. وأشارت اليونيسف إلى أن هذه الزيادة الكبيرة في فترة قصيرة تعد مؤشرًا قويًا على التدهور السريع لصحة الأطفال في غزة.

تسبب القصف الإسرائيلي بتدمير أنظمة المياه والصرف الصحي والصحة الأساسية في قطاع غزة، كما حد من القدرة على علاج سوء التغذية الحاد. وفي الوقت نفسه، تركز المستشفيات القليلة جدًا العاملة على الاستجابة للعدد الكبير من المرضى المصابين في النزاع لدرجة أنها غير قادرة على علاج تفشي الأمراض بشكل مناسب.

ما يقلق عبدلي في كل مرة ينظر في عيون أطفاله، هو الواقع الصعب الذي يواجههم. على رغم وجود بعض المبادرات الفردية في المخيم لتسلية الأطفال، إلا أن “الحرب والدمار والقصف يسيطر على الجو في هذا المكان”، كما يقول عبدلي.

هذا الواقع كان واضحًا أيضًا لدى ابنه مصطفى، وهو طالب في الصف السادس، أخبرنا كيف يعاني البرد ونقص الإمدادات الأساسية، ويحلم بالعودة إلى منزلهم.

سوء التغذية والأمراض يهددان أكثر من 1.1 مليون طفل في غزة

في النقطة الطبية التابعة لوزارة الرعاية الأولية في المخيم، يواجه الدكتور محمد أبو غالي تحديات خطيرة، يتابع يوميًا حوالي 190 حالة من الأمراض التنفسية. ثلث هذه الحالات ناتجة عن تكدس النازحين في الخيام وسهولة انتشار العدوى، في حين الحالات الأخرى يغلب عليها الالتهابات المعوية نتيجة تلوث الطعام والماء.

الأوضاع الصحية السيئة في هذا المخيم واضحة للعيان، إذ يعاني بعض النازحين من الجرب والأمراض الجلدية من انتشار كبير، مع نقص في المستلزمات الطبية والأدوية التي لا تكفي لتلبية الاحتياجات الضرورية، يقول الدكتور أبو غالي أن “التحدي يكمن في تقديم العلاج الأمثل بما يتاح من موارد”.

يؤكد أبو غالي على تصريحات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) عن أن الأطفال في غزة اليوم يواجهون تهديدا ثلاثيا قاتلا يتمثل في زيادة تفشي الأمراض وسوء التغذية وتصاعد الأعمال القتالية. 

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 17.05.2024

مدارس “الأونروا” المدمرة مأوى نازحين في خان يونس

على رغم خطورة المكان على حياة أفراد العائلة، بسبب احتمال سقوط بعض الجدارن أو الأسقف على رؤوسهم، قررت العائلة الإقامة في أحد الصفوف الدراسية، وبدأت بتنظيفه وإزالة الحجارة والركام من المساحة المحيطة به، وإصلاح ما يمكن إصلاحه.