fbpx

شهادات الاعتقال والتعذيب في السجون الإسرائيليّة (4)… رحلة طالبة نحو سجن الدامون

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يجمع  الكاتب مصطفى ابراهيم، النازح في رفح من قطاع غزة، شهادات أشخاص اعتقلهم الجيش الإسرائيلي وقام بإذلالهم، أشباه العراة الذين لم يُعرف عنهم خبر الى حين إطلاق سراحهم،  يصفون ما شهدوه في رحلة الإذلال التي اختبروها منذ اعتقالهم حتى إطلاق سراحهم. هنا حكاية الشابة س.ز (20 عاماً) التي أفرج عنها من سجن الدامون بعد رحلة تحقيق طويل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ما زالت صور اعتقال الفلسطينيين وإذلالهم في قطاع غزة تُتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي. الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان وقوانين الحرب، تبرره إسرائيل بشبهة “الانتماء الى حماس”، لتقود المعتقلين إلى معسكرات اعتقال مجهولة، يختبرون فيها أنواع التعذيب والإذلال حسب التقارير الصحافيّة، ناهيك بموت بعضهم.

لا يستطيع المعتقلون التواصل مع العالم الخارجي، إذ تمنع إدارة السجون دخول المنظمات الدولية والمحامين وأقرباء المعتقلين، ليكون مصدر الشهادة الوحيد، المعتقلين الذين أُفرج عنهم. ناهيك بتفعيل ما يسمى “قانون المقاتل غير الشرعي”، الذي يتيح إصدار أمر باحتجاز “المقاتل غير شرعي” لمدة 45 يوماً بدلاً من 7 أيام، وأن تتم المراجعة القضائية خلال 75 يوماً بدلاً من 14 يوماً، ومنع المعتقلين من لقاء محاميهم لمدة 180 يوماً. 

الشهادة التالية كُتبت كلها بضمير المتكلم، وتم تحريرها وإعادة ترتيب الضمائر للضرورة الصحافية، كل ما ورد فيها من وصف وتفسيرات وإحالات وأحداث يعود إلى س.ز.

تبلغ الشابة “س. ز” من العمر 20 عاماً، من سكان معسكر جباليا (في جباليا يطلقون على المخيم اسم معسكر) طالبة طب في السنة الجامعية الثانية. بتاريخ 22/11/2023 نزحت مع عائلتها (والدتها وخالها وأختيها وشقيقها) من مخيم جباليا إلى جنوب قطاع غزة، بعد أن أجبرهم الجيش الإسرائيلي على المغادرة.

رفض والد “س.ز” مغادرة المخيم، وفي ساعات الصباح الباكر غادرت”س.ز” ومن معها المنزل، ليصلوا إلى دوار الكويتي الواقع على طريق صلاح الدين شرق حي الزيتون، حوالي الساعة العاشرة صباحاً.

 نقلتهم عربة يجرها حمار، ونزلوا قبل الوصول بنصف كيلو إلى حاجز للجيش الإسرائيلي، وساروا مشياً على الأقدام على طريق صلاح الدين قبل وادي غزة، وقبل وصولهم الحاجز شاهدت “س.ز” نحو سبع دبابات.

كانت “س.ز” تمسك بيد أختها الصغيرة (7 أعوام)، وعند وصولهم إلى الحاجز طلب الجنود الإسرائيليون من الجميع الجلوس في مكانهم، فجلس الجمعُ على الأرض نحو 20 دقيقة، بينما كانت مجموعة من الجنود ينادون على الناس بمكبر للصوت، المسافة بين الجمع والجنود نحو 300 متر.

تقول “س.ز”: “طلبوا من الجميع الوقوف رافعين بطاقات الهويات الشخصية، والنظر إلى اليسار جهة الجنود الذين يتمركزون في الجهة الشرقية لطريق صلاح الدين قبل وادي غزة بنحو كيلو متر”.

طلب الجنود من النازحين الدخول عبر الحلابات (حواجز حديدية دوارة) نحو غرفة من الحديد مفتوحة من الأعلى، ونادوا على “س.ز” التي كانت تقف في منصف الرتل الذي يحوي أمها في المقدمة، وباقي الأسرة خلفها.

نادى الجندي قائلاً: “البنت الي مش محجبة والي لابسة شالة بيضاء”، لم تظن “س.ز” أنه يناديها، كونها لم تكن تضع شالاً أبيض، فلم ترد، فخاطبها الجندي:” انتي يا حمارة انتي والي قدامك تعالي”.

 ذهبت “س.ز” باتجاههم ووقفت في طابور آخر يصطف فيه الناس، لاحظت “س.ز” جندي يقف خلف تلة من الرمل، يبعد عنهم 15 متراً، طلب الجندي منها رقم هويتها، فقالت بصوت عال، ثم أمرها بالذهاب نحو الطابور الثاني هي وأختها، ثم نادى عليها بالاسم قبل أشخاص آخرين كانوا أمامها، وقال لها أن تذهب باتجاه التلة الصغيرة.

خافت “س.ز” على أختها الصغيرة، فقالت لها أن تتجه نحو والدتها. قال لها الجندي بعدها أن تذهب لمنطقة العلم الأخضر، فمشت 4 خطوات تقريباً نحو حائط وسواتر رملية وضعوها خلفهم.

تقول “س.ز”:”كان هناك ثلاثة جنود (جنديتان وجندي) وكنت وحدي، فطلب مني رمي كل شيء في جيبي، وكنت أحمل حقيبة صغيرة فيها ذهب خاص لوالدتي، فقلت له فيها شيء ثمين، ولكنه أمرني بإلقائها”.

تضيف “س.ز”:” طلب مني الجندي أيضاً خلع الجلباب ونفضه، ثم خلع البلوزة والبنطال، وكنت ألبس أكثر من بنطال وبلوزة، ثم قالت لي المجندة البسيهم مجددا وأمرتني بالتقدم تجاههم، وعصبت عيني بقطعة من القماش وتقييد يدي للأمام بقيود بلاستيكية”.

أمسكت المجندة “س.ز” من ذراعها وسارت بها تجاه طاولة، وأجبرتها التوقيع على ورقة وهي مغمضة العينين، ووقفت للحظات ثم دفعتها للجلوس على كرسي، تقول “س.ز”:”سألني شخص يتحدث العربية، ما اسمك وعمرك، وقال لي عائلتك بعد 500 متر أوقفناهم وأخذناهم، وسألني عن تخصصي في الجامعة، وفي أي سنة واسم والدي ووالدتي ومهنتهم”.

“طلبوا من الجميع الوقوف رافعين بطاقات الهويات الشخصية، والنظر إلى اليسار جهة الجنود الذين يتمركزون في الجهة الشرقية لطريق صلاح الدين قبل وادي غزة بنحو كيلو متر”.

سألها الشخص الذي يتحدث العربيّة إن كانت تعرف أحداً ينتمي لحركة حماس من أقاربها، فأجبت أنها لا تعرف، ثم سألها عن مكان المختطفين الإسرائيليين، فقالت أيضاً أنها لا تعرف، ثم سألها عن عدد أخوتها فأجابته. 

قال الرجل أنه سيسألها بعض الأسئلة على جهاز كشف الكذب، تصف “س.ز” ما حصل بعدها قائلة “كنت حينها جالسة على الكرسي ومعصوبة العينين، فأخذني وأجلسني على الرمل، ونظرت من تحت العصبة، فرأيت فتاة تجلس مواجهةً لي، علمت لاحقا اسمها”.

سمعت “س.ز” صوت مجندات ومعهن فتاة، ثم اقتادوهن مشياً لدقيقة، ثم أجلسوهن مجددا على الرمال، وكان مع “س.ز” فتاتان علمت بوجودهما من خلال السمع والنظر من تحت العصبة.

تقول “س.ز”:”خلال جلوسنا على الرمال كنا نسمع صراخ رجال نتيجة تعرضهم للضرب الشديد. أحضروا بعدها فتيات أخريات، إلى أن أصبح عددنا ست فتيات، واقتادونا إلى سيارة جيب، وكان الوقت تقريباً عصراً، وأحضروا لنا ماء، وكان الطقس بارداً جداً، فطلبت إحدى الفتيات (حرام) بطانية، فرفض الجنود إعطاءها إياها”.

تقول “س.ز” أنهم ضعوا على أيديهن “جلدة بلاستيكية” مكتوب عليها رقم 12، ومع ساعات المساء ودخول الليل حملن بعنف إلى الجيبات، تصف “س.ز” ذلك “رفعني أحدهم بقوة من الكتفين من الخلف، وألقى بي في الجيب، ولا أعلم إن كان جندي أو مجندة، وسارت فينا السيارة نحو نصف ساعة. لاحظت اتصال الجيب بعربة أخرى فيها معتقلون رجال، علمت ذلك من صراخ أحدهم بأن يده تؤلمه”.

تقول “س.ز” أنهم نزلوا من الجيب بعد نصف ساعة تضيف:”كنا نسمع صوت صفارات إنذار واشتباكات، ولا أعلم أين هذا المكان، ولكن أعتقد أنه على حدود غزة الشرقية”.

أُجلست “س.ز” ومن معها على بطانية مفروشة على أرض مليئة بالحصى، ثم طلب منهن الجنود خلع أحذيتهن، وكن طوال الوقت معصوبات الأعين ومكبلات اليدين بقيود بلاستيكية.

تضيف “س.ز” أن فتاتين طلبتا الذهاب للحمام، فرفض الجنود فعلمت بعد ذلك أنهن قضوا حاجتهن في الخلاء. طلبت المعتقلات بطانية، فأعطوهن واحدة فقط، وكانت خفيفة، فطلبن بطانية أخرى، لكن جوبه طلبهن بالرفض، في حين حصلن على الماء حين طلبنه.

تقول “س.ز”: “كانت بجانبي فتاة تصرخ وتعاني آلام في البطن، ومن شدة الصراخ أحضروا لها طبيب، وأنا كنت أترجم للطبيب، قالت الفتاة للطبيب بأنها تشعر وكأنها أجهضت، إذ كانت حامل في الشهر الثاني، فقال لها الطبيب أن تتمدد على الأرض، فتمددنا بجانبها، ولم يقدم لها أي شيء”.

ترك الجنود “س.ز” ومن معها لينمن على الحصى، وهن مقيدات الأيدي

ومعصوبات الأعين، تقول “س.ز” أنهن بسبب البرد كان النوم يجافيهنّ، وقبل الفجر استيقظ “س.ز” ونظرت من تحت العصبة لتدرك أنهن في خيمة مفتوحة من الأمام.

بعد طلوع الشمس الساعة السادسة جاء الجنود، وأوقفوا المعتقلات في طابور، وكن ست فتيات، وأخذوهن إلى باص سار بهنّ حتى الظهر تقريباً، بعدها أنزلهنّ في مكان علمت “س.ز” لاحقاً، أن اسمهالعنتوت، ثم أدخلوهن من بوابة، وأجلسوهن على أرض مفروشة بالحصى وحولهن شباك حديدي.

تقول “س.ز” “جلسنا لـ20 دقيقة تقريباً، ثم أدخلونا مكان يوجد فيه مجندات فقط، نحو 7 مجندات، فكوا العصبة عن عيوننا والقيود، وطلبت المجندات أن نغير ملابسنا، ونرتدي بلوزة وبنطال أعطونا إياها، مكتوب على الكنزة بالحروف العبرية حرف (غ)، ثم طلبن منا نزع الشال عن رؤوسنا. فطلبنا منهن أن نرجع ونلبس الحجاب، فقالت المجندات ممنوع”.

تقول “س.ز”:” كنت أرتدي أسوارتين وسنسال ومعي 700 دينار أردني، أخذوهم مني وجعلوني أوقع على أوراق مكتوب عليها بالعبرية لم أفهم ماهيتها، ولم تترجم لي، ولم يشرح لي محتواها، ثم أخذوا صورة شخصية لي بالجوال وأنا بدون حجاب”.

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 17.05.2024

مدارس “الأونروا” المدمرة مأوى نازحين في خان يونس

على رغم خطورة المكان على حياة أفراد العائلة، بسبب احتمال سقوط بعض الجدارن أو الأسقف على رؤوسهم، قررت العائلة الإقامة في أحد الصفوف الدراسية، وبدأت بتنظيفه وإزالة الحجارة والركام من المساحة المحيطة به، وإصلاح ما يمكن إصلاحه.