fbpx

أيّ إنجاز حقّقه المنتخب السوري في كأس آسيا؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وفيما كان الاحتفاء بـ”الإنجاز” الجديد و”السابقة التاريخية” على أشدّه، حدثت هزيمة أخرى مألوفة ومكررة، إذ سرعان ما ظهر لاعبو المنتخب يهتفون بحماسة لرأس النظام السوري بشار الأسد، مخيبين بأنفسهم أي مساع لتجاوز الاستقطاب تجاههم وتجاه المنتخب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كما كان متوقعاً، خرج المنتخب السوري لكرة القدم من الدور الثاني- دور الـ16 لكأس أمم آسيا بنسختها الحالية في قطر، بعد خسارته أمام نظيره الإيراني بركلات الترجيح، على رغم أن الفريق الفائز خاض الشوطين الإضافيين بعشرة لاعبين بعد طرد لاعبه مهدي طارمي.

كان بلوغ سوريا الدور الثاني، أو الدور ثمن النهائي، قد وُصف بأنه إنجاز تاريخي يحققه فريقها الوطني للمرة الأولى في تاريخه، واحتفى به كثيرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي بفرح ممزوج بالفخر المشوب بدوره بالدموع من دون أدنى مبالغة. لكن، هل كان ما حققه المنتخب السوري إنجازاً تاريخياً فعلاً، وهل هذه هي مشاركته الأفضل في تاريخ البطولة؟

تأهل المنتخب السوري للمرة الأولى إلى كآس آسيا عام 1980 في الكويت، وحينها أقيمت البطولة بمشاركة عشرة منتخبات فقط، أي أن المنتخب السوري كان من نخبة عشرة منتخبات على مستوى القارة. وفي مشاركته تلك خرج من الدور الأول بالفعل، إلا أنه سجل حينها انتصارين على بنغلاديش والصين وتعادل مع إيران وخسر مع كوريا الشمالية، وحلّ ثالثاً في مجموعته المكوّنة من خمسة منتخبات، علماً أن الدور الثاني حينها كان هو الدور نصف النهائي، وبالنظر إلى ترتيب الفرق في المجموعة الأخرى، فإن المنتخب السوري حلّ في المركز الخامس بالبطولة ككل.

تأهلت سوريا مجدداً إلى كأس آسيا عام  1984 في سنغافورة، وأقيمت البطولة مرة أخرى بمشاركة عشرة منتخبات فقط، ففازت على كوريا الجنوبية بهدف وتعادلت مع قطر وخسرت مع السعودية والكويت، وخرجت من الدور الأول. وفي النسخة التي تلت عام 1988 في قطر، خرج المنتخب السوري من الدور الأول مجدداً بعد خسارتين مع السعودية والصين وفوزين على الكويت والبحرين.

وبعد غياب عن بطولة عام 1992، عاد المنتخب السوري ليشارك في كأس آسيا 1996 في الإمارات، والتي ارتفع عدد المنتخبات المشاركة فيها إلى 12 منتخباً، وبات الدور الثاني هو دور الثمانية أو ربع النهائي، وليس الدور نصف النهائي. بيد أن المنتخب خرج من الدور الأول بعدما حلّ في المركز الثالث بمجموعته خلف اليابان والصين ومتقدماً على أوزبكستان.

فشل المنتخب السوري في التأهل لكأس آسيا عام 2000 في لبنان، ثم عام 2004 في الصين (على رغم ارتفاع عدد المنتخبات المشاركة إلى 16)، وكذلك عام 2007، قبل أن يعود الى المشاركة في دورة عام 2011 ويودع المنافسات من الدور الأول. 

ومع ارتفاع عدد المنتخبات المشاركة في آخر بطولتين إلى 24 فريقاً، يتأهل منهم 16 إلى الدور الثاني أو الدور ثمن النهائي، تمكن المنتخب السوري للمرة الأولى من تجاوز الدور الأول، لكنه فعلياً لم يستطع أن يكون في عداد المنتخبات الثمانية التي تخوض الدور ربع النهائي، بينما كانت المشاركتان الأولى والثالثة قبل عقود تضعه في مصاف المنتخبات الخمسة أو الستة الأولى آسيوياً. وعلى بعد خطوة من بلوغ الدور نصف النهائي، على رغم خروجه من الدور الأول تقنياً في تلك المشاركتين.

ليس بلوغ الدور الثاني، في ظل توسعة البطولة ومشاركة 24 فريقاً، سابقة يسجّلها المنتخب السوري من الناحية المعنوية، مهما بولغ بالاحتفاء بذلك وعلى رغم التسمية التقنية. ولو افترضنا أن كأس العالم بعد عقود بات يقام بنظام مختلف وبمشاركة 96 منتخباً أو 64 (أي تقريباً ثلث المنتخبات المنضوية تحت الفيفا)، فلن يحمل الوصول إلى المونديال طعم الإنجاز الذي تذوقته منتخبات تأهلت في ظل منافسة أكثر صعوبة لخطف بطاقة تأهل إلى نسخة أقيمت بمشاركة 16 أو 24 أو حتى 32 منتخباً.

يبدو الاحتفاء المبالغ فيه الذي حصل أشبه بالتعويض عن غياب الإنجاز الحقيقي، بينما المبالغة في المشاعر “الوطنية” فتعوّض هي الأخرى خفوت المسؤولية الوطنية والإنسانية أو انعدامهما كما هو معتاد عندما يكون الحديث عن إخفاء لاعب قسرياً وقتله تعذيباً أو عن العلاقة المباشرة بين كبار مسؤولي الرياضة المشهود بفسادهم أو فشلهم الذريع على أقل تقدير وبين النظام الحاكم. 

ومن المفارقة، أن المشاعر الوطنية الفياضة التي شهدناها إنما هي عبّرت عن نفسها بينما سوريا قد تكون أكثر دولة منزوعة الوطنية والسيادة في عالمنا المعاصر، ذاك أن المنتخب يمثل دولة توجد على أراضيها قوات إيرانية وتركية وروسية وأميركية، عدا عن ميليشيات لبنانية وعراقية وأفغانية، وغارات جوية تنفذها إسرائيل متى شاءت(والتي تحتل جزءاً من الدولة منذ أكثر من 55 عاماً) وأخيراً الأردن. بينما تنقسم البلد نفسه إلى 4 مناطق على الأقل من ناحية الجهة المسيطرة والحاكمة.

وفيما كان الاحتفاء بـ”الإنجاز” الجديد و”السابقة التاريخية” على أشدّه، حدثت هزيمة أخرى مألوفة ومكررة، إذ سرعان ما ظهر لاعبو المنتخب يهتفون بحماسة لرأس النظام السوري بشار الأسد، مخيبين بأنفسهم أي مساع لتجاوز الاستقطاب تجاههم وتجاه المنتخب، ومذكّرين كل من يحاول أن يتناسى، عن حسن نية أو عن سوئها، أنّه لا مكان في سورية الأسد لفصل أي ظاهرة عامّة عن العائلة الخاصة المالكة. وبينما يُشار كثيراً إلى الدور الذي تلعبه الفرق الرياضية الوطنية في تمتين الهوية الوطنية وتعزيز الشعور بالانتماء إليها، فإن المنتخب السوري يلعب دوراً معاكساً تماماً يقوم على تعزيز الاستقطاب المجتمعي وإشعار مئات الآلاف بالاغتراب عن وطن”هم” ومنتخب”هم” نفسه.

في هذا السياق، من الممكن استعادة كأس آسيا عام 2007، إذ حقق المنتخب العراقي اللقب خلال أوج المذابح الطائفية التي كانت تشهدها البلاد، واحتفي كثيراً بذاك الإنجاز بوصفه دليلاً على وحدة العراقيين، وأسهبت تقارير إعلامية في الحديث عن منتخب ضم قائداً وهدّافاً سنياً هو يونس محمود، ونجم خط وسط وحارس مرمى متألقاً شيعيّين هما نشأت أكرم ونور صبري على التوالي، عدا عن الجناح الكردي هوار ملا محمد. بالطبع، استمرت المذابح الطائفية المتبادلة بعد البطولة على رغم تنوّع انتماءات لاعبي المنتخب والتغنّي التعويضي بها عن خلافات العراقيين الأهلية القاتلة. لكن، لا بد كذلك من الإشارة إلى نقطتين، أولاهما أن المنتخب العراقي حقق إنجازاً حقيقياً، إذ نال الفريق لقب البطولة تلك، وثانيهما أن أيّاً من لاعبي الفريق لم يخرج حينها ليهتف باسم مسؤول عراقي متهم أو غير متهم بالانخراط في تلك المذابح معزّزاً الانقسام الفعلي في المجتمع.