fbpx

لبنان… السلاح واستلاب الوعي الشيعي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تستعيد “حركة أمل” جمهورها بتشييع مقاتليها الذين يسقطون في الجنوب، وكأن انخراط “حركة أمل” في ساحة الجنوب محاكاة لنمط متخففٍ من تلك الأثقال التي يفترضها “حزب الله”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وشت الحشود التي شيعت مقاتلي “حركة أمل” مؤخراً الذين سقطوا في سياق عمليات المواجهة ضد اسرائيل في جنوب لبنان، عن صعوبة العزل بين البيئة الشيعية وبين “حزب الله”، والمتأتية غالباً من فكرة جاذبة لوعيها، وجوهرها هو “مقاومة” إسرائيل.

  لكن، رغم إثقالها على الشيعة ابتداءً  بهذه الفكرة، وتكثيفها للانقسام اللبناني الذي يمليه وجود سلاح خارج الإجماع العام وتأثيره على واقعه، وحيازة صاحبه لقرار الحرب والسلم، أُريد لفكرة انخراط “حركة أمل” في ساحة الجنوب محاكاة نمط متخففٍ من تلك الأثقال التي يفترضها تأثيرها مع  “حزب الله”.

   مباشرة نعي “أمل” لمقاتليها يشي بهذا التخفف، ومؤشراته تتبدى في أسباب النعي. عبارة”دفاعاً عن لبنان والجنوب” التي ذيلت النعي، تشي  أيضاً كما لو أنها تسويق لفكرة ” رائجة عن “لبنانية” الحركة، وعدم تقاطعها مع تمدد “حزب الله” وارتباطه بالحروب التي طفت بعد الحرب على غزة وقبلها. والأمر ينطوي أيضاًعلى مؤشر سياسي وعسكري طارد لفكرة “حزب الله” عن  وحدة الساحات التي باشرها الأخير بعد يوم واحد على عملية “طوفان الأقصى”، وتحت وسم “على طريق القدس”.

 وهكذا صرنا أمام واقع يندرج فيه الصراع مع إسرائيل، وبمعزل عن جغرافيته، وتباين أطره بين الثنائية الشيعية، كما لو أنه السبب المباشر، وربما الوحيد، للإرتباط الوثيق بين الجمهور الشيعي وبين طرفيها. هذا الأمر يفضي الى ضرورة تقصي مردوده على  هذا الجمهور، فنجد أننا أمام وعي جمعي مُثقل بالحرب وبأدواتها، وبشغف يخالطه الخوف من أهوالها. وهذا بالمحصلة اعتلال ذاتي يتقاسم مآله الجمهور وصناع وعيه.

   في الأشهر الأربعة الأخيرة ، ومع مباشرة “حزب الله” ربط الوضع اللبناني بحرب غزة، ثم الدخول المتأخر لـ”حركة أمل” على ارتداداتها اللبنانية، كان تجمعاً يغلب عليه الطابع المذهبي يباشر انطلاقته كإطار سياسي لمحاكاة الوعي الشيعي. كانت “حركة تحرر من أجل لبنان” فكرة يجهد مسوقوها لإختراق البيئة الشيعية بعناوين “وطنية” وغير طائفية، تبدت كما لو أنها قطع تام مع الفكرتين السابقتين.

   تقصّي جاذبية الحركة الوليدة عند الجمهور الشيعي تستعيد على الأرجح تجارب سابقة كانت وازنة أكثر منها. كان “اللقاء الشيعي” الذي تأسس بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فاتحة الانعتاق عن الثنائية، وكان الانقسام اللبناني حينها مؤاتياً أكثر لمضي تجربة الانعتاق تلك أبعد مما كُتب لها من عمر.

  باكراً دفنت تلك الفكرة، ولأسباب تتعلق على الأرجح بإرادة حلفائها في قوى ١٤ آذار منها. كان اللقاء المذكور أحد ضحايا الحلف الرباعي بين الثنائية الشيعية وتيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي، وانطوى الأمر على واقع مرير لا يزال منسحباً على كل اعتراض شيعي،بحيث تتبدد مشاركته في الإطار الوطني عند تقاطع أطراف السلطة مع الثنائية، وهي كثيرة.

  كان أغلب ناشطي “حركة تحرر” من ضمن الشخصيات التي تشكل منها اللقاء الشيعي. هذا حال السيد علي الأمين، والوزير السابق ابراهيم شمس الدين ، والناشطَين محمد عواد وهادي مراد. وهؤلاء على الأرجح يعون مآل حركتهم الوليدة، ومدى تأثيرها الضعيف بانعتاق الوعي الشيعي في زمن تبدو فيه ثنائيته أكثر تحرراً مما كانت عليه في العام ٢٠٠٥.

  ما تقدم ليس نقداً للتجربة الوليدة، أو جلدها. إنه بالوقائع الراهنة   مجرد استقصاء لحظوظها في ملامسة وعي أقفله بالسلاح مع “حزب الله”، وتعاود “حركة أمل” بأثره استعادة جمهور وازن انفض عنها بتأثير انغماسها السياسي في السلطة، وفي الفساد.

   حدثان فقط  يرصد بهما المراقب أن “حركة أمل” ليست على هذا الضمور الشعبي الذي تؤول إليه أحوالها في كل الإستحقاقات الإنتخابية. الأخيرة شكلت دائماً، وبالأرقام، مقياساً للتفاوت الهائل بين موقع الحركة في الوعي الشيعي، وبين موقع “حزب الله” لصالح الأخير قطعاً.

    بدت “حركة أمل”، وتبدو راهناً، أن شعبيتها تتأتى من حدثين يرتبطان غالباً بمسيرتها قبل دخول السلطة. ذكرى تغييب مؤسسها السيد موسى الصدر، وتشييع مقاتليها في الجنوب، والأمران يتبديان على الأرجح ردة فعل من جمهورها على تغول مسؤوليها في السلطة والفساد، وهو جمهور يندرج بغالبيته ضمن اللبنانيين الذين أفقرتهم السلطة،وكانت “أمل”، ولا تزال، الثابت الوحيد بين أضلاعها منذ اتفاق الطائف.

    راهناً، تستعيد “حركة أمل” جمهورها بتشييع مقاتليها الذين يسقطون في الجنوب، وبطقوس جنائزية تتماهى شكلاً ومتناً وحجماً مع مثيلتها التي لم ينقطع “حزب الله” عنها بفعل الحروب التي يُثابر عليها داخل لبنان  وخارجه، وهو مؤشر عن استبداد فكرة الصراع مع إسرائيل على وعي  لن تحرره  أطر سياسية يصعب على جاذبيتها المفترضة محاكاة جاذبية السلاح و”المقاومة”.

  وحظ هؤلاء بالمناسبة هو حظ “حركة أمل” عندما ستنتهي الحرب الراهنة. حينها سنكون، ومن جديد، أمام استلاب وحيد للوعي الشيعي يفرضه سلاح “حزب الله”.