fbpx

شمال سوريا…نساء ضحيّة التلوث والأعباء الاقتصاديّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على الرغم من الضرر الكبير الذي يسببه نقص المياه والجفاف على جميع الأسر في شمال شرق سوريا، إلا أن النساء يتأثرن بشكل غير متناسب بسبب أزمة المياه والحرب والجفاف المستمرة لسنوات، في هذا التقرير نسلط الضوء على الصعوبات والتمييز الذي تتعرض له نساء في شمال سوريا من أجل تحقيق الأمن المائي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أُعدّ التقرير بالتعاون مع نوى ميديا

“هذه المهمة من مسؤوليات النساء في القرية، وليست مهمة الرجال”، قالتها يازي الشبلي، كما لو أن هناك توزيع غير عادل لمهام الحياة بين الجنسين.

في الريف الشمالي لمحافظة الرقة، تنتظر يازي الشبلي (42 عاماً) توفر المياه في الساقية (نظام يستخدم لري الأراضي من مصادر مائية مختلفة، مثل الأنهار)، لكي تقوم هي وبناتها بنقل المياه إلى منزلها. تستغرق عملية نقل المياه من الساقية إلى المنزل وقتاً طويلاً، حيث يتعين عليهن قطع مسافة تصل إلى 700 متر، ويتم تكرار هذه العملية من ثلاث إلى أربع مرات في اليوم.

وبدلاً من رفع أذرعهن لفتح صنابير المياه في المنازل، يجب عليهن حمل أواني بلاستيكية أو معدنية على رؤوسهن، وفي كل مرة يقمن فيها بنقل المياه يشعرن أنهن بحاجة أكثر للمياه. تقول يازي: ” بالنسبة لي، أنا امرأة أعمل في الفلاحة في “البرية”، وبعد التعب والإرهاق طوال اليوم، عندما أعود إلى البيت يجب أن أقوم بنقل المياه أنا وبناتي”. 

وعلى الرغم من محاولة يازي وابنتيها تجربة عدة طرق لجلب المياه إلى البيت، مثل تمديد خراطيم المياه أو نقلها عبر سيارة أو وسائل أخرى، إلا أنها لم تكن بالأمر السهل، لأنها تحتاج إلى محركات لسحب المياه، وبالتالي بحاجة لوقود، الذي أصبح الآن عبءً إضافياً على حياة الأهالي، بسبب ارتفاع الأسعار. لذا، ترى يازي أن الحل الأمثل هو حمل المياه على رؤوسهن.

النساء ورحلات جمع المياه الطويلة

بحسب  تقرير لمنظمة اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية صدر في حزيران/ يونيو 2023، “يعيش 1.8 مليار شخص على مستوى العالم بدون إمدادات مياه في المنازل. وفي معظم الحالات، تقوم النساء والفتيات برحلات أطول لجمع المياه، مما يؤدي إلى إضاعة الوقت في التعليم والعمل والترفيه، ويعرضن أنفسهن لخطر الإصابة الجسدية والمخاطر في الطريق”.

شهدت سوريا تفاقم نقص المياه نتيجة لتغير المناخ، مما أدى إلى تأثيرات كارثية على الزراعة ومصادر المياه. وفقاً للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، فإن حالات الجفاف الشديدة التي كانت نادرة سابقاً والتي تستمر لسنوات عديدة أصبحت الآن أكثر احتمالًا مرتين إلى ثلاث مرات بسبب اتجاهات الاحترار والجفاف. 

تقول يازي الشبلي: ” لم يعد هناك مواسم زراعية بسبب قلة الأمطار والجفاف. وحتى مياه الساقية التي نعتمد عليها للشرب، عندما لا تكون هناك أمطار، يصبح طعمها مختلفاً وغير جيدة “.

وفي سياق الحرب المستمرة منذ اثنتا عشرة عاماً في سوريا، تعرضت البنية التحتية القديمة التي كانت تقدم خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الأساسية لأضرار جسيمة أو تم تدميرها بشكل كامل.

ووفقاً لتقرير منظمة Humanity & Inclusion نُشر في تشرين الثاني/أكتوبر 2023، أشارت منسقة برنامج شمال شرق سوريا، سارة ألفيس، “إلى أن أكبر الذخائر المتفجرة أصابت المدن، بما في ذلك مصادر المياه الخاصة بها، حيث تم تدمير 80% من مدينة الرقة أثناء القتال. وفي عام 2023، لا تزال العديد من المباني والبنية التحتية ملوثة”.

وفي السياق ذاته، فإن انعدام الأمان المائي له آثار بيئية واجتماعية واقتصادية كبيرة على النساء. وتعد بناء وصيانة أنظمة المياه والصرف الصحي المستدامة أمراً ضرورياً لقدرة النساء والفتيات على العيش بصحة جيدة.

واقع أزمة المياه في سوريا 

تفرض التغيرات المناخية ضغطاً كبيراً على مصادر المياه، مما يجعل تأمين مياه الشرب تحداً كبيراً للملايين من السوريين، حيث تم تصنيف سوريا كالدولة الأكثر عرضة للجفاف في عام 2022، وفقاً لمؤشر مخاطر الصراع العالمي. 

لكن السبب الرئيسي لأزمة المياه في شمال شرق سوريا، يعود إلى بناء السدود العملاقة من قبل تركيا على نهر الفرات، الذي يعتمد عليه سوريا بشكل أساسي.  في 9 آب / أغسطس 2023، صرح حمود الحمادين، إداري في سد تشرين، للموقع الرسمي للإدارة الذاتية، بأن ” واقع نهر الفرات أصبح في وضع كارثي منذ قرابة 30 شهراً بسبب استمرار الجانب التركي في خفض الوارد المائي إلى ما دون 200 متر مكعب في الثانية، حيث تبلغ مخصصات المنطقة الاعتيادية 500 متر مكعب في الثانية، مما أدى إلى استنزاف مياه بحيرات السدود وفقدان المخزون الاستراتيجي لبحيرات الفرات بنسبة تفوق 85 % في سد تشرين”.

وفي 9 آذار/ مارس 2023، نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان عبر منصة أكس (تويتر) صوراً تشير إلى “انحسار وتلوث مياه نهر الفرات في الرقة”، وتظهر الصور انخفاض منسوب المياه إلى حد يظهر فيه قاع النهر.

“لم يعد هناك مواسم زراعية بسبب قلة الأمطار والجفاف، حتى مياه الساقية التي نعتمد عليها في للشرب، عندما لا يكون هناك أمطار، يصبح طعمها مختلفاً وغير جيدة”
يازي الشبلي

يقول حسين الجرجب، مدير وحدة مياه الرقة في لجنة الإدارة المحلية للإدارة الذاتية الديمقراطية: “التحدي الأكبر الذي نواجهه في أزمة المياه، هو انخفاض منسوب نهر الفرات، وهو العائق الرئيسي بالنسبة لنا، حيث يؤثر انخفاض منسوب النهر على عملنا، وإذا انخفاض أكثر من ذلك سوف نخرج عن الخدمة تماماً، ولن يكون لدينا القدرة على تلبية احتياجات سكان مدينة الرقة”.

ويضيف الجرجب: ” انخفاض منسوب نهر الفرات حالياً، يسبب لنا عكارة شديدة بالمياه، وهذا أمر آخر يشتكي منه الأهالي”.  

يُوضح، الصحفي والمتخصص بقضايا البيئية والمناخ خالد سليمان، أن انخفاض مستوى المياه لا يؤثر فقط على جودة المياه بل يؤثر أيضاً على النظام البيئي للمنطقة بأكملها. سواء كانت أنواعاً مائية أو برمائية أو برية، وكل هذه الكائنات تعتمد على هذا النهر للحصول على مصادر الغذاء، ” انخفاض مستوى المياه على السكان، خاصة الذين يعتمدون على هذه المياه للزراعة والشرب. يمكن أن تؤدي إلى تقليل جودة المحاصيل الزراعية ونقاوة المياه”. 

ويلفت سليمان إلى أن تكلفة فلترة أو تنقية المياه في حالة انخفاض المياه تكون أغلى بكثير من الحالة العادية، “عندما يكون تدفق المياه طبيعياً، تكون تكاليف تنقية المياه لتكون صالحة للشرب أقل. وعندما ينخفض مستوى المياه، يزيد تكلفة سحب المياه إلى الخزانات، وقبل الخزانات يعني مرور المياه عبر أنظمة الترشيح والتنقية، وهذا يزيد بالتأكيد من التكلفة بشكل كبير من الناحية المادية”. 

غياب شبكات المياه النظيفة

أثرت الحرب التي شنها التحالف الدولي على مدينة الرقة في حزيران/ يونيو 2017، لدعم الهجوم البري لقوات سوريا الديمقراطية، في تدمير شبكات المياه والبنية التحتية، مما أدى إلى حجب وصول المياه إلى الأسر في القرى النائية. كما أثرت أزمة المياه في شمال شرق سوريا بشكل كبير على إمدادات المياه الصالحة للشرب. 

في قرية جنين، الواقعة بين قرية الصالحية وبلدية حزيمة شمال الرقة السورية، يُعاني سكان القرية من غياب شبكات المياه النظيفة، على الرغم من وجود شبكات المياه في القرى المجاورة التي لا تبعد سوى اثنين كيلومترات عنهم. 

يلجأ أهالي القرية بالاعتماد على الآبار الجوفية لسقاية أراضيهم الزراعية واستخدامها للحمامات والتنظيف. تقول يازي الشبلي: “لا توجد شبكات مياه في بيوتنا أو في القرية بأكملها، لدينا بئر نستخدمه للمراحيض والتنظيف، ولكن لا يمكننا استخدام مياهه للشرب لأنها مالحة جداً”.

تُكافح منهل الإبراهيم (28 عاماً) من أجل توفير المياه النظيفة لأسرتها ولطلابها في المدرسة الوحيدة في القرية. وعلى الرغم من حفرهم لبئر قبل نحو عشر سنوات، فإن استخدام المياه لا يزال مقتصراً على سقي الأراضي الزراعية والتنظيف. “المياه في البئر غير صالحة للشرب ولا حتى للاستخدام في التنظيف أو الاستحمام، لذا نعتمد بشكل كبير على المياه التي نقوم بشرائها”.

انخفاض مستوى نهر الفرات-AFP

لم تتردد “منهل” في تقديم العديد من الشكاوى للحصول على مياه لطلاب المدرسة، لكن لا يوجد من يستمع إلى هذه الشكاوى.  تقول منهل: “عندما اقدم شكوى للجهات المسؤولة عن المياه، يقولون لنا، ليس لدينا ميزانية مخصصة لتمديد شبكة المياه أو تزويد المدرسة بالمياه عن طريق الصهاريج”.

وهو ما يضطرها لنقل المياه يومياً في سطل بلاستيكي إلى المدرسة من أجل أن تروي عطش طلابها. “الطلاب يتصارعون من أجل الحصول على كميات الماء النظيفة” حسب قول منهل.

يشرح حسين الجرجب، مدير وحدة مياه الرقة في لجنة الإدارة المحلية للإدارة الذاتية في الرقة، وضع شبكات المياه في الرقة وريفها: “استطعنا أن نعمل على صيانة شبكات مياه مدينة الرقة، ولكن ما زالت هناك شبكات حديد مهترئة وتحتاج إلى استبدال، ولكن ليس لدينا إمكانيات كمديرية للمياه، لذا نقوم بمراسلة المنظمات وننسق معهم، وكل عام نستبدل جزءاً منها”.  

ويضيف: “بالنسبة للأرياف الرقة، فقد تم توفير شبكات المياه الشرب بشكل كامل، باستثناء بعض القرى الحديثة التي تم إنشاؤها خلال السنوات الحرب، لأن هناك أولوية في إعادة تأهيل البنية التحتية القديمة قبل إنشاء شبكات مياه جديدة”.

المياه النظيفة عبء اقتصادي تتحمله النساء

تتشارك النساء في شمال سوريا تجارب مشابهة ويواجهن تحديات مماثلة، نتيجة للأوضاع الاقتصادية الصعبة، خاصة في ظل الجفاف وندرة المياه وتلوثها. يُضطر بعضهن إلى بذل مجهود إضافي لنقل المياه إلى منازلهن، حتى على حساب صحتهن، بهدف توفير المال من خلال دفع أجر لبائعي المياه، مُساهمات في تحسين دخل الأسرة. حسب وصفهن.

في العديد من القرى في الرقة، بما في ذلك قرية جنين، يضطر السكان لشراء المياه من الصهاريج، حيث يبلغ سعر برميل المياه ما بين 3500 و5000 ليرة سورية، ما يُعادل (نصف دولار أمريكي). قد يبدو هذا المبلغ بسيطاً لكن مع حسبة متوسط الدخل يتبين أنها كلفة عالية إذا عرفنا أن الحد الأدنى لمتوسط تكاليف الأسرة في سوريا يبلغ 7,534,764 ليرة سورية (500 دولار أمريكي) في حلول نهاية عام 2023. 

كما يحذر بائعو المياه من رفع الأسعار، نظراً للتكاليف العالية للوقود التي يتحملونها في عمليات النقل وتوصيل المياه.

إذا كانت العائلة كبيرة مثل عائلة يازي الشبلي، تتألف من عشرة أشخاص، فإن المياه التي يقومون بشرائها لن تكفيهم إلا لبضعة أيام، مما يجعل تكلفة شرائها عبئاً اقتصادياً إضافياً عليهم.  تقول يازي: ” المياه التي نشتريها لا تكفي إلا لثلاث أيام. وبعض الأحيان نضطر لشرب المياه من الساقية، التي ننتظرها لعدة أيام حتى تمتلئ بالمياه. وذلك، بسبب الأوضاع المالية الصعبة التي لا تسمح لنا بشراء المياه النظيفة بشكل دائم من الصهاريج”.  

” يعزز شح المياه الاستخدام المكرر لها من قبل النساء، قد يتعين عليهن استخدام المياه لأغراض متعددة نظراً لندرتها…وفي ظل غياب الوعي أو الموارد الكافية لمعالجة المياه، ينجم عن هذا الاستخدام المتكرر مشاكل صحية خطيرة “
هبة المحمد-باحثة وأكاديميّة سوريّة

بالنسبة لـ منهل الإبراهيم وعائلتها، يشكل شراء المياه تحدياً كبيراً ومكلفاً، بسبب موجات الجفاف والتضخم في أسعار الوقود والأسمدة، لم يعد زوجها يزرع أرضهم بانتظام، مما يجعلهم يعتمدون بشكل كبير على الراتب الذي تتقاضاها من عملها كمُعلمة. 

يقومون بشراء المياه كل خمسة عشر يوماً بمبلغ يصل إلى 100 ألف ليرة سورية، وهو ما يُعادل (10 دولار أمريكي تقريباً).  تقول: ” ليس لدينا خيار آخر سوى شراء المياه بكميات كبيرة، بالرغم من ارتفاع الأسعار عن العامين الماضيين”.

وعلى الرغم من تأكيد أصحاب صهاريج بأن مصدر المياه الذي يبيعونها نظيفة، إلا أن العديد من الأسر في القرية يُضطرن بعض الأحيان إلى إضافة قطع من الكلور للمياه لضمان سلامتها، إذا توفرت لهم.  

تقول منهل :” المياه التي نشتريها ليست نظيفة سببت لي ولاطفالي مشاكل صحية، حيث أصبت بالتهاب في المجاري البولية، وهذا كان أكثر ما عانيت منه، كوني امرأة حامل”. 

يُوضح رئيس لجنة البيئة المشتركة في مجلس الرقة المدني، محمد نور الإبراهيم، كيفية عمل الصهاريج التي تنقل المياه إلى المناطق الريفية التي لا تتوفر فيها شبكات المياه. يقول: ” تقوم الصهاريج بعملية التعبئة من مراكز المياه في محطات المياه عبر ما يُعرف بالمناهل المائية. تُراقب هذه المياه بواسطة مؤسسات المياه وتُخضع أيضاً لعملية الكلورة، ولكن بشكل غير كامل”.

ويشير الإبراهيم إلى أن المشكلة في نقل المياه عبر الصهاريج إلى بعض المناطق البعيدة تكمن في عدم وجود “مناهل المياه” في القرب منها. وبالتالي، يقوم أصحاب الصهاريج بتعبئة المياه مباشرة من قنوات الري، مما يشكل تهديداً لصحة المستفيدين بسبب عدم جودة المياه. يقول: ” في الحقيقة، لا توجد رقابة فعّالة على هذا الجانب. قسم المياه، حتى الآن، يُعاني من ضعف في الرقابة والخدمة، مما يؤدي إلى تفاقم العديد من المشاكل، وهناك الكثير من الناس الذين تضرروا بسبب تلوث المياه”.

ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية في سوريا لعام 2022، جاء فيه ” بات يتعين على الأسر الاعتماد على بشكل متزايد على المياه المكلفة التي يوفرها البائعون الخاصون الذين ينقلون مياه يحتمل أن تكون غير مأمونة إلى الأحياء والمجتمعات المحلية”. 

وفي سياق ذاته، تقول الناشطة النسوية والسياسية منى الفريج، بأن ” الإدارة الذاتية قادرة على تحمل المسؤولية بسبب وجود موارد مالية كبيرة، لذا يجب عليها أخذ الجانب المائي والرعائي والصحية المتعلقة بالمياه على محمل الجد بشكل أكبر، وتكون هذه القضية من بين أولوياتها في المنطقة، نظراً لتفاقم الأمراض”. 

وتضيف: ” تشهد المستشفيات اكتظاظاً بالأطفال والنساء بسبب انتشار الأمراض. وهذا ما لا تلتفت إليه الإدارة الذاتية، فهي مسيطرة على المنطقة وهذه مسؤوليتها المباشرة. بغض النظر عن ما إذا كانت تركيا قد تفتح السدود أم لا، فإن الإدارة الذاتية قادرة على حفر الآبار وتنقية المياه وتوصيلها للناس بشكل صحي”.

 المياه الملوثة خطر على صحة النساء

يُعد فقدان القدرة على الوصول إلى خدمات الصرف الصحي والمياه النظيفة من بين الأسباب الخمسة الأولى بالوفيات النسائية في جميع أنحاء العالم، ويرتبط ذلك في زيادة خطر الإصابة بالتهابات المسالك البولية وغيرها من الالتهابات البكتيرية، فضلاً عن أمراض الإسهال والتحديات الناتجة عن نقص النظافة خلال الدورة الشهرية.

في الفترة من 25 آب/أغسطس 2022 إلى 8 آب/أغسطس 2023، تم تسجيل أكثر من 173345 حالة اشتباه في الإصابة بالكوليرا و109 حالة وفاة في جميع محافظات سوريا، حيث سُجّلت دير الزور والرقة وحلب وإدلب والحسكة أعلى الأرقام، بينما أبلغت المخيمات التي تستضيف النازحين داخلياً عن أكثر من 2100 حالة، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

تقول الممرضة إيمان قيقون، العاملة سابقاً في مشافي الرقة: ” أن تلوث المياه يؤثر سلباً على صحة النساء، خاصة عندما تكون المرأة حاملاً، حيث ينعكس تأثيره على صحة الجنين. يمكن أن تعاني النساء من الإلتهابات المهبلية والحكة والحرقة أثناء التبول، وزيادة في الإفرازات تكون لها روائح كريهة، وذلك بسبب المياه الملوثة”. 

وكما تؤكد إيمان قيقون، من خلال عملها على صعوبة التعامل مع النساء الحوامل، حيث يكون الوضع صعب عليهن وعلى صحة الجنين، قائلة: ” أن العديد فقدوا حياتهم بسبب المياه الملوثة والإسهالات الشديدة. بالإضافة إلى ذلك، توفي العديد من النساء الحوامل مع أجنتهن بسبب هذه المشكلة”.

تُوضح الطبيبة النسائية ديانا سافل مخاطر المياه الملوثة على صحة النساء الحوامل. قائلة: “السخونة والتجفف والإقياء والغثيان حالة عامة سيئة، فهي تسبب تسارعاً في نبض الجنين، ونقصاً في غذائه، ومن الممكن أن تسبب في الأشهر الأولى من الحمل حدوث الإجهاضات أو الإملاص (ولادة الطفل ميتاً)”. وإذا كانت حالات الإسهال التي تسببها المياه الملوثة شديدة وحادة دون تعويض بالسوائل أو الاستشفاء، “يمكن أن تؤدي إلى الوفاة “.

وتشير ديانا سافل، إلى أن المياه الملوثة قد تسبب العديد من الالتهابات، بما في ذلك الالتهابات المهبلية البكتيرية، والتهاب جريبات الشعر. “في الحالات الشديدة، يمكن أن تتسبب هذه الالتهابات في خراجات قد تتطلب استخدام مضادات حيوية قوية وإجراء عمليات تفجير جراحي. وقد يتسبب التهاب المهبل إذا انتقل إلى عنق الرحم في حدوث التهاب حوضي مزمن مصحوب بالألم والعقم”.

في 9 تشرين الثاني/ أكتوبر 2023، نُشرت دراسة للمعهد الوطني للصحة، تُشير إلى أن الملوثات الكيميائية في الماء، بما في ذلك المعادن الثقيلة والديوكسينات ومركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلور، تعطل التنظيم الهرموني وربما تساهم في التهاب بطانة الرحم. والتخفيف من الأثر البيئي للتلوث أمر ضروري لحماية الصحة الإنجابية للمرأة.

آثار قلة المياه والجفاف على النساء

تعتبر النساء من أكثر الفئات المتأثرين بنقص المياه والجفاف، حيث تتسبب هذه التحديات في آثار صحية واجتماعية سلبية على حياتهن. تكبد الكثير من النساء مشاق جمع المياه، مما ينعكس بشكل سلبي على صحتهن ويؤثر على حالتهن البدنية.  فقد يتسبب حمل المياه لحدوث آلام المفاصل والظهر، بالإضافة إلى شعورهن بالإرهاق الشديد نتيجة للتعب الناجم عن نقل الحمولة.  

في 14 أيار/ مايو 2019، نُشرت دراسة للمعهد الوطني للصحة، تُشير إلى أن النساء والفتيات مسؤولات عن جلب الماء في أربعة من كل خمسة منازل حيث يكون مصدر المياه للشرب خارج المنزل. هذه الممارسة تنطوي على تأثيرات على صحة النساء في شكل إصابات في العمود الفقري، وآلام في الرقبة، وإجهاض تلقائي نتيجة لأعباء العمل الثقيلة وغير المريحة، وإنفاق السعرات الحرارية. ومع ذلك، هناك أبحاث محدودة لقياس العبء الكامل المرتبط بحمل الماء. كما  تزيد مسؤوليات جلب الماء أيضاً من عبء العمل المنزلي غير المدفوع. 

في سياق ذاته، يتسبب نقص المياه في تحميل النساء بالمزيد من المسؤوليات المنزلية ورعاية الأطفال، مما يجعل الوصول إلى المياه ضرورياً لأداء هذه المهام بكفاءة. تتحمل النساء في محافظة الرقة وسوريا عامة مسؤولية الأعمال المنزلية بشكل كامل، ويظهر نقص المياه واضحاً في تحملهن لعبء العمل داخل وخارج المنازل.

الباحثة الأكاديمية النسوية السورية، هبة المحمد، تسلط الضوء على التحديات التي تواجه النساء في حالات ندرة المياه. تقول: “المرأة هي التي تقوم بتنظيف البيت، حيث يأتيها الماء مرة في الأسبوع، على سبيل المثال أو بكمية محدودة، مما يشكل ضغطاً نفسياً عليهن بتوزيع المياه واستخداماتها المنزلية بوضع الأولويات لاستخدام المياه”. 

تشرح المحمد كيف تؤثر ندرة المياه على النساء بشكل متفاوت. تقول: “دائماً يكون لدى النساء درجات متفاوتة من التحديات في مواجهة ندرة المياه، لكن جميعهن يتعرضن لتحديات تتصل بندرة المياه، فضلاً عن المشاكل الصحية التي تنشأ بسبب نقص المياه”.

بالإضافة إلى ذلك، ” يعزز شح المياه الاستخدام المكرر لها من قبل النساء، حيث قد يتعين عليهن استخدام المياه لأغراض متعددة نظراً لندرتها، مثل التنظيف وبعد ذلك، من الممكن أن تقوم بسقاية الأرض بها. وفي ظل غياب الوعي أو الموارد الكافية لمعالجة المياه، ينجم عن هذا الاستخدام المتكرر مشاكل صحية خطيرة “. 

وتسلط الباحثة الأكاديمية هبة المحمد، الضوء على تأثير قضية المياه على النساء النازحات في المخيمات، حيث يكون لديهن تحديات خاصة خلال فترات الحيض، تقول : “يتطلب الأمر الذهاب إلى المراحيض عدة مرات إذا كان هناك إمكانية للحصول على الماء. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن النساء الكبيرات في العمر قد يتنازلن عن حصتهن في الماء لصالح بناتهن أو حفيداتهن”.

العدالة الجندرية في ظل أزمة المياه

تبرز قضايا العدالة الجندرية والأدوار الاجتماعية كعناصر حيوية يتقاطع معها تحديات توزيع الموارد المائية. يعاني النساء والفتيات بشكل غير متساوٍ من سوء خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة، وعلى الرغم من ذلك، يظل تمثيلهن في عمليات تصميم وتنفيذ التحسينات ضعيفاً، مما يسهم في استمرار تهميشهن.

في سياق محافظة الرقة، شهدت النساء تغيرات كبيرة خلال السنوات السابقة، حيث تعرضن للإقصاء في الأدوار الاجتماعية وتمثيلهن، مما أثر بشكل كبير على مشاركتهن ودورهن في المجتمع. وقد كان للسيطرة العسكرية والسياسية دوراً كبيراً في استبعاد النساء وتقليل مشاركتهن في صنع القرار.

تُشير الباحثة الأكاديمية النسوية هبة المحمد إلى أن “العدالة الجندرية ترتبط بتمثيل المرأة في صنع قرارات توزيع الموارد المائية وتمثيلها المجتمعي، ورغم وجود صوت مجتمعي للمرأة، هناك احتمالات لحدوث انتهاكات في حصولها على حصتها من المياه”.

تُعلق منى الفريج، ناشطة نسوية وسياسية سورية، قائلةً: “لا توجد أصوات مسموعة، أولاً لأنه لا يوجد نساء يشاركن في اتخاذ القرارات في الرقة، ثانياً لأنه لا يوجد إشراك للمجتمع المحلي بشكل عام وليس فقط النساء، والرئاسة المشتركة التي تتحدث عنها الإدارة الذاتية هي مجرد صورة شكلية ليس لها دور فعّال، وليس من بين أولوياتهم واهتماماتهم قضية نقص المياه وتأثيرها على النساء بشكل خاص”.

كما تُؤكد الفريج على أهمية تواجد النساء في صناعة القرارات، حيث أن الرجال دائماً ما يتحدثون عن قضايا تخصهم فقط، ونتيجة لعدم تأثرهم بشكل مباشر بتلك القضايا، قد لا يولون اهتماماً كافياً. تقول: “جميع القطاعات الإداري في مجالات الصحة والقضايا المتعلقة بناء السدود وتنقية المياه والصرف الصحي، مهيمن عليها بشكل كبير من قبل الذكور”.

على الرغم من الضرر الكبير الذي يسببه نقص المياه والجفاف على جميع الأسر في شمال شرق سوريا، إلا أن النساء يتأثرن بشكل غير متناسب بسبب أزمة المياه والحرب والجفاف المستمرة لسنوات. يواجهن الضغوط ويبذلن جهوداً مضاعفة للعثور على حلول تمكّنهن من العناية بأنفسهن وبأسرهن. “يازي ومنهل” تمثلان إحدى قصص النساء العديدات اللواتي يواجهن التحديات في معركتهن من أجل تحقيق الأمان المائي. تقول يازي الشبلي: “بلغتُ اثنين وأربعين عاماً، وقد أكلت المياه نصف حياتي، وفي كل زيارة للطبيب يخبرني أنني أعاني من التهاب في المفاصل”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.