fbpx

جنديرس بعد عام من الزلزال… كارثة إنسانيّة وأزمة ديموغرافيّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مضى أكثر من عام على الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وشمال سوريا، ولا تزال الآثار والتداعيات حاضرة بقوة في حياة من نجوا، إذ دفعوا وما زالوا يدفعون أثماناً باهظة، خصوصاً في جنديرس الذي تجاوز عدد الضحايا فيها الألف ودمرت غالبية الأبنية فيها،إذ تعتبر واحدة من أكثر المناطق تضرراً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“خفت كثيراً لحظة الزلزال، ولا أزال أخاف من اسمه واتخيل الأصوات والبكاء، ولن أنسى مشهد استخراج أمّي من تحت الركام، بعد ساعات من الفاجعة، ولم يكترثوا لبكائي وندائي لإنقاذ والدتي، شاهدت أبي يعمل ليل نهار كي يؤمن لنا ما نحتاجه، لكن دون المطلوب”، هكذا تلخص  شيلان رسول (19عاماً) ذاكرتها عن الزلزال، تخبرنا عن الذكرى المؤلمة  وهي تجلس أمام خيمتها التي نصبها ذووها فوق أنقاض منزلهم المُهدم. 

الزلزال المدمر الذي ضرب شمال غرب سوريا وجنوب تركيا في صيف عام 2023 أسفر عن مقتل نحو 51 ألف شخص بينهم 6 آلاف شخص في سوريا، وقدر البنك الدولي خسائر سوريا بـ 5.1 مليار دولار، أي ما يعادل 10% من ناتجها المحلي.

غياب الاهتمام وخيام أمام المنازل للحماية

تشرح فريال عثمان (44 عاماً) في حديثها مع “درج”  المأساة التي تعيشها، هي من أهالي جنديرس الناجين من الزلزال، لكنها لا تزال تعيش تحت وطأته تقول: “فقدنا الأمل بكل شيء، جنديرس دمرت بشكل شبه كامل، وانهارت المباني المتواجدة فيها كلها، دون أن يُبادر أحد للمساعدة أو أن يقوم الأهالي أنفسهم ببناء منازلهم أو ترميمها؛ بسبب التكلفة العالية”.

وفق إحصائيات من المجالس المحلية في عفرين، تجاوز عدد قتلى الزلزال 1110، وعشرات الآلاف من الجرحى، وسط دمار كُلي لحق بنحو 300 مبنى سكني، ودمار جزئي وتصدعات لـأكثر من ألف عقار ما بين شقق وكتل مباني ومحال تجارية، وهي أرقام مرعبة نسبة للعدد الكلي للقاطنين في جنديرس والبالغة 120 ألف نسمة ما بين نازح ومقيم. 

 وفي نهاية أيار/مايو الماضي، أعلن الدفاع المدني، انتهاء أعمال إزالة الأنقاض بعد عمل استمر أكثر من أربعة أشهر.

مسؤول إداري في المجلس المحلي في بلدة جنديرس التابع للمعارضة السورية طلب عدم ذكر اسمه، أشار في حديثه مع “درج” الى شعور كثيرين في المنطقة بالخذلان جراء عدم الاهتمام بإنقاذ الأهالي واعادة ترميم ما تهدم وتعويض الناجين.

 يقول المسؤول: “الواضح أن المنظمات الدولية والمعارضة السورية لا تزال تتغافل عن مأساة جنديرس ولا تهتم بها، مقابل تركيز مشاريعها في باقي المناطق من سوريا، إذ ترحل أو توجل كافة القضايا المتعلقة بجنديرس إلى إشعار آخر، علماً أن الوضع في البلدة كارثي، ولا يمكن وصف حجم المأساة والمعاناة مع الشتاء وفقدان المازوت ومراكز الإيواء، وغياب أيّ بوادر لترميم المنازل أو تشييدها من جديد”. 

المهندس الزراعي عامر بطل (49 عاماً) فقد 18 شخصاً من عائلته في الزلزال ويشكو أنه رغم المأساة استغلت فصائل مسلحة وضع الناس المزري، ” لا أنسى سرقة عناصر في بعض الفصائل لما أمكنهم من أخذه أثناء تشييع قتلى الزلزال، ولو جاءتنا المساعدات وفرق الإنقاذ الكافية لأمكن تقليل عدد القتلى”. 

أضاف “كغيري من أبناء المجتمع المحلي ممن فقدوا أجزاء من منازلهم، نصبت خيمتي في فناء منزلي، للحفاظ على ما تبقى من أثاثه أو ما يُمكن سرقته، فحتى عداد الكهرباء والأكبال الكهربائية وحتى مونة المنازل سُرقت…منزلي بحاجة إلى 11ألف دولار لإعادة تأهيله، ولا أملك ربع المبلغ”. 

الأزمة الديموغرافية والخوف من إعادة الإعمار

مشكلة أخرى ظهرت بعد الزلزال هي امحاء العقارات والمباني ما فسح المجال أمام تلاعب بملكيات الأراضي واستغلال ذوي النفوذ للواقع الصعب وفرض استيلاء للأراضي. 

أصدرت أربع منظمات حقوقية هي “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، و”رابطة تآزر للضحايا”، و”منظمة بيل الأمواج المدنية”، و”جمعية ليلون للضحايا”  تقريراً استند إلى أربعين شهادة، وثقت العديد من حالات الاستيلاء على المنازل والأراضي والعقارات المختلفة، والعائدة بملكيتها لمواطنين كورد سوريين، كما سجلت حالات أُسكن فيها عوائل مقاتلين من الفصائل مكانهم، أو تأجير هذه المنازل لنازحين سوريين من مناطق أخرى.

هذه الانتهاكات أكّدها الناشط المدني شيخو عفريني (35 عاماً)، أحد أهالي جنديرس، الذي تحدث لـ”درج” حول التمييز في إسكان المتضررين من الزلزال في التجمعات السكنية التي شيدت في عفرين، واصفاً ما يحدث قائلاً:”بحجة إيواء المتضررين من الزلزال، تزداد وتيرة بناء المجمعات السكنية التي تُمنح بغالبيتها إما لعوائل وعناصر الفصائل المسلحة، أو المدنيين النازحين لجنديرس، من المقربين والمحسوبين على تلك الفصائل”. 

يضيف شيخو عفريني: “يتألف كل مجمع سكني من مجموعة من المباني وتحتوي على عشرات الوحدات السكنية، بُنيت على أرضٍ كوردية سورية دون استشارة أصحابها الفعليين، أو أخذ موافقتهم، ويزيد عددها عن 30 غالبيتها في جنديرس وراجو وشران وشيخ حديد، وهدفهم تغيير ديمغرافية منطقتنا واقتلاعنا من جذورنا”.

يشير شيخو عفريني أيضاً إلى “تحويل مساحة العقارات التي أزيل ركامها إلى ساحات لبيع الحطب، التي يقطعونه من غابات وحدائق عفرين”، كما أكد ذلك لــ”درج” عضو المجلس المحلي عبدو أدلبي قائلاً: “أهالي المنطقة خسروا كثيراً، عقاراتهم وممتلكاتهم، وتسببت الأوضاع المعيشية ببيع أراضيهم، أو الهجرة النهائية، في حين نجد أن عناصر الفصائل يتمتعون بالسكن في مجمعات سكنية مخدومة ومجهزة بكل ما يحتاجونه للاستقرار، غابات عفرين تحولت لصحراء جراء القطع المستمر للأشجار والإتجار بها”.

سلط تقرير المنظمات  السابق الضوء على الانتهاكات التي مارستها بعض الفصائل المسلحة من منع دخول المساعدات المنقذة للحياة، أو الاستيلاء على بعضها وتحويلها لأماكن أخرى، والتمييز في عمليات الإنقاذ.

يتطابق ما جاء في التقرير مع  حديث الشابة شيلان رسول، إذ قالت:”يتجول البرد في عظامي الجائعة، سمعت أبي يقول أن الفصائل المسلحة سرقت أغلب المساعدات المقدمة لنا، ولا نستطيع إعادة ترميم منزلنا أو شراء بيت جديد، لقد فقدنا كل شيء ولا زلنا نعيش المأساة ذاتها”. 

شرح التقرير مخاوف الناس على ممتلكاتهم، خاصة وأن الزلزال الذي تسبب بأضرار فادحة بالمنازل والعقارات المستولى عليها، خلق هواجس ومخاوف جديدة لدى أبناء المجتمع المحلي بإعادة الاستيلاء عليها مُجدداً، تحت ذريعة إعادة أعمار مناطق الزلزال ومن ضمنها جنديرس ما يعني إنهاء ملكية الاهالي بشكل نهائي.

نقص في المساعدات الإنسانيّة

 تواصل “درج” مع المحامية جوانا علي (39عاماً) للسؤال حول آلية وضع اليد على ممتلكات الأخرين فأوضحت ” زادت هواجس ومخاوف الناس من إمكانية الاستيلاء مُجدداً، لذا طلب المجلس المحلي في عفرين من الأهالي سندات إثبات ملكية للعقار المدمر، والمعروف إن الغالبية العظمى فقدت ثبوتياتها العقارية، بالمقابل ظهرت بعض حالات الفساد والتزوير عبر تقديم الوافدين لأوراق مزورة؛ لإثبات ملكيتهم للعقار، لكن لحد الآن المجلس المحلي لم يستجب لهم وهذا أمر جيد”. 

 كثيراً ما اشتكى الأهالي المتضررين من الزلزال من نقص المساعدات الإنسانية، كحال السيدة سيفي كمالو(72 عاماً) والتي قالت لـــ”درج” عبر الهاتف” لم أعش هذه المأساة والحرمان في حياتي، وللأسف فإن المساعدات من المنظمات الدولية أو الإنسانية خجولة فمثلا تم مساعدة الأرامل بمبلغ 100$ شهرياً لمدة 6 أشهر فقط، كيف سنعيش بعد ذلك، ومنها من سلمت أقل من 1000$ لترميم المنازل، ماذا ستفعل هذه المبالغ الزهيدة أمام حاجة المنزل لأكثر من 10 آلاف دولار، ولولا مساعدة المغتربين لأهلهم لماتوا من الجوع، أبني يرسل لي شهرياً مبلغ 75$ يُنقصها من مصروف بيته وأبنائه، يحاول لم شملي إلى هولندا لكنه يفشل دوماً”.