fbpx

طيف 7 أكتوبر يقسم نسويات فرنسيات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“في حال رصد أي موقف غامض أو ضبابي (حول 7 أكتوبر)، لن تتلقى الجمعية (صاحبة الموقف) أي تمويل حكومي…”، لا تزال تبعات هذا التصريح لأورور بيرجيه، وزيرة شؤون المساواة الجندرية الفرنسية، تثير تفاعلات واسعة في الأوساط الحقوقية والنسوية في فرنسا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أطلقت أورور بيرجيه تهديداً للجمعيات النسوية الفرنسية في مقابلة إذاعية مع Radio J ذي الهوية اليهودية، (الذي استضاف مؤخراً وزير الأمن القومي الإسرائيليّ إيتمار بن غفير)، وفيه كشفت عن طلبها من الجهاز الإداري في الوزارة “التدقيق وغربلة مواقف الجمعيات النسوية من هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر”، مضيفة ما اعتبرته قراراً طبيعياً، فـ”أن تكوني نسوية يتطلب ذلك مساندة النساء اللواتي شوهت أجسادهن في 7 تشرين الأول”. 

الوزيرة الفرنسية استندت في موقفها إلى “اعترافات الإرهابيين الموقوفين”، اعترافات أشارت برأيها إلى وجود “إرادة ممنهجة بإهانة النساء عبر استخدام الاغتصاب كسلاح إرهابي”. في هذا الصدد، اعتبرت أن صمت الكثير من الجمعيات النسوية “لا يحتمل” ويضر بالقاعدة الرئيسية التي أرستها النسويات والمتمثلة بتصديق الضحايا، وبرأي بيرجيه، يجب الفصل بين ما حدث في 7 تشرين الأول وما يجري في غزة وأي حل سياسي. 

بعد هذا التصريح، سارعت جمعيات نسوية إلى توجيه سهام الانتقاد الى بيرجيه، أبرز ما سجل كان موقف جمعية NousToutes Lille التي وصفت هذا التصريح بـ “التوظيفي”، مذكرة باستنكار الجمعية وبشكل واضح “الجرائم الجنسية والاغتصابات التي ارتكبتها حماس واستهدفت النساء والأطفال”. هذا الاستنكار أتى في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي الذي صادف اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، وفقاً لـ NousToutes التي شددت على استقلاليتها المالية وعدم اعتمادها على أي تمويل حكومي لممارسة نشاطاتها. 

رئيسة الجمعية إيمي باه، رأت أن مواقف بيرجيه تهدف الى التغطية على تقاعسها في تحمّل مسؤولياتها وتوفير الموارد اللازمة لمكافحة العنف ضد النساء. وفقاً لباه، تحمل تصريحات بيرجيه نكهة ذكورية: الدولة الفرنسية تعتبر الحركة النسوية عبئاً مالياً على رغم اعتماد الأجهزة الحكومية على الكثير من تلك الجمعيات لتطبيق عدد من المهمات. الجمعية شبهت هذه النكهة الذكورية بالـ Blacklash، في إشارة إلى عنوان كتاب سوزان فالودي الذي تناول الحرب غير المعلنة ضد الحركة النسوية وإنجازاتها. 

من جهتها، اعتبرت جمعية Les Dogommeuses الناشطة في التصدي للتمييز الجندري الرياضي، أن الوزيرة تسعى “الى إملاء مواقف سياسية على الجمعيات النسوية من خلال ابتزاز مالي. 

صمت الجمعيات النسويّة؟

بعيداً عن كلام بيرجيه الذي افترض ضمناً أن إسرائيل دولة تراعي حقوق الإنسان في سجونها ما دفعها إلى الأخذ باعترافات “الموقوفين الإرهابيين” كدليل دامغ، وبعيداً عن فرضية التضخيم الإعلامي لأعداد النساء الضحايا وهل فعلا أمرت حركة حماس مقاتليها باغتصاب الإسرائيليات، هناك تسليم في الشارع الفرنسي بوقوع اعتداءات جنسية طاولت نساء إسرائيليات من كل الفئات العمرية يوم 7 تشرين الأول. وهذه حساسية لا تقابلها حساسية مماثلة تجاه ما ترتكبه إسرائيل في غزة من جرائم حرب ومن اعترافات وشهادات موثقة لنساء وضحايا خرجن من السجون الإسرائيلية وأدلين بتصريحات عن جملة انتهاكات تعرضن لها. 

بانتظار ظهور قرائن قد تدحض هذه الرواية أو توضح حقيقة ما جرى، يتعامل الرأي العام الفرنسي معها كحقيقة مطلقة. رئيسة جمعية Paroles de femmes  أوليفيا كاتان استنكرت “صمت الكثير من الجمعيات الحقوقية والنسوية الفرنسية” حيال ما تعرضت له الإسرائيليات. موقف عبرت عنه في 5 تشرين الثاني عبر مدونتها، ذكرت خلاله عدداً من تلك الجمعيات مثل NousToutes و Planning Familial 41.  

بعدها بأسابيع وخلال تظاهرة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، رفعت مجموعة مكونة من نحو 200 شخص، غالبيتهم ناشطات سابقات في اتحاد الطلبة اليهود في فرنسا ومنظمة SOS Racisme، شعارات تنتقد “صمت الجمعيات النسوية على جرائم حماس ضد النساء الإسرائيليات واليهوديات”.

على الضفة المقابلة وعشية اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، وقعت 16 سيدة فرنسية (نائبات، نقابيات، أكاديميات، ناشطات نسويات) عريضة تستنكر سياسة الكيل بمكيالين. لم تنف الموقعات ما تعرضت له نساء إسرائيليات يوم 7 تشرين الأول، لكنهن سجلن اعتراضهن على تجاهل معاناة النساء الفلسطينيات. 

بالإضافة إلى تطرقهن الى اغتصاب “الأسيرات السياسيات الفلسطينيات” في السجون الإسرائيلية على يد الجيش والاستخبارات، تناولن جوانب من المعاناة اليومية للغزاويات. وأشارت الموقعات الى أن انحيازهن الى القضايا النسوية لا ينفصل عن نضالهن ضد “الاستعمار والعنصرية”. 

مكاسب سياسيّة أم قضيّة نسويّة؟

بوسع بيرجيه التذرع بـ”التناطح” بين الجمعيات والشخصيات النسوية للقول إنها لم تفتعل أي سجال. لكن المناخ الداخلي الفرنسي بعد 7 تشرين الأول يدفع تلقائياً إلى طرح فرضية وجود دوافع سياسية غير معلنة، ما حفّز الوزيرة الفرنسية على “توظيف هذا التناطح”.  

يقول مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية باسكال بونيفاس (بما معناه): “يدرك الساسة الفرنسيون المكاسب السياسية من خوضهم معارك باسم مكافحة معاداة السامية”. صحيح أنه لا يمكن اختزال الانحياز الفرنسي إلى الجانب الإسرائيلي بهذا العامل،  لكنه يبقى دافعاً غير هامشي. وعلى رغم غياب أي نص قانوني يربط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، لكن الرأي العام الفرنسي بات يعتبرهما وجهان لعملة واحدة.

فهل وجدت بيرجيه في هذا المشهد فرصة لتحقيق مكاسب سياسية؟

خلال مقابلتها الإذاعية المذكورة، لم تكتف بيرجيه باعتبار كل من يعادي الصهيونية معادياً للسامية، بل ذهبت أبعد من ذلك متسائلة: “لو جرت مأساة 7 تشرين الأول وما رافقها من اعتداءات في بلد آخر، هل كنا سنشهد ردة فعل أقوى؟ للأسف، نعم”.  تساؤل ينطوي على اتهامات ضمنية بمعاداة السامية. أمر تأكد من دون لبس في اليوم التالي حين غردت رداً على منتقديها: “لماذا؟ هل لأنهن يهوديات؟ هل لأنهن إسرائيليات ودعمهن يعني الانحياز إلى فريق؟ الفريق الوحيد الذي يجب اختياره هو الإنسانية والنسوية”.

إقحام معاداة السامية على هذا النحو يبدو في غير مكانه، بخاصة أن التعاطف الفرنسي مع إسرائيل كان بلا حدود، لا سيما مع ربط البعض بين عملية 7 تشرين الأول والاضطهاد التاريخي الذي عرفه يهود العالم. 

وتتعزز فرضية سعي بيرجيه إلى تسجيل نقاط سياسية بالنظر إلى التوقيت: لماذا اتُّخذ قرار معاقبة الجمعيات اليوم، أ ي بعد نحو شهر على توليها هذا المنصب الوزاري؟ هل تسعى الوزيرة الجديدة إلى تعزيز موقعها السياسي؟ هل تسير على خطى أقرانها الذين عبروا عن دعمهم للجانب الإسرائيلي من خلال قرارات إشكالية؟  

للتذكير، في 9 تشرين الأول طلبت وزيرة التعليم العالي من رؤساء الجامعات التبليغ عن أية “آراء غير ملائمة”، ما استدعى تحركاً مضاداً من الأكاديميين. وفي العاشر من الشهر نفسه أصدر وزير العدل مذكرة موجهة للمدعين العامين تطالبهم باتخاذ إجراءات “حازمة وسريعة” مع كل “متسامح مع الإرهاب ومعاد للسامية”. 

وزير الداخلية الفرنسي، أصدر من جهته مذكرة في 12 تشرين الأول وجّهها إلى المحافظين لحثّهم على منع أية تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين خشية من “الإخلال بالنظام العام”، كما طالبهم بتوفير “الحماية للأماكن التي يتردد إليها اليهود”. مذكرة أبطلها مجلس الدولة الفرنسي في 18 تشرين الأول كون منع التظاهرات من صلاحية السلطات المحلية وللحفاظ على النظام العام حصراً، فيما مذكرة الوزير تعني منع التظاهرات من حيث المبدأ، ما يعد انتهاكاً لحرية التعبير.

مسألة أخرى تحتمل التمعن لدعمها فرضية محاولة بيرجيه تعزيز رصيدها السياسي، وينطوي هذا الملف على بعد آخر عنوانه “حقوق المرأة”،  فالرأي العام الفرنسي شديد الحساسية تجاه أي انتهاك تتعرض له النساء، ففرنسا تعاني من مشكلة قتل النساء (امرأة فرنسية تقتل كل ثلاثة أيام عام 2023)، ناهيك بالقوانين والتشريعات التي تتحكم بلباس المرأة والتي تثير الجدل بصورة دائمة، ما يجعل حقوق المرأة ورقة سياسيّة لاستمالة الرأي العام، وهنا يأتي الربط  الإعلامي بين تنظيم “داعش” وحركة حماس، وتجاهل تاريخ الصراع “الإسرائيلي-الفلسطيني” وسيلة لاستمالة طيف واسع من الفرنسيين والفرنسيات لصالح بيرجيه.

تواصل موقع “درج ” مع المستشار الإعلامي لأورور بيرجيه لمنحها حق الرد واستيضاح دوافعها، لكن من دون نتيجة.