fbpx

نساء غزة… هكذا أصبحت دورتهن الشهرية عبئاً مضاعفاً في الحرب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد الحرب، ستعاني النساء  الغزيات كثيراً في سبيل إعادة ضبط وتيرة صحتهن النفسية والنسائية قبل العودة الى الحياة الطبيعية، فهل ستخرج المرأة الغزية سالمة نفسياً وصحياً من هذه الحرب إن بقيت على قيد الحياة؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فيض المشاهد القاسية التي تصلنا على مدار الساعة من غزة لا يتوقف. ولعل من أكثر اللحظات قسوة، فيديو الأم التي تحمل رضيعها وتحاول تلقيمه قطعة من التمر فيما هو يبكي من الجوع، بعدما عجزت عن إرضاعه حليبها بسبب تعرّضها هي نفسها لسوء التغذية وعجزها عن شراء حليب له. 

النساء في قطاع غزة يعانون خلال الحرب الجارية، هذه ليست مجرد عبارة أو حقيقة نتداولها في وسائل الإعلام. إذ إن هناك نحو مليون امرأة وفتاة في غزة، من بينهن 690 ألف امرأة وفتاة في عمر الحيض، و5500 امراة حامل ستلد نهاية هذا الشهر، وهناك أيضاً حوالى 180 ولادة يومياً، بينما معظم الرضع يعانون من سوء تغذية بسبب ما تعانيه الأمهات من سوء تغذية. 

معاناة الغزيين تتحدّى إنسانية العالم كله، وفي قلب هذه المعاناة تبرز خصوصية حاجات الفتيات والنساء اللواتي يعشن في القطاع صعوبات كثيرة، أهمها فقدانهن الحاجات الأولية. 

فالمرأة الغزية وبعد أكثر من 4 أشهر على الحرب، تعاني خلال دورتها الشهرية، من نقص في الاحتياطات اللازمة ومستلزمات الرعاية الصحية (الفوط الصحية) والمسكنات والغذاء، وهو ما لا يتوافر الآن في قطاع غزة، بخاصة للغزيات النازحات من مناطقهن. ومع صعوبة دخول المساعدات، أصبحت هذه الحاجات ضمن الأساسيات الأصعب توفيراً.

تدوينات تعبّر عن الأزمة

اضطرت بعض النساء في غزة إلى نشر تدوينات يعبّرن فيها عن أن الفوط الصحية ليست مجرد رفاهية وإنما حاجة ملحة، وفي ظل عدم توافرها، لجأن مضطرات إلى استخدام حبوب تأخير الدورة الشهرية، والتي بدورها تسبّب آلاماً حادة في الصدر وأعراضاً تشابه أعراض الجلطات وتورماً في الجسم وأحياناً الإغماء المتكرر، ما يجعل جميع الخيارات أمامهن صعبة وتسبّب ألماً نفسياً حقيقياً.

كتبت أروى إبراهيم في تدوينة خاصة على منصة “إكس”:في نساء لجأوا لأخد حبوب منع الدورة الشهرية، الي ليها مضاعفات مرعبة زي ألم بالصدر وتجلطات دموية وصداع ودوران، تغيرات في النزيف أثناء الدورة الشهرية وعدم انتظامه أو توقفه، زيادة الوزن، واحتباس السوائل والانتفاخ، الاكتئاب والأرق، اضطرابات في وظائف الكبد. كابوس والله كابوس”.

وتحذّر منظمة الصحة العالمية من تأثيرات الحرب السلبية على النساء، بخاصة أن الهجمات ونيران الاشتباكات بين أطراف النزاع تطاول الكوادر الطبية وتستهدف مرافق الرعاية الصحية، وهذا يحرم السكان من العلاج ويترك آلاف النساء من دون خدمات الصحة الإنجابية والرعاية الصحية.

ومنذ بداية الحرب، كانت النساء والأطفال الفئات الأكثر استهدافاً في القصف الإسرائيلي على غزة، إذ يشكلون ما نسبته 70 بالمائة من المستهدفين المدنيين.

معاناة الغزيين تتحدّى إنسانية العالم كله، وفي قلب هذه المعاناة تبرز خصوصية حاجات الفتيات والنساء اللواتي يعشن في القطاع صعوبات كثيرة، أهمها فقدانهن الحاجات الأولية. 

أمنيات صعبة!

“تمنّت بعض النساء ألا تأتيهن الدورة الشهرية خلال فترة الحرب منعاً للإحراج”، هكذا وصفت زاهية فرحات (33 عاماً) من غزة لـ”درج”، معاناة النساء الغزيات، إذ يحتجن إلى الوصول المستمر للمرحاض، وهو أمر تُحرم منه نساء كثيرات في ظل الازدحام على الحمامات المشتركة، فتضطر المرأة إلى تغيير (الفوطة) لمرة واحدة في اليوم، ما يؤثر على نفسيتها ويزيد من نسبة حدوث الالتهابات والفطريات في المنطقة الحساسة.

ولفتت زاهية الى أن الحصول على الفوط الصحية بات أمراً صعباً بالنسبة الى كثيرات من النساء، إذ زاد سعر العلبة الواحدة إلى الضعف، في ظل تدنٍّ كبير في القدرة الشرائية، إضافة إلى أن الأنواع الموجودة في السوق رديئة  جداً، ما يجعلها قابلة للتسريب وبيئة خصبة لانتشار الالتهابات عند النساء.

إخلاص القريناوي، أكدت لـ”درج” ما قالته فرحات، مشيرةً: “نحاول التقليل قدر الإمكان من استخدام (الفوط)، وهذا ينعكس سلباً على حالة النساء الصحية والنفسية، فالفوط الصحية تكاد تكون معدومة في الأسواق، وإن توافرت فبأسعار مرتفعة جداً وبجودة رديئة، ما ينعكس على صحة البشرة ويسبب رائحة كريهة وتدنياً في النظافة الشخصية”.

وقالت القريناوي، “انقطعت مستلزمات الرعاية الصحية عن المرأة الغزية كلياً اليوم، علماً أنه تم توفير كمية قليلة من الفوط الصحية في بداية الحرب، لم تكن كافية سوى لشهرين، لذلك بدأت النساء تواجهن صعوبة في الحصول عليها، ومع قلة توافر المياه زادت المشاكل الجلدية سوءاً”.

النساء في خطر

“هيومن رايتس ووتش” قالت في تقرير لها، “يُعد الوصول إلى المياه ومرافق الصرف الصحي الآمنة أمراً ضرورياً للنساء والفتيات لتحقيق النظافة الصحية أثناء الدورة الشهرية. قد يؤدي عدم تلبية هذه الاحتياجات إلى حالات عدوى خطيرة، منها التهاب الكبدي والتهاب المهبل الفطري. تواجه النساء والفتيات في الملاجئ صعوبة خاصة في الوصول إلى الإمدادات والمرافق، وقد يؤدي نقص الوعي حول صحة الدورة الشهرية، بخاصة بين الرجال والفتيان، إلى تفاقم الصعوبات التي يوجهنها”.

هيا حجازي، طبيبة النسائية والتوليد، والتي تعمل في مستشفيات القطاع، قالت لـ”درج”، إن بعض السيدات يضطرّين لعدم تغيير الفوطة الصحية لأطول وقت ممكن، وهذا أمر خطير ويزيد بشكل كبير معدل الالتهابات والأمراض التناسلية لديها.

“نحن شعب ما عنا بدائل، منستخدم كل شي بيجينا تبرعات رغم مقاطعة هذه المنتجات”، بحسب حجازي، لذلك تضطر المرأة الى التغاضي عن نوعية وجودة الفوط الصحية المتوافرة في أسواق القطاع، والى استخدام الأنواع الرديئة منها، ما يتسبب في الالتهابات الفطرية وحساسية جلدية. “قطعنا البامبرز قطع واستخدمناه”، هذه أحد البدائل بالنسبة الى نساء أخريات، بحسب حجازي.

وأكدت إخلاص القريناوي، “أكثر ما أثّر عليا في أول فترة الحرب، إنه كان هناك استهداف قريب مني، ومن قوة الاستهداف وضغط الهواء وقوة القصف والخوف، أصبح عندي نزيف لمدة أسبوعين كاملين، وطبعاً كان لدي ألم خفيف، ولكن الآن الألم شديد وأعاني من أمراض نفسية وجسدية، ومع ضغط العمل بزيد الألم”.

أما شهد القيشاوي فسردت معاناتها لـ”درج”، قائلةً إن الدورة الشهرية تأخرت عليها، ولسوء حظها كانت في أول أيام دورتها تركض هرباً من قصف المنزل الذي نزحت إليه هي وعائلتها. آنذاك، أصابها نزيف قوي ولم تكن تمتلك أي احتياط، واضطرت للاحتماء في أحد البيوت التي لا تعرف سكانه، وهو ما صعّب من معاناتها وحالتها النفسية وسبّب لها الألم بسبب الخوف والإحراج، ساعدها ساكنو المنزل بما يملكون من الفوط الصحية، إلا أنها شعرت بإحراج شديد انعكس على صحتها النفسية.

أما النساء في البيوت أو خيام النازحين، فاضطررن إلى استخدام القطع القماشية وغسلها لأكثر من مرة وإعادة استخدامها، إضافة الى استخدام حبوب تأخير الدورة الشهرية، بسبب غياب المستلزمات الصحية والمراحيض النظيفة.

أوضحت الطبيبة حجازي أن اضطرار بعض النساء إلى استخدام الأقمشة بسبب عدم توافر الفوط الصحية أمر خطير صحياً يسبب الالتهابات التناسيلة والأمراض، لأن المرأة تغسل القطعة القماشية وتعيد استخدامها مرة أخرى، ما يرفع من معدلات انتشار أمراض جلدية وفطرية غير معروفة، مشيرة إلى أنه لا وجود لأي دراسات مثبّتة عن أن هذا الأمر يؤثر على الخصوبة لدى المرأة.

في المقابل، تعاني بعض النساء من أمراض نسائية كالنزيف بسبب الألياف وأورام الرحم، والتي تحتاج بطبيعة الحال إلى تدخّل طبي وجراحي لاستئصالها والى علاجات دوائية، لكن هذا الأمر مستحيل اليوم في ظل انهيار المنظومة الصحية بشكل كامل، فالعمليات الجراحية تقتصر على الولادة فقط، وبالتالي لا يوجد أي متابعة للنساء، ويقتصر علاج الأمراض النسائية على المسكنات والمضادات الحيوية، “بشكل مستعجل ويحكيلها ارجعيلي بعدين” بحسب حجازي. 

الصحة النفسيّة مهدّدة أيضاً

أما صافيناز اللوح، فأوضحت لـ”درج” ما تعانيه، إذ إنها مصابة في رجلها، ونتيجة إصابتها خلال الحرب مرتين أصبح لديها كسر في يدها وكسر في رجلها، ومع اشتداد آلام الدورة يزداد الألم في بقية جسمها، بخاصة مواطن الإصابات، وإضافة الى معاناتها من عدم توافر الفوط الصحية، فهي لا تجد المسكنات في الصيدليات لتخفف من ألمها، وقد اضطرت لمراجعة الطبيب، إلا أن الأمر لم يغيّر في وضعها الصعب ولم يسكّن من أوجاعها الكثيرة.

وأضافت اللوح أن الحرب أثرت عليها كأنثى كثيراً، فحصلت لديها التهابات شديدة جداً وتقلّبات في مواعيد الدورة الشهرية، إضافة إلى أن حالتها المزاجية أصبحت صعبة، وطاقة التحمّل لديها مفقودة تماماً. وتابعت: “نحاول أن نكون أكثر قوة وتماسكاً، إلا أني بنهار تماماً أحياناً”، في ظل عدم تمكّنها من القيام بأمورها الشخصية بنفسها، وحاجتها الى المساعدة بشكل مستمر.

حول ذلك، قالت الطبيبة حجازي إن الصحة النسائية في غزة تدهورت بشكل كبير، فالعامل النفسي يلعب دوراً مهماً في طبيعة الدورة الشهرية لدى النساء، وهذا العامل تأثر بشكل كبير وواضح نتيجة الحرب والقصف والخوف، ما تسبّب بتقلبات في الدورة الشهرية وهرمونات الجسم ككل، وهذا قد يزيد على المدى البعيد من معدلات الأورام وأنواع السرطان كسرطان الثدي وسرطان الرحم المنتشر بشكل كبير بين النساء.

واقع النساء والفتيات في غزة صعب جداً، والدورة الشهرية تعد مؤشراً واضحاً إلى تأثر صحة الجسم عموماً، إذ إن بعض النساء تقلّصت لديهن مدة الدورة الشهرية، والبعض الآخر انقطعت عنهن بشكل كامل، وزادت لدى كثيرات منهن إلى حدّ النزيف مع التوتر والخوف، وهذا كله يؤثر سلباً على حالتهن النفسية، ما يؤدي الى الإصابة بأمراض نفسية تحتاج الى علاج جدي.

بعد الحرب، ستعاني النساء  الغزيات كثيراً في سبيل إعادة ضبط وتيرة صحتهن النفسية والنسائية قبل العودة الى الحياة الطبيعية، فهل ستخرج المرأة الغزية سالمة نفسياً وصحياً من هذه الحرب إن بقيت على قيد الحياة؟