fbpx

الضفة الغربيّة: أن تحيا بنصف راتب وحرب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، اتخذت إسرائيل إجراءات اقتصادية وميدانية على شكل عقوبات وقيود فاقمت من صعوبة الظروف المعيشية التي يمرّ بها الفلسطينيون.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“كيف تعيش حياتك بنصف راتب وفي ظل حرب؟”، أثار السؤال سخرية فاطمة الزاهد، “اسم مستعار”، وهي موظفة في القطاع الحكومي الفلسطيني، مؤكدة أن أحوال الموظفين سيئة منذ أكثر من سنتين، وازدادت سوءاً مع اندلاع الحرب على قطاع غزة، مؤكدة أن الأزمة والغلاء يتفاقمان والديون تتراكم.

تضيف الزاهد في حديث لـ”درج”، “أولوياتنا كعائلات سد احتياجات أولادنا الأساسية، ولم يعد في حياتنا مكان لـلكماليات، نعيش كل يوم بيومه ولا نستطيع التخطيط لأي شيء مستقبلي، حياتنا الآن مربوطة بنسبة الحسم التي تعلنها الحكومة قبل توفير أي جزء من الراتب”، منوّهة بأن الأزمة المستمرة هذه غيّرت مفاهيم كثيرة في تفاصيل الحياة اليومية للموظفين، فأصبحت حياة “بالحد الأدنى” وتلاشى على سبيل المثال الجانب الاجتماعي من الجدول اليومي تجنباً لأي تكاليف.

تشدّد الزاهد، الأم لولدين والتي تعتبر عائلتها صغيرة مقارنة بمتوسط عدد أفراد العائلات الفلسطينية، على أن الحكومة الفلسطينية تتحمل كل المسوؤلية في ما يجري، “على رغم سوء الأحوال لا توجد رقابة على الأسواق أو الأسعار وحتى على البنوك، حياتنا مرهونة لأطراف عدة والخيارات المتاحة ضد الموظف قليلة جداً. نتمنى أن نسمع صوتاً في يوم من الأيام يخرج ويواجه الحكومة التي ذلّت الناس”.

ومنذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، يتقاضى الموظفون العموميون رواتب منقوصة، بسبب الاقتطاعات الإسرائيلية من أموال المقاصة وتراجع المنح الخارجية.

أما أموال المقاصة فهي مجموعة الضرائب والجمارك والمكوس المفروضة على السلع المستوردة إلى الجانب الفلسطيني، سواء من إسرائيل أو من خلال المعابر الحدودية الإسرائيلية.

وتمثل أموال المقاصة ما نسبته 65 بالمئة من مجمل دخل الحكومة الفلسطينية، ومن دونها لن تكون قادرة على توفير أجور الموظفين، ولا الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه مؤسساتها الحكومية.

ووفق بروتوكول باريس الاقتصادي (ملحق اتفاقية أوسلو) الموقع عام 1994 بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية، تقوم وزارة المالية الإسرائيلية بجباية أموال المقاصة على المعابر الحدودية.

ويبلغ إجمالي قيمة الأجور الشهرية 950 مليون شيكل شهرياً (275 مليون دولار)، موزعة على الموظفين العموميين والمتقاعدين، بالإضافة إلى مخصصات الأسرى والمخصصات الاجتماعية وغيرها.

موازنة في خطر… عجز مستمر 

المحلل الاقتصادي د. طارق الحاج، يقول في حديثه لـ”درج”، إن “الأزمة المالية الفلسطينية بدأت منذ سنوات طويلة، وعكست نفسها على موازنة السلطة الفلسطينية، والعجز في الموازنة الفلسطينية متراكم، وللأسف الشديد لم تتمكن السلطة من تسديد هذا العجز كون الديون المتراكمة تساوي ضعف الموازنة نفسها، وكان من الأجدر أن تُطرح بنود لسد هذا العجز، ولكن لم يتم ذلك”. 

ويشير الحاج إلى “عدم إمكان الاقتراض لسد النفقات الثابتة والجارية والتطورية أو الرأسمالية، لأن الاقتراض وصل إلى حد الإشباع، بخاصة من البنوك، وتمت إعادة جدولته على أن يسجل ما تبقى كديون في ذمة وزارة المالية الفلسطينية. وللموردين الذين يتعاملون مع الوزارات والدوائر الحكومية حصة أيضاً، وقد سُجلت مستحقاتهم كديون في ذمة الوزارة والبعض منهم توقف عن إكمال المشاريع”. 

وحول ما يتقاضاه الموظف الحكومي، يوضح الحاج أن “الراتب أصلاً متدنٍّ ويكفي لأسبوع  واحد إذا كان بقيمة 2000 شيكل ولأسرة تتكون من أربعة أفراد، ما يعني سحب السيولة من السوق، والتي تشكل حلقة وصل بين البائع والمنتج والمستهلك”، مشيراً إلى أن “السلع تتكدس وينخفض الإنتاج، وهذا يؤثر على النمو الاقتصادي ومستوى المعيشة سواء للدولة أو المواطنين”.

يضيف الحاج أن “الإيرادات المحلية متوقفة، والإيرادات المترتبة على النفط والدخان كانت تقدر بنحو 850 مليون شيكل شهرياً، والآن تراجعت بنسبة كبيرة بسبب انتشار ظاهرة التهريب، وهذا كله يخسّر الخزينة ويؤثر عليها سلباً”. 

يشدد الحاج على أن “السبب الرئيسي وراء الوضع الاقتصادي الحالي هو عدم  وجود حنكة في إدارة المال العام ورغبة في إدارتها، بخاصة عندما نتكلم عن فاتورة النفقات والنثريات وغياب المحاسبة والمراقبة وغياب المجلس التشريعي، وهي كلها أسباب أدت إلى عجز مالي سبق الأزمة الحالية”. 

يشير الحاج إلى أنه كان يتم ضخ نحو  60 مليون شيكل يومياً في السوق الفلسطيني من العاملين في الداخل الفلسطيني، وهذا متوقف منذ السابع من تشرين الأول، ما يعني حرمان السوق الفلسطيني من هذه المبالغ مقابل ارتفاع فواتير الدين على الأفراد وعدم الالتزام بدفع الشيكات المترتبة عليهم، ما يشكل عبئاً إضافياً”.

عقوبات إسرائيلية تطاول الفلسطينيين

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، اتخذت إسرائيل إجراءات اقتصادية وميدانية على شكل عقوبات وقيود فاقمت من صعوبة الظروف المعيشية التي يمرّ بها الفلسطينيون، تمثلت بتسريح عمال الضفّة الغربية ومنع دخولهم إلى أراضي عام 1948 أو المستوطنات المقامة بالضفّة، والحسم من أموال المقاصة للسلطة الفلسطينيّة، وفرض قيود على الحركة والتنقل بين محافظات الضفة؛ الأمر الذي أدى الى نتائج فورية ومباشرة على “اقتصاد” الفلسطينيين وظروفهم المعيشية.

من جهتها، ترفض السلطة الفلسطينية تسلّم أموال الضرائب (المقاصة) بعد إعلان تل أبيب تحويلها، بعد حسم مبالغ كانت توجّه سابقاً الى قطاع غزة، “لأن هذا القرار يعني تعزيز فصل الضفة الغربية عن القطاع”.

وبعد مفاوضات حول إيجاد حل لموضوع تحويل أموال الضرائب الفلسطينية إلى السلطة الفلسطينية، تم طرح فكرة تحويل هذه الأموال إلى النرويج من دون تقديم المزيد من التفاصيل حول هذه الفكرة.

رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية، قال في تصريحات صحافية، “لم يتم حتى اللحظة الاتفاق بين النرويج وإسرائيل على تحويل أموال المقاصة، وإسرائيل ترفض أن تقوم النرويج بتحويل الأموال إلى السلطة الوطنية، وبالتالي فإن فكرة تحويل الأموال إلى النرويج لا تحل المشكلة، لكنها تُخرج الأموال من يد إسرائيل”.

“حلول غير مجدية 

من جهته، قال مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية هاني المصري، في حديث لـ “درج”، إن الأزمة المالية الحالية التي يمر بها الاقتصاد الفلسطيني لا تنعكس على الموظف الحكومي وحسب بل إن الكل الفلسطيني يتأثر بهذه الأزمة في ظل انعدام السيولة والقرار الإسرائيلي بمنع العمال من التوجه داخل الخط الأخضر، بالإضافة إلى  تراجع القوة الشرائية من فلسطينيي الخط الأخضر في السوق الفلسطينية، نظراً الى صعوبة التنقل وحالة الطوارئ، بالإضافة إلى أن قطاع السياحة على سبيل المثال متوقف تماماً.

واعتبر المصري أن الحلول التي تطرحها الحكومة الفلسطينية غير مجدية، مشيراً إلى أن الفراغ هو السمة الغالبة في الحالة الفلسطينية، فيما تسيطر الفوضى رويداً رويداً على المشهد.

ورأى المصري أن المطلوب حكومة ذات سيادة، قادرة على تقليل الخسائر واستشراف المستقبل للحد من هذا النزيف، مضيفاً أن “الحكومة تفكر فقط في كيفية إقناع الولايات المتحدة الأميركية بالضغط على إسرائيل لتحويل الأموال، لكنّ آليات الضغط والمواجهة غير موجودة في قاموس هذه الحكومة”.

وأوضح المصري أن الحكومة الفلسطينية بإمكانها التوجه إلى المحاكم الدولية وترتيب برنامج جماهيري وحملات إعلامية وقانونية، والتوجه إلى مؤسسات الأمم المتحدة،  لكن “لا قرارات إجرائية تُتخذ” ولا حلول تتناسب مع حجم المشكلة. السلطة الفلسطينية ما زالت تتصرف بعقلية لم تتغير منذ 1994 عند توقيع اتفاق السلام، مع أن أوسلو انتهى”.

من جهته، أكد اشتية أن إسرائيل تمارس تدميراً اقتصادياً ومالياً للسلطة عبر الحواجز والتفتيت الجغرافي، ومنع العمال من الوصول إلى أماكن عملهم، وإحكام السيطرة على المناطق المسماة “ج”، ومنع تنميتها وتطويرها. وهناك اليوم أكثر من 700 حاجز عسكري وبوابات وغيرها، وقد أدى ذلك إلى تراجع وتيرة الاقتصاد، إضافة إلى استمرار الاقتطاعات المالية من أموالنا.

فصل القطاع عن الضفة؟

في كلمته بمستهل جلسة الحكومة، المنعقدة بتاريخ 12 شباط/ فبراير الحالي في رام الله، لفت اشتية الى أن هناك محاولات إسرائيلية لإبعاد السلطة عن قطاع غزة، من خلال حجز الأموال، وإغلاق جميع المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، ومنع إيصال أي مساعدات من الضفة الغربية والقدس إليها، ولكن سنستمر في المساعدة بكل الطرق والوسائل.

وتطرق اشتية إلى البرنامج الإصلاحي الذي تنفذه الحكومة، بالقول “برنامجنا الإصلاحي يسير بشكل جيد، من أجل إنجاز ذلك هناك بعض القضايا التي تحتاج إلى بيئة محفزة على الإصلاح من جهة، ورفع الحصار المالي من جهة أخرى، ومن المهم القول إن أي ترتيب داخلي وطني يجب أن يضمن وقف العدوان على غزة، وانسحاب جيش الاحتلال من هناك، وتمكين السلطة، وعدم ضياع الفرصة المتعلقة بالاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، والاعترافات الثنائية بيننا وبين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي”.