fbpx

في معتقلات الجولاني…”لا دين سوى التحقيق”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كشفت عمليات الاعتقال الأخيرة التي مارستها هيئة تحرير الشام بحق مدنيين وعسكريين في صفوفها، عن ممارسات غير إنسانية بحق المعتقلين، واتباع الجهاز الأمني في الهيئة طرق تعذيب وأساليب مبتكرة لم تعد تقتصر على الطرق التقليدية في عمليات التحقيق.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا تختلف طرق التعذيب لدى جهاز الأمن التابع لهيئة تحرير الشام عن مثيلاتها في الأمن العسكري والأمن السياسي لدى حكومة الأسد، كلاهما متشابهان في الأسلوب والسطوة على السوريين، بحسب كلمة قالها الناشط عبد الرحمن طالب، في تظاهرة مندّدة بأساليب التعذيب ضد السكان في شمال غربي سوريا.

حصلت التظاهرة المذكورة في مدينة سرمدا شمال محافظة إدلب، في 24 شباط/ فبراير على خلفية مقتل شخص تحت التعذيب في سجون هيئة تحرير الشام، وإخفاء الأخيرة جثمانه عن ذويه لمدة 8 أشهر، ودفنه في مقبرة في إحدى القرى البعيدة عن أهله تحت اسم مستعار. 

يقول أحد أقارب أبو عبد الحكيم، الذي فارق الحياة تحت التعذيب في سجون الجهاز الأمني التابع لتحرير الشام في الشهر السادس من العام الماضي، “وجّه المحققون في الجهاز الأمني تهمة العمالة للتحالف لقريبي أبو عبد الحكيم، الذي سلم نفسه بشكل طوعي لأنه يعلم براءته من التهمة، ومنذ ذلك التوقيت لم نستطع الوصول الى معلومة عنه أو مكان وجوده، حتى قبل أيام عدة أبلغنا أحد العاملين في سجون الهيئة أن قريبي قُتل تحت التعذيب ودُفن في مقبرة بلدة كللي تحت اسم مستعار، لنعمل بعدها على نبش القبر ونقله الى مقبرة قريبة من عائلته”.

كشفت عمليات الاعتقال الأخيرة التي مارستها هيئة تحرير الشام بحق مدنيين وعسكريين في صفوفها، عن ممارسات غير إنسانية بحق المعتقلين، واتباع الجهاز الأمني في الهيئة طرق تعذيب وأساليب مبتكرة لم تعد تقتصر على الطرق التقليدية في عمليات التحقيق. وبحسب شهادات مختلفة من الأشخاص المفرج عنهم، فإن المحققين والسجانين استخدموا أساليب غير معهودة في سجون الهيئة، كان من شأنها ترك أثر جسدي ونفسي على الأشخاص الذين تعرضوا للتحقيق حتى بعد خروجهم من السجن لأيام طويلة.

لا دين سوى دين التحقيق 

يقول وائل السراج، وهو اسم مستعار لمعتقل أُفرج عنه منذ 25 يوماً: “تفاجأت بأشكال التعذيب التي تعرضت لها في سجون تحرير الشام، على الرغم من أنني أعمل ضمن صفوفها. فبعد اتهامنا بالتعامل مع التحالف الدولي، اعتُقلت وضُربت بشكل مبرح حتى فقدت الوعي، ولم أصحُ  إلا في زنزانة ضيقة لا تتعدى المتر المربع وفي أسفلها حفرة لقضاء الحاجة”.

يضيف السراج: “بعد مكوثي بوضعية القرفصاء لأكثر من يوم  في الزنزانة وأنا أسمع أصوات التعذيب والألفاظ النابية، ومن دون أن أتناول طعاماً، دخل علي شخصان مقنعان، وفور فتحهما الباب بدآ بضربي وعصبا عينيّ وقاما بجرّي الى غرفة ليست بعيدة، وأول سؤال وُجّه إليّ كان عن أسماء شقيقاتي، وعند قولي مالكم بأسمائهن، أجابني أحد الموجودين بالغرفة حتى نأتي بهن ونمضي ليلة معهن بحال كذبك بالإجابات”.

يتابع السراج: “سألتهم حينها، ألسنا مسلمين؟ ليرد علي أحدهم هنا لا يوجد دين سوى دين التحقيق، وما هي إلا ثوان حتى وُضعتُ على كرسي وصُعقت بالكهرباء، وتحت قدميّ كانت مياه، ما أفضى الى فقداني الوعي وضربي حتى استفقت. بعدها، تم تعليقي من قدمي بالهواء ورأسي للأسفل فيما كنت عارياً تماماً، ليبدأ الضرب على ظهري ومؤخرتي طول فترة تعليقي من قدمي لزمن طويل، ربما كان 10 ساعات”. 

لم يكن السراج هو الوحيد بغرفة التعذيب، إذ كانت تحوي على أكثر من 15شخص بحسب أصواتهم، ويستذكر صوت أحدهم كان يقول :” أنا شو عملت حتى يتم ضربي بالكهرباء 5  مرات”.

خرج السراج من السجن بعد اعتقال دام 4 أشهر، ليعلم حينها أنه كان معتقلاً في سجن الـ 106 الواقع في مدينة إدلب، تحت إشراف جهاز الأمن العام.  وأتى خروجه بضغط من عائلته وأقاربه المنحدرين من المنطقة الشرقية في سوريا والمقيمين في محافظة إدلب. والى الآن، لا يزال جسده يحمل آثار التعذيب، بخاصة مؤخرته وظهره بسبب الضرب بالعصي الحديدية. وعلى رغم وجوده بين ذويه وخارج السجن، لكن ما سمعه من إهانات وكلمات نابية بحق عائلته وعرضه شكّل له صدمة تمنعه من الانخراط في المجتمع والعودة الى حياته الطبيعية.

أبشع أنواع التعذيب!

من جهته، يؤكد المعتقل السابق في سجن الأمن الجنائي مصطفى السعدون، والذي تم اعتقاله في أيلول/ سبتمبر2023 بتهمة التعامل مع روسيا، سماع حديث بين السجانين عن أن السجين في الزنزانة رقم 73 ربما فارق الحياة بعد اعتقاله لمدة زمنية لا تتجاوز الشهر. 

أما عن أشكال التعذيب، فيقول السعدون الذي كان يملك محل صرافة مالية في مدينة سرمدا، إن أبشع أنواع التعذيب التي تعرض لها، إجباره على نزع ملابسه وضربه بالكهرباء على أعضائه التناسلية تارة وبواسطة خرز ربما كان ينطلق من مسدسات ضغط تارة أخرى.

يضيف: “واجهت مشاكل في التبول لأيام عدة أثناء اعتقالي، كما تعرضت للصعق بالكهرباء والضرب على وجهي بالأحذية وتعريضي لحرارة عالية أشبه بمدفأة أو شواية تسببت لي بحروق على بطني لا تزال آثارها واضحة الى اليوم، إضافة إلى مشاكل في الأعضاء التناسلية، وأخضع حالياً لجلسات طبية حتى أتجاوز هذه المرحلة”. 

وعن كيفية إخراجه من السجن، يلفت إلى دفع أهله مبلغاً مالياً يقدر بـ 23 ألف دولار، لأحد المتنفّذين في هيئة تحرير الشام.

بين سجون النظام وسجون الهيئة

لم يفرّق أدهم الشيحان، المعتقل السابق في سجون قوات النظام لعام ونصف العام، والمعتقل في سجون هيئة تحرير الشام في سجن حارم لأربعة أشهر ونصف الشهر، بين طرق التعذيب المتّبعة في السجنين، إذ يقول في شهادته لـ”درج” :” كنت أعتقد عندما خرجت من معتقل الأمن العسكري في حمص، أنني لن أشهد عمليات تعذيب كهذه بحياتي، بخاصة أنني بتت أسكن في مناطق سيطرة المعارضة، لكن ذلك الظن لم يكن صحيحاً، فعندما اعتقلني جهاز الأمن العام واقتادني الى سجن حارم غرب إدلب، اعتقدت أنني في سجن الأمن العسكري لما تعرضت له من تعذيب جسدي”.

يقول الشيحان: “أُجبرت على المشي حافياً على قطع زجاج ونزع ملابسي وتعليقي من إحدى ساقيّ  بجنزير حديدي مربوط من جهته الأخرى بسقف غرفة، ليبقى باقي جسدي وساقي الأخرى متأرجحين في الهواء. كما سُكبت مياه باردة جداً على رأسي وتم إيهامي بالغرق من خلال إنزالي بمستوعب مياه حتى كدت أن أموت، حتى أنني طلبت من أحد السجانين أن يقتلني لأرتاح من عذاباتي. وأستذكر ما تعرضت له من أذى وإذلال في ذلك السجن، عدا العذاب النفسي لسماعي أصوات التعذيب، كما قُطع الطعام عني وأُجبرت على الشرب من مياه الزنزانة الملوّثة والجوع المستمر والطعن بعرضي وشرفي”.

جهاز الأمن العام لدى الجولاني

يكشف أحد العاملين في جهاز الأمن العام، والذي تحفّظ عن ذكر اسمه، أنه ربما بلغ عدد القتلى من المعتقلين خلال الحملة الأخيرة أكثر من 10 بسبب الصلاحيات الواسعة التي وصلت لجهاز الأمن العام من قيادة الهيئة في ما يتعلق بعمليات التحقيق التي طاولت 928 شخصاً، تم اعتقالهم على مراحل منذ ربيع العام 2023. في حين أن المحققين العاملين في جهاز الأمن العام، من بينهم مصريون وتونسيون وفرنسيون كانوا معروفين بسطوتهم منذ عملهم في جبهة النصرة.

يخشى الجولاني الكشف عن مصير المقتولين بعمليات التعذيب بعد خروج معظم المتهمين بـ”العمالة للتحالف”، بسبب الخلافات الكبيرة بالهيئة من جهة، وبراءة غالبيتهم حتى الآن من جهة أخرى. 

زلزال أصاب الهيئة

زار أبو محمد الجولاني بعض المفرج عنهم بتهم العمالة من عناصر تنظيمه أو من المدنيين بهدف كسب ودّهم وتحسين صورته أمام كوادر الهيئة، وتبرير ما حصل بأنه كان خطأ من بعض المحقّقين، وأكد أن هذه تصرفات فردية ستتم محاسبة المخطئين عليها. لكن ردود الفعل المعتقلين المفرج عنهم وذويهم بدت غير مرحبة بالجولاني، فقد حمّلوه نتائج فعلته واتهامهم بالعمالة، لا سيما أن بعضهم كان في صفوف الثورة منذ أيام التظاهرات الأولى، فيما كان الجولاني لا يزال في كنف تنظيم “داعش”.

بحسب الناشط ظافر الحلواني، فإن الجولاني كان مجبراً على زيارة المفرج عنهم لامتصاص غضب الشارع في شمال غربي سوريا، على خلفية عمليات التعذيب والاعتقال والإخفاء التي مارسها بحق معارضيه في هيئة تحرير الشام والمدنيين والناشطين، بحجة تهمة العمالة للتحالف الدولي وروسيا. في حين أن هدف الاعتقال كان محاولة بعض قيادات الصف الأول في هيئة تحرير الشام، وأبرزهم أبو ماريا القحطاني وأبو أحمد زكور وفصائلهم العسكرية في هيئة تحرير الشام، الانقلاب على الجولاني واعتقاله، لكن الأخير أوجد تهمة العمالة والخيانة حتى يُغيب ملف الاعتقال ويظهر بمظهر البطل الذي لا يسكت على خطأ ضمن كيانه.

 بيد أن الضغط العسكري من الكيانات المشكِّلة للهيئة، أرغم الجولاني على الإفراج عن معظم المعتقلين العسكريين، في حين لا يزال المدنيون الذين لا سند لهم يمثلون السواد الأعظم في سجون الجولاني. 

عملية الإفراج عن المعتقلين، لا سيما الذين كانوا يشغلون مناصب حساسة في تنظيم هيئة تحرير الشام، لم تكن برغبة الجولاني بل رغماً عنه، بحسب ما أكدت مصادر من هيئة تحرير الشام لـ”درج”، إذ هدد قادة الفصائل والألوية الجولاني أنه بحال عدم الإفراج عن المعتقلين، فسيكون هناك سيناريو آخر يؤثر على وجود التنظيم.

تُرجم ما سبق بإطلاق النار الكثيف في المدن والبلدات في مناطق شمال غربي سوريا من المقربين من الشخصيات المفرج عنها من سجون الجولاني، على رغم وجود تعميم بمنع إطلاق النار ومحاسبة مطلقي النار في الشوارع والأماكن العامة منذ أكثر من عامين.

طُبق هذا القانون على المدنيين المحتفلين بالأعراس، بيد أن الجولاني وجد نفسه عاجزاً عن تطبيق قانونه على عناصره وقياداتهم خلال الأيام الأخيرة في إدلب، ما أدى الى إصابة 5 أطفال وامرأة جراء إطلاق النار العشوائي. 

اتهم مقربون من قيادات الصف الأول في هيئة تحرير الشام الجولاني بإطلاق يد ابن عمه أحمد الشرع، الذي يشغل منصباً أمنياً رفيعاً في جهاز الأمن، في عمليات الاعتقال والتعذيب التي تطاول المدنيين والعسكريين، على رغم أن الشرع لم يمضِ على وصوله إدلب أكثر من عام، بالتزامن مع تغلب تيار مدينة بنش على باقي تيارات هيئة تحرير الشام بسبب زواج الجولاني الأخير من ابنة أحد قيادي الهيئة المنحدر من مدينة بنش، ما أجّج الوضع حول الجولاني بخاصة من تيارات المنطقة الشرقية وتيارات دمشق وحماة، الأمر الذي يوضح الزلزال الذي أصاب هيئة تحرير الشام خلال الأشهر الأخيرة.

لم يكن إطلاق اتهامات العمالة من تحرير الشام على بعض قياداتها وعناصرها من فراغ بحسب الناشط الميداني مازن العجاج، إذ يعود زمن بداية الملف عند محاولة الجولاني التمدد نحو مناطق سيطرة الجيش الوطني شمال حلب والمدعوم من تركيا، حيث عمدت مخابرات الأخيرة إلى كف يد الجولاني عن المنطقة وتسليمه أسماء عدة من هيئة تحرير الشام على صلة بالتحالف الدولي وروسيا، حتى ينشغل ببيته الداخلي. كما لوّح الأتراك له برسالة تفيد بامتلاكهم الكثير من الوثائق الخاصة بالهيئة، فاستغلّ الجولاني هذا الملف واعتقل المئات من المناوئين له محاولاً التخلص منهم تحت تلك الذريعة.

حراك تحت النار

أدى إطلاق تحرير الشام سراح المتهمين بالعمالة والجاسوسية إلى نقمة شعبية كبيرة من السكان، لا سيما أن الجولاني نفسه كان أكد وجود عملاء وجواسيس على منطقة شمال غربي سوريا تم اعتقالهم، وما لبثوا أن خرجوا من السجون وعادوا الى مناصبهم. 

يقول الناشط عبد الكريم العثمان، إن الجولاني أثبت أنه من أكبر خلايا التجسس والمخابرات، بعدما اتهم زملاءه بالخيانة، وما لبث أن أعادهم الى مناصبهم، وهذا يؤكد أن الهيئة مخترقة وتدار من المخابرات العالمية. 

ونظّم عشرات الناشطين تظاهرات في مدينة إدلب ومدن أخرى وقفات تطالب بمحاسبة المسؤولين عن التعذيب وإخراج معتقلي الرأي أسوة بما فعله الجولاني بإطلاق سراح زملائه المتهمين بالخيانة، في حين كانت تهم الناشطين  تتمثل بكتابة منشورات على وسائل التواصل مناهضة لتحرير الشام.

وعملت تحرير الشام خلال النصف الثاني من شهر شباط/ فبراير 2024، على تقييد حركة المدنيين في مناطق سيطرتها، ونشر أكثر من 25 حاجزاً على مفارق الطرق ومداخل المدن والبلدات، وتفتيش جميع المارة والتأكد من هوياتهم بغية احتواء التظاهرات التي يدعو إليها الناشطون، والتي تندد بأساليب التعذيب والاعتقال والإخفاء التعسفي، واستمرار سياسة تحرير الشام بتقييد الحريات.