fbpx

كيف تحولت “رفح المصريّة” إلى منطقة عازلة في عهد السيسي ؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

أصبحت مدينة رفح المصرية مساحة خالية من أي شيء في عهد عبد الفتاح السيسي، وتحولت إثر عمليات التهجير والتسوير إلى منطقة عازلة، ظهرت تحت اسم “المنطقة العازلة بين سيناء وقطاع غزة” ضمن الخرائط الإسرائيلية التي نُشرت بعد انتهاء الهدنة الإنسانية الأولى لوقف إطلاق النار في غزة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تنقسم مدينة رفح بين فلسطين ومصر، المدينة التي تحمل اسمين على اسم واحد، رفح المصرية ورفح الفلسطينية، ولا تكاد تُذكر مدينة فيهما إلا ويتبعها التعريف الذي يوضح موقعها، بخاصة أنها مدينة محوريّة لم يهدأ ذكرها في نشرات الأخبار والتقارير الصحافية طيلة الصراع مع إسرائيل عموماً وفي الفترة الأخيرة خصوصاً. 

لكنْ خلف هذا شريان واحد انقطع، وعائلات متّصلة تشرّدت بين جانبين، وأفراح انقسمت بين ضفّتين، وأحزان باتت مشاركتها مستحيلة في ظل هذا الانعزال التام بين عالمين. كُتب على تلك المدينة تاريخياً بأن تكون الفيصل بين حدود مصر والشام، لكنها لم تعرف هذا التشرّد إلا في العقد الثاني من القرن الماضي.

بدأت مأساة المدينة بشكل فعلي مع اتفاقية كامب ديفيد، وانتهت تماماً بعد 2014 إثر عمليات التهجير القسري التي مرت بها المدينة المصرية، لتكتب بذلك خط النهاية لتلك المدينة التاريخية. 

رفح … بين التاريخ والحاضر

ذُكرت مدينة رفح في كتب التاريخ -على تباين الوصف فيها- على أنها مدينة واحدة ذات نسيج عمراني واجتماعي واحد، سكنتها بعض القبائل العربية التي نشأت بينها صلة الدم والروح، على أنها كانت تنقسم بين الشام ومصر كحدّ فاصل بين حدود المنطقتين. ولطبيعة تلك الجغرافيا المعقدة، وُضع عامودان متقاربان من الغرانيت لتمييز الحدود بين مصر والشام، واحد لجهة الشام وآخر لجهة مصر.

نقش الخديوي إسماعيل عندما زار رفح في عام 1898، تاريخ زيارته على العامود الواقع لجهة مصر تمييزاً لآخر حدود مصر من ناحية الشرق. إلا أن هذين العامودين لم يشكلا مفهوم العزلة في المدينة، إذ كان يتعامل كلا الطرفين على أنهما من مدينة واحدة ذات نسيج عمراني وحضري واجتماعي واحد، وهو ما تعكسه طبيعة العلاقات الاجتماعية والأسرية بينهما، حتى جاءت اتفاقية 1906 لترسيم الحدود المصرية والشامية، الاتفاقية التي جاءت إثر نزاع على الحدود المصرية مع الدولة العثمانية آنذاك. 

تمخضت الاتفاقية عن رسم “خط فاصل إداري” بين حدود مصر والدولة العلية، يتفق مع عامودي الحدود السالف ذكرهما، الخط الذي قَسَّم المدينة إدارياً إلى قسمين، لكن الاتفاقية التي اشتملت على ثمانية بنود حفظت الحق للأهالي في ملكية الأراضي.

جاءت المادة الثامنة من الاتفاقية بهذا النص: “تبقى أهالي وعربان الجهتين على ما كانت عليه قبلاً من حيث ملكية المياه والحقول والأراضي في الجهتين كما هو متعارف بينهم”. كفلت هذه الاتفاقية للأهالي في المدينة حق التنقل من دون أي قيود، فضلاً عن تقديم الخدمات اللوجستية للمدينة من دون أي مشاكل بينهم. استمر هذا الوضع حتى هزيمة حزيران/ يونيو 1967، إذ انتقلت إدارتها الى إسرائيل آنذاك. وفي عام 1979، وضعت اتفاقية كامب ديفيد الفصل الأخير في تاريخ المدينة المحورية، الاتفاقية التي جاءت بعد حرب تشرين الأول/ أكتوبر 73. 

تأزّم وضع المدينة عقب هذه الاتفاقية التي أُبرمت بين مصر وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة الأميركية عام 1979، وتم فيها إقرار تقسيم سنة 1906، لكنه بات تقسيماً حدودياً فاصلاً بين مدينتين مختلفتين في العمران، إذ اتفقت إسرائيل مع مصر لإتمام المعاهدة على أن تكون الحدود كما نص عليها قرار سنة 1906، وأن يتم إنشاء محور بطول 14 كيلومتراً يمتد من البحر الأبيض المتوسط حتى منفذ كرم أبو سالم، المعبر الثلاثي بين كل من مصر وإسرائيل وقطاع غزة.

 أدى إنشاء المحور إلى شتات الأسر بين الجانبين، وصل إلى انقسام الأسرة الواحدة ذاتها إلى أسرتين، مع صعوبة شديدة في التواصل بينهما، بخاصة في أوقات الأزمات. أُنشئ سلك شائك على هذا المحور، السلك الذي تطور بعد سنوات قليلة من إتفاقية كامب ديفيد إلى إنشاء منطقة عازلة داخل غزة، التي كانت تخضع للإدارة الإسرائيلية، والتي باتت رفح جزءاً منها.

 تمتد تلك المنطقة العازلة إلى 400 متر عمقاً، وتحوّل السلك الحدودي الشائك إلى سور فولاذي إثر الانتفاضة الثانية، إلى أن سيطرت حركة حماس على غزة عام 2007 سيطرة كاملة، وهو ما جعل مسؤولية هذا المحور مشتركة بين مصر والسلطة الفلسطينية وحركة حماس، برعاية إسرائيلية.

 بقي الوضع على حاله حتى عام 2014، بالتزامن مع تولّي نظام عبد الفتاح السيسي السلطة في مصر، فخلاله دخلت رفح المصرية مرحلة مختلفة تماماً، وهو ما عكسته تطورات الحرب التي شُنت على غزة إثر حركة 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. 

المصير الحتمي للمدينة

واجه أهالي رفح في السنوات التي تلت إتفاقية كامب ديفيد، التي قضت بتقسيم المدينة إلى قسمين، صعوبة شديدة في التواصل بين بعضهم البعض، فضلاً عن انعزالهم عن مملتكاتهم وأراضيهم الواقعة في الجانب الآخر لمحل إقامتهم. وكان التواصل بينهم يتم من خلال الأسوار التي وضعت على الحدود، يتشاركون عبرها الفرح والعزاء من خلال النظر من بعيد. أما العبور فكان صعب المنال إلا في حالات نادرة، وبتصاريح خاصة من قوات الاحتلال الإسرائيلي. 

في العام ذاته من تولي عبد الفتاح السيسي السلطة في مصر، أعلنت الدولة المصرية الحرب على الإرهاب في سيناء، الذريعة التي اتخذتها لتهجير أهالي بعض المناطق فيها قسرياً وعزلهم عن ممتلكاتهم الخاصة ومنازلهم.

كانت رفح بين تلك المدن المستهدفة لتنفيذ خطة الدولة، إذ أصدر السيسي قراراً حمل رقم 144 لسنة 2014 خصّص فيه 5 كيلومترات عمقاً من الأراضي داخل مدينة رفح المصرية، و 14 كيلومتراً طولاً بداية من البحر الأبيض المتوسط إلى معبر كرم أبو سالم كمنطقة حدودية محظورة.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل اتفقت الحكومة المصرية مع حركة حماس على إنشاء منطقة عازلة في الجانب الفلسطيني مع الحدود، مقابل تسهيل فتح معبر رفح للمواطنين. كان الهدف المعلن آنذاك الحرب على الإرهاب في سيناء، والقضاء على الأنفاق التي تربط سيناء بقطاع غزة، والتي وصل عددها إلى 1500 نفق دُمِّرت كلياً وفقاً لتصريحات الهيئة العامة للاستعلامات، فضلاً عن تقوية الجدار الحدودي الممتد على طول 14 كيلومتراً، عبر تعزيزه بجدار خرساني طوله 6 أمتار فوق الأرض و6 أمتار تحت الأرض. 

الجدير بالذكر، أن مشروع تقوية الجدار الحدودي والعازل بين رفح المصرية والفلسطينية بدأ فعلياً منذ 2009 في عهد محمد حسني مبارك، بدعم أميركي- فرنسي- إسرائيلي، لكنه توقف بسبب ثورة يناير. تلك الإجراءات التي اتخذها النظام المصري في 2014 لاقت استحساناً كبيراً من الجانب الإسرائيلي، واعتُبر سابقة أمنية لم تحدث سابقاً. 

حملت تلك الإجراءات التي نفّذتها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة تأثيراً شديد الوطأة على السكان في رفح، حيث هُجّر ما يقرب من 100 ألف نسمة منهم، وتدمير آلاف المنازل والمزارع المملوكة لهم على طول هذا الخط الحدودي، فضلاً عن اعتقالات متتالية للمشتبه بهم تحت وطأة قانون الطوارئ حينها، فدُمّرت رفح المصرية بالكامل بمساحة تقدر بـ 79 كيلومتراً مربعاً، حتى سُوِّيت المدينة أرضاً، وأُخلي أهلها منها. 

يمكن رؤية الفارق من خلال خرائط غوغل إرث بين 2013، العام الذي سبق عملية التهجير، والموقع في الوقت الحالي. ونتج من هذا أن أصبحت مدينة رفح المصرية خالية من كل شيء، إلا أن الدولة أطلقت مجموعة من الوعود تقتضي تقديم تعويضات مادية وسكنية للسكان وعودتهم مرة أخرى إلى أراضيهم بعد الانتهاء من تلك العملية. 

أنشأت الدولة رفح الجديدة، المدينة التي جاءت على بعد 7 كيلومترات من الحدود مع قطاع غزة و6 كيلومترات ونصف تقريباً من البحر الأبيض المتوسط، وهي عبارة عن مدينة ذات نمط عمراني مختلف تماماً عن مدينة رفح القديمة، حيث تقوم على نظام العمائر السكنية ذات الأدوار المرتفعة والملاصقة في حي واحد محدود المساحة والأبعاد. وتبلغ مساحة المدينة الجديدة 715 ألف متر مربع فقط، أي لم تتجاوز مساحتها الكيلومتر المربع الواحد، وهي مساحة ضئيلة جداً مقارنة بالمساحة التي دُمرت في المدينة القديمة (79 كيلومتراً مربعاً). 

تخلّت الدولة عن فكرة حق العودة للسكان الى مدينتهم القديمة، واستبدلتها بتسلُّم كل أسرة من الأسر التي هُجّرت شقة -وهو ما لم يحدث حتى الآن- فيما كان السكان يمتلكون سابقاً بيوتاً قائمة بذاتها مع قطعة أرض مزروعة يعملون فيها كجزء من الملكية الخاص بنظام عُرف باسم “المزرعة”. 

مدينة رفح الجديدة وانعزالها

كان التهجير تعسفياً، فضلاً عن شكاوى الأهالي المستمرة من سوء معاملة الجيش، بخاصة بعد منع دخول رفح نهائياً في عام 2017، بالإضافة إلى مخالفة كل الوعود التي أُعطيت منذ 2014 حتى الآن، سواء بالتعويض الذي لم يكن كافياً ومعبراً عن طبيعة الحياة في رفح قبل التهجير، أو بالعودة إلى أراضيهم بعد انتهاء العملية العسكرية. وعليه، جدد الأهالي في عام 2023 مطالبتهم بالعودة إلى رفح، عبر احتجاجات انطلقت تحت اسم “حق العودة”، وقوبلت بالعنف والحبس أحياناً وبالمماطلة أحياناً أخرى، لكنها لم تأتِ بأي نتيجة حتى الآن. 

 انعزال يخدم سياسات الاحتلال

بعد الهجوم العنيف الذي يشنّه الجيش الإسرئيلي على غزة، أصبح القطاع منعزلاً تماماً عن مصر، في ظل تحكم إسرائيل الكامل بمعبر رفح المصري- الفلسطيني، حيث لا تدخل منه أي شاحنات مساعدة الى غزة إلا بإذن وتفتيش من السلطات الإسرائيلية، فالأنفاق التي كانت تشكل منفذاً للدعم اللوجيستي لأهالي غزة رُدمت تماماً وتم التخلص منها، فضلاً عن تدمير مدينة رفح المصرية أيضاً وإبعادها عن حدود قطاع غزة بمسافة وصلت إلى 7 كيلومترات.

“إبعاد” رفح المصرية جعلت فكرة الوصول إلى الحدود أمراً مستحيلاً، بخاصة مع التشديدات الأمنية في تلك المنطقة، التي كانت تشكل ولو جزءاً محدوداً من الدعم لمدينة رفح الفلسطينية وترابطاً اجتماعياً وثقافياً واحداً، وقد باتت الآن منطقة عازلة بين سيناء وقطاع غزة.

ما سبق يفسّر ظهور رفح المصريّة تحت اسم “المنطقة العازلة بين سيناء وقطاع غزة” ضمن الخرائط الإسرائيلية التي نشرت بعد انتهاء الهدنة الإنسانية الأولى لوقف إطلاق النار في غزة، حيث رسم الجيش الإسرائيلي خريطة تم تقسيمها إلى وحدات صغيرة مرقمة، الهدف منها توضيح نقاط القصف التي تستهدفها عمليات الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية. 

الخريطة التي نشرتها الجيش الإسرئيلي

يثير هذا الأمر تساؤلات حول جدوى تلك العمليات وما الهدف منها وأي الأطراف أكثر استفادة حيال هذا الأمر، خاصة مع الترحيب الكبير لإسرائيل لهذا الأمر، أيضاً مع تردد الأخبار مرة أخرى حول إعادة سيطرة إسرائيل الفعلية على محور فلادلفيا يجعل من الأمر أكثر خطورة على الجانب الفلسطيني. 

بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 20.05.2024

ابراهيم رئيسي… سيرة  مختصرة لـ”آية الله إعدام” و”عدو المرأة الأول”

كان من أكثر المتحمّسين لإصدار قانون "العفة والحجاب"، الذي ألزم المرأة الإيرانية بقواعد محدّدة في اللباس الشرعي، ويقال إنه وضع غالبية مواده، وكان حريصاً على إنهائه بأقل مدة، وتحويله إلى مجلس الشورى للمصادقة عليه، كما كان على رأس الداعين إلى تنشيط عمل شرطة الآداب ودعم عودتها إلى الشارع، بحلّة قمعية جديدة وقبضة حديدية.