fbpx

أنا سوريّة… ولست سبب “كلّ” مشاكل لبنان! 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يجب أن يعترف العالم بكامله أنّ السوريّ اختبر كلّ أنواع الموت، من القتل بالرصاص أو بقذائف الهاون أو غرقاً في البحار أو برداً في الغابات على حدود دولةٍ ما وهو يحاول العبور، أو على باب مستشفى لم تستقبله لأنه لا يملك المال، أو سحلاً بالشوارع في جريمة كراهية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يُقتل مسؤول في حزبٍ في لبنان (باسكال سليمان)، الأجهزة الأمنيّة “تكتشف” أن المتورطين سوريون، وتنهال على رؤوس الأبرياء الشتائم والتهديد والضرب. تحصل جريمة في منطقة أُخرى، تكتشف الأجهزة الأمنيّة أن المتورطين سوريون، فتُصدر البلديّات تعميماً إلى السوريين بإخلاء منازلهم!

بعد كُل حادثة أو جريمة تكشف فيها الحكومة اللبنانية عن أن المتورطين سوريون، نقرأ قصّة غير منطقية عن ملابسات الجريمة، قصة لا يُصدقّها العقل، وهنا لا أقول إنه لا يوجد سوريون يمتهنون الإجرام والسّرقة، ففي كُل أنحاء العالم ومن كل الجنسيّات يوجد السيئ و الجيد، لكن تفاصيل هذه القصص، وخصوصاً قصة باسكال سليمان على عيوبها، لا تخفي تدخل أيد لبنانية.

ما يحصل منذ وصولي إلى لبنان عام 2016، تحريض واضح ومباشر على حاملي الجنسيّة السوريّة من ممثلي السلطة. ولكنني لا أعتقد أنّ هناك سورياً يتجرّأ على حمل سلاح في لُبنان، إلّا إذا كان مدعوماً من حزب، أو من شخص يمتلك سُلطة ما في لبنان، أقول هذا تعليقاً على “دعاء” سمير جعجع الذي كتب: “ربنا ستر” لبنان أنّه لم يُقدم أي فريق إقليمي على تسليح السوريين من 13 سنة حتى الآن”.

“السرطان سببه النازحون السوريون”

لا أعتقد أنّه من المُنصف (والطبيعيّ)، لأيّ شخص يمتلك نوعاً من تأثير في السياسة، أن يظهر في كُلّ فرصةٍ تسنح له، بخطاب مُعادٍ لوجود السوريين. ففي كُل أزمة تعصف بلبنان، يخرج علينا “السياسيون” ويقولون إن السبب هو السوريون، ولا أزال أذكرُ إلى الآن تصريحاً لأحد الأطباء مفاده أن “السرطان سببه النازحون السوريون”.

غالباً ما يغفل أولئك “السياسيون” ذكر أمر مهم في خطاباتهم، وهنا أقتبس ما نشرته مفوّضية شؤون اللاجئين، فـ”منذ عام 2015، تلقى لبنان أكثر من 8.2 مليار دولار أميركي لدعم النازحين السوريين واللبنانيين المستضعفين واللاجئين الفلسطينيين في إطار خطة لبنان للاستجابة للأزمة”. 

نقرأ أيضاً أنه عام 2022، أطلقت الأمم المتحدة خطة للاستجابة للأزمة في لبنان عام 2022  لتقديم “مساعدة حاسمة لأكثر من ثلاثة ملايين شخص مستضعف، ودعم البنية التحتية العامة والخدمات والاقتصاد المحلي”، قيمة “المساعدة” بلغت 3.2 مليار دولار، لكن في لبنان، حيث الفساد مهنة السلطة، أُجّل تقديم المساعدات المالية لأصحابها بالدولار، لماذا؟

يجيب وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني هكتور حجار، عن هذا السؤال قائلاً: “الشعب اللبناني رافض هذا النزوح، وهو يقارن بين المساعدات التي يحصل عليها النازحون والمساعدات البسيطة التي يحصلون عليها كلبنانيين”. ولم يشر حجار أبداً إلى النظام المصرفي في لبنان، الذي أقل ما يمكن وصفه به بأنه نظام لصوصية وغسيل أموال.

وأعلنت رئيسة المفوضيّة الأوروبيّة، أورسولا فون دير لاين، أخيراً في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي، والرئيس القبرصي، عن تقديم حزمة مالية بمقدار مليار يورو لـ”إدارة الهجرة”، وهي تشبه ما حصلت عليه تونس للحدّ من تدفق اللاجئين نحو البحر المتوسط، لكن كيف سيتم تطبيق ذلك؟

أصبح واضحاً أن كل حملة عنصرية ضد السوريين تتزامن مع منحة مالية للبنان، ما يجعلنا نشكّك في مصداقيّة جميع القصص التي يرويها ممثلو السّلطة، كونها لُعبة للحصول على تمويلات لا تذهب أبداً إلى حلّ أي مشكلة تخص اللاجئين أو تنظيم وجودهم.

أطرحُ سؤالاً اليوم، كيف يُعتبر وجود اللاجئين عبئاً على لُبنان، وقد تم تقديم المليارات من التمويلات له؟ أليست الإجابة واضحة؟ يُستخدم اللاجئون كعذر لأزمات لُبنان جميعها، ويتمّ باسمهم الحصول على أموال طائلة “لمُساعدتهم”، فيما لا يصل منها شيء إلى من يحتاجها. ثمّ تكرّر الشكوى مجدداً، بعدها تُعطى الأموال لحكومة أثبتت فشلها وفسادها سابقاً. إنها دوّامة كبيرة من الفساد لا تنتهي. 

 لا بد أن يعرف “الجميع”، أن معظم اللاجئين الذين يسكنون الخيم في لبنان، يدفعون إبجاراً لخيمتهم التي تحمل شعار الأمم المتحدة، وأنّهم يتقاضون مبلغاً ضئيلاً يقارب الـ90 دولاراً كمُساعدات للعائلة الواحدة، ثمّ يخرجُ السياسيون والإعلاميّون ليقولوا إن السوريين باقون في لُبنان لأنّهم يحصّلون أموالاً بالدولار كمُساعدات!

في لبنان، هناك الكثير ممن يُتاجر بنزوح السورييّن ويأخذ منهم أموالاً طائلة ليصلوا إلى لبنان، بدءاً بمن “يطلبون” التمويل الدولي، مروراً بالقائمين على طرق التهريب البرية من سوريا، انتهاء بالمهربين على شطآن طرابلس عبر “قوارب الموت”، التي تترك السوريين (واللبنانيين في بعض الأحيان)، في مواجهة الغرق وحملات الكراهية الأوروبيّة.

شخصياً، مللتُ من ترسيخ وضعي كضحيّة، واستخدامي بكلّ الأشكال ولصالح مُختلف الجهات، واعتباري رقماً على الهامش، يُمحى عند اللزوم.

الصمت خوفاً على الآخرين

في السنوات الأخيرة، أصبح الحصول على إقامة نظامية في لبنان من المعجزات، ما جعل كثراً من العالقين بين استحالة العودة إلى سوريا أو المُتابعة إلى بلد آخر، مضطرين للبقاء في لبنان والتجوّل من دون إقامة.

يُستغلّ السوري في جميع مجالات الحياة، ففي العمل يعطونه راتباً شهرياً متدنياً لعدم امتلاكه خياراً آخر، ويأخذون منه بدل إيجار المنزل مبالغ عالية، فقط لكونه سوري الجنسية.

لا يُوجد أحد من الذين أعرفُهم يتجرّأ حتى على الصراخ في وجه شخص لُبنانيّ، لأنّنا لا نخاف فقط على أنفسنا، بل نعلم جيداً بأنّ أي حادثة ستتحوّل إلى ذريعة لنشر الكراهية ضد السوريين. فقد تعرضت وجميع من أعرفهم إلى العنصريّة لمرة واحدة على الأقل، وفي كُلّ أزمة يمرّ بها السوريون في لبنان يأتي من يحاول أن يستغلّها ضدهم، ويلومهم على كونهم ضحايا!

ابتزاز وعنف عشوائيّ 

لي صديق يعمل في المجال الفنّي، يملك إقامة صالحة، لكن بعد الحوادث العنصرية المتنقلة وإصدار التعميمات من البلديّات، أرسل له كفيله رسائل فحواها أن الضابط الذي أصدر له إقامته سيقوم بإلغائها، وأنّه بمبلغ 200 دولار يستطيع أن يقنعه بألا يسحب الإقامة منه.

 لم يقع صديقي في فخ الابتزاز، إذ سأل ضابطاً آخر في الأمن العام عن الموضوع، ليجيبه بصريح العبارة أن كفيله يحاول استغلاله.

لي صديق آخر كان يمشي وهو يتحدّث عبر هاتفه في منطقة فرن الشباك، فسمعه شخص لبناني وقال له “بدكن تضلكن هون؟ عبيتو هالبلد!”، ثمّ هاجمه بعدها وتبادلا اللكمات.

بعد وقوع الحادثة، حاول شخص يملك دكّاناً قريباً من المكان، أن يبتزّ صديقي، فقال له “بحلّ الخبرية إذا بتعطيني مصاري، بخليهن ما يتشكّوا عليك”، لكن صديقي رفض ذلك ولم ينصاع للخوف.

أما آن الأوان أن ينتهي تجريدنا من إنسانيّتنا ومن أبسط حقوقنا الأساسيّة فقط لأننا سوريّون؟ أما آن الأوان للاعتراف بأنّ العالم أجمع خذلنا وأغلق حدوده في وجهنا، ووضع شروطاً لدخولنا إلى أراضيه.

يجب أن يعترف العالم بكامله أنّ السوريّ اختبر كلّ أنواع الموت، من القتل بالرصاص أو بقذائف الهاون أو غرقاً في البحار أو برداً في الغابات على حدود دولةٍ ما وهو يحاول العبور، أو على باب مستشفى لم تستقبله لأنه لا يملك المال، أو سحلاً بالشوارع في جريمة كراهية.

نموت كل يوم موتاً بطيئاً، تُطاردنا الذكريات والكوابيس، نُعاني من الاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة، وكلّ ما نبحث عنه في وسط هذا كله هو فقط حب وسعادة وحريّة مثل أي شخص آخر، وأكبر أحلامنا هو الأمان! الأمان الذي يُسلب منا في لحظة واحدة عندما يرتكب أي شخص في أي منطقة فعلاً سيئاً، فيبدأ العقاب الجماعي والتحقير والذلّ والتهديد.

كثر منّا عاشوا صدماتٍ ليس من السهل احتمالها. كثر منّا، إنّ لم يكُن جميعنا، دُمّرت أحلامهم ومُستقبلهم واستقرارهم، وأصبحت مهمّتنا أن ننجو  بحياتنا من يومٍ إلى يوم. من سيُصلح ما انكسر داخلنا في السنوات الأخيرة، من سيأتي ويمحي من ذاكرتنا كلّ الأسى الذي اختبرناه ونختبره؟

من سيعترف بحقّنا في الحياة والاستقرار والانتماء؟ ألم يحن الوقت أن تتوقّف مهزلة طوابير السفارات والمُساعدات والسماسرة؟ ألم يأتِ الوقت الذي يتوقّف فيه العالم عن إبقائنا كضحايا، وجعلنا عامّة شعب تحمل أوزار الحكومات والألعاب السياسيّة.

نحن بشر، ويحقّ لنا بالمُعاملة بالمثل، يحقُّ لنا بالاستقرار والعيش حياة لائقة. وشخصياً، مللتُ من ترسيخ وضعي كضحيّة، واستخدامي بكلّ الأشكال ولصالح مُختلف الجهات، واعتباري رقماً على الهامش، يُمحى عند اللزوم.