ليس الرقص وحده جريمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، اللباس الفضفاض المفتوح من الأمام المعروف بالمانتو الشرعي، تصميم الأزياء وعرضها، الوشم وتقنية تسمير البشرة (سولاريوم) من الجرائم التي يعاقب عليها القانون أيضا.
فبعد أن أعلنت محكمة طهران أنها بصدد إصدار قرار بإغلاق كل المحلات التجارية التي تبيع المانتو النسائي المفتوح من الإمام، واعتقال النساء اللواتي يرتدين هذا النوع من اللباس لعدم مراعاته المعايير الشرعية، أقدمت شرطة الآداب مدفوعة بأحكام قضائية في أكثر من مدينة إيرانية على اعتقال عشرات الشابات والشبان الذين يشتغلون في تصميم الأزياء والوشم والسولاريوم وتصفيف الشعر والتزيين النسائي وأغلقت المراكز والمؤسسات التي يديرونها أو يعملون فيها.
ففي محافظة هرمزگان المطلة على مضيق هرمز، حيث تقع مدينة بوشهر التي تضم أشهر مفاعل نووي ثوري في إيران، تمكنت شرطة الآداب من “تفكيك أكبر شبكة تصميم أزياء في البلاد” قوامها 46 شخصا، وقد تم رصد أفراد هذه الشبكة وتعقبهم بمساعدة شعبة مكافحة الجريمة الألكترونية، حيث كانوا ينشرون “فسادهم” على تطبيق إنستاغرام.
شرطة الآداب في محافظة هرمزگان، ليست الأولى في هذا المجال، ففي السنوات القليلة الماضية، اعتبرت السلطة القضائية في عموم البلاد، كل من يعمل في تصميم الأزياء والوشم والسولاريوم وتصفيف الشعر والتزيين النسائي مسوقا للفاحشة وخادشا العفة، وعليه كانت تأمر من حين إلى آخر بتنفيذ حملات مداهمة واعتقال كل من يعمل في هذه المجالات، خصوصا إذا كان ناشطا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يكون دليل إدانته جاهزا وفي متناول متعقبيه.
وترى السلطة القضائية أن احتراف هكذا أنواع من الأعمال يندرج ضمن سوء الاستخدام التجاري، أما نشر الصور والفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي فهي تتضمن إمكانية تضليل الفتيات والنساء وتشجيعهن على ارتكاب أفعال منافية للعفة.
بالتزامن مع حملات المداهمة والاعتقال التي جرت في محافظة هرمزگان، اعتقلت شرطة الآداب 11 شخصا في مدينة زاهدان في محافظة سيستان بلوشستان، و68 آخرين في مدينة قزوين، وحكمت على 12 شخصا في مدينة شيراز بالحبس 379 يوما بتهمة تصميم الأزياء! بينما ختمت بالشمع الأحمر 9 مراكز تجميل في مدينة مشهد، وترافقا اتهمت المصورين المعتمدين لدى هذه المراكز بتعميم الجريمة الثقافية، مدعية أن عملهم مخالف لقانون الشرف الخاص بنقابة المصورين.
منظمة حقوق البشر في إيران، علقت على الاعتقالات الأخيرة، بالقول إنه “إضافة إلى قطع أرزاق هذه الفئة من الناس، هناك تصميم على تنميط الحياة الاجتماعية للفرد الإيراني، بإقناعه أن الدولة تواجه الشذوذ الثقافي”.
بينما أشار رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن التضييق الذي تمارسه شرطة الآداب على هذه الأنواع من الأعمال التي وصفوها بالفنية، مقصود ومتعمد، والغاية منه التخلص من الأفراد الذين يحملون أفكارا تحررية في رؤوسهم، ويملكون تأثيرا واسعا في صفوف الشباب، وإجبارهم بطريقة غير مباشرة على مغادرة البلاد، ومن الملاحظ في السنوات الأخيرة ارتفاع عدد اللاجئين الإيرانيين في العالم بسبب تقييد الحريات، من بينهم المخرج السينمائي المعروف جعفر بناهي والناشطة الحقوقية مسيح علي نجاد ورسام الكاريكاتور مانا نيستاني وآخرون.
وتعد السلطة القضائية التي يرأسها رجل الدين المحافظ صادق لاريجاني، الجهة المسؤولة عن هذه الاعتقالات، وهي تحرض وتتصدى بشكل جدي وفعال للفنون الإنسانية على أنواعها. والمعروف عن لاريجاني أنه معارض شرس لقيم الحريات الشخصية، ويعتبر الفن بشكل عام أحد أخطر أنواع “الحرب الناعمة” التي يشنها الغرب ضد الجمهورية الإسلامية من أجل تقويض النظام الإسلامي فيها والقضاء على القيم الدينية، أما المرأة فهي النافذة المكشوفة التي يستطيع الدخول منها إلى المجتمع الإيراني، لذلك يجب قمعها.
وكما تعتبر السلطة القضائية بشخص رئيسها المتشدد، أن المرأة هي مكمن الضعف في المجتمع الإسلامي والخاصرة الرخوة، التي تهدد صلابته وسلامته، كذلك تعتبر أن مواقع التواصل الاجتماعي العدو الأول للمجتمع الإيراني، وتسميها مواقع الابتذال. فهذه المواقع مسؤولة بالدرجة الأولى عن تقديم أنماط مختلفة من الحياة المتحللة التي تعارض القيم المذهبية والدينية التي بني على أساسها المجتمع الصالح في الجمهورية، وأول من يقع في شراكها هي المرأة، وعليه يجب مراقبة الطرفين دوما.
وعملا بهذه الرؤية، أحصت شرطة الآداب في طهران وحدها 51 ألف صفحة على موقعي تليغرام وإنستاغرام، تسوق “للفاحشة والابتذال”، وتمكنت من إغلاق الأول بعد صراع شكلي مع الحكومة، وهي بصدد إغلاق الآخر، وسوف تأخذ بحق رواد هذين الموقعين “الإجراءات المناسبة” تباعا، كما قامت بتثبيت نقاط مراقبة أمام معظم مراكز التجميل والتزيين وتصفيف الشعر وتصميم الأزياء ونوادي الرياضة ومحلات الألبسة والوشم والسولاريوم في طهران، منعا من إ”شاعة الفاحشة” بين النساء والفتيات.