fbpx

الأزمة السعودية الكندية: خلفيات سابقة على قضية المعتقلات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الهجوم على كندا، التي لا تُعد واحدة من أهم حلفاء السعودية، طريقة بالنسبة إلى الرياض لتوجيه رسالة إلى الغرب بأسره. هذه الرسالة، هي: “نحن لا نتسامح مع النقد الموجه إلى شؤوننا الداخلية. وإذا ما قمت بتوجيه الانتقادات، فسوف تُعاقب بشدة”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بدأت تلك الضجّة مع تغريدة، تماماً مثلما تحدث الكثير من الاضطرابات السياسية هذه الأيام.

نشر الحساب الحكومي الرسمي لوزارة الخارجية الكندية تغريدة قال فيها، “تشعر كندا بقلق بالغ إزاء المزيد من الاعتقالات التي يواجهها نشطاء المجتمع المدني وحقوق المرأة في المملكة العربية السعودية، بمن فيهم سمر بدوي. إننا نحث السلطات السعودية على إطلاق سراحهم فوراً وجميع النشطاء السلميين الآخرين في مجال حقوق الإنسان”. جاءت هذه التغريدة ردّاً من كندا على اعتقال ناشطَتين في وقت سابق، وهما تمثّلان آخر من استهدفتهم حملة القمع التي شنّتها الحكومة السعودية على النشطاء في مجال حقوق المرأة، وقد اُعتقل أكثر من 12 منهم منذ شهر أيار/ مايو الماضي.

في غضون أيام، أعلنت المملكة أن السفير الكندي شخص غير مرغوب فيه وطردته من البلاد، وأمرته بالمغادرة في غضون 24 ساعة، واستدعت سفيرها الخاص لدى كندا، وطلبت منه العودة إلى الوطن. كما جمّدت جميع الصفقات التجارية والاستثمارية الجديدة مع العاصمة الكندية أوتاوا، وألغت برامج التبادل التعليمي بين البلدين، بما في ذلك المنح الدراسية والوظائف الجامعية، وذكرت أن جميع طلابها الموجودين حالياً في كندا سيُنقلون إلى دول أخرى. وأوقفت شركة الطيران الحكومية السعودية رحلاتها من تورونتو وإليها.

لقد كان رد فعل قاسياً على غير العادة، وعلّق البيان الخاص الذي صرّحت به المملكة حول هذه المسألة على كلمتين على وجه الخصوص. قالت الرياض إنه “من المؤسف للغاية أن نرى عبارة (الإفراج الفوري) في التصريح الكندي، الذي يُعد استخداماً مُستهجناً وغير مقبول على الإطلاق للغة بين الدول ذات السيادة. كما قال السعوديون أيضاً إن البيان الكندي يُعد “تدخّلاً صارخاً في الشؤون الداخلية للمملكة، ويناقض المعايير الدولية الأساسية وجميع البروتوكولات الدولية”. وحذّروا من أن “أي محاولة أخرى للتدخّل في شؤوننا الداخلية من كندا تعني أنه مسموح لنا بالتدخّل في شؤون كندا الداخلية”.

 “هي طريقته في القول: أنا أقوم بعمل إصلاحات اجتماعية، لكن يا رفاق، يا نشطاء المجتمع المدني، إياكم والتفكير في فعل شيء”.

قد يبدو أن استخدام كلمة “التدخّل” طريقة غريبة لوصف تصريح الحكومة الكندية. إذ تعرّضت المملكة العربية السعودية لانتقادات بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان في الماضي من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة – نظراً إلى طريقة معاملتها النساء والأقليات، والقيود التي تفرضها على حرية التعبير، وسجلّها الحافل في احتجاز السجناء السياسيين. لكن المملكة لطالما ردت في السابق على تلك الانتقادات بالعبارات ذاتها: فعام 2015، عندما وجّه نائب المستشارة الألمانية انتقادات إلى الرياض بسبب المعاملة العنيفة التي تعرّض لها المدوّن المعارض رائف بدوي، أصدرت وكالة الأنباء السعودية بياناً كتبه مسؤول في وزارة الخارجية لم تذكر اسمه، قال فيه إن المملكة “لا تقبل أي تدخّل في شؤونها الداخلية”.

بيد أن الوقت الآن يبدو أكثر حساسية بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية. فقد سعى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى النهوض برؤية المملكة العربية السعودية 2030، وهي خطة رامية إلى إصلاح اقتصاد المملكة وسمعتها الدولية من خلال إجراء الكثير من الإصلاحات. وفي حزيران/ يونيو الماضي، حصلت النساء السعوديات على الحق في قيادة السيارة، وهي خطوة اعتبرت بمثابة انتصار تاريخي – على رغم أنها طال انتظارها – للناشطات في مجال حقوق المرأة. إلا أن هذا الفوز كان محفوفاً بالخسائر: فقد سُجنت نساء كثيرات، بسبب شنّهن حملات من أجل حق المرأة في قيادة السيارات أو أُمرن بعدم التحدث إلى الصحافيين حول هذا الإصلاح. وتكهّن البعض بأن الأمير محمد بن سلمان لم يرغب في أن ينسب لهنّ الفضل في ذلك، وأنه أراد السيطرة على السرد الذي تتداوله الصحف. ويعتقد البعض أن رغبة مماثلة قد تكون هي الدافع وراء رد الرياض الآن بهذه الطريقة.

“بالنسبة إلى جاستن ترودو، الذي حاول تقديم حكومته بوصفها تقدمية ونسوية، فبخصوص بيع الأسلحة للسعودية، أقل ما يُمكن قوله إنه كان قراراً غير مريح على الإطلاق”

قال علي الشهابي، رئيس مؤسسة “العربية” في رسالة عبر البريد الإلكتروني، “يرى محمد بن سلمان نفسه بوصفه مديراً لعملية إصلاح غير مسبوقة وحساسة ولا يريد انتقاداً خارجياً يجعلها أكثر صعوبة، ناهيك عن الحلفاء المستفيدين من الأعمال التجارية السعودية، ولذا فهو مستاء للغاية من الكنديين”. لكن الشهابي، وهو مواطن سعودي مُقرب من الحكومة، أضاف قائلاً، “إن كلا الطرفين يلعبان السياسة هنا”. فقد أقر رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو صفقة أسلحة بقيمة 15 مليار دولار إلى المملكة العربية السعودية التي أبرمها سلفه المحافظ عام 2014، لكنه الآن “يريد الدفاع عن نفسه من الانتقادات التي وجهت لهذا القرار، من خلال المزايدات واتخاذ موقف إزاء حقوق المرأة”.

قُدمت صفقة الأسلحة، التي تنطوي على بيع مركبات مدرعة خفيفة، كندية الصنع إلى المملكة العربية السعودية، من قبل المسؤولين السعوديين بوصفها إجراء لبناء الثقة من شأنه أن يؤدّي إلى علاقات أعمق بين البلدين، بما في ذلك قطاعي التجارة والأمن. إلا أن ذلك لم يحدث.

قال توماس جونو، أستاذ متخصص في شؤون الشرق الأوسط بجامعة أوتاوا، “بالنسبة إلى جاستن ترودو، الذي حاول تقديم حكومته بوصفها تقدمية ونسوية، فبخصوص بيع الأسلحة للسعودية، أقل ما يُمكن قوله إنه كان قراراً غير مريح على الإطلاق”. فقد اختار ترودو عدم إلغاء صفقة الأسلحة، على رغم أنها أثارت غضب الكثير من الكنديين. لكن يبدو أنه قرر أن أفضل طريقة لإدارة تلك المظاهر المحرجة هي تجنب الانخراط كثيراً في التعامل مع المملكة العربية السعودية. وأردف جونو قائلاً، “وعلى ذلك لم تتحقّق جميع الوعود التي كان من المفترض أن تنشأ بموجب صفقة المركبات المدرعة الخفيفة الكبيرة”. وأضاف: “وتراكم نتيجة لذلك غضب عارم على الجانب السعودي. فعندما ذهبت إلى المملكة العربية السعودية في وقت سابق من هذا العام، كان الشعور بالإحباط بين المسؤولين السعوديين والمحللين تجاه كندا واضحاً وقوياً ومتزايداً. واستطعت أن أرى بوضوح غيمة سوداء تخيم على العلاقات بين البلدين في المستقبل”.

ثمة سبب آخر يجعل المملكة العربية السعودية تشعر بالرغبة في أن تخص كندا بالذكر: إذ إن الناشطة التي ذُكر اسمها في التصريح الكندي، سمر بدوي، هي أخت رائف بدوي، الذي حكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات و1000 جلدة عام 2013. وتعيش زوجته، إنصاف حيدر الآن مع أبنائها الثلاثة في مقاطعة كيبيك الكندية، ومن ذلك الموقع العالي غالباً ما توجّه انتقادات إلى المملكة. ومن قبيل المصادفة، تُذكر مقاطعة كيبيك من قبل كثيرين من مستخدمي تويتر السعوديين، الذين يشيرون إلى أن كندا دولة منافقة بسبب شجبها انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في المملكة. وقال أشخاص كثيرون في تغريدات تبدو متشابهة في الصيغة إلى حد كبير، في حالة كلاسيكية مما يُعرف بمحاولة التشكيك في موقف الخصم من خلال اتّهامه بالنفاق من دون دحض حجته، “نشعر في المملكة العربية السعودية بالقلق إزاء ارتكاب كندا جرائم إبادة جماعية ثقافية ضد السكان الأصليين”، وجاء في بعض التغريدات الأخرى، “كما أننا ندعم حق مقاطعة كيبيك في أن تصبح دولة مستقلة”.

إنصاف حيدر زوجة المعتقل رائف بدوي

يُعتبر التعدّي على كندا، التي لا تُعد واحدة من أهم حلفاء المملكة العربية السعودية، طريقة منخفضة التكلفة نسبياً للرياض لتوجيه رسالة إلى الغرب بأسره. هذه الرسالة، وفقاً لما قاله جونو، هي: “نحن لا نتسامح مع النقد الموجّه إلى شؤوننا الداخلية. وإذا ما قمت بتوجيه الانتقادات، فسوف تُعاقب بشدّة”. أشار جونو إلى أن هذا جزء من أسلوب عمل الأمير محمد بن سلمان الأوسع نطاقاً، والذي ينطوي على القيام ببعض الإصلاحات في الوقت الذي تُمارس فيه رقابة مشدّدة على العملية. وأوضح أنه “عندما يعتقل النشطاء في مجال حقوق المرأة في الوقت الذي يسمح للنساء بقيادة السيارة، فهذا لا يعني أن ذلك النهج غير متسق. بل إنه متسق تماماً. هذه هي طريقته في القول: أنا أقوم بعمل إصلاحات اجتماعية، لكن يا رفاق، يا نشطاء المجتمع المدني، إياكم والتفكير في فعل شيء”.

“هذا الأمر محزن. إنهم فاقدون للإحساس في هذه المرحلة”.

أشار الشهابي إلى أنه إذا أصبح رد المملكة العربية السعودية على النقد أكثر قسوة في ظل نظام ولي العهد محمد بن سلمان مما كان عليه في ظل الزعماء السابقين فإن هناك سبباً لذلك – كما هاجم ولي العهد أيضاً السويد وكذلك ألمانيا بسبب توجيههما انتقادات ضد المملكة. يحتاج الأمير محمد بن سلمان إلى إرسال برقيات ليس إلى الغرب وحسب، بل أيضاً إلى السعوديين، لدرجة أنه لا يسمح لبلاده بأن تُدفع من قبل القوى الأجنبية. وأضاف قائلاً، “إنه يقوم بعملية توازن سياسي دقيقة للغاية، وليس لدى النقاد الخارجيين أي تفهّم أو تقدير (أو أنهم يتجاهلون عن قصد) للقوى السياسية (المؤيدة والمعارضة) على أساس أنه يتعين التعامل معه باعتبار أنه يساعد البلاد في النهوض إلى القرن الحادي والعشرين”.

بيد أن أولئك الذين سيعانون من خسائر جسيمة جراء ذلك هم الطلاب السعوديون الذي يدرسون في كندا، الذي يصل عددهم إلى حوالى 16000 طالب، وسينقلون الآن. قالت بسمة المومني، أستاذة العلوم السياسية بجامعة واترلو في كندا، “هذا الأمر محزن. إنهم فاقدون للإحساس في هذه المرحلة”. وأضافت أن الجامعات الكندية ستخسر أيضاً بشكل كبير. إذ إن الجامعات “تحصل على عائدات كبيرة من الطلاب الدوليين. بل بالأحرى فهي تعتمد عليهم. ويُمثل السعوديون إحدى أكبر مجموعات الطلاب الأجانب”.

وفي الوقت نفسه، يدعو البعض الدول الأخرى إلى مساندة كندا. فقد كتبت سوزان رايس، السفيرة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة، على “تويتر” قائلةً: “تحتاج الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى دعم كندا وتوضيح أننا لن نتراجع عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان”. بينما لم تصدر إدارة ترامب، التي عمقت التحالف الأميركي التقليدي مع السعوديين، حتى الآن بياناً حول حملة الاعتقالات الأخيرة التي وقعت في المملكة.

ولكن دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسلطة الفلسطينية أعلنت تأييدها المملكة العربية السعودية، ما يزيد من احتمال أن تواجه كندا تداعيات متصاعدة في أنحاء المنطقة المختلفة.

هذا المقال مترجم عن موقع The Atlantic ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي

إقرأ أيضاً: موجة اعتقالات للحقوقيّات في السعودية: “لستِ وليّةَ نفسكِ

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.