fbpx

منصة “بلّغ” العراقية: محاربة “المحتوى الهابط” أو تكميم الأفواه؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“لكن ما هي معايير المحتوى الهابط؟ ومن يضع هذه المعايير وكيف يتم تحديدها؟”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

زاد عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في العراق 3.4 مليون شخص بين عامي 2021 و2022، وفي بداية عام 2022 ارتفع عددهم نحو 68 في المئة (28,560,000 مستخدم) من مجموع السكان البالغ 42 مليون نسمة.  هذا ما كشفه تقرير أصدرته شركة KEPIOS. 

تدل هذه الأرقام على أن العراق كأي بلد آخر، بات يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي، لفتح النقاشات العلنيّة، وتوجيه الرأي العام، والأهم، انتقاد السلطات التي تحاول السيطرة على هذا الفضاء المفتوح.

في 10 كانون الثاني/ يناير 2023، أطلقت وزارة الداخلية العراقية منصّة “بلّغ” الإلكترونية، المخصصة للإبلاغ عن “المحتوى المسيء”. وباشرت الوزارة بالفعل التعامل مع البلاغات التي وصلتها، وشرعت بإغلاق عدد من الحسابات الشخصية لمدونين ومؤثرين ومستخدمين لمواقع التواصل الإجتماعي، كما رفعت طلبات للقضاء لرفع دعاوى قضائية على أصحاب حساباتٍ أخرى.

أُثيرت القضية على خلفية طلب وزارة الداخلية من القضاء العراقي إصدار مذكرة قبض بحق شخصية تدعى “أم فهد”، بتهمة الإساءة ونشر المحتوى الهابط، وأُدرجت هذه المطالب ضمن “لجنة متابعة المحتوى المسيء”، إلا أن “أم فهد” ظهرت بمقطع فيديو تتحدث فيه عن حيثيات الموضوع وأكدّت احترامها القضاء واستعدادها للمثول أمامه.

أشارت أم فهد في الفيديو إلى أنها ليست صانعة محتوﻯ كي تعاقب بسببه، وبالفعل هي ليست صانعة محتوى وإنما انشغلت بها مواقع التواصل الاجتماعي بعد ظهورها في بطولة كأس الخليج العربي 25 التي أقيمت في محافظة البصرة، إذ ظهرت  في فيديوات وهي ترقص في مدرجات الملعب كسائر المشجعين.

المنصة التي اعتبرها كثيرون محاولة لتكميم الأفواه وإسكات الأصوات المعارضة، بدت جيدة لعضوة لجنة حقوق الإنسان النائبة فاطمة العيساوي التي أكدت لـ”درج”، “دعمها إجراءات وزارة الداخلية للنهوض بواقع الشباب العراقي، وتحديداً بعدما شهدت مواقع التواصل انحداراً غير مسبوق يُصدّر صورة سلبية عن حياة الشعب العراقي وثقافته لباقي شعوب العالم، ما أثر داخلياً في سلوكيات المراهقين”. وهو خطاب تتبناه جهات عدة، غافلة عما تخفيه هذه الخطوات من أبعاد قمعية للصحافيين والمدونين وأيضاً صانعي المحتوى.
العيساوي استدركت كلامها: “نطالب أيضاً بأن لا يكون للمزاجية والوساطات تأثير في عمل منصّة بلّغ، وألا تستخدم كأداة لقمع الحريات، وتحديداً ضد المطالبين بحياة كريمة من أبناء الشعب الذي عانى الكثير”.

خوف من غموض “المحتوى الهابط”

أبدى الكثير من المعنيين بينهم صحافيون خوفهم وعدم اقتناعهم بآلية عمل هذه المنصة، كونها تتبع نهجاً ضبابياً، ولم توضح المقاييس والمعايير التي تحدد من خلالها المحتوى المسيء من غير المسيء.

يقول الصحافي العراقي نبيل الجبوري لـ “درج” “هذه المنصة قد تكون سلاحاً ذو حدين، ويمكن أن تستخدم ضدّ أصحاب الرأي المعارضين للحكومة، أو النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان بذريعة المحتوى الهابط والمسيء”، مضيفاً أن “الجهات الرسمية لطالما استخدمت مفردات فضفاضة كتهديد السلم المجتمعي أو الأهلي والإساءة إلى الرموز المقدسة  والإرهاب وجهة بحق أي شخص يخالف خارطة الطريق التي رسمتها أطراف مسيطرة على مفاصل مهمة في الدولة العراقية التي تتبع جهاتٍ إقليمية”. 
ويرى الجبوري أن “وزارة الداخلية إن كانت جادّة حقّاً في منع الإساءة أو المحافظة على السلم الأهلي، فما عليها إلا التوجّه صوب المنصات التي تتوعد الدولة العراقية بشكل علني وتحرّض على قتل المواطنين والصحفيين ونشر صورهم وأرقام هواتفهم ومحل إقامتهم، إذ لم تتجرأ الوزارة إلى اليوم على تحديد عمل هذه المنصات والجهات التي تديرها رغم أنها باتت معروفة”.

العراق كأي بلد آخر، بات يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي، لفتح النقاشات العلنيّة، وتوجيه الرأي العام، والأهم، انتقاد السلطات التي تحاول السيطرة على هذا الفضاء المفتوح.


لا يختلف رأي الصحافي العراقي زيد الفتلاوي عن رأي الجبوري، إذ يشير إلى أن “خطوة إطلاق منصّة بلّغ، ليست واضحة وليست دقيقة وتدخل ضمن القرارات والقوانين التي تحارب الكثير من الصحافيين والنشطاء المزعجين للسلطة بذريعة المحتوى المسيء وفق أحزاب السلطة والجماعات المسلحة المنفلتة”.

ويضيف: “لا تختلف هذه الخطوة عن خطوة قانون الجرائم المعلوماتية سيئ الصيت، لذلك لو أرادت الحكومة حصر المحتوى الهابط عليها وضع معايير واضحة وواقعية ولا أعتقد أن الوزارة تحتاج إلى بلاغ من أحد، فكل مستخدم على مواقع التواصل يعرف ويعلم من هي الشخصيات والصفحات المؤثرة والتي تعمل على بث محتوى سيء أو جيد، فما بالك بمؤسسة أمنية وأجهزة استخبارية تعلم بالصغيرة والكبيرة في المجتمع العراقي”.

أزمة العنف الرقميّ



يقول حيدر حمزوز المدير التنفيذي لمؤسسة “أنسم للحقوق الرقمية” إن “ظاهرة الإبتزاز الإلكتروني وخطاب الكراهية والإساءة المنتشر على الإنترنت في العراق، ظاهرة موجودة ومثبتة وللأسف بدأت بالتأثير سلباً على حياة العراقيين”، محمّلاً شركات التكنولوجيا والحكومة مسؤولية ما وصفه بـ “العنف الرقمي” الموجود على المنصات، مشيراً إلى أنه بدأ بالتحوّل إلى عنف حقيقي، وهنالك أُناس تعرضوا للأذى حتى أن البعض الآخر فقد حياته بسبب المحتوى المسيء المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي.

منصة “بلّغ” سلاح ذو حدين



أواخر عام 2022 تصدّر العراق قائمة البلدان التي يتعرض فيها  الصحافي والإعلامي لانتهاكات، وهو ما لا يمكن تجاهله في مقاربة الهدف الحقيقي خلف منصة “بلّغ”، في بلد يعاني فيه الصحافيون والنشطاء من القمع الذي يصل أحياناً إلى التهديد بالقتل، كما حصل مع الباحث هشام الهاشمي الذي اغتيل بدم بارد.

إزاء ذلك، أعربت “لجنة دعم الصحافيين الدولية في العراق” لـ”درج”، عن قلقها من استهداف الصحافيين والنشطاء والمدونين وأصحاب الرأي المخالف للسلطة بواسطة هذه المنصة. وأوضح ممثل اللجنة صلاح الزبيدي، أن “الرأي المخالف للسلطة لا يعني أنه خارج القانون، لكن هذه المنصة ستكون ذريعة لاعتقال صحافيين”.
يطرح الزبيدي مسألة المعايير التي تعتمد عليها منصة وزارة الداخلية لمحاربة المحتوى الهابط، “لسنا في ثكنة عسكرية ولسنا في طور الحرب ضد الإرهابيين أو مكافحة المخدرات لكي لا يتم توضيح آلية العمل أو إشراك الجهات ذات العلاقة في عمل هذه المنصة، لذا فإن غياب العنصر الأساس والشخصيات صاحبة الإختصاص عن العمل مع هذه المنصة يُنذر بخطر كبير على الصحافيين، وقد تكون هذه المنصة أداة لقمع الآراء والحريات”.

قال رئيس “المرصد العراقي لحقوق الإنسان” مصطفى سعدون لـ “درج”: “نحن لا نعتقد بأن هناك سنداً قانونياً يسمح لوزارة الداخلية بأن تكون مسؤولة عن هذا الملف. ربما يجب أن تكون هيئة الإعلام والإتصالات هي المسؤولة، فهي صاحبة  الاختصاص، سائلاً: “لكن ما هي معايير المحتوى الهابط؟ ومن يضع هذه المعايير وكيف يتم تحديدها؟”.

ولم يتسنَ لنا الحصول على إجابة من مدير دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية العراقية اللواء سعد معن الموسوي بعد طلب من “درج” للتعليق حول عمل منصة “بلّغ” لمعرفة آلية تحديد “المحتوى المسيء”.

وتواصلنا مع الرائد في وزارة الداخلية العراقية محمد علي الحسون، وهو مقدم برنامج تلفزيوني مختص بشؤون منتسبي وزارة الداخلية، لسؤاله عن “بلّغ”، فأجاب باقتضاب شديد: “تم إطلاق  هذه المنصة لمحاربة المستوى الهابط والمسيء للوطن والمواطن والأعراف والتقاليد العراقية”.