fbpx

الحروب الثقافية التي تهدد سلام عالمنا وتقدمه

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من يظن أن الحرب الأوكرانية أكبر حروب عالمنا اليوم، ينسَ أن حروب الثقافة سبقتها وسوف تبقى، على الأرجح، بعد انتهائها، وهي أوسع انتشاراً منها وأكثر عالمية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ذات مرّة قيل إن اللغة التي وجدت لتطوير التفاهم بين البشر تحولت أداة نشطة لسوء التفاهم بينهم. والشيء نفسه يصح في الثقافة التي رسم لها بعض روادها الكبار صورة زاهية ومتفائلة بمستقبل البشرية وبعيشها في سلام بعيداً من التعصب، لكنها تتحول اليوم إلى أكبر ساحات المواجهة بين الشعوب والأمم.

فمن يظن أن الحرب الأوكرانية أكبر حروب عالمنا اليوم، ينسَ أن حروب الثقافة سبقتها وسوف تبقى، على الأرجح، بعد انتهائها، وهي أوسع انتشاراً منها وأكثر عالمية، فضلاً عن أن مجموع أكلافها في الماضي والحاضر والمستقبل تفوق الأكلاف الباهظة جداً لعملية الغزو الروسي.

هنا نضع جانباً بعض النزاعات القديمة نسبياً، وإن كانت لا تزال مستمرة إلى اليوم بضراوة منقطعة النظير. يصح هذا خصوصاً في حرب الرموز والمواقع بين المسجد الأقصى المسلم وحائط المبكى اليهودي في القدس، أو لا لا يزال يتكرر بين فينة وأخرى بين الهندوس والمسلمين في الهند، وقد بلغ ذروته مع إحراق هندوس متطرفين مسجد بابري عام 1992. نضع هذه النزاعات جانباً لنتوقف عند ما هو أشد طزاجة مما رأيناه مؤخراً للمرة الأولى.

فمونديال قطر- “فيفا” كان ساحة للمواجهات الثقافية بقدر ما كان ساحة لمواجهات كرة القدم، إذ انفجرت هناك مسائل المثلية الجنسية وحقوق العمالة المهاجرة، بل حقوق الإنسان عموماً، وكان العنوان الأبرز لتلك المعارك “قيمنا في مواجهة قيمكم”. وما كاد الغبار يهدأ على هذه الجبهة حتى انفجر موضوع إحراق المصحف في السويد أمام السفارة التركية. هذا العمل الذي أقدم عليه السويدي الدنماركي المتطرف راسموس بالودان، راحت مضاعفاته تتلاحق وتأخذ أبعاداً ضخمة بل جبارة: من تحذير دول غربية (فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وسواها) رعاياها في تركيا، ومطالبتهم بـ “اليقظة” في مواجهة احتمال التعرض لهجمات، إلى مزيد من تدهور العلاقة المتدهورة بين أنقرة وستوكهولم، ما جعل الموافقة التركية على الانتساب إلى حلف الناتو شبه مستحيلة، ومن ظهور أصوات تركية وعربية تربط ما فعله بالودان بتاريخ الاستعمار الغربي ونكبة فلسطين، إلى إعلان سفير إسرائيل في السويد أنه تم منع حرق التوراة أمام مبنى سفارة تل أبيب في ستوكهولم بالتنسيق مع مسؤولين سويديين.

ولئن تبين لاحقاً أن ثمة أصابع روسية وراء إحراق نسخة من القرآن، فإن مسائل الثقافة والقيم أساسية في الخطاب الرسمي الروسي الذي لا يكل بدوره عن اتهام الغرب باستهداف “قيمنا” وأخلاقنا”. 

ذات مرّة قيل إن اللغة التي وجدت لتطوير التفاهم بين البشر تحولت أداة نشطة لسوء التفاهم بينهم.

ولا نملك في هذا المجال إلا أن نتذكر سلمان رشدي، الأديب الهندي البريطاني، الذي طُعن صيف العام الماضي وأصيب إصابات عميقة في وجهه وجسده. ولم تكن تلك الحادثة غير فصل جديد من فصول محنة رشدي التي بدأت مع فتوى الخميني الشهيرة في أواخر الثمانينات وما تبعها من مزايدات بين دول مسلمة تطالب برأس رشدي.

والأخير، وإن كان الاسم الأبرز على هذه القائمة، لكنه ليس الاسم الوحيد. فبسبب تصريحاته العنصرية والمثيرة دائماً للفتن ضد المسلمين، رفع “اتحاد مساجد فرنسا” دعوى قضائية ضد الكاتب الفرنسي ميشال ويلبيك بتهمة التحريض على التمييز والكراهية والعنف. وكانت آخر أفعال هذا االروائي تصريحه لإحدى المجلات، بأن المسلمين “يهددون أمن الفرنسيين غير المسلمين”، وأن رغبة الفرنسيين “الأصليين” ليست في أن يندمج المسلمون، بل أن يتوقفوا عن سرقتهم ومهاجمتهم، وإلا فهناك حل آخر، هو أن يغادروا.

وبعد توصية أصدرها البرلمان الأوروبي بصدد حقوق الإنسان في المغرب، قرر البرلمان المغربي إعادة النظر في العلاقة معه، إذ إن “برلمان المملكة المغربية ليس في حاجة إلى إعادة تأكيد تمسك المملكة بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دولياً”، وفق ما جاء في بيان البرلمان المغربي. 

وكادت الحروب الثقافية تشغل جبهة أخرى في الأسبوعين الماضيين. فالأستاذة الجامعيّة إريكا لوبز براتر كانت على وشك عرض رسومات للرسول تعود إلى القرن الرابع عشر، وقد طُردت لهذا السبب من وظيفتها. لكن لحسن الحظ تدخل مجلس “كير”، وهو جماعة إسلامية للدفاع عن الحقوق المدنية والدعوة في الولايات المتحدة، قائلاً إن لوبز براتر (التي نبّهت طلابها مسبقاً إلى نيتها عرض الرسومات بحيث يخرج من الصفّ من لا يحتمل ذلك) ليست معادية للإسلام، وإن على جامعتها إعادة النظر في موقفها.

ويمكن لمن يدقق أكثر أن يعثر على مزيد من الحالات التي تتكرر فيها سمتان أساسيتان:

أولاً، ارتباط الحروب الثقافية بمسألة حقوق الإنسان، واستخدام بعض الأنظمة إياها لمنع المساءلة على هذه الجبهة وتعطيل التقدم فيها.

ثانياً، الموقع المركزي الذي تحتله العقيدة الإسلامية والعنصرية الغربية (واليهودية في حالة إسرائيل)، بوصفهما الطرفين المتواجهين ثقافياً ومادياً، واللذين يحتلان موقعاً مركزياً في هذه الحروب. هذه السمة وجدت في الهجرات الكثيفة للعقد الأخير، النار التي تؤججها.

لكن هاتين السمتين لا تنفصلان عن تراجع قيم التنوير والتقدم في عموم العالم، وعن ضعف الغرب لمصلحة قوى كالصين وروسيا، لا ترى أي ضير في الاستبداد الذي تعملان هما أيضاً بموجبه. وأخيراً ودائماً، هناك صعود الهويات والشعبويات الدينية والقومية على أنواعها المتطرفة، والتي آلت على نفسها أن تملأ الفراغات الكبرى التي خلّفها تراجع الغرب مصحوباً بتراجع القيم الديمقراطية والتقدمية.

وهذا مُجتمعاً يفسر لماذا تنعكس الحروب الثقافية بالقوة التي نشهدها على علاقات الدول، هو ما يُظهره بشكل خاص ذاك الجسر المقطوع بين تركيا والسويد، والذي يهدد بالتكرار فوق ساحات أخرى. 

هلا نهاد نصرالدين - صحافية لبنانية | 06.05.2024

الاحتجاجات الطلابيّة: فرصة لتصحيح البوصلة الأخلاقيّة للسياسة الأميركية!

أوشك تخييم المحتجين في جامعة كولومبيا على الانتهاء، لكن لم ينتهِ أثره ولا التحركات في جامعات أخرى حول العالم، فهل تلعب الاحتجاجات الطلابية مجدداً دوراً تاريخياً في تصحيح المسار الأخلاقي للأداء السياسي والضغط لإنهاء الفصل العنصري؟ أم سنشهد المزيد من القمع لحرية الرأي والتعبير في الجامعات، التي يجب أن تكون منطلقاً صحياً للحياة الديمقراطية؟