fbpx

“قائمة القراءة”… ماذا يرشّح لك الكُتَّاب العرب؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يستطيع أحدٌ أن ينكر حجم الجهد المبذول في هذا الكتاب الذي يضيء مساحات واسعة من الثقافة الإنسانية. كما أنه عمل يحتاج إلى جهد مؤسسي، لكنّه خرج في النهاية بجهد فرد وحيد!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

    تذكرت واحداً من التحديات التي انطلقت منذ فترة على شبكة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، حينما طالعت كتاب “قائمة القراءة: كبار الكُتَّاب يرشحون لك أهم وأجمل الكتب” (دار الكرمة، 2023) للباحث عمرو فتحي، والذي سبق وأنجز “موسوعة أغاني عبد الحليم حافظ” (دار الكرمة، 2019). وفي الكتاب الجديد، يدرج فتحي هذا قائمة مطوّلة لمجموعة من الترشيحات التي سجّلها كُتَّاب عرب معروفون.

يستهل فتحي مقدمة كتابه بسؤال محوري “ماذا نقرأ؟” ليكمل حديثه: “سؤال متكرر لدي القُرَّاء، سواء الذين يبدأون رحلة القراءة الممتعة، أو القُرَّاء الذين يريدون التعرف على كتب مختلفة تفتح لهم آفاقاً جديدة، ومن هنا جاءت فكرة أن أجمع في كتاب واحد ترشيحات أهم الكُتَّاب والكاتبات العرب، الراحلين منهم والأحياء، لكتب عربية وأجنبية، يرون أنها مهمة، أو تأثروا بها، ولذلك يرشحونها للقُرَّاء للاستمتاع بقراءتها، والاستفادة مما تقدمه من خبرات إنسانية، تسهيلًا للقُرَّاء وتعريفاً بالكتب التي أثَّرت في مبدعينا الكبار”.

  جمع فتحي ترشيحات أكثر من 75 كاتباً وكاتبة، عرباً، راحلين وأحياء من خلال طيف واسع من الكتب والدوريات والصحف والبرامج التلفزيونية والإذاعية وكذلك مواقع التواصل الشخصي. كما أوضح أن هذه الترشيحات ليست نهائية، بل هي ما توافر من حديثهم عن الكتب خلال فترات زمنية بعينها. كما عمل على ترتيب الأسماء بطريقة أبجدية وأضاف في نهاية الكتاب ثبتاً بالمصادر والمراجع التي استند إليها.

   لا يمكن الحديث في مقالة واحدة- بكل تأكيد- عن محتوى القوائم كافة التي أدرجها الكُتَّاب والكاتبات داخل متن الكتاب، لكن هناك سلسلة من الملاحظات العامة التي تسترعي الانتباه عقب الانتهاء من القراءة؛ من بينها: وجود بعض الأسماء المشتركة في غالبية الترشيحات بين الكُتَّاب.

 نجيب محفوظ  مثلاً، ظلَّ عاملاً مُشتركاً في أغلب قوائم الكُتَّاب بأعماله “الحرافيش” و”الثلاثية” و”الطريق” هو الذي قال عنه الأديب يوسف إدريس: (“تعتبر رواية “الحرافيش” أو “ملحمة الحرافيش” في رأيي عملاً يرقى فوق مستوى العالمية، ويكفي أن يكتب كاتب في حياته عملاً واحداً كـ”ملحمة الحرافيش” ليخلد أبد الدهر).

 إدريس اتفق معظم الكُتَّاب على ريادته لفن القصة القصيرة والدور الخطير الذي لعبه من أجل تطوير أدواتها وعناصرها. وكذلك الأديب يحيى حقي الذي انحاز إلى البساطة والروح الشعبية من خلال لغة متقشفة، إنما متنوعة بمفرداتها وتعبيراتها. وكذلك الأديب عبد الرحمن الشرقاوي الذي كان من الحاضرين بقوة ضمن معظم الترشيحات التي رأت فيه مثالاً للأديب الملتزم بقضايا وطنه وقضاياه، إضافة إلى دوره في تجديد القصيدة العربية. 

لم يغب أيضاً عن الكثير من الترشيحات الأديب توفيق الحكيم ودوره البارز في المسرح العربي الحديث والاتجاه صوب التجديد الفني. أما الشاعر صلاح جاهين، فاحتل مكانة متميّزة عند معظم الكُتَّاب والنقاد الذين رأوا في مربعاته الشعرية نموذجاً متميّزاً في الكتابة الشعرية. وعلى ذِكر الشِعر، فالمتنبي كان حاضراً في معظم الترشيحات وبقي ملهماً بشاعريته ولغته الساحرة.

تمكننا أيضاً ملاحظة اتساع طيف الترشيحات، إذ لم يقتصر الأمر على الأعمال الأدبية فقط، بل صمت القائمة الكثير من الأعمال الفلسفية والتاريخية والنقدية. وبات واضحاً تأثر معظم الكُتَّاب العرب بالأديب الروسي أنطون تشيخوف وإخضاعه تفاصيل الحياة اليومية العادية إلى مساحته الإبداعية الخاصة، لالتقاط خفايا المشاعر الإنسانية والصراعات المتأججة في نفوس الشخصيات. كما احتل مواطنه فيودور دوستويفسكي مكانة مرموقة عند الكثير من الكُتَّاب بأعماله الشهيرة مثل “الشياطين” و”الجريمة والعقاب” و”الإخوة كارامازوف” التي أبرز من خلالها هواجس النفس البشرية وتناقضاتها. وحضر أيضاً الأديب الأميركي إرنست همنغواي الذي عاش حياة صاخبة انعكست على الشخصيات التي رسمها ببراعة وشغف.

لا يستطيع أحدٌ أن ينكر حجم الجهد المبذول في هذا الكتاب الذي يضيء مساحات واسعة من الثقافة الإنسانية. كما أنه عمل يحتاج إلى جهد مؤسسي، لكنّه خرج في النهاية بجهد فرد وحيد! مع ذلك لا يخلو الأمر من بعض الملاحظات، مثلاً أن يوضع مصدر الكلام أسفل كل فقرة مقتبسة لتسهيل الأمور البحثية على القراء والباحثين معاً. أيضاً أن يكون هناك تصنيف لمحتوى الكتاب، بحيث يكون هناك قسم للشعراء وآخر للروائيين وكتاب القصة القصيرة وآخر للنقّاد وما إلى ذلك. 

يُلاحظ أيضاً أن معظم ترشيحات الكُتاب المعاصرين غلب عليها طابع الاستسهال والتسرع. فنجد أن بعض الكُتَّاب أدرجوا مجموعة من الترشيحات بأسماء الكُتب فقط ومؤلفيها دون تفاصيل إضافية قد تفيد القارئ وتوضح له لماذا اختيار هذا الكتاب دون غيره! وكان من الأجدر أيضاً لو ضم الكتاب ترشيحات من قِبل أسماء لامعة في دنيا الأدب مثل: توفيق الحكيم وبهاء طاهر ويحيى الطاهر عبد الله وخيري شلبي ومحمد البساطي وجمال الغيطاني وثروت أباظة، إلى جانب شعراء بارزين مثل: أمل دنقل ومحمد الماغوط وأنسي الحاج وقاسم حدّاد ويوسف الخال وبدر شاكر السيّاب.

   على رغم هذه الملاحظات البسيطة، إلا أن المؤلف بذل جهداً في جمع مادة هذا الكتاب، حيث حاول رسم خارطة واضحة المعالم لأبرز الأعمال الأدبية والنقدية والإنسانية التي قرأها جيل وراء جيل من الأدباء والنقّاد المعروفين في عالمنا العربي.