fbpx

المثليون ودراما “الإرهاب” بديلا “حزب الله” للتعويض عن الأعداء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الروايات الدرامية حول الإرهاب والتحريض على المثليين، هما بدائل الحزب حالياً، لإنتاج أعداء يعوضونه عما خسره. والضحايا، الكثير من أفراد مجتمع الميم والكثير من السوريين الذين يقطنون في مناطق الحزب.  

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يعاني “حزب الله” في لبنان من تراجع قدرته على صناعة الأعداء، لتعبئة جمهوره وضمان تأييدهم له. تطورات الداخل والتفاهمات التي صيغت أخيراً في المنطقة، جعلته يبحث عن أهداف سهلة، مثل المثليين، الذين حرّض عليهم أمين عام الحزب حسن نصرالله، كما دفعه الى إنعاش خطر “الإرهاب” بنسخة رديئة، ظهرت في رواية “انتحاري” حي السلم.

الخطاب التعبوي لـ”المقاومة”، لم يعد يملك أي معادل له في الواقع. في الداخل، وُجهت ضربات متتالية للخصوم، عبر الغزوات الأمنية والاغتيالات والتعطيل وتفريغ المؤسسات من وظيفتها. شعار نزع سلاح الحزب الذي كان يخوّف به الأخير جمهوره، لا يذكر في الحياة السياسية، الى درجة أن أشد الأطراف خصومة مع “المقاومة”، أي “القوات اللبنانية”، لا يتحدثون عن نزع السلاح بل عن منع سقوط الدولة بكاملها في يد حامله وتمييزها عنه بالحدود الدنيا، وذلك على رغم التوترات التي يحدثها السلاح، وآخرها حادثة الكحالة.

في الموازاة، الجبهة مع إسرائيل مضبوطة بتفاهمات ضمنية، يشوبها من حين الى آخر، عمل أمني تجري المسارعة إلى استيعابه من كلا الطرفين، اللذين يطلقان تهديدات هدفها الاستهلاك الإعلامي لجمهورهما حول العودة الى “العصر الحجري”. كما أن اتفاق الترسيم وإشارات البدء بالتنقيب عن الثروات، زادا عاملاً إضافياً الى هدوء هذه الجبهة، وانعدام مصلحة الجميع بإشعالها.  

أما في سوريا، فالعمليات العسكرية انتهت تقريباً، وشعارات حماية أهالي المناطق الحدودية والمزارات الدينية و”ردع الإرهاب” لم تعد لها أي فعالية. وهو ما ينسحب على اليمن، حيث فرض الاتفاق الإيراني – السعودي تبريداً في نبرة الخطاب العدائي لدى وكلاء إيران، إذ لم نعد نسمع في خطابات نصر الله ذلك الهجوم المتكرر على السعودية.

يعاني “حزب الله” في لبنان من تراجع قدرته على صناعة الأعداء، لتعبئة جمهوره وضمان تأييدهم له.

عدو مركزي ومتحرك في آن

هذه العطالة التي تمتد من الداخل اللبناني مروراً بالجبهة مع إسرائيل وسوريا وصولاً إلى اليمن، تضع الحزب في أزمة. فالأعداء لدى الأخير مثل الأوكسجين، لا يستطيع العيش من دونهم. والعدو الذي تشكله “المقاومة” في أذهان جمهورها، مركزي ومتحرك في الآن ذاته. يجب دائماً أن يكون هناك عدو يشعر شيعة لبنان بالخوف منه، عدو يصعب تعيّنه، تتلابس وجوهه وتتداخل، بحيث يصبح الخطر نفسه غير واضح، وتستحيل معالجة أسبابه. فـ”14 آذار”، اتُّهمت بالعمالة لإسرائيل وكذلك جماعات المعارضة السورية، الموصوفة أيضاً داخل ماكينة الحزب الإعلامية بـ”الإرهاب”. هكذا يختلط الإسرائيلي بـ”14 آذار” وبالجيش الحر وبالإرهاب وبالتحالف العربي في اليمن، لينتفي التحديد عن الخطر الذي يحاول الحزب صناعته لدى جمهوره عبر صناعة أوسع هي صناعة العدو. فيتحقق بذلك، غرضان، ديمومة الخطر واستحالة معالجته، ما يمنح الحزب وظيفة الحماية في صفوف جمهوره، لجر الأخير إلى الأجندة الإيرانية التوسعية.

وعليه، فإن التطورات الأخيرة في المنطقة لم تضعف قدرة “المقاومة” على صناعة الأعداء الكلاسيكيين فقط، بل أضعفت قدرتها على التلاعب بهؤلاء الأعداء وتبديل وجوههم لزرع المزيد من الخوف داخل البيئة الشيعية وجعل شعورها بالخطر سائلاً وغير متعيّن.

أزمة الأعداء لدى الحزب مرشّحة لتجعله مكشوفاً أمام جمهوره لناحية المسؤولية عن الانهيار الاقتصادي، وهو ما تبدى في اعتراض مواطن جنوبي قبل أيام على أداء نائبين قبل أن يعود ويعتذر، وفي قرارات للمجلس الشيعي الأعلى تقضي بعزل رجال دين شيعة على تناقض مع الحزب، لا سيما في قضايا الفساد وإدارة الدولة، قبل أن يتدخل رئيس مجلس النواب نبيه بري لاحتواء المسألة، حسب ما صرح أحد المشايخ المعزولين.

عدو سهل من دون كلفة سياسية

هذا الانكشاف دفع الحزب الى البحث سريعاً عن عدو سهل تمثّل بالمثليين. فهؤلاء يحققون هدف “المقاومة” في التعبئة والتحريض من دون أي كلفة سياسية يصعب تحمّلها قياساً بالتسويات التي تحكم مسار المنطقة حالياً. فهم “خطر داهم” و”بلاء”، حسب تعابير نصرالله الذي وسع بخطابه التحريضي ضد مجتمع الميم، صور العدو إلى مجال “الأخلاق” و”القيم”، معوضاً بذلك الأعداء الذين خسرهم في السياسة، وصار من الصعب عليه استخدامهم لأغراض التحشيد.

 لجوء الحزب الى استعداء المثليين يأتي انطلاقاً من أن عودة “المقاومة” الى الحديث عن عدو إسرائيلي سيصطدم بجبهة هادئة لا تعكر صفوها مناوشات مع مزارعين وخيمتين وتصريحات نارية، كذلك الحديث عن خطر داخلي لنزع السلاح سيصطدم بوجود خصوم للحزب أقصى طموحاتهم منع وصول مرشحه لرئاسة الجمهورية. أيضاً في اليمن، لم يعد من معنى لشتم التحالف الدولي وسط التفاهمات الإيرانية – السعودية. والأمر ينسحب على “الإرهاب” والتدخل في سوريا، إذ من المفترض أن “محور الممانعة” انتصر وحقّق أهدافه هناك.

 والأرجح أن الاصطدام بالواقع الذي انتفى فيه العدو، يحوّل صناعة الأخير إلى صناعة ركيكة، وهو ما تسهل ملاحظته برواية “حزب الله” عن “إرهابي” حي السلم الذي “نفذ” تفجيراً قرب منطقة السيدة زينب قرب دمشق، ولجأ إلى معقل “المقاومة” في “الضاحية الجنوبية”، ليداهمه هناك عناصر الحزب، فيرمي بنفسه من الطابق السادس ويموت متأثراً بجراحه.

 الرواية الركيكة التي سارعت مواقع معارضة سورية لتفنيدها، موضحة أن الضحية يعمل في مهنة التبليط ولا علاقة له بأي تنظيم “إرهابي”، تكشف الى أي درجة بات الحزب عاجزاً عن إنتاج رواية “مقنعة” حول أعداء يهددون بيئته، وصارت حاجته ملحة للجوء إلى الدراما، عبر ثنائية مثيرة: اختباء، انتحار، للتأثير في أنصاره. 

في السابق، كان الحزب يصوغ الأحداث على طريقته لينتج الأعداء لبيئته، فيجعل المطالبة بنزع سلاحه في الداخل معادلاً للعمالة لإسرائيل، وانتفاضة شعبية في سوريا تهديداً للمزارات الدينية. الآن، مع انتفاء الخصوم، لم يبق سوى الخيال السينمائي الركيك.

في الخلاصة، الروايات الدرامية حول الإرهاب والتحريض على المثليين، هما بدائل الحزب حالياً، لإنتاج أعداء يعوضونه عما خسره. والضحايا، الكثير من أفراد مجتمع الميم والكثير من السوريين الذين يقطنون في مناطق الحزب.