fbpx

تعايشنا مع “الحرب على المثلية”… لكن أين نذهب بالقلق؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إن فكّرنا جيداً، لا توجد حرب جديدة على المثليين، بل يعيش أفراد مجتمع الميم عين في حرب منذ لحظة اكتشاف هويتهم أو اتجاهاتهم، أولاً حرب مع طرد كل الأفكار المسبقة، وثانياً حرب مع الآخر، وتختلف درجات هذه الحرب في كل مرة يتثقف التقليديون المحافظون قليلاً. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ نحو عام، غادر صديق نعتبره جزءاً من عائلتنا، إلى بلجيكا. 

كان خليل فلسطينياً كويرياً، يعيش في منطقة شعبية في بيروت هي “أرض جلول” (منطقة غير كويرية أبداً)، وأغرم بوضع المكياج وكان يحصل على شعر مستعار من عمّه الذي كان يعمل في H&M، ويضعه وحده في المنزل، فمن هذا الذي يجرؤ على أن يخرج بشعر مستعار في “أرض جلول”؟ 

كان والد خليل يعيش في بلجيكا، ومع هذا لم يتمكن من أن يجتمع به بسبب الفيزا. اضطر خليل الى الجلوس في شنطة على متن قارب لمدة 12 ساعة، ليصل الى والده الذي تبرأ منه لاحقاً. 

أحبّ خليل وضع المكياج (باحترافية تامة)، حتى وجد شباب الحي فيديوهاته على “تيك توك” وبدأت التهديدات، التي كانت كافية لجعله يلجأ إلى بلجيكا، التي لم يذهب إليها للجوء أصلاً، بل ليجتمع بوالده. 

تفاصيل كثيرة في هذه القصة، تركتني في شوق الى صديق شقيقي الذي أمضى وقته في منزلنا منذ أن تعرف عليه في أول سنة ثانوية. هذا كله تركني قلقة من فكرة اللجوء والجلوس في شنطة لمدة 12 ساعة، ومن أن يكتشف شباب الحي هويتنا الحقيقية. كان خليل شجاعاً بالنسبة إلي، هو اليوم في مكان آخر يعبّر عن نفسه، يضع المكياج ويخبرني أنّ في بلجيكا يمكنه أن يضع أظافر طويلة في الصالون.

 مع هذا، ما زالت أوراق خليل عالقة، ولا يوجد أي امتنان لبلجيكا التي رفضته تكراراً لأنّه فلسطيني، وهددته بالترحيل حينما لجأ إليها، ولم تكن مكاناً مثالياً حتى وجد جمعية معنيّة بالأفراد الكويريين. 

معركة خليل قد تكون كويرية، لكنّها طبقية أيضاً، أن تخرج إلى أوروبا على متن قارب ليس بأمرٍ غريب لرجال الحي الذين هددوه. ومع هذا، ننقسم اليوم، فقراء مغايرين، فقراء كويريين، شيعة كويريين، شيعة مغايرين، شيعة أغنياء كويريين، شيعة أغنياء مغايرين، لا أحد يعلم أين هو من هذا كله، ومن أنا وكيف أصبح ما أريد.

خليل فلسطيني كويري فقير، يكرهه المغايرون الفقراء الفلسطينيون، وكأنّه كُتب عليه وعلينا أن ندخل في معركة كل يوم حتى نجد أنفسنا. 

حتى في المعركة الأخيرة مع أمين عام “حزب الله”، حسن نصرالله، الذي صعّد خطابه بشكل عنيف ضد المثليين، اضطر بعض الناشطين الكويريين الى التذكير بأنّ جمعية “حلم” فتحت أبوابها لأهالي الضاحية في حرب تموز/ يوليو 2006. لربما نسوا أنّك أحياناً، وحتى لو كنت شيعياً، قد تكون كويرياً. وحتى لو عشت في الضاحية، هذا لا يعني أنّك لست كويرياً. هذا التقسيم جعلني ضائعة أنا شخصياً، ومع هذا لم يتركني بشيء سوى بقلق دائم. 

تعلمنا كأفراد “شاذين” أن نعيش بسرية تامة، رغم أنّ هذه السرية ليست الأفضل، لكنّها وسيلة للعيش. ولهذا لا تتركنا هذه الحرب الكونية سوى بقلق، لا على أنفسنا، نحن الذين يمكننا أن نختبئ فعلاً وأن نعيش حياة مزدوجة، بل على أفراد لا يملكون الوسيلة ليختبئوا. 

فأين نذهب بقلق القصص التي سمعناها سابقاً، عن أفراد قُتلوا ونحن قريبون من الفكرة؟ وحتى إن لم نُقتل، أين نذهب بقلق أن ننفضح؟ 

وهذا ليس أمراً غريباً، أن نُطرد من المنازل، وأن نهرب من العائلة، وأن يتبرأ منّا والدنا، وأن يهددنا نصرالله بالقتل، هذه الأمور ليست غريبة أو صادمة، بل متوقعة، هي قصص أصدقائنا، وقصص أجدادنا، ونحن في غالبيتنا جاهزون لها، لكن أين نذهب بالقلق؟ 

خليل فلسطيني كويري فقير، يكرهه المغايرون الفقراء الفلسطينيون، وكأنّه كُتب عليه وعلينا أن ندخل في معركة كل يوم حتى نجد أنفسنا. 

قد نسكت، فلا أحد يريد أن يدخل في هذه الحرب ليس لأنّه لا يمكننا، بل لأنّنا في هذه الحرب منذ بداية التاريخ ربما، ونعلم اليوم، أنّ الأمور تمشي رويداً رويداً، وأنّ هناك من سيخوض الحرب ويخرج سالماً، وهناك من لن يخوض أي حرب ويُطرد من المنزل. 

خاض أفراد مجتمع الميم عين حروباً كثيرة. أتذكر أنّني في فترة كورونا، كنت أعمل في شركة، وبالمصادفة كنّا كلنا في الفريق مثليين. خاف منّا المغايرون في المكتب لأنّ فكرة وجودنا ارتبطت بفيروس الـHIV. قلق الجميع من طاولة المثليين\ات، حتى أصيبوا هم بالكورونا قبلنا. كيف علمنا أنّ خوفهم قادم من هذه الفكرة السابقة؟

 عادي! أن تكون مثلياً\ة أو كويرياً\ة أو عابراً\ة، يعني أن تفهم تاريخك، وتاريخنا واضح موجود حتى اليوم، ومطبوع بذاكرة المغايرين، وهذا ليس أمراً نستغربه، بل نعلمه في عقلنا الباطني والواعي. مع تطور علاجات للفيروس، وإمكان العيش معه، ما زال البعض يظن أنّ المثليين ينقلون الأمراض وإلخ إلخ. 

قال نصرالله في أحد خطاباته الأخيرة، إنّ المثلية والمثليين\ة والعابرين\ات خطر. وأيضاً لا شيء مستغرباً هنا. لكن أين نذهب بقلق أنّنا خطر؟ لن أعدّ ما هي الأمور الخطيرة الأخرى الموجودة حولنا، فلا يوجد داعٍ لنبرر هذا ونكرر أنّ الفكرة من خطابات نصرالله وغيره من القادة هي إلهاء المجتمع بأمور لا تخصّه، فالخطر على نصرالله ليس خطراً علينا. والخطر على نصرالله وغيره حتى من المسيحيين المتطرفين و”جنود ربّ”، هو أن يختفي الرجل المغاير ويخسر سلطته. 

بالطبع، لا يكترث نصرالله للقلق الذي أعيشه، فأنا أخطر من قلقي، وأتفهم أنّه يعيش قلقاً أكبر، وهو أن يحتلّنا العالم الغربي بأفكاره وينشر معتقداته (علماً أنّ العالم الغربي ليس مغروماً بالمثليين، وهناك جزء منه يتفق مع نصرالله)، وأن تقصف إسرائيل، وأمور كثيرة في حياته أكبر من قلقي ومما أمرّ به على الصعيد اليومي. 

لا يعاملني نصرالله كفرد مع قصة، بل يراني كرقم كما يرى الجميع، هو يرى أنّ رأيي وقصتي وقصة خليل، غير مهمة.

يمكن نصرالله أن يذهب بقلقه إلى أينما يريد، فهو ليس رقماً مثلي، هو فرد موجود مع قصة وقرار، حتى أنّه في صغري حينما كنت مغايرة في العاشرة من عمري في الضاحية، لم أكن أعلم ماذا يعني قوس قزح، ركضت حول المنزل أحتفل بخطاب البارجة الإسرائيلية. كانت البارجة قلقي ودمّرها نصرالله، رغم أنّني ما زلت أعيش بتروما الحرب حتى اليوم، والتي لم يعالجها أحد، بل تضاعفت مع انفجار المرفأ وتتضاعف مع قلق جديد، وهو أنّني خطر. مع هذا، أين أذهب بالقلق؟ 

سجّلت الكرة الأرضية أعلى نسبة بشر أخيراً (8 مليارات- تشرين الثاني/ نوفمبر 2022)، ومع هذا لا يزال الهوموفوبيون والجماعات المتطرفة واليمين المسيحي، و”حزب الله”، خائفين من أن يصبح العالم كويرياً، وأن تنتشر المثلية ويختفي الرجل. يعيش بعض من أصدقائي المغايرين الخائفين التقليديين الباهتين على “فيسبوك”، قلقاً من أن تدخل المثلية إلى المدارس. لا أعلم ما هذا القلق الذي ابتكروه، وما هذه المشكلة “البيضاء”. 

يتحدثون عن كندا وعن دراغ شو في الولايات المتحدة، ينسون من هم وأين هم على الصعيد العالمي، أشخاص بائسون معظم جهاتهم التعليمية إمّا باهظة الثمن، أو لا تعمل كما يجب. 

يرون أنّ هذا الخطر سيحتلّنا قريباً، وسيضطر أن يواجه الرجال أشخاصاً بهويات مختلفة. إنّه خوف سطحي على كل حال، أن تخاف من أفراد عليهم مواجهة قلق الموت بسبب خوفك. لكن العالم ليس عادلاً وعلينا أن نعيش مع فكرة أنّ السلطة مهما كانت قوية ومسلّحة ومدرّعة، ستخاف من جماعات ليسوا أصلاً قريبين ولو قليلاً من سلطتها، وأكثر ما يمكن أن يفعلوه هو الجلوس في شنطة 12 ساعة ليصلوا إلى مكان آمن.

إن فكّرنا جيداً، لا توجد حرب جديدة على المثليين، بل يعيش أفراد مجتمع الميم عين في حرب منذ لحظة اكتشاف هويتهم أو اتجاهاتهم، أولاً حرب مع طرد كل الأفكار المسبقة، وثانياً حرب مع الآخر، وتختلف درجات هذه الحرب في كل مرة يتثقف التقليديون المحافظون قليلاً. 

أحياناً، أتمنى لو بقوا أغبياء، ولو لم يعلموا ماذا يعني قوس قزح ولو بقوا جاهلين بما يجري، ولو ظلوا على آرائهم المأخوذة من الكتب المقدسة، وآراء مبنية على أفكارهم السابقة السطحية، لو لم يشعروا بالخطر، وبقوا مقتنعين بأنّ العالم بخير والسلطة ما زالت لهم. 

في صغري، تظاهر أولاد الحيّ وأغلقوا الطريق حينما اضطر مزوّد الساتلايت الى إزالة محطة “ديزني” لأيام قليلة، ماذا يفعل الأولاد اليوم، حينما يكون قرار محو “ديزني” آتياً من نصرالله. ماذا يفعلون بهذا القلق؟ لا شيء، فهناك عالم غربي قادم لاحتلالنا، ومرض الشواذ أخطر من ألا تشاهد كارتونك المفضل، و”قوم لوط” مُسحوا ولا شيء أكبر من الدين، لا شيء أكبر من الله، حتى قصتك وتاريخك ورأيك، كفرد يعيش بقلق مزمن من كل شيء حوله.