fbpx

“انتفاضة السويداء والساحل”… مسمار أخير لنعشين 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا خلاص للسوريين من الكابوس الأسدي، وداعميه الجدد، من دون تحقيق حد أدنى من إجماع يتناول كل القضايا موضع الخلاف. أهمها على الإطلاق، ثورة 2011 وموقعها المركزي في الهوية السورية الجديدة، ضحاياها وشهداؤها، والأهم، الأحياء من جمهورها ومن الجمهور المقابل، ذلك الذي دعم النظام يوماً، والآخر الذي وقف على الحياد. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد 12 عاماً من المجزرة المتواصلة، بحق جميع السوريين من دون تمييز، تصبح إباحة الكلام ضرورية. فالكلام هو آخر ما نمتلكه… عرب، سنة، أكراد، علويون، دروز، إسماعيليون، مسيحيون، شيعة، آشوريون وتركمان. وإن أضفنا إلى الصورة أعلاه، أن حق الكلام بأي شكل قد يتضمن أي معنى من المعاني، كان محرماً طيلة العقود الأسدية العجاف، يصبح من الضروري التمسك بهذا الحق، خصوصاً بعد الثمن الهائل الذي دفعه السوريون للوصول إلى مجموعة من الحقوق، يكادون يخسرونها بالكامل للأسف، باستثناء هذا الحق بالكلام، الذي يبدو أن هناك من يريد أن يقف له بالمرصاد، حتى ولو لم يكن مجرماً أسدياً أكثر ما يخيفه في الدنيا هو الكلام نفسه.

في الكلام، هناك نوع من الـ “تعابير” التي غالباً ما تثير حفيظة المتلقي. في الحالة السورية، فإن لكلمة “الطائفة” مفعولاً انفجارياً في معظم الأحيان. مع أن كل السوريين، من دون استثناء، وطيلة عقود الحكم الأسدي، كانوا يتداولون هذه الكلمة بينهم، همساً، مشيرين من خلالها إلى تلك “الطائفة” التي تفردت بمقدرات البلاد كلها، حسب وجهة النظر السائدة، والتي لا تخلو، للإنصاف، من وجاهة بنيت على معطيات خبرها السوريون، على جلودهم، طيلة تلك العقود السوداء.

ومع أن علويي سوريا يأنفون دائماً عن تعريف أنفسهم بصفتهم “طائفة”، هذا من دون ذكر “طائفة حاكمة”، فإن بقية السوريين، من مختلف الطوائف، لم يقصروا بدورهم في التعفف من هذا “الثقل”، أي كونهم أيضاً “طوائف” (باستثناء الأكراد الذين بقوا متمسكين بهويتهم القومية، والتي، وللغرابة، لم يأخذها أي من السوريين، حاكمين ومحكومين، على محمل الجد طيلة عقود كاملة ما قبل انطلاق ثورة 2011). والآن، وبعد كل الذي حدث، صار لا بد لنا أن نسمي الأمور بأسمائها، فقط حتى يكتسب كلامنا معنى واضحاً، ويقود بالنتيجة، التي نرجوها جميعاً، إلى شيء ملموس، حقيقي وليس مجرد شعار يطُلق في الهواء؛ شيء مبني على إجماع وطني سوري، عزّ كثيراً بعد هزيمة ثورة 2011. 

بعد 12 عاماً من المجزرة المتواصلة، بحق جميع السوريين من دون تمييز، تصبح إباحة الكلام ضرورية. فالكلام هو آخر ما نمتلكه… عرب، سنة، أكراد، علويون، دروز، إسماعيليون، مسيحيون، شيعة، آشوريون وتركمان.

عند الحديث عن هذا “الإجماع” المشتهى، فإننا حين نطل على المشهد اليوم، وعشية ما أطلق عليه “انتفاضة الجبل والساحل”، لا بد أن نسمع الكثير من التشكيك، حتى ولو لم نتعمد الإنصات. كتلة كبيرة من “جمهور ثورة 2011” (أي السنة تحديداً) لا يستطيعون الثقة بتلك الانتفاضة الجديدة. ولأن المجال أضيق من استعراض لردود الفعل تلك، والتي باتت معروفة جداً عبر السوشال ميديا السورية، فإنه من الأنسب التوجه مباشرة إلى جوهر المشكلة: في سوريا الآن، وبحسب وجهة النظر التي يحاول المنتفضون أن يقدموها، يوجد معسكران، معسكر المنتفضين ضد الأسد (يفترض أنهم عموم السوريين)، ومعسكر المؤيدين له والذين يريدون لنظامه البقاء (يفترض أنهم من القلة القليلة المستفيدة من بقاء نظامه).

 في هذه المواجهة، يحاول الطرف الأول أن يدق مسماراً أخيراً في نعش هذا النظام الفاسد المتعفن. على الطرف الآخر، فإن الملتفّين حول الأسد يحاولون أن يدقوا هذا المسمار في نعش سوريا نفسها. فأي من الطرفين يمتلك فعلاً مقومات النصر؟ 

من ينظر إلى ما يحدث في سوريا الآن، بصفته مرحلة ما من صراع طويل ضد النظام الاستبدادي، فإنه ببساطة يرتكب خطأ كبيراً. إذ بعد كل هذا الدمار، في البنيان والمجتمع وسبل العيش مع مقوماته المشتركة بين الجميع، يصبح الحديث عن أي “ثورة” أو “انتفاضة” جديدة بمثابة رهان على ما تبقى لنا جميعاً من فكرة، كائنة ما كانت مبهمة، حول سوريا واحدة قد تجمعنا مرة أخرى في يوم من الأيام. هذا بالضبط ما هو على المحك في سوريا الآن. غير هذا، سنكون كمن يتسلّى بالفرجة، أو يريد أن يسجل مواقف يضيفها إلى صفحته على السوشال ميديا، لا أكثر.

من ناحيتي، وبما أنني بدأت مطالباً بإباحة الكلام، بعد هذه التضحيات كلها، فإنني من جهتي أسجل ما يلي: “لا أثق بالتحرك الذي بدأ بالسويداء، أو في الساحل. لدي، وألوف غيري من جمهور ثورة 2011، وأنا لا أدّعي تمثيلهم أو الكلام باسمهم، ولكن ما قرأته حتى الآن وما سمعته وما ناقشته مباشرة مع غيري، يقول بوضوح إن أسئلة كثيرة طرحناها لم نحصل على إجابات شافية عنها حتى اللحظة. لذلك أرجو ألا ألام عندما أقول، أتحدث عن نفسي الآن، بأنني لا أثق بهذا التحرك، لا بدوافعه، ولا بغاياته، ولا حتى بجدارته في إحداث ولو  تغير طفيف في المشهد السياسي السوري، باستثناء، وفيما يخص السويداء تحديداً، ذلك المعبر المباشر مع الأردن، الذي يبدو أن مشيخة العقل هناك مستعدة لبذل الغالي والرخيص للوصول إليه”. 

الرطانة الثقافية السورية المعاصرة، بنزعتها شديدة التطهر، تمنعنا من الحديث عن نوايا، فهذا يقود إلى الكفر الصريح: “نظرية مؤامرة ما لاطية عند مفترق الطريق تنتظر أبله جديداً ليتبناها… “، حسنا… ولكن، إن لم تفلح كل الخيبات التي منينا بها خلال تاريخنا المعاصر كله، ومئات ألوف الضحايا الأبرياء، قبل وخلال وبعد ثورة 2011 (ضحايا مجزرة الكيماوي في الغوطة عينة، المجزرة التي حلت ذكراها العاشرة قبل بضعة أيام من دون أن يلتفت إليها ولو بلافتة يتيمة أي من “ثوار” السويداء أو بلفتة في أي فيديو من فيديوهات “ثوار” الساحل)، إن لم يفلح ذلك كله في إقناعنا بأن هناك فعلاً شيئاً مخفياً، “نية” تجاه ثورة 2011 وجمهورها، لم يتم الإعلان عنها صراحة، فماذا يمكن أن يقنعنا بعد؟!.

الجميع يلعن اتفاق العار الذي كان هو المسخ الوحيد الذي ولد من غضبة المجتمع الدولي، تقوده أميركا أوباما، بسبب استخدام الكيماوي ضد المدنيين الأبرياء في 21 آب/ أغسطس 2013… حسناً، شكراً لتعاطفكم… ولكن أليست هذه بحد ذاتها مؤامرة وبالبنط العريض؟! لم نلبث أن اكتشفنا، وبعد بضعة أسابيع فقط من المجزرة، أنه قد تم بيع سوريا كلها لإيران خلال اجتماعات سرية في عُمان بين الأميركيين والإيرانيين، حتى قبل أن يطلق بشار الأسد أشد أسلحته فتكاً تجاه السوريين. 

وها نحن، وبعد عشرة أعوام من تلك المؤامرة (لا اسم آخر يناسبها)، نعود مرة أخرى لنمنع الناس من الكلام، وعن أكثر مخاوفهم حضوراً وهيمنة على كل شيء، بما فيها مصيرهم الذي صار أشد السواد كلحاً عاجزاً عن التعبير عما يمكن أن يصل إليه. 

هنا، تصبح الصورة أشد تعقيداً من تلك المذكورة أعلاه، إذ إن الطرف الذي يريد دق المسمار الأخير في نعش الأسد ونظامه (الأسد الصغير كالأسد الكبير، لن يغادر الحكم إلا ميتاً بالمناسبة)، ليس طرفاً واحداً، بل هو أطراف عدة، لا يجمعها شيء ملموس حتى الآن سوى بضعة أهازيج لا أكثر! 

لا يمكن إنكار ما يعنيه سقوط النظام الاستبدادي من رمزية هائلة لجميع السوريين من دون استثناء. بل يمكن أيضاً إضافة فائدة عملية ملحة جداً لقطاع كبير جداً منهم: إمكان العودة إلى بلادهم، ولو حتى كزائرين، من دون خوف من إلقاء القبض عليهم. هذا طبعاً من دون ذكر إمكان التواصل المفتوح بين من بنوا لأنفسهم حياة كاملة جديدة في المهاجر (أوروبا وأميركا)، وبين أهلهم وأصدقائهم الذين بقوا في البلاد، وما يعنيه هذا من فوائد حقيقية ملموسة لتحسين أحوال العالقين في سوريا، من دون اعتبارهم رهائن، كما يعاملهم النظام الآن مقتطعاً لنفسه جزءاً كبيراً من مساعدات المغتربين. 

الحق، أن الجميع مستفيدون هنا من دون أي ريب، حتى ولو كان الأسد مجرد موظف عند أسياده الذين حافظوا على بقاء نظامه فوق أنفاسنا جميعاً: الإيرانيون والروس. لكن مع ذلك، تبقى هناك مشكلة كبيرة: من قام بتهجير ثلث الشعب السوري، وقتل مئات الألوف منه، وتدمير البنيان بشكل يكاد يكون كاملاً، هل يمكن ألا يعيد الكرة مرة أخرى لضمان بقاء النظام الذي يمثل مصالحه الآن؟ طبعاً، أتحدث عن الإيرانيين والروس أصحاب القرار الفعلي في سوريا الأسد الآن.

 يكفي التذكير فقط بمصير الثورتين العراقية واللبنانية، لنعرف بالضبط عما نتحدث، فالثائرون في العراق ولبنان كانوا فقط في مواجهة إيران وميليشياتها، فكيف سيصبح حال السوريين وهم يواجهون احتلالاً مزدوجاً، إيرانياً وروسياً على حد سواء؟!

بالعودة إلى حديث “النوايا”، كنت أتحدث مع صديقة عزيزة منذ بضعة أيام، وذكرت لها مخاوفي كاملة، فكانت إجابتها “وين المشكلة إذا كان في حدا بده معبر مع الأردن ليضمن تحسين شروط حياته… وين المشكلة إن في ناس ماتت من القهر بالساحل وصار بدها تخلص من ظلم النظام اللي ضحى بأولادهن ولسه عم يمص دمهم لآخر نقطة؟!، من حق الناس تحكي عن تخوفاتها، ومن حق الكل يحكي كمان عن مصالحه وعن اللي بده ياه… بغير هيك مستحيل نقدر نحكي مع بعض كبشر حقيقيين…”. 

الحق أن إجابتها بقدر ما صدمتني، بقدر ما فتحت أمامي أفقاً لتفكير مختلف من دون “نوايا” مخفية، ومن الجميع تجاه الجميع. 

لا خلاص للسوريين من الكابوس الأسدي، وداعميه الجدد، من دون تحقيق حد أدنى من إجماع يتناول كل القضايا موضع الخلاف. أهمها على الإطلاق، ثورة 2011 وموقعها المركزي في الهوية السورية الجديدة، ضحاياها وشهداؤها، والأهم، الأحياء من جمهورها ومن الجمهور المقابل، ذلك الذي دعم النظام يوماً، والآخر الذي وقف على الحياد. 

من دون كلام صريح وواضح، نحن وحدنا من يمتلك الحق في إباحته وفي قوله، لن نصل إلى أية نتيجة. وهذا يجب أن يبدأ الآن، ومن السؤال عن كل شيء، بدءاً بالعلم واللافتات المرفوعة، وصولاً إلى كل الذين يمكن مخاطبتهم، والذين لهم مصلحة حقيقية في زوال الحكم الأسدي المتهالك (ماذا عن الأكراد السوريين بالمناسبة؟! لمَ هم مستبعدون وكأنهم يقيمون على كوكب آخر؟!). من دون هذا لن نصل إلى أي نتيجة سوى تلك المتعلقة بذلك المسمار الأخير الذي سيُدقّ في نعش وطننا، عوضاً عن نعش الجلاد. ويفضّل أن نقوم بهذا بأنفسنا، أقله لن نمنح لشبيحة الأسد شرف القيام بهذا العمل. 

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 17.05.2024

مدارس “الأونروا” المدمرة مأوى نازحين في خان يونس

على رغم خطورة المكان على حياة أفراد العائلة، بسبب احتمال سقوط بعض الجدارن أو الأسقف على رؤوسهم، قررت العائلة الإقامة في أحد الصفوف الدراسية، وبدأت بتنظيفه وإزالة الحجارة والركام من المساحة المحيطة به، وإصلاح ما يمكن إصلاحه.