fbpx

“مجهول 101”.. مأساة الأطفال مجهولي الهوية في غزة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

خلفت الحرب الاسرائيلية على مدار 13 يوم آلاف القتلى والإصابات وهو ما يضرب بعرض الحائط كل العهود والاتفاقيات والأعراف الدولية والحقوقية الخاصة بسياسة الحروب، وتسبب بكارثة إنسانية ضخمة وصدمات نفسية لا تنسى عند الكبار، فكيف بحياة الأطفال الناجيين دونا عن عائلاتهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

” مجهول 101 ” هي التسمية التي اختيرت لأحد الأطفال الرضع الذي عُثر عليه تحت الأنقاض، دون أن يعرف من أنقذه،  إن كانت عائلته أو أحد والديه على قيد الحياة أو أنهم بين الضحايا. 

سبق هذا المجهول 100  طفل آخر لاقوا نفس المصير داخل مستشفى الشفاء في قطاع غزة، كانت الطواقم الطبيّة بانتظار أحد للتعرف عليه أو أي واحد من المئة قبله، لكن بعد فقدان الأمل، وكثرة الموت، نال الطفل اسم “مجهول” ورقماً.

في الحرب الجارية على القطاع لم يترك القصف الاسرائيلي أي مساحة آمنة حتى للأطفال الرضع، بل على العكس، 70% من القتلى بحسب إحصائيات وزارة الصحة في قطاع غزة من الأطفال والنساء، هذا النهج تسلكه اسرائيل مع الأطفال في عموم فلسطين منذ استعمار البلاد.

خلفت الحرب الاسرائيلية على مدار 13 يوم آلاف القتلى والإصابات وهو ما يضرب بعرض الحائط كل العهود والاتفاقيات والأعراف الدولية والحقوقية الخاصة بسياسة الحروب، وتسبب بكارثة إنسانية ضخمة وصدمات نفسية لا تنسى عند الكبار، فكيف بحياة الأطفال الناجيين دونا عن عائلاتهم، كيف سيكبر هؤلاء بعد كل ما أتت به هذه الحرب؟!.

“مجهول الهوية” إلى حين التعرف عليه

تسلم ذوي الطفل الرضيع من عائلة الكفارنة طفلهم “مجهول الهوية مسبقاً” بعد أن أنقذته طواقم الإسعاف عقب قصف المنزل الذي كانت فيه العائلة، ما أدى إلى مقتل والده وعدد من أشقائه واصابة أمه بجروح متوسطة بالرأس.

الطفل فايز الكفارنة يبلغ من العمر شهرين، نجا من القصف المباشر على المنزل الذي كانت تحتمي به أسرته في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، بعد أن ترك أفراد الأسرة منزلهم الكائن في مدينة بيت حانون أقصى شمال القطاع فراراً من القصف.

عبّر عم الطفل عن فرحته البالغة بالعثور على الرضيع فهو من تبقى لأمه التي ترقد في مستشفى الأندونيسي في الوقت الحالي، لتلقي العلاج عقب إصابتها ومقتل معظم أفراد أسرتها.

كاميرات الصحفيين رصدت مشاهد كثيرة من هذا النوع، فالكفارنة كان محظوظاً بتعرف عمّه عليه، إلا أن البعض الآخر تُرك أمام تخمينات الأهالي عن نسبه وعائلته.

يقول أحمد حجازي أحد الصحفيين المتواجدين داخل مستشفى الشفاء في القطاع، إن العدد تقلص من 101، فبعض هؤلاء الأطفال عُرفت هوياتهم إلا أنه أسرهم قتلت، والبعض الآخر تعرف عليه أحد الأقارب أو العائلة، في حين ما يزال البعض حتى الآن على أسرة العلاج في حالة حرجة وصعبة، ومنهم ما يزال مجهول الهوية.

الأطفال ضحية خطر مُضاعف

لم تعد المستشفيات الملاذ الآمن للأطفال الرضع ممن يتلقون العلاج أو مجهولي الهوية، إذ يطالهم خطر القصف مرات ومرات، فإسرائيل تقصف المستشفيات التي يتحامى فيها المدنيون، وحسب آخر تحديث لوزارة الصحة في غزة فإن إجمالي ضحايا العدوان الإسرائيلي لليوم الثاني عشر على التوالي 3785 قتيل، منهم 1524  طفل، إضافة إلى إصابه 12493 بجراح مختلفة منهم 3983 طفلا، كما خلف العدوان على مدى هذه الأيام نحو 1300 بلاغ عن مفقودين تحت الأنقاض منهم 600 طفل.

قال الناطق باسم وزارة الصحة في قطاع غزة د. أشرف القدرة أن الاحتلال الإسرائيلي  في قصفه المراكز الطبية و”ارتكاب المجزرة التي فاقت الوصف داخل حرم المستشفى المعمداني يوم الثلاثاء  17 أكتوبر/ تشرين الأول هدد بشكل خطير المنظومة الصحية في غزة”.

مدير مستشفى الشفاء الدكتور محمد أبو سلمية، قال أن  بعض الأطفال سجلوا كـ”مجهولي الهوية” لعدم القدرة على التعرف عليهم، أو أن أهلهم قتلوا تحت القصف، مؤكدا أن عددهم يفوق ال 70 أو 80 طفل، وبحسب ما يصل المستشفى فإن 50 إلى 60% من المصابين هم من الأطفال والنساء.

يتابع حديثه مشيراً إلى الحضّانات في المستشفى التي تحوي حوالي 50 طفلا خديجاً أوزانهم تتراوح أوزانهم بين 800غم الى 2500 غرام، وبكل لحظة أو دقيقة يصل للحضّانة أطفال جدد بحاجة للرعاية الصحية والطبية.

يؤكد أبو سليمة أن الأطفال الرُضع مُهددين بالموت في حال انقطعت الكهرباء عن المستشفى أو توقفت المولدات، لأنه لا يمكن أن تعمل الحضانات بدون كهرباء كونها تحوي أجهزة التنفس الاصطناعي، كما بدأت كميات الحليب المخصص للأطفال بالنفاد من المستشفى ومن الأسواق، ولا يمكن الحصول عليه بسبب إغلاق المعابر، بالاضافة إلى شح المياه بسبب وجود ما يزيد على 35 ألف نازح في مرافق المستشفى.

أبعاد نفسية مُحتملة

يقول المختص في الإرشاد السلوكي والنفسي الدكتور حسن الصباريني إن فترة الرضاعة هامة في حياة الطفل لأنها الفترة التي يكتسب فيها الغذاء المناسب لبنائه الجسدي وبنائه العاطفي، كما يجب أن يعيش في بيئة آمنة مستقرة حتى يلقى العناية اللازمة، فأول سنتين من عمر الطفل، هي الأهم، وهي التي تتكوّن فيها بنيته الصحية والنفسية بصورة سليمة.

يقول الصباريني أن ما يحصل الآن له أثر سلبي لا فقط فيما يخص الرعاية وإنما على جميع الجهات، ففي حالات كثيرة يخسر الطفل كل عائلته حتى الأقارب، ما يتركه تحت رعاية منظمات، وهذا الشيء لن يكون كما يجب في ظل الوضع الراهن، وستلتصق بذاكرة الطفل صور مأساوية لا يمكن أن ينساها، فكل أبناء الحروب معرضين للصدمات والأمراض والمتلازمات.

يتابع الصباريني حديثه قائلاً: “مهما تغلب الطفل على صعوبات الحياة يبقى في داخله جرح من الصعب أن يلتئم لأنه لا يعرف أهله، حتى لو رعاه أحد من الأقارب أو منظمة إنسانيّة، سيبقى بداخله ألم يتسبب بمشكلة نفسية، بعض الأطفال قد لا يتحملوا هذه المأساة الكبرى، فالأمر النفسي لديهم قد يتحول لأذى جسدي وأمراض جسدية فمن الممكن أن يفقد النطق أو يصاب بالشلل مثلا”.

نداءات بلا مجيب

مسؤول الإعلام في مكتب اليونيسف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سليم عويس قال إن الوضع في قطاع غزة صعب جدا، وأنه سيكون كارثيا إذا استمر على ما هو عليه، إذ ستنجم عنه كارثة إنسانية في ظل العنف المتواصل منذ أيام.

كما أكد المسؤول الأممي أن التأثير على العائلات والأطفال لا يتمثل في الوفيات والإصابات فحسب، بل في التأثير النفسي أيضا، وتأثرهم بانقطاع الإمدادات، في ظل منع دخول المساعدات إلى قطاع غزة، وقطع المياه والكهرباء.

تدعو اليونيسف إلى وقف فوري لإطلاق النار خصوصاً بعد تحذير إسرائيل لـ 1.1 مليون شخص – نصفهم تقريباً من الأطفال – بالمغادرة قبل ما يُتوقع أن يكون هجومًا بريًا  على غزة، أحد أكثر الأماكن كثافة سكانية في الكوكب، ولكن لا يوجد مكان آمن ليذهب إليه المدنيون.

يبقى السؤال هنا، ما ذنب الأطفال بكل ما خلفته الحرب من قساوة المشهد في نفوسهم وذاكرتهم، وما مصير الرضع الذين ألصقت بهم كلمة “مجهول الهوية” وكأنها تهمة، أو شهادة على ما خلفه عدوان 2023  من مأساة فلسطينية يراقبها العالم الذي يشكك برواية الضحيّة.