fbpx

الرهائن لدى “حماس”… ورقة ضغط أم ضحيّة في سبيل “تطهير” غزّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

إذا كانت اسرائيل قد وافقت على قتل رهائنها في سبيل القضاء على “حماس”، فإن الحكومات الغربية المعنية ستجد نفسها في مأزق حقيقي أمام شعوبها في حال لم تقم بخطوات حقيقية لوقف التصعيد وإيجاد حلول سلمية ودبلوماسية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يظهر أداء حركة “حماس” في الأيام الأخيرة في ملف الأسرى والرهائن، وكأنها تحاول تجاوز مشهد يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر وما خلفه من حملة عالمية ضدها، كون الهجوم لم يقتصر على جنود ومسلّحين بل شمل قتل مدنيين وخطفهم، بينهم أطفال ومسنون. 

هذه الصورة، وعلى رغم الشراسة التي تقصف بها إسرائيل قطاع غزة وحجم الضحايا الكبير بين الفلسطينيين، إلا أن صناع القرار في الغرب ومعهم رأي عام غربي عريض، ما زالوا أسرى مشهد هجوم “حماس” على احتفال ضم مدنيين من جنسيات مختلفة، التقطتهم عدسات كاميرات “حماس” يركضون هلعاً في الصحراء. 

لكن يبدو أن حملة التعاطف المتصاعدة عالمياً بفعل المجازر التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، جعلت الحركة تحاول امتصاص الصدمة التي سببها مشهد 7 تشرين الأول، وتقديم صورة مختلفة لتعاملها مع الرهائن.

كم عدد الرهائن؟

نقطة الغموض  والجدل الأولى في ملف الرهائن، هي عددهم، إذ تقول “حماس” إنها تحتجز أكثر من 200، وهناك ما يقارب الـ50 بأيدي فصائل مختلفة، في حين أن إسرائيل لم تكشف عن عدد ثابت، إذ يتراوح بين 190 و206 رهائن، لكن ما لا اختلاف عليه أن الخطف لم يشمل فقط الجنود، بل هناك مدنيون وأطفال ومسنون. ليسوا كلهم إسرائيليين، بل هناك حوالى 50 رهينة مزدوجي الجنسية من فرنسا وأميركا وغيرهما.

الغموض في عدد الرهائن، قدمت له “حماس” تبريرات عدة، كتدخل فصائل مسلّحة أخرى اختطفت ما وقعت يدها عليه من أشخاص، أو تدخل أفراد بعينهم لا يتبعون لأحد خطفوا إسرائيليين بعد انهيار السياج الفاصل والاحتفاظ بهم من دون دراية “حماس”. أي أنه يمكن افتراض أن أطرافاً غير “كتائب عز الدين”، كـ”الجهاد الإسلامي”، تحتفظ برهائن لا نعلم بعد ما هي مطالبها لإطلاق سراحهم.

ردت إسرائيل على الهجوم بشدّة، إذ لم يتوقف قصف غزّة على رغم تحذيرات “حماس” من أن القصف قد يودي بحياة بعض الرهائن، وهذا ما حصل، إذ صرحت الحركة أن 22 رهينة قُتلوا إثر القصف، بينهم أميركيان، وأيضاً على رغم احتجاجات الأهالي الذين طالبوا حكومة بنيامين نتانياهو بالتركيز على استعادة الرهائن أولاً ثم القضاء على “حماس”.

يبدو أن حملة التعاطف المتصاعدة عالمياً بفعل المجازر التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، جعلت الحركة تحاول امتصاص الصدمة التي سببها مشهد 7 تشرين الأول، وتقديم صورة مختلفة لتعاملها مع الرهائن.

الرهائن… من الحفل إلى التهديد بالقتل

طغت صور رعب الإسرائيليين وخوفهم على التسجيلات الأولى التي بثّتها “حماس” لهجوم طوفان الأقصى، صورة الهاربين من الحفل الموسيقي ترافقت مع صور الرهائن الذين أُخذوا من بيوتهم واقتيد بعضهم في الشوارع، في حادثة لم تشهدها إسرائيل سابقاً، الصورة التي أشعلت الرأي العام العالميّ المتعاطف مع إسرائيل، التي تبنت عبارات من نوع “الدفاع عن نفسها” و”إعادة المخطوفين إلى منازلهم”، والتي أخفت وراءها استهدافاً لغزة بوصفها معقل “حماس”، بغض النظر إن كان الهدف مدنياً أو عسكرياً أو طبياً.

شدة القصف  الإسرائيلي على مدار أيام رافقها تهديد أطلقه الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة ، الذي أعلن فيه “أن كل استهداف لأبناء شعبنا الآمنين في بيوتهم من دون سابق إنذار، سنقابله آسفين بإعدام رهينة من رهائن العدو المدنيين لدينا، وسنبث ذلك مضطرين بالصوت والصورة”.

التهديد السابق دفع إلى مقارنة “حماس” بتنظيم “داعش”، في حين رآه البعض الآخر استهتاراً من حكومة نتانياهو المستعدة لـ”التضحية” بالرهائن في سبيل “القضاء على حماس”، خصوصاً أن صور الأسيرة الإسرائيليّة المدماة أثناء اقتيادها في سيارة من جانب مقاتلي “حماس”، أشعلت الرأي العام العالميّ وساعدت على ربط أسلوب “حماس” في تعاملها مع الرهائن باحتمالات انتهاكات.

إعادة النظر في صورة الرهينة

تلقفت “حماس” ردة الفعل الإسرائيلية والغربية تدريجياً، وبدأت بنشر روايات مختلفة تباعاً على لسان قيادييها، ركزت فيها على ممارسات إسرائيل الوحشية المستمرة على الفلسطينيين عموماً وعلى سكان قطاع غزة بخاصة منذ حصارهم حتى اليوم، والتأكيد على التزام الحركة بـ”عدم قتل المدنيين والأسرى والتنكيل بجثثهم”، بل وكرر بعض مسؤوليها أنهم استهدفوا الجنود والضباط وأن “حماس” لم تخطف المدنيين وتقتلهم.

هذه الرواية تبدو ضعيفة في ظل الصور والفيديوات التي أظهرت عناصر “حماس” في اقتحامهم وفي اقتيادهم الرهائن والأسرى، يقتادون مدنيين بينهم أطفال وليس فقط جنوداً، ولتخفيف وطأتها نشرت “حماس” صور وفيديوات لبعض الأسرى لدى عناصر القسام يظهرون فيها بحالة جيدة، ويحصلون على الطعام والشراب والرعاية الصحية اللازمة، وبثت مشاهد مسجلة أثناء العملية يظهر فيها المسلحون وهم يقومون بالاهتمام بالأطفال وتهدئتهم في الساعات الأولى لاقتحام المستوطنات في غلاف غزة، من ثم أطلقت سراح رهينة إسرائيلية وطفليها في 11 من الشهر الحالي. 

أكدت “حماس” أيضاً، على لسان مسؤول ملف الأسرى لديها زاهر جبارين، أن الحركة لن تستخدم الأسرى المدنيين الموجودين لديها كورقة ضغط على إسرائيل، مؤكداً أنه تم إبلاغ الوسطاء كافة بهذا الأمر، “لكن الظروف اللوجستية على الأرض تحول دون ذلك، وعندما تسمح الظروف الميدانية سنطلق سراحهم من دون قيد أو شرط”.

إطلاق سراح الرهينتين الإسرائيليتين أخيراً، كان محاولة من “حماس” لعرض تعاملها مع الرهائن، ورغبتها في إطلاق سراحهم بشرط إيقاف قصف غزة، دعم ذلك كلام الرهينة يوشيفيد ليفشيتز عن ظروف خطفها، إذ قالت إن ظروف احتجازها كانت صعبة، لكن في المقابل “أكد أفراد كتائب القسام أنهم مسلمون ولن يتعرضوا لنا بالإيذاء”، مشيرة إلى أنها “حصلت على رعاية صحية أثناء احتجازها في غزة”، كما لفتت إلى “أنها كانت تتناول الطعام نفسه الذي يتناوله أفراد القسام”.

موقف “حماس” تغير منذ 7 تشرين الأول، بدأ الأمر بإطلاق سراح الرهائن مقابل 6 آلاف معتقل فلسطيني، ثم التهديد بقتل الرهائن لوقف قصف غزة، وإطلاق سراحهم مقابل وقف إطلاق  النار. 

الأسرى الأجانب

أعلن كلّ من الأرجنتين وفرنسا وهولندا أن لديها مواطنين في عداد المفقودين في إسرائيل، ويرجح أنهم محتجزون في غزة. من جهتها، بررت “حماس” اختطافهم بقولها، إنه تم اقتيادهم أثناء اليوم الأول بسبب “صعوبة التحقق من هوياتهم في المعركة”، إذ اعتُبروا “ضيوفًا” لدى الحركة، و”سيطلق سراح الأسرى الأجانب حينما تسمح الظروف الميدانية”. 

تزامن ذلك مع نشر “حماس” للفيديو الأول لرهينة، وهي الإسرائيلية -الفرنسية ميا شيم”، التي كانت موجودة في الحفل الموسيقي في صحراء النقب، حيث تم احتجاز العدد الأكبر من الرهائن. وقد علق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على هذا الفيديو بالقول، إن فرنسا “على أهبة الاستعداد وتسعى مع شركائها الى الإفراج عن رهائن فرنسيين تحتجزهم حماس”.

كثّفت الدول المعنية جهودها لإيجاد سبل لتحرير مواطنيها، إذ قال الرئيس الأميركي جو بايدن أن “إدارته تبذل أقصى جهد للعثور على الرهائن الأميركيين المحتجزين لدى حماس”، وأرسلت الولايات المتحدة فريقاً صغيراً من قوات العمليات الخاصة إلى إسرائيل للمساعدة في الاستخبارات والتخطيط لأي عمليات لإنقاذ الرهائن في نهاية المطاف. في حين أعلن كل من بريطانيا والأرجنتين الدخول في محادثات مع شركاء في المنطقة لمحاولة المساعدة في تأمين عودة الرهائن.

قد تفتح عملية إطلاق الرهينتين الأميركتين شهية الدول الأخرى في استرجاع رهائنها، لا سيما بعد تصريحات “حماس” المتكررة بأنها جاهزة للإفراج عنهم متى توقفت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

في الوقت ذاته، حُكي عن تبادل للرهائن بين “حماس” وإسرائيل للمرة الأولى في الليلة الثانية من بدء العملية، إذ أعلنت وكالة “شينخوا” الصينية أن مصدراً في “حماس” كشف لها عن وجود وساطة تقودها قطر لإجراء صفقة تبادل أسرى عاجلة بين حركة “حماس” وإسرائيل، تقضي بالإفراج عن النساء الإسرائيليات اللواتي تأسرهن “حماس” مقابل الأسيرات الفلسطينيات في سجون إسرائيل. 

وأشار المصدر الى أن قيادياً في “حماس” أبلغ قطر “عدم ممانعتها” بإجراء الصفقة على أن تضمن الإفراج عن جميع الأسيرات الفلسطينيات البالغ عددهم 36 أسيرة من سجون إسرائيل، فيما نفت الأخيرة مساعيَ كهذه.

“الرهائن مقابل نتنياهو”

استطاعت “حماس”، من خلال ما نشرته حول الرهائن، تمرير رسائل إلى الشارع الإسرائيلي والأطراف المعنية بالضغط على الحكومة الإسرائيلية، فإعلان أسماء اثنين من القتلى الإسرائيليين في القصف على قطاع غزة، وهما الجندي تومير ألون نمرودي، والفنان الإسرائيلي غاي أوليفز، وصولاً إلى الإفراج عن الرهائن السبعة مع تصريحاتهم، وإعلان رغبتها في إطلاق سراح المزيد من المدنيين الإسرائيلين والأجانب من دون مقابل أو قيد، بشرط وقف العدوان على غزة، تزامن مع تحرّك الشارع الإسرائيلي الذي خرج في تظاهرات مطالبة بتأمين الحماية للرهائن عبر وقف إطلاق النار، وتحميل نتانياهو مسؤولية ما يجري لهم، إذ ترددت بين المحتجين عبارة “خذوا نتانياهو وأعيدوا الرهائن”. 

ومن المستبعد أن تكون “حماس” قد أطلقت سراح الرهينتين الأميركيتين من دون شرط، لا سيما أن ذلك تبعه السماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة للمرة الأولى بعد أقل من 24 ساعة، رغم المناشدات العالمية والضغوط التي كانت قائمة منذ أيام عدة في سبيل هذه الخطوة. وكانت اسرائيل قد أعلنت يوم الأربعاء 18 تشرين الأول، عبر مكتب نتانياهو، أنه “عطفاً على طلب الرئيس بايدن، لن تمنع إسرائيل وصول المساعدات الإنسانية من مصر”، مشيرةً إلى أنه سيتم توفير “الغذاء والماء والدواء” للسكان المدنيين فقط، وأنه “لا ينبغي السماح بوصول الإمدادات إلى حماس”.

العملية البرية التي يتحدث عنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، ستشكل خطراً كبيراً على حياة الرهائن، ما سيرفع من المطالب الشعبية الإسرائيلية والغربية لوقفها، ويدفع الحكومات الى اتخاذ قرارات مختلفة لحماية مواطنيها، فإذا كانت اسرائيل قد وافقت على قتل رهائنها في سبيل القضاء على “حماس”، فإن الحكومات الغربية المعنية ستجد نفسها في مأزق حقيقي أمام شعوبها في حال لم تقم بخطوات حقيقية لوقف التصعيد وإيجاد حلول سلمية ودبلوماسية.