fbpx

نصر الله في خطابه…تعبويّ وتبريريّ ويتملّص من ادعاء “وحدة الساحات”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تُستغرب “العقلانية” الفجائية في السلوك العملي لحزب الله حين الحديث عن الاشتباك مع إسرائيل، كونها لم تظهر أثناء انخراطه العميق في قتل السوريين دفاعاً عن نظام الأسد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد صمتٍ لافتٍ وغياب طويل بعدد أيام الحرب الوحشيّة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، وبعد حوالي عشرة آلاف شهيد من فلسطينيي غزة، وتدمير أكثر من مئة ألف بيت، وتشريد أكثر من نصف سكان قطاع غزة من بيوتهم، وبعد حملة إعلامية، أو بالأحرى استعراضية، عالية المستوى، أطل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، من شاشة تلفزيونية، كالعادة، ليقدم خطاباً تعبوياً، غايته الأساسية شدّ عصب مناصريه، وتبرير عدم انخراطه في الحرب.

بيد أن أهم مسألة كشف عنها نصر الله في خطابه هي تخليه عن شعار “وحدة الساحات”، الذي طالما روّج له وبشّر به، مغطياً ذلك بغلافات “عقلانية”، تتعلّق بأن الزمن الراهن ليس زمن الانتصار على إسرائيل (أي ليس زمن التحرير)، إذ برأيه لا يمكن الانتصار على إسرائيل بالضربة القاضية، لأن الانتصار يمكن أيضاً أن يتمثل بالصمود، ويتطلب مقاومة طويلة الأمد بـ”النقاط” وبـ”التدريج”، وهي فكرة صحيحة طبعاً، لكنها غريبة على قاموس نصر الله، وجرى توظيفها هنا فقط لتبرير التملص، أو النأي عن المعركة الجارية.

ليس الغرض هنا محاكمة خطاب نصر الله من زاوية تأييد مشاركة حزب الله أو عدم مشاركته في الحرب الدائرة في غزة، فهذا شأن آخر، وإنما الغرض محاكمة هذا الخطاب من داخل منطق نصر الله ذاته، المتعلق بأن إسرائيل أوهى من بيت العنكبوت، وإنها في الأيام الأولى لحرب غزة تعرضت لهزّة كبيرة، أمنية وسياسية ومعنوية..الخ.

السؤال هنا: لماذا لم يستغل حزب الله، إذاً، تلك الهزة لتوجيه الضربة الماحقة لإسرائيل، التي طالما توعد بها!، والتي أعاد التذكير بها في خطابه متوعداً بأن أي اعتداء أو حماقة أو محاولة ضربة إسرائيلية استباقية ضد حزب الله، أو ضد لبنان، ستواجه برد مُزلزلٍ من حزب الله؟

لماذا لم يستغل حزب الله الهزة التي تسببت بها حماس لتوجيه الضربة الماحقة لإسرائيل، التي طالما توعد بها!، والتي أعاد التذكير بها في خطابه متوعداً بأن أي اعتداء أو حماقة أو محاولة ضربة إسرائيلية استباقية ضد حزب الله، أو ضد لبنان، ستواجه برد مُزلزلٍ من حزب الله؟

بدل ذلك حدد نصر الله في خطابه عاملين يمكن أن يأخذا حزب الله لمنازلة إسرائيل. الأول، هو تطور الأحداث في غزة إلى درجة تضعف المقاومة؛ كأن كل تلك المقتلة وذلك التوحش غير كافيين، أو كأن المنازلة لحظة إضعاف إسرائيل لحماس هي أفضل لحزب الله، من منازلة إسرائيل في ظرف مازالت فيه حماس تواصل “تصديها للاقتحامات الإسرائيلية”!. هذا منطق غريب، لأن حزب الله في خطابات سابقة كان يتوعد بالتدخل في حال ذهبت إسرائيل نحو خيار الاقتحام البري لقطاع غزة، وهذا حصل قبل أيام.

العامل الثاني، فيتعلق بسلوك إسرائيل تجاه لبنان، ما يعني أن حزب الله غير معني بما يحصل مع الفلسطينيين، ولا بطبيعة وجود إسرائيل في المنطقة، على النقيض من كل ادعاءاته السابقة.

في النهاية حدد نصر الله هدفين للانتصار في حرب غزة، الأول، وقف العدوان الإسرائيلي، الذي لم يقف قبل خطاب نصر الله، والذي ربما سيزداد حدة بعد خطاب التخلي هذا. والثاني، هو صمود غزة، ولا يختلف أحد مع هذين، بيد إن ذلك الطرح يأتي هنا كمحاولة للتورية والمخاتلة، للتملص من الخطابات والادعاءات السابقة ولتبريرها.

عموما فإن المشكلة مع حزب الله تنبثق من واقعه كحزب طائفي مسلح، وباعتباره يشتغل كذراع إقليمية لإيران في لبنان وسوريا والعراق، أي أن حزب الله بمثابة رصيد للأمن القومي الإيراني في بلدان المشرق العربي، ولا يمكن أن يتصرف أو يقاتل، إلا في حال تم تهديد إيران، أو في حال تم تهديده في لبنان، أو حين تطلب منه إيران التدخل، كما حصل في سوريا.

 لذا تُستغرب تلك “العقلانية” الفجائية، في السلوك العملي لحزب الله، في وقت لا يُظهر مثلها في انخراطه العميق  في قتل السوريين دفاعاً عن نظام الأسد.

أيضا، يكشف هذا الموقف، أو هذا الخطاب، هشاشة مكانة حزب الله كـ”حزب مقاومة”، فهذه المكانة بالكاد يمكن ملاحظتها بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام (2000)، إذا استدارت بندقية حزب الله إلى الداخل اللبناني وثم نحو السوريين منذ 23 عاماً، باستثناء لحظة خطف الجنديين الإسرائيليين عام (2006)، التي استدرجت ردة فعل إسرائيلية وحشية ومدمرة، ضد لبنان، نجم عنها مقتل 1200 لبناني، ودمار بنى تحتية ومئة ألف بيت، ما اضطر نصر الله وقتها للاعتذار.

من جهة أخرى، كرس نصر الله وقتاً طويلاً لتبرئة صفحة النظام الإيراني، الذي يُهيمن على عدة عواصم عربية (بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء)  عبر ميلشيات طائفية مسلحة، نجم عنها تصديع بنى الدولة والمجتمع في تلك البلدان، وتخريب نسيجها الاجتماعي بإثارة النزعة الطائفية (سنة وشيعة)، التي لم تظهر سابقاً بقدر ما ظهرت كنتيجة لسياسات نظام “الولي الفقيه” في إيران، وبفضل الميلشيات التي دعمتها في تلك البلدان، والتي جاء نصر الله ليبيض صفحتها، متناسياً ما فعلته في العراق وسوريا، من طرد اللاجئين الفلسطينيين  من العراق منذ عقدين، والمساهمة في استهداف مخيمات الفلسطينيين في سوريا. 

هل ادعاء مقاومة إسرائيل، وهي غائبة، يُبرر أو يُحلل، لحزب الله قتل السوريين؟ وهل تخريب إيران بنى الدولة والمجتمع في سوريا والعراق ولبنان، يضر أو يضعف،سرائيل، أم يخدمها ويقويها؟

الواضح أن هناك وهمٌ عند البعض بحزب الله، إثر عدم رؤية السياق الذي يشتغل به، والتغاضي عن طبيعته وتوظيفاته ومواقفه وارتهاناته، خصوصاً دوره في الدفاع عن أنظمة الفساد والاستبداد والطائفية في المشرق العربي في سوريا والعراق ولبنان، والسؤال هنا موجه لأولئك البعض، ما الحكم الديني والأخلاقي والسياسي لقتل السوريين؟. وهل ادعاء مقاومة إسرائيل، وهي غائبة، يُبرر أو يُحلل، لحزب الله قتل السوريين؟ وهل تخريب إيران بنى الدولة والمجتمع في سوريا والعراق ولبنان، يضر أو يضعف،سرائيل، أم يخدمها ويقويها؟

عموما ما جاء في الخطاب لم يكن مفاجئا، سوى للمتوهمين، فكل الإشارات الصادرة عن قيادات النظام الإيراني كانت تشي بنفي أي علاقة لإيران بما يجري في غزة، وبالدعوة لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وباستعدادها للتدخل للإفراج عن الأسرى، وذلك في إطار محاولتها توظيف تلك المعركة لتعزيز مكانتها الإقليمية، وللمساومة على تعزيز دورها في مقابل الأطراف الإقليميين والدوليين الآخرين.