fbpx

كيف يتابع الغزيّون العالقون في مصر أحوال عائلاتهم في القطاع المحاصر؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“زوجتي وأطفالي الثمانية موجودون في منزلنا في خان يونس إلى الآن، بالإضافة إلى 9 عائلات من شمال القطاع من الأنسباء والمعارف الذين تركوا منازلهم واضطروا للخروج من شمال غزة ووسطها، نحاول مساعدتهم بأي طريقة ولكن أمورهم صعبة جداً”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تتواصل الحرب الإسرائيلية على غزة، ويزداد استهداف مراكز إيواء النازحين والممرات الآمنة والمنازل. في القطاع حيث لا مكان آمن، تشتد قساوة الظروف التي يختبرها المواطنون مع انعدام أساسيات الحياة، بعضهم اشتاق الى شرب ماء نظيف، وآخر اشتاق الى الاستحمام، وبعضهم لا يملك سوى “البسكوت” لسد جوعه. تابعنا في هذا التقرير، ظروف مواطنين غزيين علقوا في مصر بعد اندلاع الحرب ولم يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم وأطفالهم.

التغطية الإخباريّة مصدر اطمئنان

“فقدت الاتصال المباشر مع أولادي لمدّة أسبوعين، وفي أول اتصال معهم قال لي ابني  بابا أنا جعان وإلي 3 أيام باكل بسكوت وما عرفت شو أرد عليه”، هذه كلمات طلال أبو ركبة الذي لم يتوقع أن يتحول يوم مناقشته رسالة الدكتوراه في تونس، إلى يوم أخبار عاجلة وقرارات سريعة!

قطع طلال أبو ركبة رحلته إلى تونس التي كان سيغادر منها إلى إسبانيا لحضور مؤتمر، وعاد سريعاً إلى مصر استعداداً للعودة إلى قطاع غزة عبر معبر رفح البرّي، ليكون مع عائلته وأولاده، لكنّ الحرب سبقته وأغلق المعبر.

طلال أبٌ لخمسة أبناء، أكبرهم 19 عاماً وأصغرهم 7 أعوام، يعيش في عمارة سكنية مع بقية عائلته (والداه وأشقاؤه) كل منهم في شقة، في مخيم جباليا شمال القطاع. وبمجرد اندلاع الحرب، تعرضت المنطقة السكنية التي يعيشون فيها والواقعة شرق السكة في تل الزعتر، لحزام ناري، وتشتّت العائلة.

رفض والداه النزوح من منزلهما، ما اضطر اثنين من إخوته للبقاء معهما، أما البقية فنزحوا الى الجنوب ومعهم زوجة طلال وأولاده الذين يوجدون الآن في النصيرات.

يقول طلال في حديث لـ “درج”: “الاتصالُ صعب جدّاً، وأضطر أحياناً للتواصل مع أحد أصدقائي أو معارفي ليطمئنني على عائلتي عندما أفقد الاتصال بهم. الاتصال الهاتفي مقطوع غالباً، وأتمكن من التواصل عن طريق تطبيقَي “واتسآب” و”ماسنجر” عندما تكون خدمات الإنترنت متاحة. لم أتمكن من إجراء مكالمة فيديو مع أولادي طوال عشرين يوماً، وعندما نجحت بمحادثتهم طلبوا مني عدم العودة إلى غزة بل أخذهم إلى مصر حيث أنا موجود لإبعادهم عن القصف”.

يمرُّ الوقتُ ثقيلاً على طلال بين شاشة التلفاز وشاشة الهاتف، وعندما ينقطع الاتصال مع عائلته ويرد خبر على القنوات الإخبارية يفيد بقصف مناطق بالشمال مثلاً، يجلس منتظراً عرض صور أو فيديوات من المنطقة ليحدد إن كانت المنطقة التي يسكن فيها والده أو معارفه، ويبقى في حالة ترقّب وتوتر طوال اليوم.

ابنة طلال قالت له في اتصال، إنها تحلم بالاستحمام، ولا توجد مياه، لكنه تمكن من توفير مياه معدنية عن طريق أحد أصدقائه، علماً أن عائلته أمضت أكثر من 15 يوماً تشرب مياهاً مالحة.

لم يتواصل مع طلال أحد من  الجهات الرسمية، مع أنه سجل اسمه ورقمه بعد إعلان صدر عن السفارة الفلسطينية في القاهرة موجّه الى العالقين الذين يودون العودة، لكنّ لم يتواصل أحد سواء سلباً أو إيجاباً حول موعد عودتهم إلى القطاع.

40 دقيقة فقط فصلتها عن أطفالها 

تغريد العمور، مراسلة فلسطين الرياضية، خرجت من قطاع غزة يوم 18 أيلول/ سبتمبر لمدة 20 يوماً فقط، على أمل الرجوع في 10 تشرين الأول/ أكتوبر إلى القطاع، لكنها لم تتمكن من العودة لاحتضان أطفالها ورؤيتهم، ولا تزال موجودة في مصر.

 تقول تغريد لـ “درج”: “خرجت مع البعثة الإعلامية لتغطية دورة الألعاب الآسيوية التي انطلقت في 23 أيلول واستمرت حتى 8 تشرين الأو  في دولة الصين. في 20 أيلول، وصلنا وانخرطنا في التغطية وكنت متحمسة جداً كون هذا الحدث ضخماً جداً على مستوى آسيا”.

عادت العمور إلى القاهرة في 10 تشرين الأول، وكان معبر رفح يعمل والأبواب لا تزال مفتوحة أمام العائدين إلى قطاع غزة، ولكن قبل وصولها استهدفت قوات الاحتلال الصالة الفلسطينية للمعبر، “كانت تفصلني عن دخولي إلى القطاع 40 دقيقة فقط”. 

تضيف: “بقيت في منطقة العريش 23 يوماً، وتواصلت معنا السفارة الفلسطينية فوراً  لتعبئة بيانات العالقين والراغبين في العودة الى قطاع غزة. ولكن عندما طالت الفترة الزمنية، قررت العودة إلى القاهرة والمكوث إلى جانب والدتي التي كانت أيضاً في السعودية لأداء مناسك العمرة، والتي علقت بدورها ولم تتمكن من العودة الى القطاع،  وكونها مريضة سرطان قررت العودة والمكوث إلى جانبها لرعايتها”.

تتبع تغريد لـ “درج”، هذه ليست المرة الأولى التي أكون فيها خارج القطاع، لكن هذه المرة الحدث أكبر من أن نتوقعه أو نتخليه، والمخيف هو استمرار انقطاع الاتصالات.  أحياناً، ألجأ الى أخي الموجود في مدينة رام الله ليتواصل هاتفياً مع أطفالي وزوجي ويعود ويطمئنني عنهم. للأسف لا إنترنت ولا اتصالات، المحاولة رقم 200 حتى يمسك الخط ويعود فوراً ليطمئني عنهم”.

تغريد أم لطفلين: ريتال (14 سنة) وجاسم (12 سنة)، “مرت عليهم أربع حروب، ولكن هذه المرة الأولى التي لا أكون موجودة معهم، وكذلك المرة الأولى التي يضطر أبنائي لمغادرة منزلنا  قسراً، بسبب استهداف منطقة قريبة جداً منه، لذلك طلبت منهم فوراً الذهاب الى منزل عائلتي، ليعودوا مرة أخرى وينزحوا برفقة خالتهم إلى مكان آخر. خرجوا من المنزل  فارغي الأيدي من دون ملابس ومن دون شيء. نقول لأطفالنا: سنخرج الآن ونعود بالتأكيد”.

تؤكد تغريد، “صعبة صعبة، هذه المرة عاشوا أهوال الحرب من دون أم وأب، والدهم بقي في الشمال لظروف عمله، وأنا عالقة في القاهرة ولا يمكنني العودة، أنا عاجزة جداً، لا يمكنني احتضان أطفالي وإغلاق آذانهم، أطفالي سمعوا ورأوا بأعينهم الجثث والموتى من دون أن أكون بجانبهم. ومن أصعب اللحظات لما بحكولي المي الحلوة خلصت الخبز خلص، اذا ما رح يموتوا بصاروخ رح يموتوا من الجوع أو العطش، أو حتى الخوف من تفشي الأوبئة بالقطاع ونفاد كميات كبيرة من الأدوية”.

تردف تغريد، “كل ما بحكي معاهم بقلهم أنتو قد المسؤولية أنا بركن عليكم كونوا مع بعض، أول ما يصير استهداف بعيد أو قريب على طول انزلوا على الأرض ونادوا على بعض، وإذا صار وتفرقتوا على طول ابحثوا عن بعض انتو مثلا موجودين في المنطقة الوسطى روحوا على مستشفى شهداء الأقصى، أنا بحاول احضرهم للسيناريو الأسوأ عشان ما ينصدموا، وأحياناً أخرى بحكيلهم كيف كنا انت يا ريتال حصلتي على بطولتين ضلك فكري أنه انت رح ترجعي تتمرني وترجعي تلعبي كرة قدم، ولجاسم ما تنسى يا ماما أنت كنت بتحب كتبك وأنت الأوائل على الصف لسا من جديد انا سجلت عشان تكون حارس مرمى، بحاول اذكرهم بالذكريات الي كانت قبل الحرب عشان ما يضلهم عايشين أجواء الحرب عشان أخفف عنهم شوي”.

وشير تغريد إلى أن معظم العالقين في منطقة العريش والقاهرة كانوا في أداء مهمة عمل أو للعلاج، “كأي إنسان طبيعي لم يخطر لنا أن نكون أفراداً في دولة مجاورة، وننظر الى انعدام المياه والكهرباء والطعام، ونموت يومياً مليون مرة حتى نقدر نطمن على عائلاتنا”.

مرارة الذهاب والعودة المعلقة

الكاتب ناصر عطاالله  توجّه في السادس من أيلول من القطاع الى القاهرة، وانتظر لمدة 22 يوماً حتى يحصل على موافقة السلطات السورية للسفر إلى دمشق لحضور انتخابات الكتاب والأدباء الفلسطينيين- فرع دمشق.

يقول عطاالله، “بعد يومين من الحرب، انتهى المؤتمر وحان موعد عودتي الى القاهرة، لكن قُصف مطار دمشق في 29 تشرين الأول، فتعذرت علي العودة إلى القاهرة بسبب خروج المطار عن الخدمة. اضطررت للانتظار أسبوعين ثم تكرر قصف مطار دمشق، وبعد مساعدات وواسطات كثيرة تمكنت من السفر إلى الأردن ومُنحت إذن لمدة 24 ساعة حتى أعود إلى مصر على أمل العودة إلى القطاع.  لحسن حظي، تمكنت من رؤية أختي الموجودة في الأردن خلال هذه الساعات، والتي لم أتمكن من رؤيتها منذ 21 سنة”. ساعات قليلة لكنها ساعات إنسانية حميمة ورائعة جداً حسب ما وصف عطاالله لـ “درج”.

يضيف عطاالله، “أنا الآن في القاهرة، استأجرت شقة صغيرة حسب إمكاناتي التي لغاية الآن تكفيني، كوني لم أتوقع أنني سأمكث هذه الفترة خارج القطاع”، يتابع قائلاً: “أتامل أن تتدخل السفارة الفلسطينية وتحاول تسهيل عودتنا الى القطاع. الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين ساعدني في تغطية بعض التكاليف كوني دُعيت إلى مؤتمر على نفقة الصندوق القومي الفلسطيني، ولكن الآن أركز على كيفية تأمين كيس طحين لأهلي في القطاع”.

يختم عطاالله، “زوجتي وأطفالي الثمانية موجودون في منزلنا في خان يونس إلى الآن، بالإضافة إلى 9 عائلات من شمال القطاع من الأنسباء والمعارف الذين تركوا منازلهم واضطروا للخروج من شمال غزة ووسطها، نحاول مساعدتهم بأي طريقة ولكن أمورهم صعبة جداً”.

يُذكر أن سفارة دولة فلسطين لدى مصر نشرت تنويهاً عبر صفحتها على موقع “فيسبوك” في تاريخ 12 تشرين الثاني، موجهاً الى المواطنين الفلسطينيين الراغبين في العودة إلى القطاع . ودعت السفارة المواطنين الى ضرورة تسجيل بياناتهم كصورة عن جواز السفر وختم الدخول إلى مصر، وذلك عبر تطبيق “واتسآب”.

فيما أشارت تقديرات إلى أن عدد العالقين الفلسطينيين في شمال سيناء يتراوح بين 300 و400 شخص. وأفادت الأجهزة التنفيذية في محافظة شمال سيناء، بأنها حصرت ما يزيد عن 200 شخص منهم، ووفّرت وحدات سكنية لعدد من الأسر ممن كانوا يقيمون في فنادق متواضعة، تتضمن أثاثاً ووجبات غذائية يومية تساهم في تمويلها جمعيات أهلية مصرية.