fbpx

شهادات الاعتقال والتعذيب في السجون الإسرائيليّة (2)… أيمن لبد المُعتقل رقم 059775

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يجمع  الكاتب مصطفى ابراهيم، النازح في رفح من قطاع غزة، شهادات أشخاص اعتقلهم الجيش الإسرائيليّ وقام بإذلالهم، أشباه العراة الذين لم يُعرف عنهم خبر الى حين إطلاق سراحهم،  يصفون ما شهدوه في رحلة الإذلال التي اختبروها منذ اعتقالهم حتى إطلاق سراحهم. هنا حكاية أيمن لبد، الذي يعمل في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ما زالت صور اعتقال الفلسطينيين وإذلالهم في قطاع غزة تُتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان وقوانين الحرب، تبرّره إسرائيل بشبهة “الانتماء الى حماس”، لتقود المعتقلين إلى معسكرات اعتقال مجهولة، يختبرون فيها أنواع التعذيب والإذلال حسب التقارير الصحافيّة، ناهيك بموت بعضهم.

لا يستطيع المعتقلون التواصل مع العالم الخارجي، إذ تمنع إدارة السجون دخول المنظمات الدولية والمحامين وأقرباء المعتقلين، ليكون مصدر الشهادة الوحيد، المعتقلين الذين أُفرج عنهم. ناهيك بتفعيل ما يسمى “قانون المقاتل غير الشرعي”، الذي يتيح إصدار أمر باحتجاز “المقاتل غير شرعي” لمدة 45 يوماً بدلاً من 7 أيام، وأن تتم المراجعة القضائية خلال 75 يوماً بدلاً من 14 يوماً، ومنع المعتقلين من لقاء محاميهم لمدة 180 يوماً. 

الشهادة التالية وثّقها الكاتب والناشط الحقوقي مصطفى ابراهيم، كُتبت كلها بضمير المتكلم، وتم تحريرها وإعادة ترتيب الضمائر للضرورة الصحافية، كل ما ورد فيها من وصف وتفسيرات وإحالات وأحداث، يعود الى أيمن لبد.

أيمن لبد (30 سنة)، متزوج ولديه ثلاثة أطفال، من سكان شمال قطاع غزة، ويعمل في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان. كان يسكن في مدينة غزة، وعند اندلاع الحرب اتّجه نحو منزل عائلته في بيت لاهيا.

 في 7 كانون الأول/ ديسمبر 2023، نحو الساعة 10:00 صباحاً، سمع أيمن عبر مكبرات الصوت، الجيش الإسرائيليّ يأمر سكان الحي بالخروج من منازلهم إلى الشارع وتسليم أنفسهم.

 أمروا  النساء والمسنين بالذهاب إلى مستشفى كمال عدوان في مشروع بيت لاهيا، أما الرجال والصبية الذين لا تتجاوز أعمارهم الـ 14 عاماً، فأُمروا بخلع ملابسهم والركوع على ركبهم في الشارع.

أثناء ذلك، أطلق الجنود النار على محمد الكحلوت، ما أدى إلى إصابته في يده، صوّر بعدها الجنود المعتقلين “بشكل غير لائق  إنسانياً”. 

يقول أيمن، “كنا نصف عراة، وأجبروا عدداً منا على الرقص، كما أحرقوا أمام أعيننا منازل عائلات المقيد والمهدي والكحلوت وسرور”.

المعتقل رقم 059775 

ظُهر ذات اليوم، نُقل أيمن ومن معه إلى منطقة “زيكيم” بجانب البحر، حيث مكثوا هناك حتى وقت متأخر من الليل. علم أيمن لاحقاً أنه أُطلق سراح بعض المعتقلين حينها. أما الباقون فنُقلوا إلى قاعدة “أوفيكيم” العسكرية، مقيدي  الأيدي ومعصوبي الأعين.

يقول أيمن إنه بمجرد وصولهم إلى القاعدة العسكرية،  أعطي الرقم 059775، وعُرض على أحد المحققين لتقديم معلوماته الشخصية، وعندما علم المحقق أنه يعمل في منظمة لحقوق الإنسان، قال مهدداً: “سأعلمك حقوقك جيداً في السجن”.

في وقت لاحق، نُقل المعتقلون  إلى مركز احتجاز مخصص للمعتقلين في غزة، محاط  بأسلاك شائكة، وفيه نقطتا حراسة مرتفعتان لتمركز الجنود. كان عدد المعتقلين  ما بين 500 إلى 700 معتقل، وفي كل المكان حمام واحد.

كان الجنود الإسرائيليون يعتدون على المعتقلين بالضرب بشكل يومي منذ الساعة الخامسة صباحاً وحتى منتصف الليل. وأُجبر أيمن والمعتقلون على الجلوس على ركبهم، وإذا حاول أي شخص أن يتحرك أو يرفع العُصبة عن عينيه كان الجنود يعتدون عليه بالضرب، أو يخضع لعقاب قاس بإجباره على الوقوف مع رفع يديه فوق رأسه لأكثر من ثلاث ساعات. 

المحقق الذي نسي أدويته

لاحقاً، نُقل أيمن مع مجموعة من المعتقلين إلى سجن عسكري، لا يعرف أيمن  أي معلومات عنه. كان ومن معه يسمعون الطائرات من دون طيار وهي تنطلق أو تهبط في المعسكر.

يقول أيمن، “أثناء نقلي، تعرضت للضرب مراراً على يد الجنود الإسرائيليين من دون أي سبب. كانوا يضربونني باستمرار على قفصي الصدري، لم أستطع النوم لمدة ليلتين من شدة الألم”.

يوم الاثنين 11 كانون الأول، نُقل أيمن إلى مركز احتجاز جديد، كان أفضل من المكانين السابقين. احتُجز ومن معه من دون وضع قيود على اليدين أو عصبة على  العينين. يتابع أيمن، “تمكنا من الحركة والنوم من دون اعتداء أو اعتراض  من الجنود. وعلمت لاحقاً من بعض المعتقلين أننا كنا في مكان يقع في جبل المكبر بالقدس”.

قبل الظهر من اليوم نفسه، استُدعي أيمن للتحقيق، الذي استمر متواصلاً حتى الساعة 10 مساءً. سجّل المحقق بيانات أيمن الشخصية وبدأ التحقيق معه قائلاً: “أنا مريض نفسي وتوقفت عن تناول الأدوية”.

“لكلّ كلب يومه”

طلب المحقق من أيمن أن يخبره بجميع المعلومات التي لديه عن أعضاء حماس والجهاد الإسلامي. وسأله عن عمله في المركز، وطلب رأيه في ما حدث يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وقال إنهم سيبدأون بمعاملة أهل غزة “مثل الكلاب”.

سأل المحقق أيمن عن أقاربه وعلاقتهم بحماس، فأخبره أيمن بأنه لا يعرف عن أقاربه شيئاً، مضيفاً: “أنا شخص غير اجتماعي ولا علاقة لي مع  هؤلاء الأفراد من  العائلة”، فهدده المحقق وشتمه وضربه على وجهه غاضباً، لأن إجابات أيمن لم تعجبه.

استمر المحقق في الضغط على أيمن وتكرار الأسئلة نفسها، طالباً منه أن يتذكر. يشير أيمن: “كان يخرج من الغرفة من ثم يدخل مجدداً. وفي كل مرة، كان يضع العصبة على عيني”. وفي المرة الأخيرة التي عاد فيها الى الغرفة، سأل أيمن  الأسئلة نفسها، فكرر الأخير الإجابات ذاتها: “لا يوجد لدي أي معلومات أو تفاصيل عن أي شيء”. 

بعد انتهاء التحقيق، وقف المحقق أمام أيمن بعصبية وغضب، ووضع العصبة على عينيه وأخرجه بعنف من الغرفة. يضيف أيمن، “أجبرني على الجلوس في الخارج في البرد الشديد نحو ساعة، والركوع على ركبتي معصوب العينين. لم أتحمل البرد القارس”. يتابع أيمن أنه تعرض للضرب من الجنود الذين كرروا عبارة: “لكل كلب يومه”.

معتقلون عمّال ونازحون 

أثناء وجود أيمن في الساحة، كان يسمع صراخ المعتقلين حين تعرّضهم للتعذيب والضرب الشديد، وخاف أن يتعرض للتعذيب والضرب، هو الذي لا يستطيع تحملّه. وبعد نحو ساعة، حضر عدد من الجنود وأعادوه إلى غرفة الاعتقال. 

خلال الاعتقال، كان مع أيمن عدد كبير من العمال من غزة، اعتُقلوا في إسرائيل بعد 7 تشرين الأول، وعدد آخر من الذين اعتُقلوا على طريق صلاح الدين أثناء نزوحهم من غزة وشمالها  إلى جنوبها. وعلم أيمن أنه تم احتجاز معظم المعتقلين لمدة تتراوح بين 30 إلى 40 يوماً.

بعد منتصف ليلة الأربعاء 13 كانون الأول 2023، أيقظ الجنود أيمن ومن معه  من  النوم، فلاحظ أن الجنود يحملون صندوقاً فيه قيود، تبين أن فيه حاجاتهم الشخصية. وفي الأثناء، شاهد أيمن باصات مدنية، فعرف ومن معه أنه سيُطلق سراحهم. وفعلاً، تم نقلهم إلى الباصات، وربط الجنود القيود بأيديهم وأرجلهم، كما  ربط كل اثنين من المعتقلين معاً.

وفي يوم الخميس 14/12/2023، في نحو الساعة 12:00 ظهراً، تحركت الباصات من معسكر الاعتقال، ووصل أيمن ومن معه إلى معبر كرم أبو سالم، شرق مدينة رفح، نحو الساعة 5:00 . 

قص الجنود القيود من أيدي المعتقلين وأرجلهم، وأنزلوهم من الباص آمرين إياهم بالسير باتجاه الجانب الفلسطيني. لم يكن مع أيمن حينها سوى هويته الشخصيّة. 

اتصل أيمن بأفراد من عائلته بقوا في منطقة بيت لاهيا، ليبلغهم بإطلاق سراحه، وليعلم في الوقت ذاته أن أقاربه نزحوا إلى رفح، التي توجه إليها للبحث عنهم.

أيمن الآن نازح في رفح عند أقاربه، وبقيت عائلته وزوجته وأولاده الثلاثة في مشروع بيت لاهيا.