fbpx

“تبليط” الهرم الأصغر… عبث بالآثار أم فرصة استثماريّة للقوات المسلّحة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“فكرة إعادة كساء الهرم بالأحجار التي سقطت منه في ذاتها يمكن أن تكون مقبولة بشرط أن يكون الاعتماد بصورة كاملة على هذه الأحجار الموجودة في محيطه من دون أي إضافة لأحجار أخرى مستحدثة لا تنتمي الى الهرم… لكن السؤال هنا: هل ستكفي هذه الأحجار لكساء الهرم بكامله أم أنه سيتم كساء جزء، ويبقى الباقي على حاله الأصلي، وكيف ستكون الصورة النهائية في هذه الحالة؟”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أعلن مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، يوم 25 كانون الثاني/ يناير الماضي، في منشور على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، عما أسماه “مشروع القرن وإعادة تركيب البلوكات الغرانيتية للهرم الثالث، البعثة المصرية – اليابانية.” وظهر وزيري في مقطع فيديو وسط عمال يحفرون أسفل هرم منقاورع ، شارحاً طبيعة المشروع الذي سيستغرق ثلاث سنوات حسب قوله. 

تصريحات وزيري تشير إلى أن المشروع سيتم على ثلاث مراحل، تبدأ بالدراسة، ثم رفع مساحي و laser scan، وأخيراً إعادة تركيب الكتل الغرانيتية التي تمثل الكساء الخارجي للهرم. وظهر في مقطع فيديو ثانٍ في المنشور نفسه، بجوار رئيس البعثة اليابانية “ساكوجي يوشيمورا” الذي يعمل في مصر منذ أكثر من خمسين عاماً.

فور إعلان المشروع، انطلقت موجة من السخرية الممزوجة بالغضب بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، إذ شارك أحدهم صورة لبرج بيزا المائل معلقاً: “مشروع إعادة برج بيزا إلى وضعه القائم”، وسخر آخرون من المشروع الذي أسموه “تمحير وتبليط هرم منقاورع ” وعشرات من التعليقات الأخرى، الساخرة، والساخطة أيضاً!.

الغرانيت ليس جزءاً من الهرم!

أثار إعلان وزيري حفيظة عدد من علماء الآثار والمصريات، أبرزهم عالمة المصريات الدكتورة مونيكا حنا، والتي تحظى بمتابعة وتأييد قطاعات واسعة من المهتمين بالآثار وعلم المصريات، إذ  تساءلت حنا مستنكرة عبر حسابها على منصة “إكس” (تويتر سابقًا): “هو العبث بآثار مصر مش هينتهي؟”. 

هرم منقاورع  هو أصغر الأهرامات الثلاثة الأشهر في هضبة الجيزة، ويحمل اسم صاحبه الملك منقاورع ،  خامس ملوك الأسرة الرابعة، أبوه وجده هما خفرع وخوفو صاحبا الهرمين الأكبر. من غير المعروف على وجه الدقة تاريخ بناء الهرم، ولكن على الأرجح، أنه تم بناؤه في القرن السادس والعشرين قبل الميلاد، أي منذ أكثر من 4500 سنة.

يقول وزيري إن هرم منقاورع هو الهرم الوحيد الذي كان مكسواً بالغرانيت، ولكن لأسباب غير معروفة تساقطت أحجار الكساء من على جوانب الهرم ولم يصمد منها سوى سبعة مداميك، ولكن ارتفاع الكساء في الأصل كان يبلغ 16 أو 17 أو 18 مدماكاً على حد قوله.

 المدماك هو صف الحجارة الذي يحيط بالهرم من الجو انب الأربعة، وتتراص صفوف المداميك فوق بعضها لتشكّل كساء الهرم.  ويهدف “مشروع القرن” إلى رفع أحجار الكساء المترامية على جوانب الهرم ومسحها بالليزر وتصنيفها ومن ثم إعادتها إلى أماكنها الأصلية.

قالت حنا في مداخلة على قناة ETC، أنه من المعروف منذ بدأ العالم الأميركي جورج ريزنر أبحاثه حول الهرم -جورج أندرو ريزنر (5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1867 – 6 حزيران/ يونيو 1942 م)، أن الأحجار المتناثرة حول الهرم لم يركّبها المصري القديم، وبالتالي يجب علينا ألا نقوم نحن بما لم يقم به المصري القديم، وأن قيامنا بتركيب هذه الأحجار سيؤثر على أصالة الهرم. 

الكلام نفسه أكده الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للأثار، في تصريح لـ CBS News، إذ قال إن ليس كل الأحجار الموجودة حول الهرم كانت جزءاً من الكساء: بعضها خاص بالمعبد الجنائزي، وبعضها لم يُستخدم أبداً؛ لأن منقاورع كان قد مات، وابنه لم يستكمل الأعمال من بعده. 

أوضحت حنا أيضاً، أنه لا يمكن أن يتم تنفيذ مشروع كهذا من دون مرجع علمي موثوق به ومنشور في إحدى الدوريات المعروفة، وليس من خلال عرض سينمائي بالطريقة التي حدث بها. ونشر الدكتورة حنا بالاشتراك مع علماء آثار آخرين، بياناً تفصيلياً عن موقفهم من المشروع.

من غير المعروف على وجه الدقة تاريخ بناء الهرم، ولكن على الأرجح، أنه تم بناؤه في القرن السادس والعشرين قبل الميلاد، أي منذ أكثر من 4500 سنة.

العبث بآثار مصر

تواصلنا في “درج” مع الدكتور محمد الكحلاوي، رئيس المجلس العربي للاتحاد العام للآثاريين العرب، وأرسل لنا بياناً مكتوباً تحت عنوان “أوقفوا العبث بآثار مصر”، موقعاً عليه باسمه وصفته. 

كتب الكحلاوي في البيان، “لم يتجرأ أحد من علماء الآثار المصرية السابقين سواء المصريين أو الأجانب بأن يتقدم بمثل هذا المشروع”، وذكّر الكحلاوي في البيان بحادثة قديمة، حيث حاول أحد وزراء الآثار السابقين استكمال البحث بمقبرة توت عنخ أمون، ما كان سيؤدي إلى تدميرها، ولم يوقف المشروع سوى بعد  تدخل علماء الآثار ومناشدتهم رئيس الجمهورية. 

اختتم الكحلاوي بيانه مناشداً رئيس الوزراء لـ”وقف هذا العبث الذي لا جدوى منه إلا إحراج مصر دولياً وإحراج علماء الآثار في مصر والخارج، وأن ليس كل ما يصدر من موافقات من لجنة الآثار جاء بعد دراسة وتمحيص ونتائج علمية سليمة”.

وقالت أستاذة علم المصريات في الجامعة الأميركية بالقاهرة سليمة إكرام، في تصريح لموقع إندبندنت عربية، إن “فكرة إعادة كساء الهرم بالأحجار التي سقطت منه في ذاتها يمكن أن تكون مقبولة بشرط أن يكون الاعتماد بصورة كاملة على هذه الأحجار الموجودة في محيطه من دون أي إضافة لأحجار أخرى مستحدثة لا تنتمي الى الهرم… لكن السؤال هنا: هل ستكفي هذه الأحجار لكساء الهرم بكامله أم أنه سيتم كساء جزء، ويبقى الباقي على حاله الأصلي، وكيف ستكون الصورة النهائية في هذه الحالة؟”.

هل تستثمر القوّات المسلّحة في منقاروع ؟

الدكتورة إكرام ليست الوحيدة التي أبدت تخوفات من جلب واستخدام أحجار غرانيت غير الموجودة في محيط الهرم لاستكمال عملية الكساء، التخوف نفسه راود عدداً من المتفاعلين مع الخبر، ليس فقط لأسباب أثرية، ولكن لأسباب اقتصادية أيضاً؛ تبلغ مساحة أسطح الهرم الأصغر أكثر من 74390 متراً مربعاً، فإذا كان المشروع هو كساء كامل الهرم، وكانت الأحجار الموجودة بالفعل لا تكفي سوى لكساء “ثلث” الهرم، بحسب وزيري، فهذا يعني ضرورة جلب ما يكفي من الغرانيت لكساء باقي الثلثين، وباعتبار أن سمك طبقة الكساء هو متر واحد تقريباً كما يبدو بالنظر، فستكون هناك حاجة إلى 50 ألف متر مكعب من الغرانيت لتغظية الثلثين الباقيين!.

التكلفة خيالية إذاً،  و”لا قدرة لنا على احتمالها في مثل هذه الظروف الاقتصادية القاتلة” يقول وزيري،  الذي أكّد مراراً في ما بعد، أن الدولة لن تتحمل “مليم واحد”، وأن التمويل بالكامل يتحمله الجانب الياباني، إلا أن هناك تخوفات من وجود شكل من أشكال الصفقات لصالح المحاجر المملوكة للقوات المسلحة.

اتساؤلات ومخاوف كثيرة بخصوص المشروع تداولها المتخصصون وغير المتخصصين على منصات التواصل الاجتماعي وعبر وسائل الإعلام المختلفة، وتتمحور هذه التساؤلات بشكل أساسي حول سلامة الأثر وأصالته، وكفاءة القائمين على المشروع، والجدوى منه، والعائد المنتظر، والتوقيت، والوضع الاقتصادي… إلخ.

تراجع رسمي قبل الحسم

الأمر لم يجذب اهتمام الصحافة ووسائل الإعلام المحلية والعربية فقط، إذ إن صحيفة الغارديان البريطانية تناولت الخبر تحت عنوان “فيديو يظهر تجديد الهرم المصري يثير الغضب”، ورصدت فيه الانتقادات الموجهة الى المشروع، إلى الحد الذي دفع الإعلامي نشأت الديهي الى القول “إحنا متقطَّعين في الغارديان، ياجماعة إحنا مش ناقصين”.

ويبدو أن حالة الغضب التي سادت دفعت المسؤولين الى التراجع خطوة إلى الخلف بهدف طمأنة الناس. وبحسب المنصة، “قال مصدر مسؤول في وزارة الآثار وأحد مفتشي منطقة الهرم، إن الوزارة قررت تجميد العمل في مشروع كساء هرم منكاورع لحين حسم لجنة من المتخصصين جدوى المشروع، وطريقة تنفيذه المُثلى، وذلك عقب الجدل الذي أثاره خلال الأيام الماضية”.

ويبدو هذا متسقاً مع تصريحات الدكتور وزيري اللاحقة والمتتالية مع عمرو أديب ومع حمدي رزق ومع نشأت الديهي ومع اليوم السابع وغيرهم الكثير، والتي دافع فيها عن المشروع وأوضح أن هذه مجرد دراسة ستعرض في ما بعد على لجنة سيشكلها الوزير وتضم في عضويتها خبراء أميركان وألمان وتشيك ومصريين والدكتورين زاهي حواس وهاني هلال.

وقد اتُّفق أنه بعد التوصّل إلى قرار، سيتم عرضه على اليونسكو للتنسيق وأخذ الرأي، كما حاول وزيري مراراً التأكيد على أن التكاليف كافة سيتحملها الجانب الياباني. حدث أيضاً تغيير في طريقة عرض أهداف المشروع، فبدلًا من تصدير مسألة كساء الهرم باعتبارها الحدث الأساسي، تم التركيز على القيمة العلمية والبحثية للدراسات المزمع إجراؤها، بالإضافة إلى الكثير من الكشوف الأثرية المرتقبة مثل المراكب الجنائزية الخاصة بالملك منقاورع، وهي الوحيدة التي لم تكتشف حتى الآن، والتي يعتقد أنها توجد أسفل هذه الأحجار المتناثرة. 

وصرح وزيري أيضاً في فيديونشره مركز دعم المعلومات واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، أن المنطقة المحيطة بالهرم الأصغر ما زالت “بكر” وتعد بالكثير من الاكتشافات الأثرية.

“باطن الأرض خير من خارجها”

في مكالمة مع درج”، قال الدكتور حجاجي إبراهيم، أستاذ الترميم والآثار الحائز وسام Cavaliere الرفيع من الرئيس الإيطالي، إن الترميم مسألة معقدة جداً، ومثل هذه المشروعات يجب أن تمر بخطوات عدة وتحصل على موافقات مختلفة قبل الإعلان عنها، ومن يقوم بالإعلان عن هذه المشروعات يجب أن يكون وزير الآثار بنفسه، سواء كان متخصصاً في الآثار أو حتى غريب عنها. كما يجب أن تتوافر ضمانات عدة لحماية الأثر، وإلا “فباطن الأرض خير من خارجها”، ويقصد بذلك أن ترك الآثار مدفونة وغير مكتشفة خير من اكتشافها وإخراجها من دون وجود ضمانات كافية لحمايتها.

الترميم أم الإفساد؟

ردود الأفعال تجاه هذه الأزمة تعكس حالة حادة من الاستياء وعدم الثقة بين الحكومة والمواطن، في ظل ضغط اقتصادي كبير يعاني منه معظم المصريين، ويشعرون في غالبيتهم بأن السبب هو سوء الإدارة والدخول في مشاريع غير محسوبة وغير مدروسة. وفي ظل هذا كله، يدور الحديث عن كساء الهرم بالغرانيت! لا شك في أن المواطن لن يستقبل هذا الخبر بالترحاب. 

من جهة أخرى، وفي ما يتعلق بملف الآثار تحديداً، فالذاكرة  المصرية لم تتعافَ بعد مما حدث في مقابر منطقة الإمام الشافعي. وقبل يوم واحد من إعلان الدكتور وزيري عن خطته لكساء الهرم، كارثة أخرى حدثت أثناء ترميم مسجد المرسي أبو العباس في الإسكندرية، حيث هدم المقاول المسؤول عن الترميم زخارف شخشيخة المسجد وطمسها، الأمر الذي تسبب بصدمة كبيرة لكل المهتمين بالتراث. وهناك عشرات الأمثلة الأخرى التي تؤكد إهمال الآثار أو هدمها أو إفسادها بطرق الترميم البدائية وغير المدروسة.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.