fbpx

أولمبياد باريس… استغلال المهاجرين غير الشرعيين وتجاهل قوانين العمل

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كشفت شهادات متعددة تعرض عمال من المهاجرين غير الشرعيين في فرنسا إلى انتهاك في حقوقهم المهنية، في مخالفة لقوانين العمل، أثناء مشاركتهم في تجهيز البنى التحتية لبناء وتجهيز عاصمة الأنوار لأولمبياد 2024 في باريس.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“لولا استغلالنا لما أبصرت القرية الأولمبية النور في الموعد المحدد، ولما تمكنت باريس من استضافة الألعاب الأولمبية بهذه التكلفة، هذا ما يقوله شيكنا سارامبونو (40 عاما) الذي يلا يخفي شعوره بالمرارة خلال حديثه إلى “درج”. 

سارامبونو مهاجر من مالي يقيم في فرنسا ويعمل في مجال البناء، وسبب مرارته هي حقوقه المهدورة بسبب وضعه القانوني كما يقول، كونه يقيم لسنوات في فرنسا بصورة غير شرعية، ما جعله مضطراً للعمل “خارج”  قوانين العمل، وحرمانه من حقوقه، على الرغم من أنه والآلاف غيره ساهموا في بناء وتجهيز عاصمة الأنوار لأولمبياد 2024.

استغلال سارامبونو  وغيره من قبل أرباب العمل يأتي كمخالفة  للمادتين L8251-1 وL8251-2 من قانون العمل الفرنسي، الذي يحظر على أي رب العمل توظيف أجانب يقيمون بصورة غير شرعية على الأراضي الفرنسية، بالتالي، لن يقدم أي رب عمل على مخالفة القانون وتوظيف عمال غير شرعيين إلا إذا كان المقابل هو التوفير المادي وزيادة الربح. 

يحدثنا سارامبونو عن بداية عمله في الشركات المسؤولة عن إنشاء البنية التحتية في باريس لاستقبال الأولمبياد قائلاً:” “في نيسان 2022 بدأت العمل في الورشة الخاصة بتجديد برج بلايل، الذي سيتحول إلى فندق يستقبل زوار باريس خلال دورة الألعاب الأولمبية هذا الصيف. لم أوقع أي عقد، فكان عملي بالأسود. دوامي الرسمي يبدأ في الثامنة صباحا لينتهي عند الخامسة عصرا لقاء 80 يورو يومياً”.

يضيف سارامبونو: “في كثير من الأحيان كان يطلب مني البقاء ساعات إضافية ولوقت متأخر قد يصل للـ 11 مساء. تلك الساعات الإضافية لم تكن مدفوعة كما لم اتقاضى بدل النقل ولا بدل الطعام، وبطبيعة الحال لم أستفد من أي إجازة مدفوعة الأجر. علاوة على ذلك، بعض معدات السلامة، كالخوذة والحذاء، اشتريتها من مالي الخاص. لو كنت أملك إقامة قانونية في فرنسا لما تجرأ مدير الورشة على توظيفي دون عقد ثم استغلالي، لكن حاجتي للعمل جعلتني في موقع ضعف”. 

تعويضات مهدورة وغياب التأمين الصحي

أجر سارامبونو  اليومي يوازي الحد الادنى للأجور في فرنسا، لكن عدم احتساب ساعات العمل الإضافية يعد انتهاكا لحقوقه، و بعملية حسابية، بقاؤه في الورشة حتى الـ 11 مساء يعطيه الحق بأجر يومي قدره 140 يورو. فارق ليس ببسيط لشخص من ذوي الدخل المحدود، يقيم في العاصمة الفرنسية ومعيل لأسرة في بلده الأم. 

حقوق سارامبونو المهدورة تأخذ أشكالا أخرى، يقول: “تعرضت لإصابة عمل ما أجبرني على البقاء في منزلي أسبوعاً كاملا. رب العمل لم يحتسب هذا الأسبوع كما لم اتقاضى أي تعويض من التأمين الصحي لغياب عقد عمل، وما يترتب عليه من رسوم تتيح الاستفادة من هذه التعويضات”. يضاف إلى ذلك أن العمل بالأسود، أي دون عقد رسمي، يحرم صاحبه من مستحقاته التقاعدية، فاحتساب الراتب التقاعدي يعتمد على العمل المصرح به، ولقاء رسوم شهرية يسددها رب العمل والعامل.

يوضح سارامبونو أن ظروف عمله في برج بلايل لا تختلف عما عرفه في ورش البناء الأخرى، إذ يعمل في هذا القطاع منذ العام 2019.    

⅙ العمال مهاجرون غير شرعيون ودون عقود

التحقيقات الاستقصائية وعمليات التفتيش من جانب الأجهزة الرقابية أكدت ان ما تعرض له شيكنا سارامبونو ليس حالة فردية. وفقا لموقع Franceinfo  ، نسبة العمال الأجانب غير الشرعيين من مجمل عمال الورش الأولمبية تقدر بالسدس. ينحدر معظمهم من دول أفريقية وهم عرضة لمختلف أنواع الاستغلال، موقع  Franceinfo استند إلى أرقام الوحدة الإقليمية لمكافحة العمل غير القانوني (URACTI) . 

هذا الاستغلال لم يكن ممكنناً لولا آلية تعرف بـ “التعاقد من الباطن” أو “التعاقد الخارجي”، والمقصود بها التالي: بعد التزام شركة خاصة كبيرة الحجم بأحد المشاريع العمرانية، غالباً ما تبادر تلك الشركة إلى توكيل المشروع لشركة أخرى أصغر حجماً. آلية باتت معهودة في هذا القطاع إذ باتت تعرف الشركات الكبيرة بـ “الشركات الآمرة” فيما يطلق على الشركات الأخرى وصف “الشركات المنفذة”.

التحضير لأولمبياد “باريس 2024” لم يحد عن هذا المسار، فقد أعلن عن مؤسسة حكومية جديدة، SOLIDEO  ، مهمتها تحضير البنى التحتية اللازمة، والتي أسندت الورش الأولمبية إلى شركات آمرة التي لم تتردد في إسناد ورشاتها إلى شركات منفذة أصغر حجماً، في حالة شيكنا سارامبونو، جرى تسليم برج بلايل بداية إلى شركة GCC التي قامت بدورها بإسناده إلى شركة فرنسية – تركية. 

“لولا استغلالنا لما أبصرت القرية الأولمبية النور في الموعد المحدد، ولما تمكنت باريس من استضافة الألعاب الأولمبية بهذه التكلفة”.

التقشف لأجل الربح وتفادي المسؤولية

يقول النقابي جان ألبير غيدو لموقع “درج” إن شركات البناء والاعمار الكبيرة توقفت منذ سنوات عن توظيف العمال بشكل مباشر: “عمال البناء أكثر عرضة من غيرهم لحوادث العمل. كلما ازدادت الإصابات ارتفعت الرسوم التي يتوجب على الشركة تسديدها. لجوء الشركات الآمرة إلى التعاقد من الباطن هو للتخفيف من التزاماتها المالية، إذ غالبا ما تنحصر مهمة الشركة المنفذة في جلب اليد العاملة”.

منطق التقشف ينسحب على الشركات المنفذة بحسب غيدو، القيادي في الكونفدرالية العامة للشغل (CGT) ومنسق ملف العمال الأجانب في باريس وضواحيها، الذي يرى أن استعانة الشركات المنفذة بعمال أجانب يقيمون في فرنسا بصورة غير شرعية هدفه سهولة ابتزازهم ومساومتهم على حقوهم القانونية، يقول غيدو: “اللجوء إلى خدمات عامل أجنبي غير شرعي بشكل استغلالي، يجنب الشركة المنفذة التزامات مادية قد تصل إلى 50% مقارنة بإبرام عقد عمل على نحو قانوني”.

التعاقد من الباطن يتيح أيضا تمييع وتقاذف المسؤولية، عند رصد حالة توظيف لأحد العمال غير الشرعيين، يسهل على الشركة الآمرة الهروب إلى الأمام وتحميل المسؤولية للشركة المنفذة باعتبارها صاحبة القرار في توظيفهم. استراتيجية لجأت إليها عدة شركات مثل Eiffage وSpie Batignolles واتضح ذلك في ردهم على عدد من التحقيقات الاستقصائية. من جانب آخر، سارعت بعض الشركات المنفذة إلى تصفية أعمالها فور رصد مخالفات التوظيف غير القانونية، ما سيصعب ملاحقتهم، بحسب غيدو.

هل “الشركات الكبرى” بريئة؟

هل الشركات الآمرة غافلة عن تلك الانتهاكات؟، لا يود سارامبونو تأكيد هذه المسألة على اعتبار أنه لم يكن على تواصل مع أي من الإداريين أو المهندسين التابعين لشركة GCC ، فقد انحصرت علاقته بالشركة المنفذة. 

يصعب على جان ألبيرغيدو الاقتناع “ببراءة” الشركات الأم، فاستغلال العمال الأجانب غير الشرعيين لم يبدأ مع استضافة باريس للألعاب الأولمبية، والقانون لا يعفي الشركة الآمرة من مسؤولياتها حتى لو جرى تفويض الورشة لشركة منفذة، برأي غيدو، هناك موافقة ضمنية من قبل الشركات الأم.

المؤكد حتى الساعة هي مسؤولية الشركات المنفذة يقول سارامبونو: “مدير الورشة طلب بطاقة إثبات هوية، ليس للتأكد من وضعي القانوني بل لاستصدار بطاقة عمل الضرورية للدخول إلى الورشة. أرسلت له عبر الواتساب صورة لبطاقة إقامة تعود لأحد أقاربي المقيم بصورة شرعية في فرنسا. لم يشترط رؤية البطاقة الأصلية كما ينص القانون مكتفيا بتدوين البيانات”.

بطاقة عمل تتيح الدخول إلى ورشة برج بلايل. الصورة تعود لشيكنا سارامبونو لكن بإسم مختلف

  بطاقة عمل تتيح الدخول إلى ورشة برج بلايل. الصورة تعود لشيكنا سارامبونو لكن بإسم مختلف

دليل آخر على علم الشركة المنفذة بمخالفة القانون يأتي على لسان سارامبونو الذي يقول: “كنت أتلقى راتبي الشهري إما نقداً أو من خلال شيك مصرفي. بطبيعة الحال لم يكن بوسعي فتح حساب مصرفي، لذا، لم تكن الشركة المنفذة تدون اسم المستفيد على الشيك حتى أتمكن من وضع اسم شخص آخر ليقوم بصرفه عوضا عني”.

“النموذج الفرنسي”

صحيح أن آلية “التعاقد من الباطن” وما ينطوي عليها من انتهاكات ليست سراً، لكن استضافة باريس لدورة الألعاب الأولمبية لفتت الأنظار حيالها أكثر من ذي قبل، فالجهات المنظمة تعهدت بجعل هذه الدورة مرآة “للنموذج الفرنسي”، وعليه، صُمِمَ الشعار الرسمي لهذه الدورة على نحو يرمز لقبعات “الفريجية” التي تعتبر رمزا من رموز الثورة الفرنسية، بغرض التذكير بتاريخ فرنسا كموطن للحرية والإخاء والمساواة وحقوق الانسان.    

من جانب آخر، وقعت النقابات العمالية ونقابات أرباب العمل واللجنة المنظمة للألعاب الأولمبية ومؤسسة SOLIDEO ورئيسة بلدية باريس ميثاقاً اجتماعياً نص على احترام قانون العمل وتجنب أي شكل من أشكال التمييز الذي قد يتعرض له العمال. ميثاق جرى التسويق له على نحو واسع كأحد أوجه النموذج الفرنسي، لكن استنادا إلى ما أدلى به سارامبونو وجان ألبير غيدو نلاحظ إخلالا بالرسالة التي تسعى فرنسا إلى تصديرها من خلال هذه الدورة. 

يتابع غيدو حديثه إلى “درج”: “تضاعف الشركات جهودها للالتزام بمواعيد التسليم ما يفرض مضاعفة ساعات العمل الإضافية. لذا ازداد منسوب الاستغلال ما لفت الانظار لهذه الانتهاكات خاصة بعد الحملة الحقوقية التي تعرضت لها قطر إبان استضافتها لبطولة كأس العالم 2022”. 

توخى غيدو الحذر في مقارنته بين باريس وقطر: “نحن أمام نموذجين مختلفين، إذ لم نسمع عن حالات وفاة في باريس. من جانب آخر، تساند فئة من المجتمع المدني والرأي العام الفرنسيين (نقابات، إعلام، سلطة محلية …) حقوق هؤلاء العمال وهو ما افتقده المجتمع القطري. على الرغم من هذا الاختلاف، يشترك هذين النموذجين في منطق استضعاف العمال الأجانب واستغلالهم”.  

أين السلطات الفرنسيّة؟

في مقالتهما المعنونة “مهاجرون في ورش البناء الأولمبية، باريس 2024: ميدالية ذهبية للمهاجرين غير الشرعيين؟” اعتبر كل من فانسان غيسير ونياندو توريه أن استغلال هذه الفئة من العمال يحظى بموافقة ضمنية من الدولة الفرنسية.

يوافق غيدو على ما ورد في المقالة: “منذ نحو 20 عاماً والدولة الفرنسية تتخلى عن مسؤولياتها وهو ما يتجلى مثلاً في تراجع موارد الأجهزة الرقابية، ما يمنح الشركات حرية التصرف على هواها دون مراعاة للقوانين المرعية”. 

جانب آخر شرحه على نحو مفصل لـ”درج” علي تولو، أحد قيادات نقابة CGT لقطاع عمال البناء: “بسبب نقص الموظفين في مديرية التفتيش التابعة لوزارة العمل، بات يُطلب من كل مفتش مراقبة 1000 ورشة سنويا في باريس وضواحيها. لكن المهمات الإدارية المطلوبة منه، ككتابة التقرير والتدقيق بسجلات الشركة، إلى جانب الجولات الميدانية لا تسمح له بمراقبة أكثر من 200 ورشة سنويا”. 

باعتبارها المسؤول الأول عن الورش الأولمبية، راسل موقع درج مؤسسة SOLIDEO لمعرفة موقفها والإجراءات المتخذة من قبلها، لكن دون أي رد، لكن المؤسسة أشارت في تصريحات إعلامية متفرقة تكثيفها لعمليات المراقبة بغية رصد شبكات توظيف العمال الأجانب غير الشرعيين،  كما بادرت إلى تقديم شكوى في حزيران 2022 سمحت بفتح تحقيق قضائي حيال إحدى الشبكات. بالمقابل، لا تخفي الشركة عجزها عن التصدي لهذه الانتهاكات على نحو فعال لمحدودية صلاحياتها.  

هل المراقبة هي الحلّ؟

تكثيف المراقبة لا يصب بالضرورة في صالح العمال وفقاً لشهادة سارامبونو: “بعد سبعة أشهر من العمل في ورشة برج بلايل، تعرضنا إلى تفتيش مفاجئ. تفتيش مفاجئ لم يفسح المجال للقيمين على الورشة لتنبيهنا حتى نهرب كما جرت العادة. لا أدري إلى أية جهة ينتمي المفتشون، لكن عند إدراكهم لوضعي القانوني جرى طردي من قبل الشركة المنفذة، دون تلقي أية تعويضات. حينها اتخذت قرارا بضرورة العمل على تسوية وضعي القانوني أيا تكن المخاطر”. 

خلال مقابلة مع صحيفة Le Parisien في 20 تشرين الثاني 2021 ، أشار وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمنان إلى أن عدد الأجانب المقيمين بصورة غير شرعية في فرنسا يتراوح بين 600000 و700000 شخص. استنادا إلى تقديرات الـ CGT، يشير جان ألبير غيدو لموقع درج أن 80% من هذه الشريحة يمارسون نشاطاً مهنياً، بالتالي من العدل تسوية اوضاعهم القانونية ما يجعلهم أقل عرضة للاستغلال. 

غيسير وتوريه وصفا الدولة الفرنسية بالمتملقة: “رسمياً تسعى فرنسا للحد من تدفق المهاجرين. بالمقابل، تتسامح مع توظيف أجانب غير شرعيين واستغلالهم”. 

يرى المحامي المتخصص في قانوني العمل والأجانب، هيرفيه غريغوار، أن القوانين الخاصة بأوضاع الأجانب المقيمين في فرنسا تخضع بالدرجة الأولى للاعتبارات السياسية ومدى قدرة الحكومة على مواجهة الرأي العام وأحزاب المعارضة.

 يتوقف غريغوار في حديثه لموقع” درج” عند قانون الهجرة الجديد المنشور في الجريدة الرسمية في 26 كانون الثاني 2024: نصت المادة 27 من القانون على إمكانية تسوية أوضاع العمال غير الشرعيين إذا استوفوا عدداً من الشروط (الاقامة في فرنسا لمدة تزيد عن ثلاث سنوات، العمل 12 شهراً بصورة متواصلة في أحد القطاعات التي تعاني نقصاً في اليد العاملة المحلية…). استيفاء هذه الشروط قد يمنح العامل إقامة استثنائية لمدة عام قابلة للتجديد طالماً أدرجت مهنته في قائمة المهن التي تعاني من نقص في اليد العاملة المحلية. 

قطاع البناء من أبرز القطاعات التي تستعين بيد عاملة أجنبية لسد العجزن بحسب دراسة صدرت في أيلول/سبتمبر 2021 عن دائرة الإحصاء التابعة لوزارة العمل الفرنسية  (Dares)، يشكل الأجانب 27% من مجمل العاملين في قطاع البناء. 

يكمل غريغوار حديثه إلى “درج”: “ما تضمنته المادة 27 ليس سابقة قانونية”، مستحضراً مذكرة أصدرها وزير الداخلية مانويل فالس بتاريخ 28 تشرين الثاني/نوفمبر2012 تتيح تسوية الوضع القانوني للعمال غير الشرعيين، تشترط هذه المذكرة إثبات العمل في أحد القطاعات التي تعرف نقصا في اليد العاملة المحلية. 

تناقض تشريعيّ

الفارق الرئيسي بين مذكرة فالس وقانون الهجرة يتلخص في الآلية: مع مذكرة فالس كان تقديم طلب التسوية مرهون بإرادة أرباب العمل، لكن مع قانون الهجرة الجديد بات بوسع العامل الأجنبي تقديم طلب التسوية بنفسه. 

في هذا الصدد، يشير المحامي هيرفيه غريغوار إلى تناقض تشريعي: “من جهة يُمنع توظيف أي أجنبي لا يحمل إقامة شرعية، ما يردع بعض أرباب العمل عن إبرام عقد معهم ويفتح شهيتهم الاستغلالية. بالمقابل، هناك إمكانية لتسوية الوضع القانوني للعامل الأجنبي غير الشرعي إذا أُثبِتَ عمله في أحد القطاعات التي تعاني من نقص في اليد العاملة. إثبات العمل يكون، مثلا، من خلال إبرام عقد عمل حتى لو كان مقيما بصورة غير شرعية وإبرام العقد في هذه الحالة يتوقف على نوايا رب العمل”. 

يضيف غريغوار: “تقاعس المؤسسات الرسمية عن البت في هذا التناقض التشريعي يحيلنا مجدداً إلى مسألة غياب الإرادة السياسية. تضاف إليها البيروقراطية والتعقيدات الإدارية الفرنسية، التي لا تجعل من التسوية المذكورة حقا طبيعياً بل يمكن رفض الطلب حتى لو استوفى كافة الشروط”.

من جهته لا ينظر جان ألبير غيدو بإيجابية إلى تلك الآليات التشريعية والإدارية: “مؤخرا، نجحت نقابة  CGT في تسوية أوضاع عشرة من عمال الورش الأولمبية، من ضمنهم شيكنا سارامبونو. لكن الفضل بهذه التسوية يعود للضغط السياسي وليس لمذكرة فالس. ضغط سياسي لم يكن ممكنناً لولا الأضواء الإعلامية المسلطة على أولمبياد باريس في هذه الفترة”. 

 يقر علي تولو أن الدفاع عن هذه الشريحة ليس سهلا ويستوجب خطة مدروسة دون ارتجال، فكشف هوية الأجانب غير الشرعيين يعرضهم للملاحقة القانونية وإمكانية الترحيلن بالتالي لا بد من مراعاة هذا الجانب، ما يساهم في إطالة أمد عملية الاستغلال.

في مقابلة مع صحيفة Le Figaro تعود إلى 15 كانون الأول 2023 ، أكد باتريك مارتان حاجة فرنسا إلى استقدام يد عاملة أجنبية. مارتان وهو رئيس الـ MEDEF  أبرز نقابة فرنسية لأرباب العمل، لم يمانع تسوية أوضاع العمال الأجانب غير الشرعيين حين أشار إلى ضرورة توضيح القوانين الضبابية التي تضع العامل ورب العمل في وضع غير قانوني. 

حاجة فرنسا إلى يد عاملة أجنبية، يدفع للتساؤل عن سبب وجود خطاب داخلي معادي للهجرة؟، وهنا  يتفق جان ألبير غيدو مع هيرفيه غريغوار على وجود اعتبارات سياسية تعيق أية مقاربة براغماتية أو أقله تبقي الأمور في خانة الضبابية. 

يرى غيدو أن فرنسا تعاني من تراجع مفهوم دولة الرعاية الاجتماعية وهو ما يتجلى في انحدار مستوى الخدمات العامة كالتعليم والصحة والتقديمات الاجتماعية: “بإرادة سياسية، بات الأجانب كبش فداء بغرض امتصاص السخط الشعبي، من جانب آخر فإن تردي المستوى المعيشي للمواطن الفرنسي يسهل انتشار خطاب اليمين المتطرف، لقدرته على تقديم حلول تبسيطية واختزالية فيما الواقع أعقد من ذلك بكثير”.  

محمد بسيكي - علي الابراهيم (سراج)، هلا نصر الدين (درج) | 15.05.2024

“مفاتيح دبي”: 10 من دائرة الأسد يخفون 50 مليون دولار في عقارات دبي

"مفاتيح دبي" تحقيقات استقصائية تكشف أنّ العقوبات الأميركية لم تحل دون أن يتملّك ويستثمر "رجال النظام السوري" في الإمارة الصغيرة ما يطرح تساؤلات حول التسهيلات التي يحظى بها المقربون من النظام هناك. تحتوي وثائق المشروع على تفاصيل ممتلكات سوريين من الدائرة المالية والعائلية للرئيس السوري بشار الأسد، بمن فيهم: إبنا خاله رامي وإيهاب مخلوف، رجلا…