fbpx

هل من “بنوك جيّدة” في لبنان؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

خطة الهيكلة تفترض أن ثمة مصارف يجب أن تبقى وأخرى يجب أن تُدمج بغيرها، وفق منطق الـgood bank والـbad bank، أي المصارف الجيدة والمصارف السيئة! وفي هذه اللحظة، يستيقظ المودع الذي يكتب، ليسأل: مَن هي المصارف الجيدة في لبنان؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

إلى الأصدقاء في “كلنا إرادة”

 الضجيج الذي أثارته في لبنان خطة “إعادة هيكلة المصارف” المجهضة في مجلس الوزراء، والملتبسة الهوية لجهة الطرف الذي أعدّها، لا سيما بعد تنصّل حاكم مصرف لبنان بالوكالة وسيم منصوري منها، هذا الضجيج شارك فيه كثيرون، باستثناء طرف أساسي تقول الخطة إنها أُعدّت لإنصافه، ونعني هنا المودع اللبناني، وكذلك المودع العربي، كون الأخير جزءاً أساسياً من عملية الإفلاس الاحتيالي التي ارتكبتها المصارف بغطاء كامل من القضاء في لبنان.

كاتب هذه السطور هو أحد اللبنانيين الذين تعرضوا للسطو على مدخراتهم، وعملية السطو هذه سبقتها وقائع تخبّط فيها صاحب الحساب المصرفي المشار إليه، وانتهى المطاف بهذا الحساب إلى أن تحوّل رقماً يذكر صاحبه بأن ما ادخره على مدى ربع قرن لتعليم ابنه صار هباءً منثوراً، وأن صاحب المصرف الذي نجا بفعلته، يسعى اليوم الى تحويل الفعلة إلى أمر واقع، وأن ثمة مجلساً نيابياً (منتخباً) وحكومة منبثقة من هذا المجلس، يسعيان الى جعل المنهبة حقاً مكتسباً لمصارف الزومبي، على ما يصفها صديقنا علي نور الدين.

وبما أنني لا أدعي أنني أمثّل غير نفسي من المودعين، فربما كان من المفيد أن أعرض مسار الإفلاس القهري الذي أصابني، ذاك أن وقائع سبقت إطباق المصرف على مدخراتي، ربما كان من المفيد عرضها في سياق نقاش خطة إعادة الهيكلة، ولكن أيضاً في سياق عرض وجهة نظر تختلف مع الخطة، التي تعتبر أن القطاع المصرفي الحالي يحتاج إلى هيكلة لا إلى تصفية.

خطة الهيكلة تفترض أن ثمة مصارف يجب أن تبقى وأخرى يجب أن تُدمج بغيرها، وفق منطق الـgood bank والـbad bank، أي المصارف الجيدة والمصارف السيئة! وفي هذه اللحظة، يستيقظ المودع الذي يكتب، ليسأل: مَن هي المصارف الجيدة في لبنان؟ السؤال هنا موجّه من مودع، لا من خبير مالي، ولا من جهة مدنية تنظر إلى الإفلاس بصفته عملية مركبة شاركت فيها أطراف عدة.

فكرة المصرف التجاري، ومنذ نشأتها في القرون الوسطى الأوروبية، قامت على أساس علاقة الأمانة التي يرعاها القانون والقضاء، والوديعة حق مقدس لصاحبها، وبهذا المعنى وجّه القضاء في لبنان ضربة قاتلة لهذه العلاقة عبر صمته عن الخرق اليومي للقانون، والذي أقدمت عليه المصارف اللبنانية، كل المصارف من دون استثناء. 

بالعودة إلى مسار وديعتي التي تم السطو عليها، فإنني قبل الموعد الرسمي لـ”الكابيتال كونترول” غير القانوني الذي ارتكبه المصرف بحقي في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2019، وتحديداً في العام 2017، وكانت الهندسات المالية في حينها قد انطلقت، نصحني صديق محامٍ بأن أنقل وديعتي من المصرف الذي أودعتها فيه، والغارق في الهندسات حتى أذنيه، إلى مصرف آخر حاول حماية جزء من ودائعه من الهندسات بأن حوّل منها مليار دولار إلى مصرف في الخارج. وهكذا فعلت بعدما سألت أكثر من خبير مصرفي.

منطق الـgood bank والـbad bank يفترض أن المصرف الأول هو المصرف السيئ، والمصرف الثاني هو المصرف الجيد! لكن هذا التصنيف لا يلحظ أن كلَي المصرفين أطبقا على ودائع زبائنهما، ولم تشكل وديعة المليار دولار التي أُنقذت من الهندسات فارقاً، لا بل أن عملية الإنقاذ استفاد منها المصرف، وأضافها إلى موجوداته الخارجية، ولم يستفد أي مودع من حقيقة أنه حيال good bank.

قد لا نجيد، نحن المودعين، استراتيجيات توزيع الخسائر وفق حجم المسؤوليات، وكثيرون منا مستعدون لتحمّل جزء من الخسارة تفوق حجم مسؤوليتنا الفعلية عما جرى، علماً أن المسؤولية في حالتنا لا تتعدى حقيقة أننا كنا من السذاجة بحيث أودعنا مدخراتنا في مصارف الزومبي. ومسؤولياتنا متفاوتة بين من طمع بفوائد على وديعته ومن حاول لاحقاً إنقاذ جزء منها بأن سدّد قرضاً بالـ”لولار”، من وديعته التي كانت بالـ”دولار”! لا بأس، فمن فعل ذلك، لم يخسر وديعته، لكنه لم يكسب من المصرف، على ما يحاول البعض تصوير فعلته.

نعم، في الخطة محاولة لحماية أصول الدولة من طمع المصارف ومن جهود أصحابها لتحميلها الجزء الأكبر من الخسائر. وفيها أيضاً الرغبة في بدء خطوات تأخرنا أكثر من أربع سنوات عن مباشرتها. لكن تنقص خطة الهيكلة صوت المودع، مع ما يحمل هذا الصوت من احتمالات راديكالية. وهنا يجب أن نتفهم راديكاليته، ذاك أننا حيال طرف طاول السطو لحمه الحي، وهو في الغالب سطو على حصيلة عمر من الادخار المبني على تقنين، كما أننا في الغالب لسنا حيال رأسمال يشتغل بشكل منفصل عن وتيرة الحياة اليومية، على نحو ما تشتغل رساميل التجار ورجال الأعمال.

نعم قد نسمع من المودع دعوة إلى تصفية المصارف وتوزيع قيمة موجوداتها وفقاً لحجم المسؤولية عن الانهيار، وهذه على كل حال ليست دعوة عدمية تنطوي على رغبة في التخلص من النظام الاقتصادي الحر على ما تروّج أحزاب يمينية، إنما هي دعوة تجد صداها في أصوات مثل الخبير المالي توفيق كسبار، الذي اقترح ذات يوم الاستعاضة عن المصارف اللبنانية المفلسة والفاسدة بأخرى خارجية (غربية وعربية)، يُعرض عليها السوق المصرفي اللبناني وتقدَّم إليها حوافز استثمارية.

أما النقطة الأخيرة التي راودت المودع الصغير حيال خطة إعادة الهيكلة، فتتمثل في أن هذه الخطة ومنذ ظهورها، ترافقت مع يقين بأن أهل النظام (الحكومة والمصارف) سيرفضونها، ولن تجد طريقها إلى المجلس النيابي. وبهذا المعنى وبما أن “اليوم التالي” للرفض سيبدأ من تفاوض سقفه الخطة، فإن ما ستحصّله المصارف في المفاوضة سيتثمل بتخفيض سقف الخطة، بما أن المفاوضات هي عمليات تنازل متبادل. إذاً، ما الحكمة من طرح تنازل من المعروف أن الطرف الآخر سيرفضه؟