fbpx

علمنة “الحوزة” في إيران: معارضو “الولي الفقيه” والعمامة إذا هوت

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تعددت اتهامات المرشد الإيراني، علي خامنئي، وممثليه، لرجال الدين ممن يخالفون مجال رؤيته بوصفهم “علمانيين”،خصوصاً بعد مقتل الفتاة الكردية، مهسا أميني، إذ أبدى رجال دين ومرجعيات شيعية رفضهم القاطع لفرض “الحجاب القسري”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا يعدو اعتقال رجل الدين، محمد تقي أكبر نجاد، إثر انتقاده المرشد الإيراني، علي خامنئي، في مدينة قم، كونه أمراً عرضياً أو مباغتاً. بل إنّ التوترات والصدامات مع السلطة في طهران متكررة منذ صعود “آيات الله” الى الحكم، عام 1979.

هذا الصراع التقليدي الذي لم يختفِ على رغم مرور أربعة عقود على حكم “الجمهورية الإسلامية”، مع بعض القوى الدينية الحوزوية، يؤشر إلى التباينات التي تباعد بين الطرفين تحت وطأة محاولات توغّل السلطة وهيمنة العمائم التي جمعت بين القوة والقداسة، والحكم والإمامة، بالمعنيين السياسي والديني، بينما لا تسمح لهامش اختلاف حتى لو محدود، وتسعى الى عسكرة نطاقات حكمها وأدلجتها. 

فمع الاحتجاجات المتكررة التي طاولت النظام الإيراني، تحديداً منذ عام 2017، وتكرارها مع حوادث عدة بعضها اقتصادي والآخر حقوقي، كما حدث مع مقتل الفتاة الكردية، مهسا أميني، على يد عناصر دورية “شرطة الأخلاق”، برزت اعتراضات من داخل الأوساط الدينية على سلوك السلطة وممارساتها السياسية، المحلية الخارجية. وقد سبق وتعرضت الحوزات العلمية، على مدار فترات الاحتجاج، إلى أعمال عنف، بعضها رمزي، مثل إطاحة العمائم من على رؤوس رجال الدين في الشوارع، والبعض الآخر، خشن، مثل حرق الحوزات الدينية.

مع بدايات وصول الخميني للسلطة، تمرد رجال دين كثر على سياساته بعد تعميم النسخة المسيسة والمؤدلجة من “الولي الفقيه”، ورفض أيّ اجتهادات، أو رؤى إصلاحية، تقف على النقيض من مقولاته. ومن بين تلك الشخصيات التي اصطفت معه، موقتاً، عبد الكريم سروش ومحمد مجتهد الشبستري. 

شنق الثقافة

وفي كتابه “نقد القراءة الرسميّة للدين”، يقول الفقيه والفيلسوف الإيراني مجتهد الشبستري، إنّ محاولات الحكومة في طهران بواسطة الملالي تحويل الدين إلى برنامج سياسي، ثم تسييس الثقافة، في إطار رؤية السلطة وبرامجها الأيديولوجية، لن تؤدي، حتماً، سوى إلى صناعة العنف بحق المواطنين. وقال: “إنّ نظرية تولي الحكومة للثقافة يعتبر خطأً فاحشاً، وينتهي بالتنظير لأعمال العنف وتجويز استعمال آليات القهر… جعل مسؤولية تثقيف الناس بيد الحكومة تعني شنق الثقافة والقضاء عليها”.   

إثر مقتل الفتاة الكردية، مهسا أميني، والتي تسبب مقتلها بطريقة وحشيّة على يد عناصر “شرطة الأخلاق” في الشارع، في موجة احتجاجات غير مسبوقة، في استمرارها وتكتيكاتها التي أربكت السلطة لفترة ليست بقليلة، أبدى رجال دين ومرجعيات شيعية رفضهم القاطع لفرض الحجاب القسري. لكن آية الله أسد الله بيات زنجاني، وكذا آية الله العظمى محمد جواد علوي بروجردي، قد أعلنا حزنهما على مقتل أميني. بل إنّ كلاً منهما قد شنّ هجوماً مباشراً على ممارسات “شرطة الأخلاق”. 

وقال بيات زنجاني: “كل السلوكيات والأحداث التي تسببت في هذا الحادث المؤسف غير قانونية وغير عقلانية وغير مشروعة”.

كانت مواقف التيار التقليدي في إيران بعد صعود الخميني للحكم متخفّفة من أي حمولات سياسية. ولم ينخرطوا في مؤسسات وأجهزة الدولة. وفي النجف المنافس التقليدي لمدرسة قم (المرجعية العربية في مقابل مثيلاتها الفارسية)، كان الوضع أكثر تعقيداً. وقد توقف المرجع الشيعي علي محمد السيستاني، عن زيارة طهران وقم بطبيعة الحال.

لهذا، تعددت اتهامات المرشد الإيراني، علي خامنئي، وممثليه، لرجال الدين ممن يخالفون مجال رؤيته بوصفهم “علمانيين”. وقال رئيس مكتب المرشد الإيراني محمد محمدي عراقي، مطلع عام 2021، إنّ المرشد قلق من “علمنة الحوزة العلمية في مدينة قم”. ممثل المرشد في فيلق القدس واستخبارات الحرس الثوري، أحمد سالك، سبق وقال: “لقد بدأ نقيض الثورة الإسلامية من مدينة قم من الأعداء، وتعرض قائد الجمهورية لهجوم من أشخاص يعتبرون أنفسهم رجال دين”.

هل تتواطأ الحوزة مع العلمانيّة؟

وعزا المرجع الشيعي، في مدنية قم، آية الله مكارم شيرازي، ما يحدث في الحوزة من انحرافات عقائدية إلى “الدول الأجنبية” التي تقوم بأعمال تخريبية، موضحاً أنّه “نظراً إلى مركزية الحوزات العلمية في مدينة قم، فإنّ خطر التسلل والاختراق من الدول الأجنبية بين العلماء ومراجع الدين أكبر في هذه المدينة مقارنة بالمدن الأخرى في البلاد”. 

كما سبق لعضو المجلس الأعلى للثورة الثقافية، حسن رحيم بور أزغادي، أن قال: “علمنة الحوزة تشكل تهديداً للنظام القائم”. وتابع: “إنّ الحوزة، في الواقع، تتواطأ مع العلمانية، ربما عن غير قصد”.

وتابع بو أزغادي حديثه المتشدّد وهجومه قائلاً: “هناك أناس في مجتمعنا متدينون ظاهرياً ولهم لحى وخواتم عقيق، لكنّ بنيتهم ​​الفكرية علمانية تماماً”. وعلى حدّ تعبيره، اعتبر أنّ هناك ظاهرة تسمى “التدين العلماني”. واعتبر أنّ محاولات الإصلاحيين لعقلنة الدين، أو رفض محاولات تسييسه وتوظيفه ثم استثماره في السلطة، إنّما هو اصطفاف مع العلمانية التي يراها تهمة حتماً، وتؤدي الى “تهميش” الدين حتى لو زعمت التيارات الإصلاحية أنّها تحمي “قداسة الدين”.

إذاً، ما حصل مع محمد تقي أكبر نجاد، بالقبض عليه ونقله الى مكان مجهول، بينما لم يعلن عن مكان أو جهة احتجازه، يكاد لا يختلف عن حوادث مماثلة. وذلك مثلما حصل مع المرجع الشيعي، حسين علي منتظري، الذي قضى، عام 2009، بعدما ظل رهن الإقامة الجبرية لعقود، فضلاً عن رموز التيار الشيرازي أصحاب نظرية “شورى الفقهاء” في مقابل “الولي الفقيه”. وقد عجّل الهجوم المباشر على خامنئي من تقي أكبر نجاد بعدما ظهر في مقطع فيديو على حسابه في “تلغرام” من توقيفه. وقد قال: “إنّ كثراً من الإيرانيين، حتى المؤيدين وأنصار النظام، يعتقدون أنّ علي خامنئي هو مرشد اليمن وفلسطين وليس إيران”، مضيفاً أنّ آية الله روح الله الخميني وآية الله علي خامنئي، لا سيّما بعد تولّيهما السلطة، يتعاملان بقوة شديدة مع من ينتقدهم، وقد جمعا حولهما المتملّقين”.

نهاية العام الماضي، واستكمالاً لتصاعد نبرة الغضب في أوساط الحوزات الدينية من السياسات المتشددة للسلطات التي تميل الى عسكرة “النظام”، بعدما قبض الجناح الأصولي والراديكالي على مؤسسات ومراكز الحكم، بداية من البرلمان مروراً بالرئاسة وحتى السلطة القصائية، حذر رئيس مركز الحماية والاستخبارات في السلطة القضائية، علي عبد اللهي، من أنّ “العدو لديه خطة للتقليل من شخصية طلاب الحوزات ورجال الدين وكرامتهم على مستوى المجتمع بأيّ ثمن”.

فيما شدّد، خلال كلمته أمام رؤساء مجالس المحافظات ورؤساء اللجان في الحوزات العلمية، على ضرورة التعاطي من دون مرونة أو تهاون مع الأصوات كافة المنتقدة للنظام، تحديداً بين طلبة العلم ورجال الدين في الحوزات. وقال: “يجب أن نعمل على معرفة الأيادي التي تعمل اليوم على إيجاد التفرقة بين طلاب الحوزات وضرب الحوزة”.

وتابع: “هؤلاء الأشخاص الذين يعملون في مختلف المجالات، هم طلبة حوزات ولديهم تأثير، إلا أنّهم في ما يبدو غير معروفين بصورة جيدة في المجتمع”.

القول بولاية الفقيه في نسخة خمينية تؤبد رؤية شمولية للحكم، وتصنع حواجز بفعل السياسة، هو ما يؤدي الى هذا العنف المتزايد ضد القوى الإصلاحية الدينية. 

“نظريّة” ولاية الفقيه

يقول مولاي أحمد صابر، الكاتب والباحث المغربي، المتخصص في قضايا الفكر الإسلامي المعاصر والدراسات القرآنية، إنّ النظام في طهران يتولى الحكم من خلال مبدأ “ولاية وحاكمية الفقيه الجامع للشرائط في عصر غيبة الإمام الحجة، حيث ينوب الولي الفقيه عن الإمام المنتظر في قيادة الأمة وإقامة حكم الله على الأرض. وهذا لا يعني أنّ كل مرجعيات الشيعة تتفق على مقولة ولاية الفقيه، فلا شك أنّ هناك آراء متباينة حول الموضوع حتى هذه اللحظة، فمن المخالفين لولاية الفقيه السيد محمد حسين فضل الله المرجع الشيعي اللبناني الذي يرى أنّ ولاية الفقيه نظرية لا يراها أكثر فقهاء الشيعة. ويذكر من بين من لا يراها من الشيعة، أبو القاسم الخوئي ومحسن الحكيم”.

يشير أحمد صابر لـ”درج”، إلى أنّ “آية الله حسين علي منتظري قد عارض الولاية المطلقة التي دعا إليها الخميني”. فقال منتظري: “نفي الولاية المطلقة للفقيه لا يستدعى دليلًا، إذ يقتضي الأصل الأولي عدم ولاية أحد على أحد، بل يستدعي إثباتها ‏دليلاً قاطعاً، ولم أعثر على ذلك في الكتاب والسنّة ولا في حكم العقل”. 

بيد أنّ تغليب فكرة “الولي الفقيه” في الواقع “له علاقة بمصلحة سياسية في الاستيلاء الكلي على السلطة. فالولي الفقيه يستمد المشروعية من نيابته عن الإمام والرسول”. وقد نصّت المادة الخامسة من الدستور الإيراني على أنّه “فـي زمن غيبة الإمام المهدي تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة فـي الجمهورية الإسلامية الإيرانية بيد الفقيه العادل، المتقي، البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير”. 

تولى الخميني منصب الولي الفقيه من 1979 حتى وفاته في 1989. خلفه بعدها علي خامنئي. فالموضوع “لم يعد مسألة تتعلق بوجهة نظر ونقاش حول ولاية الفقيه، كما كان قبل الثورة الإيرانية، بل أصبح يرتبط بمصالح الدولة الإيرانية في بعدها الإقليمي والدولي، وأي تحول في الدولة الإيرانية سيكون له تأثير على موضوع ولاية الفقيه”. يقول الكاتب والباحث المغربي مولاي أحمد صابر.

تقويض التنوع الدينيّ

وحرص النظام الخميني منذ نشأته على تقويض التنوع الديني والمذهبي كما العرقي والإثني المتنوع في إيران، وفق الباحثة التونسية في الأنثروبولوجيا الدينية، الدكتورة صابرين الغلاصي، لافتة لـ”درج” إلى أنّ الثابت في مواجهة هذه الخريطة الاجتماعية التي تتميز بتنوع شديد هو القمع والاضطهاد والتهميش. 

وتردف: “المسيحيون مثلاً وضعهم أفضل نسبيّاً مقارنة بالسنة. ذلك أنّهم يمثلون طائفتهم في مجلس الشورى الإيراني. كما أنّه يسمح لهم بإنشاء دور عبادة لمدارس خاصة بهم، والتي وصلت إلى 50 مدرسة. لكن هذه الحرية الدينية مشروطة أولاً بالالتزام بعدم التبشير. وثانياً، التزام المسيحيات بالزي الشرعي للمرأة الإيرانية الشيعية، هذا وقد صنفت الطائفة الإنجيلية البروتستانتية كطائفة غير معترف بها؛ لأنّها تمارس التبشير. لذلك يتعرض أتباعها للسجن أو النفي وحتى الإعدام في بعض الحالات”.

أما الأقلية البهائية، والتي تعد من ضمن أكبر الاقليات عدداً في إيران، فإنّها لم تسلم من القمع الإيراني، وقد تم إعدام أكثر من مئتي بهائي، مع وصول الخميني للحكم، ثم تم في عام 1983 إعدام عشرة نساء تراوحت أعمارهن ما بين 57 و17سنة، وذلك بسبب تمسّكهن بعقيدتهن. تقول الجلاصي. 

وتختتم حديثها بأنّ النظام الإيراني، منذ تأسيسه، قوّض كل ما يمكنه أن يقف ضد توجهاته السياسية والدينية. لكنّ بعد أكثر من 40 سنة من الحكم، أصبح النظام يتخبط في ظل تعالي أصوات المعارضة، والرافضين لسياسة التخويف ونشر الرعب. ومن أبرز المعارضي،ن المفكر الإيراني عبد الكريم سروش الذي تتركز كتاباته على الإصلاح الديني، وقبول التعددية. وقد هاجر الى أميركا بفعل ضغوط الملالي. ففي ظل الاحتجاجات التي شهدتها إيران، قال سروش إنّ سياسة الدولة تجاه المحتجين ستفرز في المقابل عنفاً لن يقف بل سيتمدد ليصبح في ما بعد “حروب أهلية”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.