fbpx

ما الذي تريده إيران منا حقاً؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

 السؤال الأساسي هنا ليس ما يريده “حزب الله” من الانخراط في معارك جزئية قابلة للتطوّر سريعاً إلى حربٍ كبيرة، بل هو ما الذي تريده إيران؟، وهذا السؤال لا يجب أن يُطرَح في إطار اتهامي، بل يجب أن يُطرَح اليوم؛ لأنه يفرض نفسه أكثر من أي وقتٍ مضى، وعلى جوابه يبنى المقتضى. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تشهد منطقة الشرق الأوسط تغيّرات سريعة ونوعية منذ السابع من أكتوبر 2023، عندما اتخذت كتائب القسّام – الجناح العسكري لحركة “حماس” قراراً ببدء عملية عسكرية مفاجئة تحت مسمّى “طوفان الأقصى”.

ألحقت عملية القسّام أضراراً جسيمة بالجيش الإسرائيلي، خصوصاً “فرقة غزة” التي تمّت تصفيتها بالكامل، إضافة إلى أسر أكثر من مئة إسرائيليّ وتدمير عدد من المرافق في المستوطنات المتواجدة في ما يعرف بمنطقة “غلاف غزة”. 

أدّت هذه العملية إلى ظهور سلسلة من الأحداث المتلاحقة، أهمها قيام “حزب الله”، في الثامن من أكتوبر، بفتح جبهة جنوب لبنان مفترضاً وجود “قواعد اشتباك” من طرفٍ واحد، وهو ما ثبت بطلانه تدريجاً، فمنسوب الدمار الذي يشهده جنوب لبنان جراء القصف الإسرائيلي المدفعي والجوي يتزايد طردياً مع اتساع سيطرة الجيش الإسرائيلي على مجريات الأمور في قطاع غزّة.

 أعداد الضحايا المدنيين في الجانب اللبناني في تزايد مضطرد، حيث يستهدف القصف الإسرائيلي المباني والأحياء السكنية في قرى الشريط الحدودي دونما هوادة، بينما يستمر “حزب الله” باستهداف القوات والقواعد العسكرية الإسرائيلية متجنباً استهداف المستوطنات المتاخمة للحدود مع لبنان بشكل مباشر وبقوة تدميرية رغم خلوّها من سكانها.

حزب الله لا يسعى إلى توسيع المعركة التي فُرِضَت عليه بشكلٍ أو بآخر، كما أنه لا يريد أن يصير على هامشها بما يتناقض كلياً مع خطابه السياسي وأهدافه المعلنة على مدار عقودٍ مضت.

وجد “حزب الله” نفسه بين نارين في لحظة تاريخية حاسمة: نار تحمّل خسارةٍ سياسية ضخمة لا يمكن رصد تداعياتها المباشرة وغير المباشرة، في حال اتخاذه موقف المتفرج،خاصة في ظلِّ تحوّل العدوان الإسرائيلي على غزة إلى حرب إبادة جماعية، ونار تحمّل الخسائر المادية والبشرية وتعريض لبنان لأخطار حرب غير متكافئة على مشارف السنة الخامسة من الانهيار الاقتصادي الذي يشهده البلد من جهة أخرى.

“مقامرة” حزب الله

للوهلة الأولى، يُخيَّل لأي لبناني بأن ما يقوم به “حزب الله” مقامرة بأرواح وممتلكات اللبنانيين، وبالأخص سكان جنوب لبنان، وهو تخيّل صحيح جزئياً، فالحزب في وضعية “مقامرة”، ولكن هذا التخيّل لا يعكس الحقيقة كاملة، كما أن كل تخيّل لا يمكن أن يعكس أي حقيقة كاملة. 

سلوك الحزب، ومن البداية، لا تضبطه التناقضات الداخلية اللبنانية وحدها، على رغم تأثيرها الكبير، فالحزب ككيانٍ سياسي يبقى خاضعاً إلى حدٍّ كبير لزواريب السياسة اللبنانية، على رغم العفن الذي يشوبها. ولكنه ككيانٍ مسلّح، الكل يعلم بأنه صار “أكبر من لبنان”، فنشاطه العسكري مُمتدٌّ إلى سوريا، وهذا أمرٌ تحسمه الوقائع المتراكمة خلال السنوات العشر الأخيرة. 

يبدو سلوك الحزب العسكري منذ 7 أكتوبر متناسباً مع تصريحات وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، سواء في فترات التهدئة أو التصعيد، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بعدم توسيع الحرب.

 من الواضح أن “حزب الله”، وقبل بدء الأحداث الأخيرة، والذي شكّل القوة الدافعة الرئيسية في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين الدولة اللبنانية وإسرائيل – وما ينطوي عليها من اعتراف غير مباشر بوجود إسرائيل كدولة –، كان يتحاشى منذ سنوات تعقيد الصراع الإسرائيلي-اللبناني، على عكس الظاهر من خطابه السياسي العام الذي يتخذ أبعاداً محلية أكثر منها إقليمية، ويتّجه بخطواتٍ حذرة نحو تخفيف حدّته إلى هذا الحد أو ذاك، بما يتناسب أيضاً مع رفض إيران لسنوات “لغة القوة” التي تنتهجها إسرائيل فيما يخص البرنامج النووي الإيراني.

 استمرت إيران بمطالبة الولايات المتحدة الأميركية بالعودة إلى الالتزام بالاتفاق النووي، في حين أن إسرائيل فرضت على الولايات المتحدة موقفًا أكثر جذرية يهدف إلى منع إيران من امتلاك أي قدرات نووية حتى ولو كانت سلمية، واستمرت بشيطنة الاتفاق ومحاولة عرقلته واتهام إيران بالسعي نحو امتلاك قنبلة نووية، مهدّدةً باللجوء إلى “الخيار العسكري”.

للوهلة الأولى، يُخيَّل لأي لبناني بأن ما يقوم به “حزب الله” مقامرة بأرواح وممتلكات اللبنانيين، وبالأخص سكان جنوب لبنان، وهو تخيّل صحيح جزئياً، فالحزب في وضعية “مقامرة”، ولكن هذا التخيّل لا يعكس الحقيقة كاملة، كما أن كل تخيّل لا يمكن أن يعكس أي حقيقة كاملة. 

التصعيد قبل 7 أكتوبر

على الناحية الأخرى، يبدو سلوك حكومة اليمين المتطرّف الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو مغايراً لسلوك “حزب الله” بالكامل، فقد ساهمت حكومة نتنياهو منذ تشكيلها في ديسمبر 2022 بتصعيد مستوى العنف والتضييق والتمييز ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وغزّة.

ما سبق تتجاهله السردية السائدة في “وسائل الإعلام الغربي” التي تتعامل مع ما حصل في تاريخ 7 أكتوبر كحدثٍ منفصل لا جذور ولا أسباب له، حتى ولو كانت أسباباً مباشرة لا يتخطى عمرها أشهراً قليلة، ولا ضرورة للذكر بأن هذا التجاهل يطال 75 عامًا من النكبة الفلسطينية.

 إلى جانب حرب التجويع والتطهير والتهجير التي يدفع ثمنها أهالي غزّة، تحت أنظار العالم، والتي ستشكّل وصمة عارٍ في جبين البشرية لعقود، إضافة إلى الشرّ الذي تضمره للفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، فإن حكومة نتنياهو أعلنت رسمياً بدء الاجتياح البري لمنطقة رفح، على رغم الرفض والتحذيرات الدولية، محتمية بالغطاء الأميركي والبريطاني.

 يتزامن اجتياح رفح بتصعيد هجمات الجيش الإسرائيلي على قرى الجنوب اللبناني، فإسرائيل تُفاقم بسلوكها وخطابها على حد سواء من احتمالات اندلاع حربٍ شاملة، وذلك تماماً على عكس “حزب الله”، الذي يظهر التناقض بين سلوكه وخطابه على أكثر من مستوى، فيما تستمرّ التساؤلات في الداخل اللبناني حول الجدوى الفعلية لـ “المناورة” التي بدأها الحزب في جنوب لبنان.

غايات سياسية لحزب الله

لو نظرنا إلى المسألة من جانبٍ أخلاقي بحت، لقلنا أن ما يفعله الحزب هو عين الصواب، فهو أقل ما يمكن فعله رفضاً للإبادة التي تتعرّض لها غزة وسط صمت وتواطؤ عربي مشين.

 ولكن الحزب نفسه كان قد شارك، بشكل أو بآخر، وإلى هذا الحد أو ذاك، في عملية إبادة وتجويع وتهجير شعب سوريا ومعاقبته جماعياً، بما في ذلك تدمير مخيم اليرموك الفلسطيني، بحجّة مقاتلة تنظيم “داعش” والفصائل السنيّة المتطرّفة، ولا ضرورة هنا أيضاً للتذكير بأوجه التماثل بين ما حصل في سوريا وما يحصل في غزّة من ممارسات للعقاب الجماعي بحجة “كذا وكذا”.

 لذا، السؤال الأخلاقي يرتبط بالفاعل أيضاً، وليس بالفعل وحده. فما يقوم به “حزب الله” اليوم، رغم صوابه أخلاقياً، وعلى رغم ما يقدّمه على صعيد كوادره ومقاتليه بوجه الجيش الإسرائيليّ، فإن الغاية المباشرة منه تبدو سياسية وليست أخلاقية. وهذا التفسير ليس بهدف شيطنة أي غاية سياسية كانت أو التقليل من شأنها، بل هو تحديدٌ ضروري. 

وللتصويب أكثر، فإن هذه الغاية السياسية لا تتعلّق بالقضية الفلسطينية حصراً، ولا بالبعد الاستراتيجي للصراع اللبناني-الإسرائيلي فقط، كما لا تقتصر أيضاً على عقيدة الحزب الدينية، بل هي، وبالدرجة الأولى، تشكل ركناً أساسياً في جدول الأعمال الإيراني في المنطقة. 

وهنا يجب على السياسيين والإعلاميين اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين الاهتمام بالأجندة الخارجية لإيران وتقييمها موضوعياً، بما يخدم مصلحة شعوبهم أولاً، عوضاً عن الانشغال بالنتائج وإعلان الاصطفافات المسبقة والإسهام في إثارة المشاعر الطائفية والقبلية دون أي بحث أو تفكير، أو الاكتفاء بترتيب كل شيء في عملية ذهنية خاملة ضمن خانتي “الممانعة” أو “السيادة”.

ما الذي تريده إيران؟

 السؤال الأساسي هنا ليس ما يريده “حزب الله” من الانخراط في معارك جزئية قابلة للتطوّر سريعًا إلى حربٍ كبيرة، بل هو ما الذي تريده إيران؟ وهذا السؤال لا يجب أن يُطرَح في إطار اتهامي، بل يجب أن يُطرَح اليوم؛ لأنه يفرض نفسه أكثر من أي وقتٍ مضى، وعلى جوابه يبنى المقتضى. 

الكل صار يعلم ما الذي تريده إسرائيل اليوم: تهجير أهل غزّة والاستيلاء على الأرض، تمهيدًا للسيطرة الكاملة، وربما الاستيلاء العسكري على كامل الأراضي الفلسطينية، “من النهر إلى البحر”.

 ولا يشكّل رفض “حل الدولتين” من قبل الحكومة الإسرائيلية سوى تأكيداً وتثبيتاً لهذا الاتجاه، كما أن الأصوات الإسرائيلية المتطرّفة لم تعد خجولة في التعبير عن مساعيها ومخططاتها الإبادية. ولكننا لا نعلم ما الذي تريده إيران حقاً، ولا نعلم ما هو موقعنا، كشعوب، ضمن الأجندة الإيرانية. ولا نعلم ما الذي تريده إيران من المعارك المستمرة في جنوب لبنان، رغم ثبوت عدم تأثيرها الفعلي في إيقاف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزّة.

في حالة إسرائيل التي أعلنت “حالة الحرب” منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول، يبدو العداء لنا واضحاً في الخطاب الإسرائيلي. ولكن في حالة إيران، فنحن لا نعلم ما إذا كانت مصالحنا كشعوب تدخل في الحسابات الإيرانية أساساً أم أننا مجرد بيادق على رقعة شطرنج، مع أن التجربة السورية المريرة ترجّح الخيار الثاني. الثابت أنه رغم الأحداث الدامية وهول ما نشهده في غزّة، من حقنا أن نطرح السؤال التالي، ونعيد التأكيد عليه: ما الذي تريده إيران منا حقاً؟

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.