fbpx

صيد الأسماك في غزة… مهنة “مغمّسة بالدم” لتفادي المجاعة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“قرار دخول البحر مجازفة كبيرة في ظل الحرب الإسرائيلية العنيفة وانتشار الزوارق الحربية للجيش الإسرائيلي في المياه، ولكن لا خيار آخر لدي، فالحياة صعبة ولا طعام نأكله، والأسعار أصبحت جنونية”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مع ساعات الصباح الأولى، يبدأ الصياد محمد البردويل ترتيب شباك صيده ووضعها على قاربه الصغير جداً في بحر مدينة رفح جنوب قطاع غزة، لبدء رحلة يعلم أنه قد يموت خلالها في أي وقت من خلال استهدافه من الزوارق التابعة للبحرية الإسرائيلية.

يتجاهل البردويل التفكير في خطر تعرّضه لقذيفة من زورق إسرائيلي خلال عمله في البحر، ويركز كل تفكيره وطاقته على الوصول إلى مسافة 500 متر في البحر قرب الشاطئ، لرمي شباكه والعودة ببعض الأسماك لسد جوع أطفاله وبيع الفائض منها في الأسواق.

نجا الصياد البردويل مراراً من قذائف الزوارق الإسرائيلية، وعلى رغم ذلك يصرّ على استمرار العمل في مهنة الصيد لعدم وجود مصدر رزق آخر له، وحاجة أطفاله الى الأكل في ظل المجاعة التي تضرب قطاع غزة.

بوجه شاحب خائف يقول البردويل: “قتلت الزوارق الإسرائيلية أكثر من 14 صياداً في بحر رفح وخان يونس جنوب قطاع غزة وعلى مسافة قريبة جداً من الشاطئ، وبقيت جثث البعض منهم داخل البحر. وعلى رغم ذلك، نواصل الصيد لإطعام أطفالنا وتوفير بعض الأموال لنا في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار في الأسواق”.

ويضيف: “في كل يوم، أصطاد قرابة الـ5 كيلوغرامات من أسماك السردين المحبوبة لدى سكان قطاع غزة، والقليل من حبات الجمبري والتونة. أبيع 4 كيلوغرامات منها في الأسواق، ويتناول أطفالي الثلاثة كيلوغراماً واحداً”.

النجاة من البحريّة الإسرائيليّة

في بحر مدينة خان يونس التي تتعرض لهجوم إسرائيلي لأكثر من ثلاثة أشهر، يبحر الصياد محمود الجوراني يومياً لمسافة تتراوح بين 500 إلى 800 متر داخل البحر، بحثاً عن بعض الأسماك لتوفيره لعائلته وتحصيل بعض المال.

يصر الجوراني الذي لديه 5 أبناء منهم أحمد (18 عاماً)، على دخول البحر لوحده على رغم حاجته الى مساعدة ابنه لرمي الشباك والتجديف لمواجهة ارتفاع الأمواج، وذلك خوفاً عليه وتجنباً لتعرضه للقتل في حال قصف الاحتلال مركبه الصغير.

يقول الجوراني: “قرار دخول البحر مجازفة كبيرة في ظل الحرب الإسرائيلية العنيفة وانتشار الزوارق الحربية للجيش الإسرائيلي في المياه، ولكن لا خيار آخر لدي، فالحياة صعبة ولا طعام نأكله، والأسعار أصبحت جنونية”.

يضيف: “أدخل البحر عند الساعة الثامنة صباحاً وأحاول سريعاً رمي الشباك وإنهاء المهمة في أقل من ساعة، لأن الزورق الإسرائيلي يحدّق بي طيلة الوقت، وأتخيل في كل ثانية أن تصلني قذيفة منه تمزق جسدي وترميني بالبحر كما فعلت بـ4 من أصدقائي”.

لا ينجح الجوراني في الخروج بكمية وفيرة من الأسماك في كل يوم يدخل فيه البحر بسبب عدم تمكنه من أخذ وقته الكافي لرمي الشباك والانتظار بشكل مناسب لدخول الأسماك فيها. فيعود الجوراني الذي فقد منزله بقصف إسرائيلي، في أحسن أيامه من الصيد بـ7 كيلوغرامات من الأسماك، بخاصة أنواع السردين الموجودة بشكل كبير في بحر قطاع غزة، والتي يفضّل سكان القطاع تناولها.

والى جانب الجوراني، ينشغل الصياد محمد الهسي في تجهيز قاربه الصغير الذي يعمل على “المجداف” أي من دون محرك بسبب الخشية من قصفه في عرض البحر من الزوارق الإسرائيلية.

وكحال باقي الصيادين، يتخوّف الصياد الهسي من استهدافه من الزوارق الإسرائيلية القريبة جداً من الشاطئ خلال رحلة البحث عن لقمة العيش، ولكنه مضطر للمخاطرة بحياته لإطعام أطفاله.

وسبق وتعرض قارب الهسي لقصف إسرائيلي عند شاطئ بحر خان يونس، ونجا بأعجوبة من موت محقق.

ونصت اتفاقية أوسلو الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، على أن المسافة القانونية التي يُسمح للفلسطينيين بالتحرك داخلها بحرية من دون أي اعتراضات إسرائيلية، هي 20 ميلاً بحرياً.

“قتلت الزوارق الإسرائيلية أكثر من 14 صياداً في بحر رفح وخان يونس جنوب قطاع غزة وعلى مسافة قريبة جداً من الشاطئ، وبقيت جثث البعض منهم داخل البحر. وعلى رغم ذلك، نواصل الصيد لإطعام أطفالنا وتوفير بعض الأموال لنا في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار في الأسواق”.

أسعار جنونية

عند ميدان العلم غرب مدينة رفح، يعرض صيادون وبائعون القليل من الأسماك التي تمكنوا من اصطيادها خلال ساعات الصباح، ويباع كيلوغرام السمك بـ100 شيكل (30 دولاراً)، في حين كان قبل الحرب يصل إلى 12 شيكلاً، ويبلغ سعر كيلوغرام الجمبري في حال توافر 150 شيكلاً (45 دولاراً) فيما كان قبل الحرب 50 شيكلاً.

لا يوجد مشترون للأسماك على رغم حاجة الناس الى الطعام وتأمينه لأطفالهم، بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الكمية الموجودة وعدم امتلاك الكثير من النازحين هذه المبالغ لتوفير وجبة إفطار من الأسماك لعائلاتهم، بخاصة مع دخول الشهر السادس، وتوقف الدخل عند الكثير منهم.

يقول رائد صافي، أحد بائعي الأسماك في مدينة رفح: “تمر عملية توفير الأسماك بصعوبات كبيرة، أبرزها تعرض الصيادين لقصف إسرائيلي مجرد دخولهم البحر، وبمعاناة كبيرة لإحضار الأسماك وبيعها في الأسواق”.

يوضح صافي أن أسعار الأسماك باهظة الثمن، إذ وصل سعر كيلوغرام الدنيس إلى 160 شيكلاً، في حين لم يكن يتعدى الـ50 شيكلاً قبل الحرب.

يأتي الكثير من النازحين وفق صافي، لالتقاط بعض الصور مع الأسماك، ويتجنبون شراءها بسبب ارتفاع سعرها. كما يشتكي بائع الأسماك والصياد إسماعيل النجار من عدم وجود مشترين لفرش الأسماك الذي عرضه عند ميدان العلم بسبب الارتفاع الكبير في أسعاره وعدم تمكّن الناس من شرائه.

يقول النجار: “أقل كيلوغرام سمك يباع بـ100 شيكل (30 دولاراً) والناس غير قادرة على ذلك وتريد شراء الكيلوغرام بـ30 شيكلاً”. ويوضح أن الصيادين يواجهون كل يوم عمل داخل البحر خطر الموت، إذ يُقتل يومياً صياد، ويصاب آخرون، ويتم بتر إما أقدامهم أو أيديهم.

يؤكد نقيب الصيادين الفلسطينيين نزار عياش، أن الصياد الفلسطيني ملاحق من سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ 17 عاماً، بالاستهداف والاعتقال، لكن ذلك تجلّى بوضوح في الحرب الحالية.

يوضح عياش، أن سلطات الاحتلال دمرت الكثير من قوارب الصيادين، ومنعت إصلاح المتبقي منها من خلال فرض قيود على أدوات الصيانة والمولدات والقوارب.

تحذير أممي 

تؤكد الأمم المتحدة، أن المجاعة أصبحت حقيقة “ولم يعد من الممكن تفاديها” في قطاع غزة، حيث يعيش حوالى 2.2 مليون شخص.

وبّين تقرير الأمم المتحدة حول الأمن الغذائي في قطاع غزة، أن الحد الأقصى لانعدام الأمن الغذائي الحاد للمجاعة قد تم تجاوزه بشكل كبير، وأن سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة يتقدم بوتيرة قياسية نحو العتبة الثانية للمجاعة. وذكر أن معدلات الوفيات غير الناجمة عن إصابات الرضوح ــ وهي المؤشر النهائي للمجاعة ــ تتسارع ولكن البيانات تظل محدودة، كما هي الحال في مناطق الحروب.

أفاد التقرير أيضاً بأن جميع سكان غزة يواجهون مستويات توصف بالأزمة في انعدام الأمن الغذائي أو أسوأ. وذكر أن نصف عدد السكان، 1.1 مليون شخص في غزة، قد استنفدوا بالكامل إمداداتهم الغذائية وقدراتهم على التكيف، ويعانون من الجوع الكارثي (المرحلة 5 من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي) والتضور جوعًا.