fbpx

قانون “سيزر” الأميركي لحماية المدنيين في سوريا: بوابة أمل أم إطالة للمعاناة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أتاح قانون “سيزر” للولايات المتحدة معاقبة أي شركة دولية تساهم في قطاعات الطاقة أو البناء أو الهندسة في سوريا، وأي شخص يمول النظام. مما يعني أن روسيا وإيران ستدفعان ثمن جرائمهما بحق المدنيين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل نهاية العام المنصرم بأيام، صادق الرئيس الأميركي دونالد ترامب على قانون “سيرز” لحماية المدنيين في سوريا، فهل يكون القانون بداية الطريق لإنهاء النفق المظلم الذي عاشته البلاد وشعبها خلال السنوات السابقة، أم سيطيل مدة معاناتهم لسنوات آتية حتى الوصول إلى انتقال سياسي يضمن تحقيق مطالبهم بالحرية والعدالة وعودة اللاجئين والنازحين منهم إلى بلادهم؟

من أين جاءت تسمية القانون؟ 

تعود تسمية قانون “سيزر” (قيصر) نسبة إلى اسم مستعار أطلق على مصور سوري منشق عن جيش الأسد عام 2013، واتخذ هذا اللقب كاحتياط أمني للحفاظ على حياته. وكان مصوراً لدى الشرطة العسكرية السورية، وكلف بتصوير جثث المدنيين من ضحايا التعذيب والقتل، وقام بتسريب 55 ألف صورة، بمعدل أربع صور تحديداً لكل جثة، أي أن صوره وثقت ما يزيد عن 11 ألف ضحية سقطوا تحت التعذيب في سجون الأفرع الأمنية لنظام الأسد. تمكن قيصر من الوصول إلى فرنسا ومنها إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 2014، وعرض أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس شهادته وقدم الملفات التي بحوزته، ومن ثم تم تشكيل فريق تحقيق دولي لبحث جرائم الحرب المرتكبة في سوريا، تأكدت من صدقية الصور.

مراحل القانون

قال قيصر في خطابه إلى الكونغرس “جئت لأوجه رسالة لكم الرجاء أوقفوا القتل في سوريا، هناك مذابح ترتكب والبلاد تدمر من دون رحمة، هناك عشرة آلاف ضحية لن يعودوا إلى الحياة، كانت لهم أحلام وطموحات وعائلات وأصدقاء، لكنهم قضوا في سجون الأسد، السوريون يطالبونكم بفعل شيء مثلما فعلتم في يوغوسلافيا السابقة”.

تعود تسمية قانون “سيزر” (قيصر) نسبة إلى اسم مستعار أطلق على مصور سوري منشق عن جيش الأسد عام 2013.

رحلة قانون قيصر بدأت عام 2016 وقد صوت مجلس النواب في الكونغرس الأميركي عليه مرتين في عامي 2016 و2017، إلا أنه لم يتمكن من الوصول إلى مجلس الشيوخ حتى عام 2019، بسبب كثافة القوانين الأميركية المختارة للنقاش في الأعوام السابقة، إلى أن تم الحاقه ضمن موازنة وزارة الدفاع لعام 2020. وصوَّت على القانون مجلس النواب الأميركي بموافقة 377 نائباً ومعارضة 47 آخرين، ومن ثم تم التصويت عليه في مجلس الشيوخ بأغلبية 86 صوتاً بمقابل رفض 8، بحسب وكالة (CNN) الأميركية، وأصبح نافذاً من تاريخ 21 كانون الأول/ ديسمبر عام 2019 عندما وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

أبرز الفقرات التي تضمنها “سيزر”

  • مدة القانون 5 سنوات تبدأ من تاريخ توقيع الرئيس الأميركي عليه، وفي موعد لا يتجاوز 180 يوماً من تاريخ سن هذا القانون، اللوائح اللازمة لتنفيذه.
  • عقوبات تشمل البنك المركزي السوري: في موعد لا يتجاوز 180 يوماً من تاريخ سن القانون، يحدد وزير الخزانة الأميركي ما إذا كان البنك هو مؤسسة مالية تعنى أساساً بغسل الأموال. وإذا قرر وزير الخزانة بموجب القسم الفرعي (أ) أن هناك أسباباً منطقية لاستنتاج ذلك، يقوم السكرتير مع الهيئات التنظيمية الفيدرالية بفرض واحد أو أكثر من التدابير الخاصة الموصوفة في القسم 5318A (b) من العنوان 31 من قانون الولايات المتحدة.
  • من تشمل العقوبات؟ بعد 180 يوماً من تاريخ سن القانون، يفرض الرئيس الأميركي العقوبات المنصوص عليها في الفقرة الفرعية (ب) في ما يتعلق بشخص أجنبي إذا قرر الرئيس أن الشخص الأجنبي، في هذا التاريخ من التشريع أو بعده، انخرط عن علم في أحد الأعمال التالية:
  • يوفر عن علم دعماً مالياً أو مادياً أو تقنياً مهماً، أو ينخرط عن علم في صفقة كبيرة – مع:

(*) الحكومة السورية (بما في ذلك أي كيان تملكه أو تسيطر عليه الحكومة السورية) أو شخصية سياسية رفيعة في الحكومة السورية، أو شخص أجنبي، مقاول عسكري، أو مرتزق، أو قوة شبه عسكرية يعمل عن عمد، بصفة عسكرية داخل سوريا لمصلحة حكومة سوريا أو باسمها، أو حكومتي روسيا أو إيران. أو شخص أجنبي خاضع للعقوبات بموجب قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولي (50 1701 U.S.C. وما يليها)، في ما يتعلق بسوريا أو أي حكم قانوني آخر يفرض عقوبات على سوريا. أو إذا كان يبيع أو يقدم سلعاً أو خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات أو دعماً مهماً أو أي دعم آخر يسهل بشكل كبير صيانة أو توسيع الإنتاج المحلي للحكومة السورية للغاز الطبيعي أو البترول أو المنتجات البترولية. أو يبيع أو يقدم عن عمد قطع غيار للطائرات أو قطع الغيار التي تستخدم لأغراض عسكرية في سوريا لمصلحة الحكومة السورية أو نيابة عنها، لأي شخص أجنبي يعمل في منطقة تخضع لسيطرة مباشرة أو غير مباشرة من قبل الحكومة السورية أو القوات الأجنبية المرتبطة مع الحكومة السورية. وفي حال كان يوفر عن علم سلعاً أو خدمات مهمة مرتبطة بتشغيل الطائرات التي تستخدم لأغراض عسكرية في سوريا، لمصلحة الحكومة السورية أو نيابة عنها لأي شخص أجنبي يعمل في منطقة موصوفة في الفقرة الفرعية. أو يقدم عن علم، بشكل مباشر أو غير مباشر، خدمات بناء أو هندسة مهمة إلى الحكومة السورية.

ما العقوبات التي ستُفرَض؟

  • حجب الملكية: يمارس الرئيس جميع الصلاحيات الممنوحة له بموجب قانون الطوارئ الاقتصادية الدولية لمنع وحظر جميع المعاملات في الممتلكات، والمصالح في ممتلكات الشخص الأجنبي إذا كانت هذه الممتلكات والممتلكات موجودة في الولايات المتحدة، أو تكون في حوزة شخص من الولايات المتحدة أو سيطرته.
  • من تشمله العقوبات يصبح، غير مقبول للولايات المتحدة أي غير مؤهل للحصول على تأشيرة أو وثائق أخرى لدخول الولايات المتحدة. وأيضاً غير مؤهل لقبوله أو إعادته إلى الولايات المتحدة أو الحصول على أي منفعة أخرى بموجب قانون الهجرة والجنسية (8 U.S.C. 1101 وما يليها). وتلغى تلقائياً أي تأشيرة سارية أو تأشيرة دخول أخرى موجودة في حيازة الأجنبي.
  • في موعد لا يتجاوز 180 يوماً من تاريخ سن هذا القانون، يقوم الرئيس باطلاع الكونغرس على استراتيجيته للمساعدة على تسهيل قدرة المنظمات الإنسانية على الوصول إلى الخدمات المالية، للمساعدة وتسهيل توصيل المساعدات بشكل آمن وفي الوقت المناسب للمجتمعات المحتاجة في سوريا (وبهذا استثنت العقوبات المنظمات الإنسانية التي تقدم مساعدات للشعب السوري من العقوبات).

تعليق العقوبات

أجاز القانون للرئيس الأميركي أن يعلق كلياً أو جزئياً فرض العقوبات التي يتطلبها هذا القانون لفترات لا تتجاوز 180 يوماً، إذا قرر الرئيس أن المعايير التالية قد استوفيت في سوريا من قبل من قبل حكومة سوريا أو حكومة الاتحاد الروسي أو حكومة إيران أو شخص أجنبي الوارد وصفه في المادة 102 (أ) (2) (أ) (2):

  • لم تعد تستخدم المجال الجوي فوق سوريا لاستهداف السكان المدنيين من خلال استخدام الأجهزة الحارقة، بما في ذلك البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية والأسلحة التقليدية، بما في ذلك الصواريخ والمتفجرات.
  • لم تعد المناطق المحاصرة معزولة عن المساعدات الدولية وإمكان الوصول بانتظام إلى المساعدات الإنسانية، وحرية السفر، والرعاية الطبية.
  • توقف استهداف للمرافق الطبية والمدارس والمناطق السكنية وأماكن التجمع المدني بما في ذلك الأسواق، في انتهاك للمعايير الدولية.
  • إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين الذين يتم احتجازهم قسراً في نظام السجون في نظام بشار الأسد، وسماح الحكومة السورية بالوصول الكامل إلى التسهيلات نفسها لإجراء التحقيقات من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية المناسبة.
  • أن تسمح الحكومة السورية بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة للسوريين الذين شردهم النزاع.
  • أن تتخذ الحكومة السورية خطوات يمكن التحقق منها لإقامة مساءلة ذات معنى لمرتكبي جرائم الحرب في سوريا والعدالة لضحايا جرائم الحرب التي يرتكبها نظام الأسد، بما في ذلك المشاركة في عملية حقيقية وموثوقة للحقيقة والمصالحة.

تأثير القانون في حلفاء الأسد

أتاح قانون “سيزر” للولايات المتحدة معاقبة أي شركة دولية تساهم في قطاعات الطاقة أو البناء أو الهندسة في سوريا، وأي شخص يمول النظام. وهذا يعني أن روسيا وإيران ستدفعان ثمن جرائمهما بحق المدنيين في سوريا، بسبب تورطهما المباشر في جرائم حرب الأسد، وستشمل العقوبات “المرتزقة” الروس والميليشيات الإيرانية التي تقاتل إلى جانب قوات النظام. فالقانون يتيح فرض عقوبات على هيئات روسية وإيرانية توفر دعماً مالياً ومادياً وتكنولوجياً لقطاعات الطاقة والدفاع والبناء السورية، أو أي جهات تساهم في إعادة الإعمار، إذ ستكون معظم المؤسسات الروسية عرضة للعقوبات، ابتداء من الجيش الروسي وقيادته، وصولاً إلى منتجي الأسلحة ورجال الأعمال والمقاولين العسكريين الخاصين وصناعة الطاقة. وسيرغم القانون حكومة بوتين على ممارسة ضغط ملموس على النظام، الذي يرفض الدخول في مفاوضات اللجنة الدستورية والعملية السياسية. كما ستشمل العقوبات الميليشيات المسلحة العراقية والافغانية واللبنانية المدعومة إيرانياً. وهذا الضغط قد يساهم بانسحاب القوات الإيرانية من سوريا، وبخاصة مع ما يمر به حلفاء إيران في العراق ولبنان من أزمات سياسية واقتصادية خانقة تزيد من مشكلات إيران وحلفائها مع انطلاق ثورات شعبية في هذه الدول.

أما في ما يخص تأثير القانون في النظام السوري، فهو إضافة إلى العقوبات، يضعه في خانة الدول المعزولة دولياً، ويمثل عامل ردع كبير له ويوجه رسالة واضحة بأن لا إعادة اعمار في سوريا بوجود الأسد. كما أن مواقف الدول الأوروبية ستتبلور قريباً بما يتماشى مع قانون “سيزر”، ودول الخليج لم يعد بإمكانها بعد هذا القانون القيام بما يخالفه كإعادة العلاقات الديبلوماسية. وسيُعرّضُ القانون الشركات التي كانت تنوي الاستثمار في السوق السورية في مرحلة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار، مثل الشركات اللبنانية والخليجية التي أسست لتكون واجهات النظام للاستثمار، والشركات العالمية كشركة “هواوي” الصينية، و”سيمنز” و”إريكسون”، وكذلك شركات النفط والغاز وشركات التأمين والمقاولات والبناء والمجالات الأخرى، والممولين وشركات الاستثمار ومقدمي الخدمات ورجال الأعمال، جميعها ستمتنع عن دخول السوق السورية لأنها ستخضع لعقوبات وزارة الخزانة الأميركية.

والقانون سيجبر نظام الأسد على الرضوخ للقرارات الدولية، فهو لا يقتصر على العقوبات فقط، إنما تضمن بنداً لتعليق العقوبات في حال تخلى عن سياساته الحالية، وساعد على إيجاد بيئة مناسبة لانطلاق العملية السياسية بما في ذلك الإفراج عن المعتقلين السياسيين، ووقف استهداف المدنيين، وايقاف قصف المرافق الحيوية، والسماح بعودة طوعية آمنة وكريمة للاجئين والمهجرين قسرياً.

استحقاقات تنتظر المعارضة السورية

قانون “سيزر” جاء نتيجة عمل كبير قام به اللوبي السوري داخل الولايات المتحدة، لا سيما “المجلس السوري الأميركي” ومنظمات سورية وأميركية مختلفة، إضافة إلى تقارير المنظمات الحقوقية السورية التي وثقت الانتهاكات في سورية، فهناك منظمة ساعدت في استدعاء قيصر وأخرى أمنت له التأشيرة. وهناك منظمات وأفراد جلسوا في المكاتب مع أعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب، لترتيب صوغ القانون وكتابته والطريقة الأمثل لذلك وصولاً إلى إقراره، وعملهم الحقيقي بدأ مع الحكومة الأميركية بتقديم المعلومات عن الأسماء والجهات التي تقدم خدمات للنظام، أو تشترك معه في انتهاكاته ضد السوريين، ومتابعة إجراءات القانون وتنفيذه، حتى يتحقق المُراد منه.

أجاز القانون للرئيس الأميركي أن يعلق كلياً أو جزئياً فرض العقوبات التي يتطلبها هذا القانون لفترات لا تتجاوز 180 يوماً.

وعلى قوى المعارضة السورية المختلفة وبخاصة في دول الاتحاد الأوروبي العمل سياسياً وإعلامياً ودعوة الدول الأوروبية والحليفة لها، لدعم العقوبات الأميركية ضد نظام الأسد وداعميه، ودفعها لسنِّ تشريعات مشابهة لقانون قيصر، بخاصة أن الشاهد قيصر، عرض في المجلس الأوروبي في بروكسيل، جميع ما وثقه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، التي مارسها نظام الأسد في سجونه.

وعلى قوى المعارضة إطلاق حملات إعلامية مكثفة في الولايات المتحدة، والدول الأوروبية لشرح جرائم النظام بحق السوريين، وتعزيز دعم الرأي العام في تلك الدول لأي خطوات تتخذ لمعاقبته، وإعطاء أولوية فرض عقوبات اقتصادية صارمة على مؤسسات النظام وشخصياته، وتعميق أزمته الداخلية، ثم الدفع باتجاه فرض عقوبات على الأطراف والهيئات والأشخاص الذين بنوا علاقات تجارية أو مالية مع النظام، لمنع أي إمكان للتحايل والالتفاف على العقوبات ضد الأسد وحلفائه.

تأثير العقوبات في أوضاع السوريين

قبل صدور “سيزر”، كانت أوضاع السوريين المعيشية في أسوأ أحوالها، وبعد القانون ستتأثر لا محالة. وذكرت الأمم المتحدة في تقرير عن الاحتياجات الإنسانية في سوريا لعام 2019، أن 83 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر. وتضمن القانون استمرار المساعدات الإنسانية واستثنى المنظمات الإنسانية من عقوباته، فالقانون لم يستهدف سوى مؤسسات النظام كما أن انهيار الليرة الحالي سبق صدور هذا القانون وسيستمر بعده في ظل غياب أي خطة لحكومة الأسد لتحسين هذه الأوضاع وانتشار الفساد في أركان النظام الذي لا يعنيه إلا استمراره في الحكم. وهو يتحمل مسؤولية تدمير المدن والقرى والبنى التحتية والمنشآت الاقتصادية، كما هجر نصف الشعب السوري وقتل ما يزيد عن 500 ألف مدني. القانون سيترك أثراً واضحاً معنوياً على تذبذبات سعر صرف الليرة والتحويلات المصرفية، وانخفاض القوة الشرائية لليرة السورية. وسيترافق مع ارتفاع في المستوى عام للأسعار وهذا بدوره سينعكس سلباً على الوضع المعيشي، لذا لن يكون أمام السوريين موالاة ومعارضة إلا العمل على استبدال هذا النظام الذي دمر البلاد وجلب لها العقوبات والاحتلالات الأجنبية.