fbpx

“لاروخا” الإسبان… الثور الهائج في الحلبات الروسية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تدين كرة القدم لإسبانيا، في العقدين الأخيرين، بإضفائها الجمال الاستعراضي والقوة الناجعة على اللعبة. هيمنة الأندية الإسبانية على الملاعب الأوروبية طوال السنوات الماضية.أرجحية فوز إسبانيا في هذا المونديال كبيرة، لأنها “جائعة”… كأس واحدة في تاريخها لا تكفي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تدين كرة القدم لإسبانيا، في العقدين الأخيرين، بإضفائها الجمال الاستعراضي والقوة الناجعة على اللعبة. هيمنة الأندية الإسبانية على الملاعب الأوروبية طوال السنوات الماضية، هي ترجمة طبيعية للتطور الباهر في الفكر الكروي الذي اعتمدته هذه الأندية، وتأصيلها لمزيج من المدارس الكروية أدى إلى ظهور تلك الفلسفة الخاصة بالمنتخب الإسباني.

لا خيانة للإرث

الأسلوب البرازيلي في نادي إشبيلية، الكرة الشاملة الهولندية في برشلونة، الهجوم الجماعي لريال مدريد، الدفاع الإيطالي لأتلتيكو مدريد… إذا مزجنا كل هذا، مع روح الـ”لا فوريا” (الغضب، بالإسبانية)، يتكوّن لدينا منتخب له الحق الكامل بطلب بطولة العالم.

من تقنية “التيكي تاكا” البرشلونية التي تمنح الاستحواذ وتدوخ الخصم وتنهكه، إلى السرعة في الهجمات المرتدة في عقل اللاعب المدريدي، بالتكامل مع متانة دفاعية عالية التحصين عند معظم اللاعبين الإسبان، مضافة إليها ترسانة جديدة من اللاعبين الشبان، الذين أثبتوا أنهم خير خلف لتلك الكوكبة الذهبية التي حملت الكأس عام 2010، يتألف فريق إسباني بات مرشحاً أساسياً للتتويج في مونديال روسيا.

لن يخون المدرب الجديد جولين لوبتيغوي الإرث الغني الذي خلّفته حقبة المدرب المحنك لويس أراغونيس رائد نهضة إسبانيا، ومن بعده قائد المسيرة المظفرة في بطولة أوروبا وفي بطولة العالم ديل بوسكي، لكنه لن يكرر خطيئة ديل بوسكي في العام 2014، حين تردد بضخ الدماء الجديدة فدفع المنتخب الثمن الباهظ بالخروج المبكر، إثر هزيمتين متتاليتين أمام هولندا وتشيلي. كذلك، لن يخرج لوبتيغوي عن مبادئ الكرة الإسبانية وفلسفتها، خصوصاً تلك النسخة البديعة التي بلورها بيب غوارديولا في برشلونة.

شطرنج وتيكي تاكا

حتى الآن يبدو المنتخب الإسباني في الطريق الصحيح. في مارس\ آذار الماضي، تغلبت إسبانيا على الأرجنتين 6-1 في مباراة ودية وتحضيرية. أظهر هذا الفوز العريض أن نتائج المنتخب في التصفيات المؤهلة لم تكن مجرد ضربة حظ. لقد تأهل “لا روخا” من دون أي خسارة، إذ فاز بتسع مباريات وتعادل بواحدة. وفي الأثناء اختبر المدرب 44 لاعباً، قبل أن ينتقي اللائحة الرسمية. وقد لجأ لوبتيغوي إلى التنويع في خطط اللعب والتوزيع في الخطوط والمراكز. اختبر أفكاره بقدر ما استكشف قدرات لاعبيه. هذا الأداء طوى صفحة خيبات 2014.

يتقن المنتخب الإسباني التموضع في أرض الملعب، ويتولى كل لاعب مهمات متعددة تختلف بين حال الدفاع وحال الهجوم. على هذا النحو، يتحرك الفريق كما في الشطرنج بتناسق جماعي وانضباط صارم، معتمداً تقنية “التيكي تاكا”، التي تسمح بالتفوق العددي في كل جهة من الملعب، وممارسة الضغط على الخصم من كل المواقع والخطوط، مع استحواذ على الكرة لأطول وقت ممكن. أما البراعة الإسبانية التي تهدّ أعصاب الخصم فهي التحكم بإيقاع اللعب، بين البطء المخدر والسرعة المرهقة، عبر التمريرات الأرضية القصيرة، التي فجأة تتحول إلى جملة بسيطة خلف خطوط دفاع الخصم وهدف خاطف.

وعندما تراخى برشلونة في أداء هذا الأسلوب، جاء زين الدين زيدان ليصقله مع رجاله في ريال مدريد، في ما كان يمارسه اللاعبون الإسبان في الدوري الإنكليزي، وعلى رأسهم “الفيلسوف” بيب غوارديولا في مانشستر سيتي.

أعمدة الهيكل

مَنْ نعرفه مِن الأساسيين والمخضرمين، الأعمدة الذين لا غنى عنهم، سيعتمد عليهم لوبتيغوي كهيكل متين لفريق متخم بالمواهب الجديدة. سيبقى “الرسام” أندرياس أنييستا، رهاناً رابحاً في الحفاظ على تلك الأريحية الفنية بتمريراته المبدعة التي تجعلنا نشهق بعبارة “يا عين” كما صرخة الجمهور الاسباني “أولي”… وبالطبع، سيكون ذاك “الجندي المجهول” سيرجيو بوسكيتس في موقع لاعب الارتكاز الفريد من نوعه، الكاسح الأول (المكنسة العجيبة) وصمام الأمان، ومنطلق بناء الهجمات، والصلة المتينة بين الدفاع والوسط، هذا اللاعب الذي يشبه المصد في مقدمة السيارات لامتصاص الضربات، هو واحد من الأوراق الرابحة للمنتخب.

تستطيع إسبانيا إعلان الثقة بإفراط لحيازتها خط دفاع فولاذياً: نتحدث هنا عن “المصارع” سرجيو راموس، العنيف، الذي لا يتورع عن تكسير العظام. ومعه في محور الدفاع، جيرار بيكه الملقب بـ”الأساسي” أو “بيكيه نباور” (نسبة إلى فرانز بكينباور الألماني)، المنقذ الدائم في اللحظة الأخيرة لأي كرة تهدد المرمى. وهما معاً يشتهران أيضاً بتسجيل الأهداف بالرأس. على الميمنة، داني كارفاخال الذي ثبت أقدامه بجدارة في تشكيلة ريال مدريد الأساسية، خصوصاً بقدراته البدنية وسرعته في مساندة الهجوم. الظهير الأيسر الرائع جوردي ألبا، الذي تنطبق عليه العبارة الموصوفة لمحمد علي كلاي: يطير كفراشة ويلسع كنحلة. قصير مكير، ببنية جسمانية ضئيلة تمنحه الخفة. الظهيران، كارفاخال وألبا هما مصدر القلق الكبير لمن سيواجه إسبانيا. في التشكيلة الدفاعية سيكون موجوداً على الأرجح ناتشو (ريال مدريد). خلفهم يربض الحارس الأول ديفيد دي خيا (مانشستر يونايتد)، والحارس الثاني بيبي رينا (المنتقل من نابولي إلى ميلان)، والثالث كيبا أريزابالاغا (أتلتيك بلباو).

وإذ ننظر إلى خط الوسط، حيث تنعقد كل “الحيلة” الإسبانية ويرتكز عليه الفكر الكروي لـ”لا روخا” (والكرة الحديثة كلها تضع ثقلها في خط الوسط)، فلدى لوبتيغوي خيارات واسعة ومحيرة: من ينتقي منهم ومن يقصي. بالتأكيد أنييستا حاضر، وطبعاً لا بد من ديفيد سيلفا بنزعته الهجومية وبوصفه صانع الألعاب الذي لا يهدأ، واعتمد عليه “مانشستر سيتي” طوال هذا الموسم. أيضاً، لا يمكن تجاهل لاعب من طراز تياغو ألكانتارا (بايرن ميونخ)، الذي يماثل بمهاراته مستوى اللاعب الكرواتي لوكا مودريتش، من حيث المبادرة والابتكار وإدارة وجهة اللعب، وإلى جانبه الموهبة الكبيرة ماركو أسانسيو (ريال مدريد). شاب قوي ويرمز إلى مستقبل ريال مدريد ويشارك لأول مرة في البطولة العالمية. وهو يتفاهم تماماً مع زميله في النادي الملكي فرانشسكو إيسكو. هذان الشابان سيشكلان “مفتاح اللعب” لما يتمتعان به من حيوية وحماسة وحضور بدني وتركيز ذهني، وبنضوجهما معاً واكتسابهما الثقة على يد المدرب زين الدين زيدان.

في جعبة لوبتيغوي لاعبا الوسط في أتلتيكو مدريد الشديدان: ساؤول نيغيز وكوكي. يمكنهما الحلول في أي جهة وسط الملعب ومساندة الجناحين، أو التقدم إلى الهجوم وخلق زيادة عددية ضاغطة، أو لعب أدوار الدفاع المبكر. ميولهما إلى الالتحامات البدنية تجعل خط الوسط منيعاً ومحبطاً لخطط الخصم.

اختار لوبتيغوي “الوحش” دييغو كوستا (أتلتيكو مدريد) والقناص إياغو أسباس (سيلتا فيغو) والهداف المتألق رودريغو مورينو (فالنسيا)، لقيادة خط الهجوم الاسباني.

مقابل كل هذه الأسماء لدى إسبانيا لائحة كبيرة من اللاعبين الذين لا يقلون شأناً. لهذا السبب تأخر المدرب في إعلان التشكيلة الأساسية. يكفي أن نذكر لاعبي نادي “تشلسي”: سيسك فابريغاس وماركوس ألونسو وألفارو موراتا وبدرو رودريغيز، أو لوكاس فاسكيز (الريال) أو خوان ماتا (مانشستر يونايتد) ومدافع الأرسنال ناتشو موريال، وسرجيو روبرتو (برشلونة)…

السباق مع الوقت

حيرة المدرب ظهرت يوم الأحد الماضي في نتيجة التعادل (1-1) بالمباراة الودية مع سويسرا. كثرة التبديلات وما سببته من اختلال في التناسق والانسجام، أوقعت الفريق بصدمة هذا التعادل والضعف في الأداء. الوقت يضيق وعلى لوبتيغوي حسم خياراته. الطائرة إلى موسكو على وشك الإقلاع…

ومهما كان، “الماتادور” (مصارع الثيران) الإسباني الهائج سيواجه مجموعة ليست سهلة إطلاقاً. المنتخب المغربي جدي وطموح ويعرف عن قرب الكرة الإسبانية (الجارة الشمالية)، يتمتع بدفاع متماسك، فلم يتلقَّ أي هدف في التصفيات (إنجاز نادر)، ولديه نخبة محترفة من اللاعبين في الأندية الأوروبية. ثم إيران، وعلى رغم اعتبارها من المنتخبات الضعيفة، لكنها غالباً ما تقاتل في المونديال وتسبب المتاعب. المواجهة الأهم بالنسبة إلى إسبانيا هي مع فريق البرتغال، بطل أوروبا في النسخة الأخيرة. رفاق كريستيانو رونالدو هم أفضل كتيبة برتغالية منذ زمن أوسيبيو، هداف مونديال 1966.

أرجحية إسبانيا كبيرة، لأنها “جائعة”… كأس واحدة في تاريخها لا تكفي.